(100) عام من الإخفاق... لماذا تعجز جماعة الإخوان عن تحقيق أهدافها؟

(100) عام من الإخفاق... لماذا تعجز جماعة الإخوان عن تحقيق أهدافها؟

(100) عام من الإخفاق... لماذا تعجز جماعة الإخوان عن تحقيق أهدافها؟


29/05/2025

تقترب جماعة الإخوان من مرور (100) عام على تأسيسها، وقد وضع لها البنا أهدافًا كبرى كان يطمح إلى تحقيقها، فكانت الجماعة في نظره هي من ستعيد الخلافة الإسلامية المنشودة، بعد أن تصل إلى الحكم في كل الدول الإسلامية تباعًا، ثم تحقق الأستاذية على العالم بعد أن تصبح تلك الدولة قوة عظمى، وقد اتخذ البنا خطوات كبيرة في سبيل ذلك، وتوسع بالجماعة حتى صار لها العديد من الفروع في دول كثيرة، وانتشرت الفكرة الإخوانية واستلهمتها حركات مختلفة، وواصلت الجماعة من بعد رحيله انتشارها وامتدت وتوغلت في الشرق والغرب، ووصلت إلى الحكم في بعض الدول، لكنّ كل تجاربها انتهت بتراجع وإخفاق سريع، فلم تستمر دولة إخوانية مدة طويلة من الزمن، ولم تتحقق الخلافة المنشودة، فما السبب في ذلك؟ وهل معيار الإنجاز هو تحقيق الهدف الرئيس للجماعة، أو أنّ لها معيارًا آخر تقيس به نجاحها؟

لما لا تتحقق أهداف الإخوان؟

في رسالة بين الأمس واليوم حدد البنا هدف الجماعة الرئيس، وهو"أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي وتعلن مبادئه القومية وتبلغ دعوته الحكيمة للناس"، وقبل ذلك هناك أهداف مرحلية؛ وهي تكوين الفرد المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم، والحكومة المسلمة.

مؤسس جماعة الإخوان المسلمين: حسن البنا

وهناك أسباب تجعل الجماعة لا تستطيع تحقيق هذا الهدف:

أوّلًا: أنّه يمثل مشروعًا صداميًا:

مشروع البنا يتمثل في إقامة دولة إمبراطورية عالمية عابرة للحدود، لا تعترف بأيّ حكومات غير إسلامية، وترى ضرورة انتزاع الحكم منها ولو بالقوة إذا لزم الأمر، لا تعترف باتفاقيات ولا بسياسات دولية، وتسعى للسيطرة على كامل الوطن الإسلامي واسترداد "المستعمرات الإسلامية"، لا تعترف بالمواطنة، وترفض الأحزاب، وترى نفسها تمثل الحق المطلق الذي لا جدال فيه.

فبالنسبة إلى الأنظمة الحاكمة يقول البنا في رسالة إلى الشباب: "ونحن لا نعترف بأيّ نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام"، ويوضح مواصفات الحكومة الإسلامية فيقول في رسالة التعاليم: "والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام"، ويرى أنّ الواجب على الإخوان انتزاع الحكم ممّن لا تتوافر فيهم هذه الصفات، فيقول في رسالة المؤتمر الخامس: "فالحكم من مناهجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله"، أمّا عن الوسائل، فيرى احتمالية استخدام القوة إذا لزم الأمر، فيقول في الرسالة نفسها: "إنّ الإخوان سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها".

أمّا مع القوى الدولية، فيقول البنا في رسالة إلى الشباب: "ونحن لا نعترف بهذه التقسيمات الدولية ولا نسلم بهذه الاتفاقيات الدولية التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة ممزقة"، بل ذهب البنا أبعد من ذلك حين قرر أنّ من حقه استعادة ما سمّاه "المستعمرات الإسلامية"، فقال في رسالة إلى الشباب: "ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خافقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حينًا من الدهر...، فالأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام".

ومع الأقباط، فالبنا لا يرى أنّ العلاقة مع الأقباط تقوم على أساس المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، ولكن يرى أنّهم أقلّ درجة، فيقول في رسالة التعاليم: "ولا بأس بأن نستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة"، بل يصل الأمر إلى المقاطعة الاقتصادية معهم، فيقول في الرسالة ذاتها: "إنّ إيمانك بهذه البيعة يوجب عليك أداء هذه الواجبات حتى تكون لبنة قوية في البناء... أن تخدم الثروة الإسلامية العامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية، وأن تحرص على القرش فلا يقع في يد غير إسلامية مهما كانت الأحوال، ولا تلبس ولا تأكل إلا من صنع وطنك الإسلامي". 

مع التيارات السياسية يرى البنا عدم جدوى الأحزاب السياسية، وأنّها من أسباب التفرق، ولا يقرّها الإسلام، فيقول في رسالة إلى الطلاب: "وبعد هذا كله أعتقد أنّ الإسلام، وهو دين الوحدة في كل شيء، لا يقرّ نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه".

مشروع البنا يتمثل في إقامة دولة إمبراطورية عالمية عابرة للحدود

ومع المختلفين مع أفكاره عمومًا فإنّه يعتبر أنّ أفكاره ومنهجه تعبّر عن الإسلام الصحيح، ويقول في ذلك: "وإنّما نعلن في وضوح وصراحة أنّ كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهاج ولا يعمل لتحقيقه لا حظّ له في الإسلام، فليبحث له عن فكرة أخرى يدين بها ويعمل لها"؛ كل ذلك يجعل الصدام بالنسبة إلى الجماعة حدثًا متكررًا ومحطة رئيسية تقف بها من وقت إلى آخر، الأمر الذي يمثل عائقًا أمام تحقيق هدفها.

ثانيًا: عدم واقعية الهدف 

فكرة الخلافة وإقامة دولة إمبراطورية عالمية بالشكل الذي تحدث عنه البنا نرى أنّها غير واقعية، وذلك من عدة زوايا؛ فمن ناحية هذا الهدف فإنّه قائم على حديث ضعيف يشير إلى أنّ الأمّة سوف تمرّ بمراحل خمس بدءًا من النبوة ثم الخلافة الراشدة ثم الملك العضوض ثم الحكم الجبري ثم الخلافة على منهاج النبوة، كما أنّ السياسة، كما قال العديد من العلماء من أمور العادات وليس العبادات؛ ففي حين أنّ العبادات تحكمها أحكام قطعية ولا يجوز الاجتهاد فيها، فإنّ العادات تحكمها مبادئ عامة ومقاصد يجب مراعاتها، أمّا التفاصيل فتخضع للاجتهاد البشري، وبالتالي فهو هدف غير مطلوب شرعًا، كما أنّ الإسلام لم يفرض ولم يُشر إلى شكل معيّن للدولة ولا لنظام الحكم، ولكن توجد مقاصد أيًّا كانت طبيعة الحكم، ومن ناحية الواقع العملي فإنّ نموذج الخلافة الراشدة لم يستمرّ إلا (30) عامًا، ثم حدث بعد ذلك نزاع على السلطة، وأحيانًا كان يوجد أكثر من خليفة وأكثر من دولة في الوقت نفسه، أيضًا فإنّ الإخوان أنفسهم فشلوا في تطبيق هذا النموذج داخل الإطار التنظيمي عبر التنظيم الدولي الذي يترك إدارة شؤون وسياسات الإخوان في كل قطر لأصحابه، ولا يستطيع إصدار قرار ملزم لأيّ فرع للإخوان فيما يخص شؤونه المحلية، فكيف ستقيم الجماعة دولة كبرى لها حكومة مركزية وفق النمط المتخيل لديها؟

ثالثًا: تصوّر الجماعة عن معيار النجاح 

الجماعة لديها تصور عن معيار النجاح يتمثل في قدرتها على البقاء والاستمرار والصمود في وجه المحن والأزمات، أيًّا كان الوضع الذي تكون عليه أو الآثار التي تترتب على الأزمة، لذلك لا تهتم بالمراجعة ولا بالنقد الذاتي، وتكتفي فقط بالانتظار حتى تمرّ الأزمة ثم تعاود نشاطها بالكيفية نفسها، ووفق المنطلقات نفسها، وهذا يجعلها لا تستطيع إدراك العيوب الموجودة لديها فضلًا عن إصلاحها، ولا تتدارك الأخطاء التي ارتكبتها وتعالجها، ومن ثمّ تظل في منطقة وسط لا تستطيع تحقيق الإنجاز، ولا تدرك ضرورة التراجع والانسحاب من المشهد، ويظلّ الإخفاق مستمرًا.  




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية