هل يناور الجيش السوداني بورقة دمج قوات الدعم السريع؟

هل يناور الجيش السوداني بورقة دمج قوات الدعم السريع؟

هل يناور الجيش السوداني بورقة دمج قوات الدعم السريع؟


09/03/2023

مع تصاعد نبرة الخلافات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تكثر التحليلات حول حقيقة ذلك الخلاف؛ بين من يرى الخلاف مصطنعاً لتمديد بقائهما في السلطة، ومن يتخوف من نشوب صدام مسلح بين الطرفين.

لا يخفى وجود خلافات قديمة بين الطرفين، منذ تأسيس قوات الدعم السريع كقوة شبه عسكرية مستقلة عن الجيش، بأمر من الرئيس المعزول عمر البشير. استمد الدعم السريع شرعيته من البشير، الذي أصدر قانوناً خاصاً بتلك القوة (2017)، وجعلها تحت إمرة القائد العام للجيش إرضاءً للقادة العسكريين، الذين عارضوا تكرار تجربة إنشاء قوات شبه عسكرية خارج إطار الجيش.

وبعد ثورة ديسمبر التي انحاز الدعم السريع إليها، بات الأخير بقيادة الرجل القوي محمد حمدان دقلو (حميدتي) يبحث عن دور في مستقبل السودان، وفي سبيل ذلك بنى شبكة من التحالفات السياسية، تارة مع الجيش وأخرى مع قوى إعلان الحرية والتغيير، وحقق مكاسب سياسية كبيرة عندما بات حميدتي نائباً لرئيس مجلس السيادة، فضلاً عن محاولاته المتكررة للتقرب من الثورة والثوار، وعلاقاته الإقليمية.

الغضب المكتوم

شهدت الأيام الماضية تصريحات غير ودية متبادلة بين قيادة الجيش والدعم السريع، بدأت عندما رهن رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تسليم السلطة للمدنيين وفق الاتفاق الإطاري بعد تنفيذ بند دمج الدعم السريع المنصوص عليه.

جاء ردّ الدعم السريع عبر قائدها الأول نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول حميدتي، وقائدها الثاني شقيقه الفريق عبد الرحيم دقلو، بضرورة تنفيذ الاتفاق الإطاري، وتسليم السلطة للمدنيين، وعدم السماح بالتعرض للمتظاهرين، وزاد القائد الأول بإعلانه الندم على المشاركة في إجراءات 25 أكتوبر، التي وصفها بالانقلاب.

أمين مجذوب: وضع العقدة في المنشار بين بين حميدتي والبرهان

وجاء في الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من كانون الأول (ديسمبر) 2022 "ضمن خطة الإصلاح الأمني والعسكري والذي يقود إلى جيش مهني قومي واحد يتم دمج الدعم السريع في القوات المسلحة وفق الجداول الزمنية المتفق عليها". فضلاً عن تأكيد الاتفاق على تبعية الدعم السريع للقوات المسلحة. وقبل ذلك أكد مشروع الدستور الانتقالي لعام 2022، والذي بُني عليه الاتفاق الإطاري على دمج الدعم السريع، وذكر الاتفاق والدستور الانتقالي أنّ "يكون رأس الدولة قائداً أعلى لقوات الدعم السريع".

يرى خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية، اللواء دكتور أمين إسماعيل مجذوب، بأنّ الخلاف بين البرهان وحميدتي هو حول المستقبل السياسي لهما. وأضاف لـ"حفريات" بأنّ البرهان وضع كارت ضاغط بالمطالبة بدمج الدعم السريع قبل المضي في الاتفاق، بينما طالب الدعم بهيكلة وإصلاح الجيش، ما يعني وضع العقدة في المنشار بين الرجلين. ونوه بأنّ تلك الحالة تؤثر  سلباً على الاتفاق الإطاري.

استمدت قوات الدعم السريع شرعيتها من البشير الذي أصدر قانوناً خاصاً بتلك القوة (2017) وجعلها تحت إمرة القائد العام للجيش إرضاءً للقادة العسكريين

من جانبه، قال الأكاديمي المختص في الشؤون الإفريقية محمد تورشين، بأنّ هناك ضباط وقادة في هيئات العمليات والأركان في الجيش لديهم رأي واضح بضرورة دمج الدعم السريع، ولديهم شروط لذلك. ولفت في تصريح لـ"حفريات" إلى أنّ تلك الشروط ربما أخافت حميدتي؛ كوّنها تؤدي إلى تنحيته عن العمل العسكري، لعدم استيفائه لشروط ذلك.

ونوه الأكاديمي السوداني، بأنّ دمج الدعم السريع يعني فقدان حميدتي وقادة الدعم للمكتسبات التي تراكمت منذ صعوده السياسي أواخر عهد الرئيس المعزول عمر البشير، بالإضافة إلى المخاطر التي تتهدده جراء ذلك، مثل إمكانية محاكمته في اتهامات تتعلق بالانتهاكات في دارفور وفضّ اعتصام القيادة العامة 2019.

تحديات دمج الدعم السريع

لن تكون عملية دمج الدعم السريع يسيرة؛ فهي لا تتعلق بوضع خطة فنية فقط، ولا حتى توافر الاعتمادات المالية، بل تتعلق بموقع قائدها حميدتي في المشهد السياسي. ومع أنّ الرجل لم يصرح برغبة سياسية، إلا أنّه اتخذ خطوات عديدة لتأمين استمراره في مستقبل السودان، مثل بناء تحالفات سياسية، والتقرب من الثوار، وبناء شبكة دعم إعلامية ونخبوية، ونسج علاقات قوية بدول إقليمية فاعلة، وتقديم نفسه وقواته إلى الاتحاد الأوروبي كحائط صد أمام الهجرة غير الشرعية. وإلى جانب الطموح السياسي، يريد الدعم السريع الحفاظ على المكتسبات الاقتصادية الكبيرة التي تحققت نتيجة النفوذ العسكري، والتي ساهمت في تعزيز وتقوية تلك القوات، حتى باتت تُقدر بعشرات الآلاف، وفق مراقبين.

يقول الفريق المتقاعد بالجيش السوداني المعز العتباني، بأنّ الخلاف ليس دمج الدعم السريع، بل كيفية تحقيق ذلك؛ هل يُدمج كاملاً، أم كوحدات منفصلة مثل المدرعات والمدفعية، أو منحه تسمية عسكرية مثل الفوج الأول أو الجيش الثانى، أم تفكيكه و توزيعه بعد التدريب لتكملة النقص في فرق المشاة غير الكاملة.

وأشار العتباني إلى أنّ قادة الدعم السريع يريدون بقاءه كاملاً، دون توزيعه على الوحدات العسكرية، وهو مطلب يمكن الاتفاق عليه مع قادة الجيش.

المعز العتباني: الخلاف ليس دمج الدعم السريع بل كيفية تحقيق ذلك

في السياق ذاته، قال خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية، بأنّ دمج الدعم السريع يتطلب أعواماً. وأوضح أنّ عملية دمج الحركات المسلحة تجاوزت 39 شهراً دون تحقيق تقدم يُذكر، رغم أنّها لا تقارن من حيث العدد والعتاد والتنظيم والعلاقات الإقليمية والدولية والإمكانيات الاقتصادية بما لدى الدعم السريع.

ويرى اللواء دكتور أمين إسماعيل مجذوب، أنّ دمج الدعم السريع لا يمكن تحقيقه في الفترة الانتقالية، ويتطلب 7 أعوام بعد وضع خطة متفق عليها. وأفاد بأنّ الفترة الانتقالية لن تنتظر تحقيق ذلك، وبالتالي تعتبر تلك المشكلة ورطة ناتجة عن الاتفاق الإطاري، والمكون العسكري الذي وضع نفسه في مواجهة حميدتي بعد أن كان يتبع له. وقال مجذوب "التصريحات المتضاربة تعبير عن الضيق الذي وضع فيه الاتفاق الإطاري الجميع".

مناورة سياسية

لا يمكن فصل تصريحات البرهان وكبار القادة مثل ياسر العطا وشمس الدين الكباشي حول دمج الدعم السريع عن المشهد السياسي المأزوم في البلاد. لم يدخل الاتفاق السياسي الإطاري بعد حيز النفاذ نتيجة لإحجام أهم فصيلين في اتفاق سلام جوبا عن التوقيع (حركة العدل والمساواة، وجيش تحرير السودان - مناوي)، رغم التوقيع على المصفوفة المحدثة لاتفاق سلام جوبا.

ويرتبط ذلك التعطيل بآفة المحاصصة التي تعاني منها الفترة الانتقالية؛ إذ إنّ تنفيذ الاتفاق يقوم على المحاصصة التي تمنح تحالف الحرية والتغيير - المجلس المركزي حصة الأسد في السلطة التنفيذية، رغم حفظ حصة لقوى سلام جوبا، وحصص أخرى في المجلس التشريعي للقوى المصنفة كشركاء في الفترة الانتقالية.

اللواء أمين مجذوب لـ"حفريات": البرهان طالب الدعم بهيكلة وإصلاح الجيش، ما يعني وضع العقدة في المنشار بينه وبين حميدتي، ما يؤثر  سلباً على الاتفاق الإطاري

في تلك التقسيمة يحظى حميدتي بنصيب من الحلفاء أكبر من الجيش؛ إذ كان له دور في رعاية الدستور الانتقالي، وتنظر إليه قوى سياسية على أنّه ضمانة ضد تكرار الجيش للإطاحة بهم من السلطة، رغم أنّ حميدتي شارك في الإطاحة بهم سابقاً، لكن تلك المرة توافقت مصالحهما.

يذهب الأكاديمي السوداني، محمد تورشين إلى أنّ مصلحة حميدتي من مطالبته بانتقال السلطة إلى المدنيين، هي الحصول على اعتراف القوى السياسية به كشريك في الانتقال، والعمل معهم لمواجهة ضغوط القوات المسلحة. بدوره لا يتفق اللواء دكتور أمين مجذوب، ويرى أنّ ما يحدث خلاف سياسي بين البرهان وحميدتي لترتيب أوضاعهما.

محمد تورشين: دمج الدعم السريع يعني فقدان حميدتي وقادة الدعم للمكتسبات

في هذا السياق تجد فرضية أنّ البرهان يناور بورقة دمج الدعم السريع قبل تسليم السلطة كثيراً من الوجاهة، بهدف الضغط على قوى الحرية والتغيير ورعاة الاتفاق من الآلية الثلاثية من أجل توسيع قاعدة المشاركة السياسية، بما يضمن التحاق قوى سياسية لها رؤية غير عدائية للجيش، خصوصاً أنّ المدنيين هم من سيختارون رأس الدولة الذي سيكون القائد الأعلى للدعم السريع.

يضمن تحقيق ذلك الهدف توازن يمنع قوى الحرية والتغيير التي لا يثق فيها الجيش، ويعارضها قطاع شعبي وسياسي واسع، من الإطاحة بقادة عسكريين أو اتخاذ قرارات تتعلق بالمؤسسة العسكرية. فضلاً عن ذلك، يدرك الجيش أنّ القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري غير كافية لتسلم السلطة؛ لأنّها لا تعبر إلا عن مجموعات محددة من الأحزاب والشخصيات السياسية، مع استناد معظمها إلى اسم الثورة لنيل شرعية الحكم في الفترة الانتقالية، وهو أمر لا يرضي قطاعات سياسية وشعبية واسعة، تهدد بخطوات تصعيدية حال تنفيذ الاتفاق الإطاري.

من جانب آخر، لا يستطيع الجيش الإبقاء على السلطة في يده أمام الضغوط الدولية الكبيرة، ولهذا فمن المحتمل أنّ تدفع تلك الضغوط جميع الأطراف إلى التوافق، المبني على تحقيق توازن لا يخل بالوضع القائم، وإرجاء القضايا الخلافية الشائكة إلى ما بعد الفترة الانتقالية، وتشكيل سلطات شرعية منتخبة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية