يحدث في إيران: ما دمتِ غير محجبة فأنتِ تستحقين الاغتصاب

يحدث في إيران: ما دمتِ غير محجبة فأنتِ تستحقين الاغتصاب


07/09/2020

"النساء يتعرضن للتحرش والاغتصاب في الغرب لأنهنّ غير محجبات، وبالتالي، هنّ مذنبات"؛ لم تكن هذه الجملة المقتضبة والمباشرة، التي لا تحتمل تأويلاً، سوى أحد التعليقات التي وردت على لسان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي، قبل عامين، على خلفية انتشار حملة "أنا أيضاً"، عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، في نسختها الإيرانية.

وقد فضحت حالات التحرش والاغتصاب التي تتعرض لها النساء؛ إذ إنّ وقائع العنف ضدّ المرأة الإيرانية، تتجاوز مجرد كونها حالات فردية، إلى اعتبارها ظاهرة مريرة، تتوافر فيها كافة الشروط الموضوعية لاستمراريتها، وكذا البيئة المواتية، سياسياً واجتماعياً، لجعل تلك الانتهاكات خارج النقد أو المسائلة، سواء الأخلاقية والقانونية.

حرب السلطة ضدّ المرأة

ولئن صرّح المرشد الأعلى لجمهورية الولي الفقيه، بأنّ التحرش والاغتصاب ينحصران لديه في صورة محددة، تبدو عنصرية ومتشددة، بحسب مرجعيته الأيديولوجية والعقائدية التقليدية، التي تترتب عليها إدانة للمرأة والغرب معاً، فإنّ الملفّ الحقوقي النسوي بإيران، بكافة وقائعه الموثقة في أرشيف الصحافة، وسجلات المنظمات الحقوقية، مروراً بالجهات القانونية الرسمية، يحفل بحوادث مماثلة، ترتكز على المعنى ذاته الذي رسّخه خامنئي، وتسلّل إلى المجتمع، بينما تمارسه وتطبقه بقية الأطراف في السلطة، الأمر الذي وثقته حملة "كاميرتي سلاحي" من خلال مقطع فيديو، ظهر فيه رجل شرطة يوبخ فتاة في قلب الشارع، في طهران، لأنّها غير محجبة، ويقول لها: "ما دمت غير محجبة فأنت تستحقين أن يتم التحرش بك واغتصابك".

وقائع العنف ضدّ المرأة الإيرانية، تتجاوز مجرد كونها حالات فردية، إلى اعتبارها ظاهرة مريرة

المقطع الذي حصد مليون مشاهدة عبر "يوتيوب"، وتمّ تداوله، بشكل واسع، كشف نمط وسلوك التعاطي مع المرأة الإيرانية، بعد عقود من تدشين النظام الديني الشمولي، الذي فرض تصورات راديكالية عن وضع المرأة المتدني وواقعها، والمهمّش في المجتمع؛ حيث تتلاشى في التشادور، ومن ثم، تغطية جسدها، وطمس وجودها، وإلغاء حضورها، بواسطة آليات قمعية عديدة، نجم عنها ضغط وتفكيك المرأة بين خطابات السلطة تارة، والقانون الذي يحدّد مساحاتها وحركتها تارة أخرى، ما جعل من ظهورها الهشّ والضعيف، مرتبطاً بالريبة الخوف والضعف.

آليات الخضوع والهيمنة

وفي ما يبدو أنّ العنف الجنسي، يمثّل أحد الأسلحة التي تستعين بها السلطة في طهران، بغية قمع واضطهاد المرأة، من جهة، واستعادتها إلى دوائر نفوذها، من ناحية أخرى؛ حيث إنّها إذا تخطت تلك المساحة أو الدور المحدّد لها، تكون بذلك قد رفعت الحماية، بصورة تلقائية، عنها، وهو ما ينعكس في عدة حوادث؛ أبرزها حادثة الاغتصاب الجماعي التي وقعت، خلال عام 2011، ضدّ مجموعة من النساء تحت تهديد السلاح، أثناء حضور حفلة، في مدينة "خميني شهر"، بحسب موقع "بي بي سي"، النسخة الفارسية. 

تعرضت 41 فتاة للاختطاف والاغتصاب، حسبما ذكر الإمام محمد طيب ملازهي، والذي كشف عن القضية، للمرة الأولى، أثناء خطبة صلاة العيد، بهدف إحراج المسؤولين الحاضرين

وعلّق الإمام موسى السالمي، على الحادثة بعد انتشار تفاصيلها، بأنّ: "هؤلاء المغتصبات لا يستحقن الثناء.. فقد كان اثنان من المحتفلين أقارب.. لقد جاؤوا إلى بلدتنا للاحتفال واستفزاز الآخرين (يقصد المغتصبين) عن طريق شرب الخمر والرقص"، كما جاء تعقيب مماثل من قائد الشرطة بالمدينة، حسين ياردوستي، الذي صرّح قائلاً: "لو ارتدت الفتيات ملابس مناسبة، ولو لم يكن صوت الموسيقى مرتفعاً، لما اعتقد المغتصب أنّ مجوناً يدور هناك".

اقرأ أيضاً: إيرانيات يخرجن عن صمتهن ويروين تفاصيل صادمة حول تعرّضهن للتحرّش والاغتصاب

قبل أيام قليلة، شهدت منصة التواصل الاجتماعي "تويتر" نشاطاً واسعاً، وتغريدات عديدة، لعدد من الفتيات بإيران، يتحدثن عن تجاربهن مع الاغتصاب والتحرش الجنسي، ما سبّب موجة هائلة من التفاعل بين الناشطين، وأضحى وسم "rape" (الاغتصاب)، الأكثر تداولاً لعدة ساعات، منذ انطلاق الحملة والتغريدات؛ حيث تمّ الكشف عن تورّط عدد من النخبة، وكذا رجال السلطة، إضافة إلى توضيح الأماكن التي وقعت فيها تلك الانتهاكات، ومن بينها الأضرحة الدينية، والأماكن العامة.

توثيق العنف الجنسي

وبحسب موقع راديو "فردا"، روى ناشطون في تغريداتهم عبر "تويتر"؛ أنّ ثمة شخصية مشهورة في إيران اغتصبت عدداً من الناس، بينما كشفت صحفية تعرّضها للتحرش الجنسي بواسطة أحد أشهر الرسامين، في طهران، والذي سبق أن ارتبط اسمه بقضايا عنف جنسي ضدّ تلاميذه، كما جاءت شهادات أخرى متباينة من طالبات اتهمن إحدى المعلمات بالاعتداء الجنسي عليهنّ".

ولم تستثنِ الروايات والسرديات المتصلة بالعنف الجنسي الرجال، كما يشير الموقع الإيراني المعارض؛ إذ وردت شهادات عن جرائم تحرش واغتصاب ضدّ بعض الرجال، وذلك أثناء تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية، لمدة عامين، من جانب رؤسائهم، أو جنود آخرين بالمؤسسة العسكرية.

اقرأ أيضاً: حملات ضحايا التحرش والاغتصاب.. هل تحرك "المسكوت عنه"؟

اللافت أنّ المحاكم الإيرانية تقضي بعقوبة النساء في حالة التصدي لهذه الانتهاكات، أثناء الدفاع عن أنفسهن، ومواجهة المغتصب أو المتحرش، كما يوضح الباحث العراقي، المتخصص في الشأن الإيراني، عبد القادر الجنابي، مضيفاً لـ "حفريات": "في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2014، نفذ حكم الإعدم ضدّ ريحانة جباري، التي لم يتجاوز عمرها 26 ربيعاً؛ لاتهامها بقتل شخص حاول اغتصابها، وهو عميل سابق بالمخابرات الإيرانية، والأمر ذاته، حدث نهاية العام الماضي، مع فتاة أخرى في الأحواز، جنوب غرب إيران، للأسباب والملابسات نفسها".

اقرأ أيضاً: اغتصاب طفل سوري في لبنان.. هل تنجح مواقع التواصل في اختبار الإنسانية؟

وعليه؛ فإنّ القانون والمجتمع والسلطة في إيران، خلقوا طبقة سميكة لعزل المرأة، كما جعلها منبوذة، في ظلّ الشكوك التي تتراكم حولها طوال الوقت، بفعل الخطاب الديني المؤدلج سياسياً، حسبما يشير الباحث العراقي، ما تسبّب في زيادة معدلات التحرش والاغتصاب، وقد جاءت الحملة لترفع الغطاء عن المستور فقط.

ويردف: "في النصف الثاني من عام 2018، وقعت حادثة اغتصاب صعبة، في مدينة إيرانشهر، التابعة لإقليم سيستان بلوشستان، وغالبيته من السنّة؛ حيث تعرضت 41 فتاة للاختطاف والاغتصاب، وتصدى لهذه الواقعة التي ضجّ بها مجتمع الأقليات العرب والسنّة في الأحواز، الإمام محمد طيب ملازهي، والذي كشف، بدوره، عن القضية، للمرة الأولى، أثناء خطبة صلاة العيد، بغية إحراج المسؤولين الحاضرين للصلاة، ولم يتوانَ الإمام عن تحديد هوية المتهمين؛ حيث ألمح إلى ارتباطهم بالسلطة، وقال حرفياً: إنّ "المعتدين من أبناء أسر تتمتع بالنفوذ والسلطة، ورغم ما يتمتعون به من نفوذ فإنّهم ليسوا سوى مجموعة من الغوغائيين".

الاغتصاب والتحرش كأدوات سياسية

وإلى ذلك، أوضحت الباحثة الإيرانية، في منظمة العفو الدولية، رها بحريني، أنّ ضابط أمن إيرانياً، بزيّ مدني، اغتصب إحدى النساء المعتقلات خلال الاحتجاجات الأخيرة في طهران، بيد أنّها وصفت هذه الانتهاكات، باعتبارها "دليلاً على التعذيب" الحاصل في السجون الإيرانية، موضحة أنّ "هذه المرأة تعرضت خلال فترة اعتقالها لضغوط من أجل ممارسة الجنس مع ضابط الأمن".

المحاكم الإيرانية تقضي بعقوبة النساء في حالة التصدي لهذه الانتهاكات، أثناء الدفاع عن أنفسهن، ومواجهة المغتصب أو المتحرش

ودانت الباحثة الإيرانية في المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان تجاهل المسؤولين في النظام الإيراني للموضوع المذكور؛ الأمر الذي تسبّب في عدم مقدرة الفتيات اللواتي تعرضن للعنف الجنسي، على فضح تلك الممارسات والانتهاكات المتكررة، على خلفية الأجواء الأمنية القمعية.

اقرأ أيضاً: ناشطات يمنيات يواجهن التعذيب والاغتصاب في سجون الحوثي

وفي مطلع العام الحالي؛ نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً حول الاحتجاجات التي اندلعت في إيران، وذلك إثر إسقاط الطائرة الأوكرانية من قبل الحرس الثوري؛ حيث أعلنت توثيقها لواقعة عنف جنسي ضدّ إمرأة واحدة على الأقل، من جانب عناصر القوات الأمنية الإيرانية الذين كانوا يرتدون ملابس مدنية، إضافة إلى استخدامهم الرصاص الحيّ، ورصاص الصيد، والغاز المسيل للدموع ، وينفّذون اعتقالاً تعسفياً للعشرات من المحتجين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية