واقع ديموغرافي جديد... مناطق سورية تفقد هويتها.. كيف؟

واقع ديموغرافي جديد... مناطق سورية تفقد هويتها.. كيف؟


20/04/2022

فرضت الحروب في سوريا والاحتلال الإيراني لبعض مناطقها وفرض هيمنتها عليها بوساطة ميليشيات إرهابية أتت بها من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان تابعة لها، فرضت واقعاً ديموغرافياً جديداً، وتغييراً في هوية بعض المناطق.

ووفقاً لصحيفة "الشرق الأوسط"، ففي ريف العاصمة الجنوبي، بالنسبة إلى كثير من السوريين، تبدو مدينة "السيدة زينب" الواقعة على بعد (7) كيلومترات جنوب دمشق، والتي يوجد فيها مزار "السيدة زينب" الذي يؤمّه آلاف "الزوار" من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، تبدو كأنّها خارج الأراضي السورية، ولم يعد هناك ما يربطها بالبلاد، إلا بقايا من أهلها والنازحين من أهالي الجولان الذين وفدوا إليها بعد نكسة حزيران (يونيو) عام 1967، إضافة إلى من توافدوا إليها خلال أعوام الحرب من قريتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب، وسكنوا إلى جانب السوريين فيها.

مدينة "السيدة زينب" لم يعد هناك ما يربطها بسوريا، وأصبحت كأنّها خارج أراضيها، باستثناء بقايا من أهلها والنازحين

والتطور الجديد الذي طرأ على المدينة بعد اندلاع الحرب هو توافد المقاتلين الأجانب الذين "حرروا" المدينة من فصائل المعارضة المسلحة التي سيطرت عليها لعامين (منذ بدء الأحداث في 2011 حتى بداية عام 2013). وبالنسبة إلى أطراف الحرب كانت المدينة "رمزاً" بكلّ ما تعنيه الكلمة، فالمقاتلون الأجانب الذين توافدوا عليها من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، وعملوا تحت إمرة إيران، الحليف الرئيسي لدمشق، جاؤوا حينها لنصرة "زينب"، عليها السلام، بينما اعتقد مقاتلو فصائل المعارضة المسلحة أنّ تحرير المدينة هو مقدّمة لتحرير جنوب دمشق.

وإذا كان هذا الصراع قد أصبح من الماضي، فإنّ المواطنين في المدينة اعتادوا مشهد إغلاق المدينة من قبل أصحاب النفوذ وتقسيمها إلى مناطق نفوذ فيما بينهم بالكتل الإسمنتية والحواجز، وكذلك مشهد المجموعات المسلحة التي تراجع انتشارها في الشوارع ظاهرياً، في حين بات الأهالي يهمسون بالصراعات الدائرة بين أصحاب النفوذ والحواجز من جهة، والجهات الأمنية السورية من جهة ثانية، وفق ما تحدثت به مصادر محلية.

قادة مجموعات المقاتلين الأجانب اشتروا كثيراً من المحال التجارية في السيدة زينب، طمعاً في إيراداتها المالية الضخمة

ورغم مرور أعوام على استعادة الجيش الحكومي والميليشيات الإيرانية السيطرة على المدينة من فصائل المعارضة المسلحة، فإنّ أحاديث الأهالي تشير إلى أنّ المقاتلين الأجانب يقومون بإجراءات تمنع أصحاب المحال التجارية الذين غادروا المدينة من العودة إلى أسواقها.

وتتحدث المصادر أيضاً عن أنّ قادة مجموعات المقاتلين الأجانب اشتروا كثيراً من المحال التجارية في تلك الأسواق، ويسعون إلى شراء المزيد طمعاً في إيراداتها المالية الضخمة، خصوصاً أنّ مدينة "السيدة زينب" تعدّ من أهم (4) مدن شيعية في العالم، بعد النجف وكربلاء العراقيتين ومشهد الإيرانية، ويصل إيجار المحل سنوياً فيها إلى ما بين (10) ملايين و(20) مليون ليرة سورية (الدولار الأمريكي يساوي حالياً نحو (4) آلاف ليرة سورية)، بينما يبلغ عدد المحال التجارية فيها أكثر (500) محل، أكثر من نصفها مغلق.

جرى تحويل كثير من الأبنية ذات الطوابق والمساحات الكبيرة من منازل سكنية إلى فنادق

وأكثر ما يدلّ على عمليات شراء العقارات من قبل المقاتلين الأجانب هو التغيير في توصيف المباني السكنية بالمدينة، فقد جرى تحويل كثير من الأبنية ذات الطوابق والمساحات الكبيرة من منازل سكنية إلى فنادق بعد إجراء ترميمات عليها، وباتت الجادات الفرعية تضم الواحدة منها فندقاً أو اثنين لإيواء "الزوار" والمقاتلين الأجانب.

وبحسب المصادر، فإنّ هذه المنازل اشتراها قادة مجموعات مقاتلة أجنبية بمبالغ طائلة، وحوّلوها إلى فنادق، وعددها ما بين (40 و50) فندقاً، إضافة إلى شرائهم عدداً كبيراً من البيوت السكنية الصغيرة، ليتداخل في المدينة نشاط أمراء الحرب المشبوه بنشاط ما بعد النزاع والسيطرة على المقدرات الاقتصادية للمدينة.

لكنّ خبراء مطلعين يشيرون إلى أحاديث عن شراء إيران، عبر شبكات من المؤسسات وتجار العقارات وبنوك إيرانية، عقارات ومنازل ومحال تجارية وفنادق في المدينة القديمة، تصل مساحتها إلى "نحو ثلث مساحة المدينة"، مع مواصلة الجهود لشراء المزيد.

إيران دفعت بنفوذها من جنوب البلاد ودمشق، باتجاه حمص والبادية الشرقية ودير الزور والحسكة للابتعاد عن الضربات الإسرائيلية، والضغط على الوجود الأمريكي

وبعدما لوحظ منذ أشهر عدة أنّ إيران، تحت وطأة الضربات الإسرائيلية لقواعدها ومقارها في أطراف دمشق ومحيطها والضغط الروسي عليها، راحت تدفع بنفوذها من جنوب البلاد (محافظتا درعا والقنيطرة) ودمشق ومحيطها، باتجاه وسط البلاد (محافظة حمص والبادية الشرقية) وشرقها (محافظة دير الزور) وشمالها الشرقي (محافظة الحسكة) للضغط على الوجود الأمريكي هناك. ويرجح مراقبون أن تعيد إيران نفوذها إلى المناطق التي انكفأت منها، مع انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، وقيام طهران بعملية ملء الفراغ الروسي في سوريا.

مجتمعياً، تشكّلَ خليط غير متجانس من بقايا سكان المدينة الأصليين، والجولانيين، والإدلبيين النازحين، واللاجئين الفلسطينيين، والمقاتلين الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين والباكستانيين والأفغان.

وهذا دليل حي على أنّ هناك مخططات فعلية لتغيير تركيبة تلك المناطق، لكي تصبح أشبه بمدنية ايرانية داخل الأراضي السورية، وللأسف نجحت طهران في مساعيها، ومن الصعب الآن تغيير الواقع الديموغرافي الذي فرض عليها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية