الأردن وعودة المقاتلين الأجانب.. اتجاهات وسيناريوهات خطيرة

الأردن وعودة المقاتلين الأجانب.. اتجاهات وسيناريوهات خطيرة


24/01/2019

أصبحت ظاهرة  "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" في سوريا والعراق مشكلة عالمية تواجه الأمن العالمي بالنظر إلى أعدادهم الكبيرة، والتي تقدّر -حسب مصادر رسمية وخاصة- بحوالي 40 ألف مقاتل، منتشرين في أكثر من 120 دولة في العالم.
ومع بداية العام 2019، برزت مشكلة أخرى لهؤلاء تتمثّل بإمكانية العودة القسرية إلى بلادهم بضغط من الأمم المتحدة والولايات المتحدة، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انسحاب قواته من سوريا، إضافة لاتصالات الإدارة الأمريكية مع الدول المصدرة للمقاتلين لاستعادتهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة.

أدت تفجيرات الفنادق في عمان أواخر 2005 إلى مراجعات في الإستراتيجية الأمنية المعتمدة في مواجهة القاعدة والتنظيمات الإسلامية

في الأردن؛ تشير "تقديرات رسمية" إلى أنّ ملف العائدين الأردنيين من تنظيم داعش الإرهابي والتنظيمات المسلحة الأخرى يشكل أكثر السيناريوهات خطراً على أمن الأردن، وأكبر تحدٍ للأجهزة الأمنية والمجتمع.
وفي استطلاع لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية نشر في الصحف المحلية في الأول من تشرين الأول (نوفمبر) للعام 2014، أظهرت النتائج أنّ 7% من الأردنيين يؤيدون التنظيمات الإرهابية مثل؛ داعش والنصرة والقاعدة، علماً بأن تقديرات تشير إلى أنّ دعم داعش يتراوح بين 2-5% في معظم المجتمعات العربية".

اقرأ أيضاً: مواجهة التطرف العنيف في الأردن.. هل من جديد؟
ورغم هذه النسبة المنخفضة، إلّا أنّ خطورة  إرهاب داعش في الأردن، يظل كابوساً للأجهزة الأمنية والدولة والمجتمع. وباحتمالية عودة المقاتلين الأردنيين المنضمين لداعش من سوريا والعراق، فإنّ التحدي وخطر الإرهاب سيكون أكبر.
ونشير هنا إلى أنّ "النموذج الأردني" في مكافحة إرهاب تنظيم داعش دقيق جداً، رغم ما قد يبدو للبعض أنه متساهل. والأجهزة الأمنية الأردنية معروفة باعتماد "المصادر الاستخبارية البشرية" بشكلٍ كبير في عملية المتابعة الاستخبارية.
وتعتمد المقاربة الأردنية في مكافحة التطرف العنيف والإرهاب، مقاربة وقائية بشكل عام، تمزج بين الأساليب الناعمة والصلبة بشكلٍ متوازن. 

اقرأ أيضاً: هل يتجاوز إخوان الأردن الجدد عبء الاسم التاريخي؟
لكن لا بد من الإشارة إلى أنه يتم التركيز على الأفراد، وليس هناك جهد مجتمعي منظّم لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وخطاب الكراهية؛ حيث يتم تتبع ومراقبة الأفراد الذين يبدو عليهم التطرف في المجتمع والعمل بهدوء وصبر عبر وسائل مختلفة لاحتوائهم وإضعافهم، وبنفس الوقت مع عدم السماح بتجاوز الخطوط الحمراء. ويدرك المتابعون لظاهرة التطرف العنيف والإرهاب أنّ هذه المقاربة لا زالت هي السائدة في الأردن ولم يتغير عليها الكثير.
يعتمد الأردن منهجية مركزة جداً تستهدف الضالعين في العمل الإرهابي أو التطرف العنيف ولا يعتمد الاعتقالات والعقاب الجماعي للمتهمين بالعمليات الإرهابية.

تشير تقديرات رسمية إلى أنّ ملف العائدين الأردنيين من تنظيم داعش والتنظيمات المسلحة الأخرى يشكل خطراً على أمن الأردن

ولقد أدت تفجيرات الفنادق في عمان أواخر العام 2005، التي نفذتها جماعة الزرقاوي، إلى مراجعات في الاستراتيجية الأمنية المعتمدة في مواجهة القاعدة والتنظيمات الإسلامية التي تدور في فلكها، من خلال ملاحقة القاعدة وأعضائها قبل وصولهم  الى داخل الأردن فتمّ تبني مفهوم الضربات الوقائية.
ويركز الأردن الآن على مسألة كيفية التعامل مع المقاتلين الجهاديين الأردنيين في العراق وسوريا بشكلٍ خاص وكيفية التعامل معهم خاصة بعد الهزيمة العسكرية لداعش في العراق وسوريا.
ورغم التفاوت في الأرقام الإحصائية الدقيقة (وهي مسألة تواجه الخبراء المشتغلين على رصد الظاهرة في كافة الدول)، فقد قدّر بعض المحللين في بداية العام 2015 عدد الأردنيين المؤيدين لتنظيم داعش والجماعات الجهادية الأخرى -بدون تحديد- بحوالي 9000 إلى 10000 مؤيد، بما في ذلك حوالي 2000 مقاتل ذهبوا للقتال في سوريا. قتل منهم حوالي 400، وعاد منهم حوالي 300 شخص.

اقرأ أيضاً: المساجد.. هل هي أماكن للعبادة فقط؟ الأردن نموذجاً
وفيما قدرت "مجموعة صوفان الأمريكية للدراسات" لعام 2017، عدد الأردنيين المنضمين لصفوف داعش في سوريا والعراق بـ3000 مقاتل، فيما انضم البقية لجبهة النصرة؛ فإنّ الأجهزة الأمنية الأردنية تؤكد أن الرقم أقل من ذلك، وأنه لا يتجاوز 1250 مقاتلاً فقط.
ومنذ العام 2014، أحالت الأجهزة الأمنية إلى القضاء 675 شخصاً، ممن ينتسبون إلى تنظيمات إرهابية، أو يروّجون لها، تحديداً من تنظيم "داعش".
هذا ولا بد من الإشارة إلى أنّ العديد من المقاتلين (الجهاديين) الأردنيين في سوريا والعراق قد ذهبوا لدوافع متنوعة ومختلفة، تتراوح بين أسباب أيديولوجية، وأخرى اقتصادية، وبعضها بسبب الخلاف مع الحكومة، أو الشعور بعدم المساواة، كما أنّ قرب الحدود السورية والمنظمات الإرهابية كان عاملاً مشجعاً، كما اندفع بعضهم بسبب الشعور بالولاء للجماعات السنية  ضد الجماعات الشيعية  في سوريا والعراق، والسياسات الحكومية العلمانية.

اقرأ أيضاً: الأردن يعرض اعترافات خلية إرهابية
لكن يبقى هناك انعدام لوجود "نظرية متماسكة" يمكن أن تُفسر سبب انضمام أردنيين لتنظيم داعش خارج الأردن أو داخله.
وفي ظل وجود هؤلاء المقاتلين واحتمالية عودتهم بسبب الضغوطات الأمريكية والأممية، فإن الدولة وأجهزتها الأمنية ستعاني جداً حال عودة هؤلاء، رغم أنه ليس هناك إحصائيات موثوقة حول عدد العائدين، بسبب أن بعضهم قد يعود بطريق غير مشروعة كالتهريب من خلال الحدود بين الأردن وسوريا والعراق.

اقرأ أيضاً: الأردن يكشف الحصيلة النهائية لعملية السلط
ولذلك فإنّ التحدي الأمني والسياسي الذي سيواجه الأردن في العقد القادم في حال عودة الكثير منهم كما هو متوقع، هو مشكلة المتطرفين من الجماعات التكفيرية المفرج عنهم.
الجانب الآخر من معضلة الأمن في الأردن وجهوده في مكافحة الإرهاب والمساحة الممكنة التي ستعيق معالجة مشكلة عودة المقاتلين، هو استمرار وجود أهم وأخطر قادة السلفية الجهادية في العالم الآن في الأردن، وهما:  أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، اللذان لا يزالان يُكفّران الدولة والنظام والديمقراطية والدولة المدنية، ويحرّضان على القتال والجهاد.

يعتمد الأردن منهجية تستهدف الضالعين في العمل الإرهابي أو التطرف العنيف ولا يعتمد الاعتقالات والعقاب الجماعي للمتهمين بالعمليات الإرهابية

كما أنهما لم يقوما بأية مراجعة جذرية جادة وإيجابية لأفكارهم الدينية المتطرفة القديمة، التي ساهمت في نشر التطرف العنيف والإرهاب وعولمته في كافة أنحاء العالم. مع التنويه إلى أنهما قد أعلنا أكثر من مرة معارضتهما الشديدة لأساليب تنظيم داعش.
ومؤخراً قام محمد الشلبي (أبو سياف) القيادي في تيار المقدسي بإدانة العملية الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش في الفحيص والسلط في آب (أغسطس) العام 2018.
هذا وقد قدّم الأردن خلال مسيرة السلفية الجهادية المقاتلة، أهم  وأخطر قادة السلفية في العالم،  ابتداءً من الدكتور عبدالله عزام، وليس انتهاء بأبو مصعب الزرقاوي، الذين قتلوا خارج الأردن وهم يتزعمون راية التطرف الديني العنيف والإرهاب في العالم، باسم الإسلام والجهاد وإقامة الخلافة الإسلامية.

اقرأ أيضاً: "السلفية العلمية" في الأردن.. سلمية تيار متشدد
ولسوء الحظ؛ فإن الأردن لا يزال يصارع "ملحمة الإرهاب" بوجود أهم وأخطر منظري هذا التيار من أصدقاء عزام والزرقاوي، مثل؛ المقدسي وأبو قتادة.
لقد أدى الخلاف والانقسام بين تنظيم  داعش، وجبهة النصرة في 11 أيار (مايو) العام 2014، إلى انقسام التيار السلفي الجهادي في الأردن، والذي يبلغ عدد مؤيديه في الأردن حوالي 5000 شخص، حسب ادعاءات محمد الشلبي (أبو سياف)، كما وانحاز أهم منظّري وقيادات السلفية الجهادية إلى جبهة النصرة وأميرها أبو محمد الجولاني، وعلى رأسهم أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، والدكتور إياد القنيبي من عمان، وأبو سياف من محافظة معان في الجنوب، ولقمان الريالات من السلط.

اقرأ أيضاً: الأردن يحاكم خلية الكرك الإرهابية
بينما وقف مع تنظيم داعش 70% من التيار السلفي الجهادي في الأردن وعلى رأسهم أبو بكر السرحان من محافظة المفرق في شمال الأردن، ومصطفى الصوريفي من السلط، ورشاد اشتيوي من مخيم البقعة، وأبو محمد الطحاوي من محافظة إربد في الشمال.
وعلى الرغم من أنّ معظم مُنظّري وقيادات السلفية الجهادية في الأردن هم ضد تنظيم داعش، إلا أنّ داعش يبقى التنظيم الأخطر والأكثر أهمية للأردن وأجهزته الأمنية؛ لأن أي عودة للمقاتلين الأردنيين ستكون من السلفيين.
وتجربة الأردن التاريخية مع الإفراج عن الإرهابين كانت سلبية جداً؛ لا بل مرعبة، ولعل تجربة الإفراج عن أبو مصعب الزرقاوي بعفو ملكي عام في آذار (مارس) العام 1999 خير مثال على ذلك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية