وزير خارجية مصر الأسبق عرابي لـ"حفريات": تركيا طلبت انضمام مصر إلى التحالف ضد نظام القذافي وهذا كان ردّنا‎

وزير خارجية مصر الأسبق عرابي لـ"حفريات": تركيا طلبت انضمام مصر إلى التحالف ضد نظام القذافي وهذا كان ردّنا‎


23/07/2020

أجرى الحوار: رامي شفيق

قال وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، إنّ 2011 كان عام التحولات في المنطقة العربية، وشهد جملة من الاضطرابات التي مازالت تداعياتها تهيمن على حاضر ومستقبل الشرق الأوسط، مؤكداً، في حواره مع "حفريات" أنّ تلك الأوضاع "هيأت جملة من الظروف، غذّت أطماع تركيا وإيران في الشرق الأوسطـ على خلفية الفراغ الاستراتيجي الذي نتج عن سقوط بغداد ودمشق ومعاناة القاهرة؛ بغية البحث عن استقرار سياسي".

 

الدول العربية تفتقد بشدة لبلورة استراتيجية واضحة ومحددة لمواجهة تدخلات وتهديدات أنقرة وطهران

ولفت عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، إلى ما وصفه بـ "انتفاخ شهية تركيا وإيران من أجل السيطرة على ثروات المنطقة"، لافتاً إلى أنّ التحركات التركية في المنطقة، تسعى نحو مواصلة استفزاز مصر واستهدافها، "لأنّ القاهرة هي من أوقفت الزحف الإخواني أبرز الأدوات التركية".

واستدرك العرابي بقوله: "أوهام استرجاع الماضي التي تحرك أردوغان لا محل لها، وفي المستقبل القريب سيدرك الشعب التركي أنّ هذا الرجل لم يعمل يوماً من أجل صالحه".

وهنا نص الحوار:

تداعيات "الربيع العربي"

تسلمتم حقيبة الخارجية في العام 2011 عندما كانت ليبيا ترزح تحت تهديد متعاظم، كيف كانت القاهرة تنظر إلى أوضاع الجار الاستراتيجي؟ وما هي توصيات الخارجية المصرية آنذاك؟

مَثّل العام ٢٠١١ لحظة مفصلية شديدة الحساسية عليا للمنطقة العربية عموماً، وعلى مصر بصفة خاصة؛ إذ انعكست أوضاع الاضطراب الداخلي في مصر على سياستها الخارجية، فكان من المهم الابتعاد بقدر الإمكان عن أيّ مواقف تخص قضايا إقليمية، يمكن أن تساعد على تأجيج الأوضاع الداخلية في البلاد، وكانت إدارة الدولة تقتضي قدراً متعاظماً من الحكمة والتوازن في ظل هذه المعطيات الحرجة.

 

كان ينبغي علينا في العام 2011 عدم ترك الأمور تتفاقم في ليبيا إلى هذه الدرجة

وعلى ضوء ذلك كانت الأوضاع في ليبيا تسير في مسار خطير، وقادت تركيا ومعها قطر حملة عسكرية شاركت فيها طائرات غربية من حلف الأطلنطي، ضد نظام القذافي، وكانت القاهرة ترقب الوضع جيداً، خاصة فيما يتعلق بحماية الجالية المصرية هناك.

صراحة، كان ينبغي علينا التدخل بطريقة وعدم ترك الأمور تتفاقم وتسوء إلى هذه الدرجة، فإطالة أمد الصراع ينتج عنه دوماً مضاعفات شديدة الخطورة، يتعقد معها مسار الحلول الأولية، كما الوضع الآن في سوريا واليمن وليبيا.

وهل طلبت تركيا تدخلاً مصرياً آنذاك؟

نعم، وأتذكر تلك اللحظات التي زار فيها القاهرة، أحمد داود أوغلو، وزير خارجية تركيا الأسبق، وطلب أن تنضم مصر إلى التحالف الذي يعمل ضد نظام القذافي، وكان ردنا أنّ القرار يخص الشعب الليبي، وأنّنا ضد التدخل في شؤون الآخرين.

في ظل الواقع الحالي، هل لدى الدول العربية استراتيجية واضحة ومحددة لمواجهة أطماع أنقرة وطهران؟ 

 القوي الإقليمية لديها شهية متزايدة للتدخل في شؤون دول المنطقة، وسجلات التاريخ تشي أنّ إيران كانت تتبنى وتعتمد سياسة التدخل الخشن، بينما اعتمدت تركيا سياسات التدخل الناعم، وتبنت مبدأ "صفر مشاكل" في سياستها الخارجية، حتى وصلت مع حزب العدالة والتنمية، وسياسات، رجب طيب أردوغان، الآن إلى عسكرة سياستها الخارجية.

 

محمد مرسي رفض ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان إرضاء لتركيا وحليفه أردوغان

الدول العربية تفتقد بشدة لبلورة استراتيجية واضحة ومحددة؛ لمواجهة هذه التدخلات والتهديدات، التي تمددت على نزيف الجغرافيا الساخن، في بؤر شديدة الحساسية بمنطق الجغرافيا السياسية والرؤى الاستراتيجية، وعلى ضوء ذلك لا نستطيع أن نتلمس المواقف العربية، التي عليها ضرورة حتمية نحو مواكبة خطورة التحديات الراهنة، وتداعياتها القادمة.

وفق دروس التاريخ وحقائق الجغرافيا، كيف تصف طبيعة التدخل التركي في الشرق الأوسط؟

لا شك أنّ تركيا دولة مهمة في المنطقة، وبحكم التاريخ والجغرافيا كانت نسقا مستقراً في صياغة عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وجزءاً من الاستراتيجية الأمريكية في صد التمدد السوفيتي، بحكم موقعها الجغرافي، بيد أنّ ظروف العقد الأخير وتحولاته في الداخل التركي، وكذلك الوضع الإقليمي والدولي، منح تركيا مساحة من هامش المناورة، نحو كثير من المواقف والقضايا، استناداً إلى رؤية السياسة الخارجية التركية، وتقبل فكرة اللطمات من أجل مكاسب في لحظات أخرى، والاعتماد على المنافع والمصالح في رسم سياساتها، من خلال نسج علاقات اقتصادية وتجارية مع دول المنطقة، ومن بينها عدد من الدول العربية.

كما إنّها تملك نهجاً واضحاً للابتزاز وإدارة أوراق الضغط، كما حدث مع عدد من الدول الأوروبية التي وقعت فريسة لورقة المهاجرين واللاجئين، الذي تستعملها تركيا في التعامل معهم .

 في المقابل تعتمد سياسة القاهرة الخارجية، على رؤى استراتيجية واضحة، من خلال مراحل تكتيكية محددة، نابعة من تاريخها وواقعها وموقعها الجغرافي.

أردوغان وتوظيف الإخوان المسلمين

لكن يرى كثيرون أنّ سياسات أردوغان، تعكس حلم بعث العثمانية الجديدة بتوظيف الانتماء الأيديولوجي لجماعات الإسلام السياسي؟

لا يمكن التدقيق في تحركات أنقرة في اليوم من خلال سياسات، أردوغان، بمعزل عن الظروف والسياقات التي مهدت له الطريق نحو قيادة تركيا، مرة في العام 2003، وأخرى مع الانفراد بحكم تركيا من خلال تنميطها بالنظام الرئاسي.

 

تركيا طلبت من مصر الانضمام للتحالف ضد نظام القذافي وكان ردنا أنّ القرار يخص الشعب الليبي

تركيا تتحرك نحو صياغة وضع إقليمي مغاير، يتمركز حول الاستيلاء على ثروات المنطقة، وتمكين قوى الإسلام السياسي، بيد أنّ ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 صنعت حائط صد أمام تلك الأطماع، ففي لحظة تواجد الرئيس الإخواني محمد مرسي على كرسي الحكم في مصر، رفض ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان، وذلك إرضاء لتركيا وحليفه أردوغان.

وماذا عن شخصية أردوغان نفسه؟

الأثر الواضح لنمط شخصية، رجب طيب أردوغان، انعكس على سياسات تركيا الخارجية، التي تتصف الآن بإثارة المشاكل والأزمات في نقاط عديدة، وذلك بتبريرات زائفة تُقدَّم للداخل التركي، ولكنها في حقيقة الأمر تخاصم المصالح العليا لتركيا، فبعد أن كانت سياستها "صفر مشاكل"، أصبحت الآن "صفر سلام" مع الجميع.

ومن واقع خبرتي السياسية والدبلوماسية، فإنّ أوهام استرجاع الماضي لا محل لها، وفي المستقبل القريب سيدرك الشعب التركي أنّ أردوغان لم يعمل يوماً من أجل صالحه، فقد قضى من خلال أزماته وصراعاته خلال السنوات الأخيرة، على كل احتمالات انضمامه للاتحاد الأوربي بمنتهى الرعونة، وأضحى يتحرك بخطوات ثابتة نحو الفشل.

تأثيرات جائحة كورونا السياسية

مع انتشار فيروس كورونا وتداعياته السياسية والاقتصادية، بدا للبعض أنّ ثمة تهيئة لصياغة نظام عالمي جديد، ما أثر ذلك على ترتيبات الشرق الأوسط؟

يستقر في تقديري أنّ جائحة كورونا لم تترك أيّ آثر أخلاقي على سياسات العالم، ربما لأنّ السياسة ومصالح الدول لا تعترف بذلك من الأساس، فالمصالح والدوائر السياسية تتقاطع في كل حين نحو تحقيق الأهداف، رغم أيّ خلافات.

 

في المستقبل القريب سيدرك الشعب التركي أنّ أردوغان لم يعمل يوماً من أجل صالحه

هذا الأمر يمكن أن تلتقطه في مسألة التنسيق بين طهران وأنقرة في الملفات المشتركة، خاصة في اليمن، إذ تطمع أنقرة في التواجد على تخوم البحر الأحمر؛ لربط تواجدها في القرن الإفريقي وعلى ساحل البحر الأحمر، ما يمنحها أوراق ضغط على القاهرة، وعبر ذلك نستطيع أن نقرأ زيارة رئيس الوزراء اليمني للقاهرة، واجتماعه بالرئيس، عبدالفتاح السيسي.

نحن أمام لحظة مهمة وفارقة في حاضر ومستقبل المنطقة، في عصر لن يعترف سوى بسياسة فرض الأمر الواقع، وهو الأمر الذي تدركه القاهرة جيداً، وتعمل عليه عبر مناطق الصراع ونقاط المواجهة، لكن دون ضجيج أو صراخ، استناداً إلى الرؤى الاستراتيجية التي تتبعها، وتعمل بدأب على تحقيقها وتنفيذها بروية.

الصمت الأمريكي والتمدد الروسي

السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط اتسمت مع ترامب بالابتعاد عن الاشتباك والتفاعل المباشر. في تقديركم ما الدافع نحو ذلك؟

سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لازالت قائمة، ولكنها اتسمت في عهد، دونالد ترامب، بنمط عدم الانخراط الكامل، أو عدم التدخل المباشر، بمعنى أنّ واشنطن اتخذت قرارها بعدم ارسال جنودها للمنطقة، ولكن واشنطن ما زالت داخل أحداث الشرق الاوسط، فلازالت تعمل من أجل أمن اسرائيل، ومواجهة التواجد الروسي، والعمل بجدية نحو الحد من قدرات إيران، والسعي نحو تطويقها وتطويعها، ومراقبة تطورات المشاكل المزمنة بالمنطقة.

السياسة الأمريكية لا يمكنها الابتعاد عن الشرق الأوسط كلية، غير أنّها تعتمد حالياً على سياق الاقتراب والاحتواء بدون تكلفة عالية عبر وكلائها الإقليميين.

على وقع ذلك التراجع، تؤدي روسيا أدواراً سياسية متعددة في الأزمتين السورية والليبية..كيف يمكن قراءة المسافة التي تفصل بين الدور والوظيفة في هذه الملفات؟

من الصعوبة بمكان تجاهل دور القوى الدولية في مناطق الصراع داخل الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، حتى وإن بدت في بعض اللحظات بعيدة عن نقاط التأثير ومفاعيل المتغيرات.

 

السياسة الأمريكية لا يمكنها الابتعاد عن الشرق الأوسط كلية غير أنّها تعتمد حالياً الاقتراب والاحتواء بدون تكلفة

من ناحية موسكو وتحركاتها في منطقة الشرق الأوسط، ينبغي علينا أن نعي تماماً المسافة الفاصلة بين حقيقة ودوافع وتصورات الدور الروسي في ليبيا، والذي يختلف تماماً عن حقيقة حضوره وآثره الصراع على الأراضي السورية، فالتحرك الروسي يستند دوماً الى أسلوب القنص، بمعنى قدرته على ترك الأمور تتفاعل من خلال الأحداث، وأمام عينيه، وفي لحظة محددة، ومن خلال تقديره، يتحرك بوثبة الانقضاض؛ ليؤكد أنّه أصل المعادلة.

مواجهة الأطماع التركية في ليبيا

كيف تقرأ التحركات التركية في اليمن وليبيا والسودان على مصر؟

من المؤكد أنّ كافة أهداف التحركات التركية في المنطقة، تسعى نحو مواصلة استفزاز مصر واستهدافها، لأنّ القاهرة في حقيقة الأمر هي من أوقف الزحف الإخواني، أبرز الأدوات التركية، والعجيب أنّ أنقرة حتى اللحظة لا تريد استيعاب أنّ زمن الاخوان في الحكم قد ولى، وأنّها لن تستطيع تحقيق أهدافها بفرض الإسلام السياسي، وأنّ مواصلة المغازلة بورقة الدين وتسييسه، أمر لن يجدي نفعاً.

 التطورات الأخيرة في ملف الأزمة الليبية، تمثل قفزة استراتيجية في السياسة التركية؛ بهدف الوصول الى أطماعها في المنطقة، ولكن ستظل مصر عقبة أمامها، ولن تنجح في مآربها.

فسر كثيرون تطورات الأزمة الليبية باحتمالات المواجهة العسكرية المباشرة، هل تتفق مع هذا التوقع؟

قد يكون ذلك مستبعداً، فالرسالة المصرية، التي عمل الرئيس السيسي على تكريس حضورها السياسي والميداني خلال الفترة الأخيرة، كانت قوية وحازمة، فضلاً عن أن تورط أردوغان، في أكثر من ملف، والغوص عميقاً في الرمال الليبية يدفع نحو لحظة غرق حتمية يصعب الخروج منها.

من يقدم نفسه باعتباره يرعى الحركات الإرهابية، ويدعم تحركاتهم وأنشطتهم في ليبيا، عليه أن يدرك جيداً، أنّ لحظة الحصاد، ودفع الأثمان الباهظة نتيجة تلك السياسات ستأتي قريباً.

ماذا بالنسبة لمقاربة الأمن القومي العربي، في ضوء دراسة الموقف التونسي والجزائري، ودور حركة النهضة في تونس؟

مفهوم الأمن القومي العربي يئن في تلك اللحظة؛ جراء التهديدات التي تواجهها دول المنطقة، وأيّ مقاربة للأمن القومي العربي في نطاق الأخطار المحدقة، تتطلب البحث عن محددات متفق عليها.

 

من يرعى الحركات الإرهابية في ليبيا عليه أن يدرك جيداً أنّ لحظة دفع الأثمان الباهظة ستأتي قريباً

لا ريب أنّ المشروع الإخواني المدعوم من تركيا وقطر، يمثل أحد التحديات الخطيرة على حاضر ومستقبل المنطقة، بما يتبدى من توظيفه ضد محددات الأمن القومي العربي، وتوجيه تلك الجماعة، وضغط أطرافها ضد مصالح دولها الاستراتيجية، وهو الأمر الذي نجده واضحاً في ممارسات حركة النهضة في تونس، وعملها ضد مصالح الدولة التونسية، ومن خلال ذلك هناك صعوبة في القبض على موقف موحد في هذا الشأن، يمكننا الاستناد إليه، أو الحديث عن مفرداته وماهيّته في مجابهة الأخطار .



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية