هل يستجير المصريون بأدب الرعب هروباً من رعب الواقع؟

هل يستجير المصريون بأدب الرعب هروباً من رعب الواقع؟


09/09/2019

منذ أحداث كانون الثاني (يناير) 2011، وفنون الرعب هي الأكثر مبيعاً ومشاهدة في القاهرة، ومؤخراً حقّق الجزء الثاني من فيلم الرعب المصري "الفيل الأزرق"، أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية.
وتحقّق روايات الرعب المبيعات الأكبر بين الكتب في القاهرة، وحاول علماء نفس وعلماء اجتماع تفسير الظاهرة وربطها بالأحداث الدموية وأحداث الإرهاب التي شهدتها مصر في الأعوام الأخيرة، والهروب النفسي من قبل الشباب إلى عالم الرعب للتخفيف من الدموية التي تسيطر على المشهد.

اقرأ أيضاً: المخرج كوستا غافراس.. الاحتفاء بالوعي الإنساني سينمائياً
رواج أدب الرعب في تلك الفترة لا يعني أنّه حديث الظهور مصرياً، فقد اشتهرت قصص الرعب التي قدمها الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وقدمت السينما المصرية العديد من أفلام الرعب، مثل: "الإنس والجن" للفنان عادل إمام، غير أنّ الرواج الأكبر كان في الأعوام التي أعقبت كانون الثاني (يناير) 2011، مما يطرح العديد من التساؤلات حول التفسيرات الاجتماعية والنفسية والفنية أيضاً، حول ذلك الرواج.
الدكتور شاكر عبد الحميد أستاذ علم نفس الإبداع

مواجهة الخوف
أستاذ علم نفس الإبداع الدكتور شاكر عبد الحميد، أصدر كتباً تناولت هذه النوعية من الفنون، على مستوى الكتابة والسينما أيضاً، كما في كتابه "الغرابة المفهوم وتجلياته في الأدب"، الصادر عن سلسلة عالم المعرفة، العدد 384، كانون الثاني (يناير) 2012. وكتابه "الخيال – من الكهف إلى الواقع الافتراضي"، العدد 360 من سلسلة عالم المعرفة، الصادرين عن (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت).

شاكر عبد الحميد: الإقبال على أدب الرعب عائد إلى أنّ الشباب يبحثون عن شكل جديد في التعبير عن ذواتهم

عبد الحميد قال: لو فسرنا حالة الإقبال الشديد على أدب الرعب والخيال العلمي والفانتازيا على مستوى القراءة والكتابة بالمعنى السيكولوجي، فمن الممكن أن نقول إنّ هذا النوع من الأدب يعدّ من أساليب مواجهة الخوف، التي ابتكرها الإنسان من خلال الخوف المتخيل الذي يواجه به الخوف الحقيقي، موضحاً أنّ هذه الآلية تسمى "الإشباع البديل"؛ فأنت تواجه هنا خوفاً يتعلق بأحداث وكوارث ودمار يحدث للآخرين، لا للقارئ أو الكاتب، مؤكداً أنّ الكاتب هنا آمن ومستمتع بالتخيل بأحداث تقع على مسافة منه.
وعلى مستوى ثانٍ، يضيف عبد الحميد، في تصريح لـ"حفريات"؛ أنّ "هذا نوع من الأدب الخيالي المرتبط بعوالم يضعها فينا حبّ الاستطلاع أو الفضول المعرفي أو التشويق، أو نوع من الأدب يوحي بأن ما سرده أمر واقعي، لكي يتقدم تدريجياً، ويسهّل هذا الإيهام أو يتجاوزه".

اقرأ أيضاً: السينما الجزائرية ومرثيات اليأس السياسي
ويستكمل عبد الحميد تفسيره السيكولوجي على مستوى ثالث؛ بعرض نظرية "روزماري جاكسون"، التي تقول إنّ هذا النوع من الأدب يساعد على الدخول إلى تلك العوالم الغريبة الموجودة خلف مرآة الواقع، موضحاً أنّه تجسيد لفضاءات موجودة خلف المرئي، وخلف الصورة، ومن ثم يضعنا فى مناطق مظلمة فيها التباس، يمكن من خلالها أن يظهر أيّ شيء غير متوقع.
ويرى أستاذ علم نفس الإبداع أنّ هذه الأنواع من الكتابة متداخلة، لافتاً إلى أنّ "زيادة الإقبال على هذا النوع من الكتابة، بعد أحداث كانون الثاني (يناير) 2011، ربما عاد إلى أنّ الشباب يبحثون عن شكل جديد في التعبير عن ذواتهم، التي تعاني حالة عدم الاستقرار التي يواجهها الواقع فى المراحل الانتقالية، والتي يمرّ فيها الإنسان بحالة من الالتباس"، مشيراً إلى أنّها "محاولة للبحث عن يقين حالي يساعد على مواجهة اللايقين الموجود الآن، يساعد في التعبير عن الذات وتحقيقها والتعبير عن إحساسات مركبة، كنوع من محاولة لمواجهة الواقع المضطرب".
الناقدة الفنية رشا حسني

السينما صناعة قائمة على التجريب
الناقدة الفنية رشا حسني، التي تشير إلى أنّ السينما في مصر صناعة يتجاوز عمرها 100 عام، تؤكد أنّ السينما صناعة قائمة على الاختراع والتجريب منذ بداية ظهورها، بالتالي من المرجح أن تحدث في السينما المصرية تغييرات سواء على المستوى التقني الخاص بالمؤثرات أو على مستوى الحرفة نفسها، والتي لها علاقة بأفلام الرعب والإثارة.

أحمد خالد توفيق ساهم في بناء تلك الشعبية لأدب الرعب حين أصدر سلسلته الأشهر "ما وراء الطبيعة"

وتضيف حسني، في تصريح لـ "حفريات": "من ضمن التطورات التي تشهدها السينما المصرية تقديمها لأنواع فيلمية جديدة عليها، منها أفلام الرعب والإثارة".
ونفت حسني مسألة لجوء الشباب للرعب هرباً من الدموية التي تشهدها المنطقة، لافتة إلى أنّه في أوقات الأزمات والحروب تزداد الحاجة إلى أنواع الفنون الملهية، وليس العكس. و"يعود نجاح فيلم (الفيل الأزرق) إلى أنّ الجزء الأول الذي قدم عام 2014 كان طفرة بالفعل، لم يكن هناك فيلم شبيه له في السينما المصرية، سواء من حيث الإنتاج أو إتقان الحرفة، وذلك عائد إلى أنّ أفلام الرعب التي قدمت سابقاً في السينما المصرية كان مستوى تنفيذها مثيراً للضحك".
فيلم الرعب المصري 122

الرعب ليس غريباً على تراثنا العربي
كاتب الرعب والخيال العلمي، ياسين أحمد سعيد، يرى أنّ البشر كائنات بالغة التنوع في طباعها، ومن ثَم ذائقتها الفنية الأدبية. بناء عليه، "عندما تتوفر لهم مختلف الألوان الأدبية، فذلك هو الوضع الطبيعي".
ويوضح، في تصريح لـ "حفريات": "لدينا وفرة في الأدب الاجتماعي والتاريخي مثلاً، بينما في الأعوام القريبة الماضية عانينا، وربما ما نزال نعاني، من نقص شديد في صنوف أدبية مثل: "الخيال العلمي، الرعب، أدب الرحلات، أدب الطفل، ...إلخ"، مضيفاً: "لذلك، أحبّ أن أنظر للأمر من وجهة نظر مختلفة؛ فلا أقول إنّ هناك موجة زيادة عن إصدارات الرعب مؤخراً؛ بل الأصوب: إنّ هناك فجوة قد سُدّت، أتمنى وأنتظر سدّ بقية الثغرات الأخرى قريباً، خصوصاً أنّ الرعب ليس غريباً على تراثنا المحلي أو العربي؛ بل له جذور موغلة في القدم، بداية من "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، إضافة إلى قصص (الجنّ، العرافين، النبوءات) التي كانت تدخل في نسيج العديد من الملاحم والسير الشعبية".

ياسين أحمد سعيد
ويرفض سعيد التفسير الذي يربط المسألة بالأحداث السياسية، من منطلق أنّ المخاوف الشعبية زادت عقب الربيع العربي، فزادت معها محاولة هروب القرّاء من الواقع، موضحاً: "أرى مثل هذه التفسيرات تقوم بليّ عنق الوقائع، في محاولة لافتعال العمق. في رأيي؛ إنّ كلّ (قارئ، كاتب، ناشر) أقبل على الرعب، قد تكون له أسبابه التي تختلف عن نظيره، لكن إذا حاولنا التطرق للأسباب التي تعدّ عاملاً مشتركاً، أكثر من غيرها، بين هؤلاء؛ فلعلّها ترجع إلى: مواقع التواصل الاجتماعي، المنتديات: التي تساهم طوال الوقت، من وجهة نظري، في (إبراز) كلّ ما هو مختلف أو نادر، على الجانب الآخر، لا نغفل سبباً رئيساً آخر في شعبية أدب الرعب حالياً، يتمثل في اسم أحمد خالد توفيق، الذي ساهم في بناء تلك الشعبية، تدريجياً، منذ التسعينيات، حين أصدر سلسلته الأشهر (ما وراء الطبيعة)".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية