هل يُحدث المجتمع المدني اللبناني فارقاً في الانتخابات؟

هل يُحدث المجتمع المدني اللبناني فارقاً في الانتخابات؟


18/04/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

في وقت سابق من هذا الشّهر، تمّ الوصول إلى الموعد النّهائيّ لتقديم قوائم المرشّحين للانتخابات النّيابيّة الّلبنانية، المُزمع انعقادها في 15 أيار (مايو). والعِبرة الأساسيّة هي أنّ المعارضة، التي تتكوّن في الغالب من مجموعات المجتمع المدنيّ، فشلت في تشكيل قوائم موحّدة، مع استثناء واحد ملحوظ، وهذا يعني أنّ مرشّحي المعارضة سيخوضون الانتخابات في حالة انقسام، ممّا يعطي ميزة للقوائم التي أعدّتها القيادة السّياسيّة للبلاد، والتي تهدف المعارضة إلى الإطاحة بها.

بعد الانتفاضة اللبنانية، في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019، سرت تكهّنات بأنّ القيادة السّياسيّة التّقليديّة عانت من انتكاسة حاسمة، وتأكّد هذا الاعتقاد فقط مع انهيار النّظام الاقتصاديّ

كان هناك أمل كبير، سواء في لبنان أو في الخارج، في أن يُحقّق المجتمع المدنيّ مكاسب ضدّ الطّبقة السّياسيّة الفاسدة، بينما من المرجّح أن يفوز مرشّحو المعارضة، الذين كان لديهم الدّافع لتحدّي السياسيّين المعروفين في أعقاب الانتفاضة الشّعبية، في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019، ببعض المقاعد؛ فإنّ هذا سيكون إنجازاً ضئيلاً للغاية لتغيير أيّ شيء، فالطّبقة السّياسيّة اللبنانيّة تتمتّع بالمرونة، مدعومة بالذّاكرة القصيرة للنّاخبين الذين سرقهم السّياسيون فعليّاً.

المجتمع المدني

إنّ المجتمع المدنيّ اللبنانيّ رائع، سواء من حيث تعدّديّته أو طاقته، ومع ذلك، سيكون من الخطأ المبالغة في قدراته، كما تعني التعدّديّة التّشرذم الذي يعكس الطّبيعة الأساسيّة للتركيبة الاجتماعية في لبنان، ومن المصادفة أن تكون مجموعات المجتمع المدنيّ، التي من المتوقّع أن تغيّر المشهد الاجتماعي والسياسيّ للبلد، من بين الانبثاقات الأكثر شيوعاً للنّظام المنقسم.

السّبب وراء قوّة المجتمع المدنيّ في لبنان هو أنّ أولئك الذين يسعون لتحقيق أهداف سياسيّة أو اجتماعيّة كان لديهم دائماً دافع قويّ للتّحايل على الدّولة وأولئك الذين يسيطرون عليها، ولأنّ الطّبقة السياسيّة قاومت أيّ شيء قد يُهدّد صلاحيّاتها وسلطتها، فإنّ أولئك الذين يريدون تحقيق أيّ شيء فعلوا ذلك خارج نطاق مؤسّسات الدّولة.

تقديم قوائم المرشّحين للانتخابات النّيابيّة الّلبنانية

وقد ساعد على ذلك قانون عثمانيّ ليبراليّ إلى حدّ ما، من عام 1909، يسمح للأفراد بتكوين جمعيات من دون الحاجة إلى الحصول على موافقة مسبقة من الدّولة، وفي حالة جديرة بالملاحظة، في أوائل التسعينيّات من القرن الماضي، قامت مجموعة تُراقب الانتخابات، تسمّى "الجمعيّة اللبنانيّة من أجل ديمقراطيّة الانتخابات"، بتأسيس نفسها بموجب هذا القانون.

وحاول وزير الدّاخلية حينها، ميشال المرّ، فرض موافقة مسبقة ومنع تأسيس الجمعيّة، وما كان إلّا أن تجاهلته الجمعيّة بشكل فعّال وبدأت في مراقبة الانتخابات على أيّ حال، وكسبت المعركة.

القيادة السّياسيّة التّقليديّة

بعد الانتفاضة اللبنانية، في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019، سرت تكهّنات بأنّ القيادة السّياسيّة التّقليديّة عانت من انتكاسة حاسمة، وتأكّد هذا الاعتقاد فقط مع انهيار النّظام الاقتصاديّ، اعتباراً من تشرين الثّاني (نوفمبر)، وانهياره بشكل أكبر في الأعوام التي تلت ذلك. في العام الماضي، وصف البنك الدوليّ الأزمة الاقتصاديّة بأنّها "من المرجّح أن تقع ضمن الأزمات العشر، وربما الثّلاث، الأولى على مستوى العالم منذ منتصف القرن التّاسع عشر".

في هذا السّياق الاقتصاديّ السّيئ، كانت هناك بعض الثّقة في أنّ مرشّحي المجتمع المدنيّ سيحقّقون انفراجة في الانتخابات، بالنّظر إلى مُمكِنات الغضب الشّعبيّ من السّياسيين الذين نهبوا الدّولة وأحدثوا الانهيار الاقتصادي، ومع ذلك، استغلّ الزّعماء التّقليديّون أيضاً هذا الوضع لاستخدام الأزمة كوسيلة لتوزيع المحسوبيّة ومساعدة الضّعفاء، بالتّالي، خلق مزيد من التبعيّة.

في عدّة مناطق رئيسة، بما في ذلك بيروت الأولى وبعبدا، ستتنافس قوائم المجتمع المدنيّ ضدّ بعضها البعض، الأمر الذي لن يفيد سوى القوى السّياسيّة التّقليديّة

كان هذا عاملاً رئيساً في تقليل فرص قوائم المجتمع المدنيّ في تحقيق مكاسب انتخابيّة كبيرة، والعامل الآخر هو قانون الانتخابات نفسه: يصوّت لبنان على أساس قانون نسبيّ، مع عتبة تحدّدها قسمة عدد الأصوات على عدد مقاعد الدّائرة، هذا يعني أنّه إذا كان هناك عدد كبير من النّاخبين في دائرة الاقتراع، يمكن أن ترتفع العتبة إلى مستوى يلغي معظم القوائم المستقلّة.

من المتوقّع أيضاً أن تعطي الانتخابات المقبلة فكرة أفضل عن كيفيّة تصويت المغتربين الّلبنانيّين

من المتوقّع أيضاً أن تعطي الانتخابات المقبلة فكرة أفضل عن كيفيّة تصويت المغتربين الّلبنانيّين. عدد ناخبي الشّتات المسجّلين هذا العام يصل إلى ضعف عدد ناخبي الشّتات في انتخابات 2018، ومع ذلك، ما يزال من غير الواضح ما إذا كان من المرجّح أن يصوّت المغتربون لقوائم المجتمع المدنيّ أو القوائم الحزبيّة. بالتّأكيد، تتوقّع بعض الأحزاب، مثل التّيار الوطنيّ الحرّ بقيادة جبران باسيل، تصويتاً قويّاً لصالحها، لكن هناك أيضاً الكثير من الغضب في الخارج على سلوك الطّبقة السّياسية، ولذلك من المحتمل حدوث مفاجآت.

إطلاق رصاص على القدمين

المشكلة هي أنّه من خلال عدم توحيد جهودها وتشكيل قوائم مشتركة، تكون جماعات المجتمع المدّنيّ قد أطلقت النّار على أقدامها. في عدّة مناطق رئيسة، بما في ذلك بيروت الأولى وبعبدا، ستتنافس قوائم المجتمع المدنيّ ضدّ بعضها البعض، الأمر الذي لن يفيد سوى القوى السّياسيّة التّقليديّة. تشمل أسباب عدم القدرة على التّلاقي تصادم الذّوات واستعداد بعض الجماعات، وعدم استعداد البعض الآخر، لتشكيل تحالفات مع الأحزاب السّياسيّة التّقليديّة التي دعمت انتفاضة عام 2019.

ومع ذلك؛ فإنّ إحدى قوائم المجتمع المدني، التي تستحقّ المشاهدة، هي القائمة المتنافسة في منطقة جنوب لبنان الثّالثة؛ حيث يهيمن الحزبان الشّيعيّان الرّئيسان، حزب الله وحركة أمل، وهذه القائمة وحّدت كلّ فئات المجتمع المدنيّ النّاشطة محلّيّاً في منطقة عانت كثيراً من الأزمة الاقتصاديّة. إذا لم يتمّ ترهيب النّاخبين، فيمكن للمرء أن يتوقّع نجاحات مفاجئة، وستكون مفارقة أن يُظهِر المجتمع المدنيّ إمكاناته الحقيقيّة في منطقة قد تستخدم فيها الأحزاب السّياسيّة القائمة القوّة لمنعه من تحقيق مكاسب.

المصدر:

مايكل يونغ، ذي ناشونال، 13 نيسان (أبريل) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/04/13/lebanon-cant-rely-solely-on-civil-society-to-bring-change-in-the-country/

مواضيع ذات صلة:

- لبنان.. صندوق اقتراع أم صندوق أزمات؟

الانتخابات اللبنانية: كيف يستفيد حزب الله من غياب تيار المستقبل؟

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية