هل ينقذ الأوروبيون مفاوضات فيينا لتأمين مصالحهم؟

هل ينقذ الأوروبيون مفاوضات فيينا لتأمين مصالحهم؟


03/08/2022

رغم أنّ التسوية الجارية بشأن إحياء الاتفاق النووي تتضاءل، اليوم تلو الآخر، لا سيّما والتصعيد المتواصل من قبل طهران، سواء على مستوى خروقاتها النووية، أو طرح شروط متشددة، لكنّ الطرف الأوروبي ما يزال يسعى إلى إنقاذ الإتفاق من الإنهيار، بينما يتجنب أيّ تصعيد سياسي وميداني في هذا الشأن.

خطة بوريل

ثمّة مصالح إستراتيجية وحيوية لدى الغرب من إحياء "خطة العمل المشتركة"، منها الرغبة في الاستقرار السياسي والإقليمي، وكذا إنهاء الصراع المتنامي في منطقة الخليج، والذي يؤثر على إمدادات الطاقة العالمية. كما أنّه بعد احتدام الصراع الروسي الأوكراني، فإنّ الغرب يسعى إلى تنويع مصادره للحصول على الطاقة، وتخفيض اعتمادها على موسكو، بالإضافة إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية وفرص الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط.

وإثر طرح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، مؤخراً، مسودة نص لإحياء اتفاق عام 2015، لتفادي "أزمة نووية خطيرة" في حال فشلت مفاوضات فيينا، فقد أعلنت طهران، مطلع الأسبوع، استعداداها الانخراط في جولة جديدة من المفاوضات النووية، خلال الأيام المقبلة.

الباحث الإيراني مسعود محمد: لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية تجد أوروبا نفسها مهددة بالبرد والصقيع

ونقلت صحيفة "طهران تايمز"، الأحد الماضي، عن برلماني إيراني، لم تفصح عن هويته، قوله إنّه "نظراً لجهود الأطراف الأوروبية للتوصل إلى نتيجة في المحادثات الرامية لإحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015، فمن المحتمل انعقاد جولة جديدة من المحادثات في فيينا خلال الأيام المقبلة"، وذلك في أعقاب لقاء البرلماني الإيراني مع المفاوض الإيراني، علي باقري كني.

نهاية الشهر الماضي، ذكر بوريل، في مقال نشرته صحيفة "فايننشيال تايمز"، أنّ نص مسودته "ليس اتفاقاً مثالياً"، لكنّه "يمثل أفضل اتفاق اعتبره ممكناً، بصفتي وسيطاً في المفاوضات"، موضحاً أنّ التصور المقترح "يتناول كل العناصر الأساسية ويتضمن تسويات استحصلت عليها جميع الأطراف بصعوبة"، مشدداً على مخاطر فشل المفاوضات القائمة والتسويات المطروحة والتي قد تتسبب في "حدوث أزمة نووية خطيرة".

عودة المفاوضات

وقال بوريل: "لقد وضعت، الآن، على الطاولة نصاً يتناول بالتفصيل الدقيق رفع العقوبات بالإضافة إلى الخطوات النووية اللازمة لاستعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة". وتابع: "بعد 15 شهراً من المفاوضات المكثفة والبناءة في فيينا والتفاعلات التي لا تحصى مع المشاركين في خطة العمل الشاملة المشتركة والولايات المتحدة، خلصت إلى أنّ المجال أمام تقديم تنازلات إضافية مهمة قد استنفد".

ثمّة مصالح استراتيجية وحيوية لدى الغرب من إحياء "خطة العمل المشتركة"، منها الرغبة في الاستقرار السياسي والإقليمي، وكذا إنهاء الصراع المتنامي في منطقة الخليج

وعقّب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين على مقترحات المسؤول الأوروبي بأنّه "لدينا أيضا أفكارنا الخاصة، من حيث الجوهر والشكل، لإكمال المفاوضات، وسنقدمها". كما أشار في تغريدة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، إلى الاستجابة لمقترحات بوريل. وقال: "تبادلنا الأفكار التي اقترحناها سواء من حيث الجوهر أو الشكل لتمهيد الطريق للتوصل لنهاية سريعة لمفاوضات فيينا".

وتابع باقري كني: "نحن كإيران على استعداد لاختتام المفاوضات في وقت قصير إذا كان الجانب الآخر مستعداً لفعل نفس الشيء".

وإلى ذلك، قال الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إنّ واشنطن تراجع "مسودة التفاهم" التي قدمها بوريل بخصوص اتفاق 2015، بينما سترد مباشرة على الاتحاد الأوروبي.

تداعيات الصراع الروسي الأوكراني

ويرى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، مسعود محمد، أنّ هذه التحركات الجارية، لا يمكن أن تنفصل عن جملة التحركات الإقليمية المهمة واللافتة، منها "المفاوضات غير المباشرة الحاصلة فيما بين لبنان وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية، من خلال الوسيط الأمريكي، أموس هوكشتاين"، موضحاً في حديثه لـ"حفريات" أنّ "الصحافة الإسرائيلية تبرز، على نحو لافت، مدى حرص إسرائيل التوصل إلى تفاهم بخصوص هذا الأمر، فضلاً عن تدخل فرنسا لتقريب وجهات النظر بين حزب الله وتل أبيب. وعندما تراقب كل ذلك مع التنازلات المتبادلة بين الطرفين، بغض النظر عن النبرة العالية المتشددة، تكتشف، على الفور، المأزق الذي وقعت تحت وطأته أوروبا على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية".

باقري كني: نحن كإيران على استعداد لاختتام المفاوضات في وقت قصير إذا كان الجانب الآخر مستعداً لفعل نفس الشيء

ويردف: "لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية تجد أوروبا نفسها مهددة بالبرد والصقيع. ولتفادي ذلك مستعدة لتقديم سائر التنازلات حتى تحصل على غاز المتوسط عبر إسرائيل. ومدخل ذلك التفاهم سيكون مع الطرف الإيراني، ثم إعادة ضخ النفط الإيراني في السوق لمنع تحكم منظمة "أوبك بلس" في إنتاج النفط، خاصة أنّ دول الخليج لم تعد الطفل المطيع للولايات المتحدة، وقد شاهدنا الاستقبال العادي لبايدن من قبل أمير مكة لدى وصوله مطار جدة (حتى لو كان الأمر لا يمثل خرقاً بروتوكولياً)، كدلالة على تراجع مستوى العلاقات التقليدية بين البلدين. ودول الخليج ليست مستعدة في هذه اللحظة لمعاداة روسيا بينما ترغب باستمرار العلاقة معها".

مطلع الشهر، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، أنّ طهران لديها القدرة التقنية على إنتاج قنبلة ذرية، غير أنّها لا تنوي القيام بذلك، بحسب وكالة فارس شبه الرسمية للأنباء.

الباحث المتخصص في الشأن الإيراني الدكتور محمود أبو القاسم لـ"حفريات": ما تزال الوساطة الأوروبية "حجر الزاوية" للحفاظ على المسار الدبلوماسي والحائل دون إنهيار المفاوضات

وتزامن هذه التصريحات الإيرانية مع إعلان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل غروسي، بأنّ الوكالة لا تملك أدلة ثبوتية وموثقة بشأن سعي إيران الحصول على القنبلة الذرية. لكن غروسي ألمح في تقريره إلى أنّ الممارسات والطريقة التي تعمل بها طهران تشير إلى أنّها تتحرك في هذا الاتجاه.

وقال غروسي: "وصولنا للمواقع النووية محدود ولا نعرف ما يجري في البرنامج النووي الإيراني"، موضحاً أنّ "الحقيقة هي أنّ إيران قد أغلقت بعض الكاميرات، ولن نعرف ما يجري حتى نتمكن من الوصول الكامل".

وفي حديثه لـ"حفريات"، يقول الدكتور محمود أبو القاسم، الباحث المصري المتحصص في الشأن الإيراني، إنّه خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كانت هناك خلافات أوروبية أمريكية عميقة بشأن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي؛ وهذا الخلاف كان قسم منه متعلقاً بالخلافات الأوروبية مع شخص ترامب وسلوكه غير التقليدي تجاه الدول الأوروبية، وقسم آخر منه متعلق بوجهة نظر الأوروبيين في الاتفاق النووي كنموذج فعال للحد من انتشار الأسلحة على الصعيد الدولي. وبالتالي رفض الأوروبيون انسحاب ترامب، بل قدموا وعوداً لطهران مفادها الحفاظ على الصفقة النووية. كما بادروا من أجل إتخاذ إجراءات تشجع إيران على عدم الانسحاب من الصفقة.

ويلفت أبو القاسم في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّه وبالرغم من أنهم (أوروبا) لم يتمكنوا من تحقيق وعودهم لإيران، لكنّهم أظهروا "عزلة أمريكية" بشأن الاتفاق النووي على الصعيد الدولي.

محمود أبو القاسم: يتفق الجانب الأمريكي والأوروبي على ضرورة إحياء الصفقة النووية

بعد مجيء بايدن وعودته لخيار الدبلوماسية من أجل إحياء الاتفاق النووي، وعمله على ترميم العلاقات مع الأوروبيين، وإصلاح ما أفسده ترامب، عادت المواقف الأوروبية والأمريكية للتطابق، خصوصاً بعد أن قام فريق ترامب بخلق إجماع عبر الأطلسي بشأن ملف إيران، وظهر ذلك في جهود إحياء الاتفاق النووي، حسبما يوضح الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني؛ إذ إنّ الطرف الأمريكي والإيراني عاد كل منهما إلى المفاوضات من خلال وساطة أوروبية، وما تزال هذه الوساطة هى "حجر الزاوية" في الحفاظ على المسار الدبلوماسي والحائل دون إنهيار المفاوضات.

ويردف: "يتفق الجانب الأمريكي والأوروبي على ضرورة إحياء الصفقة النووية. وربما تسبق رغبة الأوروبيين رغبة الأمريكيين في هذا الصدد؛ لأنّهم، الآن، في حاجة إلى دخول غاز ونفط إيران لسوق الطاقة، في ظل احتمال قطع روسيا إمداداتها من الغاز إلى أوروبا، فضلاً عن أنّ إيران تسرع من تخفيض التزاماتها النووية وتقترب من العتبة النووية".

وعليه، فإنّ المصالح تكاد تكون متطابقة خلال هذه المرحلة بين الطرفين، غير أنّ الولايات المتحدة تتعرض لضغوط أكبر من قبل حلفائها الإقليميين، بسبب "العودة المجانية للاتفاق النووي"، على حد تعبير أبو القاسم، وعدم النجاح في إدراج أي التزامات بشأن البرنامج الصاروخي أو التهديدات الإقليمية في مفاوضات فيينا. لكن تحاول الولايات المتحدة أن تسير على مسارين؛ أحدهما العودة للاتفاق، والآخر يتمثل في تعزيز "الردع الإقليمي" من خلال التعاون مع الشركاء، وذلك عوضاً عن تنفيذ تسوية شاملة للقضايا كافة محل الخلاف مع إيران.

 

مواضيع ذات صلة:

مسودة قرار أمريكي أوروبي يتعلق بنووي إيران... هل يعرقل مفاوضات فيينا؟

آفاق الدبلوماسية النووية في فيينا

إيران تلجأ إلى وسيلة ضغط جديدة وتهدد بهذا الأمر .. ما علاقة اتفاق فيينا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية