هل يردع الموقف العربي أطماع أردوغان في ليبيا؟‎

هل يردع الموقف العربي أطماع أردوغان في ليبيا؟‎


05/01/2020

على غير ما كانت تتوقعه أنقرة، فيما يبدو، جاء موقف جامعة الدول العربية، الأسبوع الماضي، حول الصراع في ليبيا ليسد الفراغ الذي تركه الموقف العربي طوال الفترة الماضية، والذي فتح الباب أمام تدخّلات أجنبية حوّلت ليبيا إلى ساحة خلفيّة لتصريف الحسابات الإقليمية والدولية، والتي كان آخرها التدخل التركي، على حساب الشعب الليبي الذي يدفع ثمن عدم الاستقرار وكلفة التدخل الخارجي منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي عام 2011.


إنّ الموقف العربي مثّل ردّاً قوياً على تركيا، التي تسعى إلى تحويل الساحة الليبية  إلى مشهد مماثل لما حصل في سوريا المحترقة؛ فمنذ اندلاع معركة طرابلس في نيسان (أبريل) الماضي، بين الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وبين قوات الحكومة المتمركزة في المدينة بقيادة فايز السراج، والتدخل الأجنبي لا يتوقف؛ حيث أتاحت تلك المعركة المفتوحة الفرصة أمام موسكو ومختلف العواصم الأوروبية لفرض وجودها بين فرقاء الصراع الداخلي المشتعل، وبدلاً من فتح نافذة للحل السياسي وتعزيز فرص السلام، صبّت بعض القوى الأجنبية الزيت على النار، من خلال اللعب على التوازنات بين المتصارعين.

مثّل الموقف العربي ردّاً على تركيا التي تسعى إلى تحويل الساحة الليبية إلى مشهد مماثل لما جرى في سوريا

وقد وجدت أنقرة أنّ مناخ الفوضى في الساحة الليبية يسمح لها بأن تشرئب بعنقها نحو شمال أفريقيا الذي لا تتوفر على وجود فيه، متطلعة إلى لعب دور إقليمي في المنطقة. وفي هذا السياق أعلن رجب طيب أردوغان في تجمع لحزبه الحاكم "العدالة والتنمية" يوم 26 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أنّ هناك مشروع قانون سيتم عرضه على التصويت في البرلمان التركي، ينص على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا بطلب من حكومتها الموجودة في طرابلس، وهو ما حصل؛ إذ بالرغم من الجدل الذي فجّره القرار بالداخل التركي، إلا أردوغان كان واثقاً من تمريره بالنظر إلى الغالبية التي يتمتع بها حزبه.

اقرأ أيضاً: ماذا بعد تفويض برلمان أردوغان بالعدوان على ليبيا؟
ويظهر أنّ الرئيس التركي يريد أن يسبق قرار التصويت الزيارة التي ينتظر أن يقوم بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الأيام المقبلة، حسبما هو معلن.هذا التزامن المقصود، بالنسبة لأردوغان الذي يوظف الزمن لفائدته بشكل مدروس، يظهر رغبة أنقرة في ليّ ذراع موسكو التي انخرطت في الصراع الليبي ـ الليبي منذ الخريف الماضي؛ فأردوغان يريد أن يحول زيارة بوتين، المبرمجة سلفاً، إلى مناسبة للتفاوض حول موضوع جديد لم يكن على أجندة بوتين، فيما يبدو، ووضعه أمام الأمر الواقع.
ويتطلع أردوغان بشكل أساسي، من خلال التواجد في ليبيا عبر بوابة حكومة السراج، إلى الاستفادة من الثروات الليبية عبر عقد اتفاقيات استغلال وتعاون في المناطق البحرية الليبية، بحيث تتمكّن أنقرة من المضيّ قدماً في أطماعها التوسعية الاستراتيجية التي تتحرك على حساب المصالح العربية، خصوصاً في المياه الإقليمية التي هي محلّ نزاع بين تركيا من جانب؛ وكل من اليونان وقبرص من جانب آخر. وضمن هذا الإطار وقعّت أنقرة مع طرابلس يوم 27 كانون الأول (ديسمبر) الماضي اتفاقين أساسيين، عسكري وبحري، كما قدمت تركيا مساعدات عسكرية لحكومة السراج، في خرق واضح للحظر الدولي على بيع الأسلحة لفرقاء الصراع في ليبيا، والذي أصدرته الأمم المتحدة عام 2011.

اقرأ أيضاً: أطماع أردوغان في ليبيا
ولكن، هل يعني هذا أنّ ليبيا مرشحة لتتحول إلى سوريا جديدة، أو "سوريا شرق المتوسط"؟ لا شيء مستبعد اليوم. ولعلّ القلق العربي والدولي الذي عبّرت عنه عواصم مختلفة يرجح هذا السيناريو الكارثي الذي سينضاف إلى التحديات الأمنية الأخرى في المنطقة، والمرتبطة أساساً بمواجهة إرهاب الجماعات المسلحة، التي ستتيح لها الفوضى في ليبيا مزيداً من التوطن والانتشار. فحتى الآن تفيد بعض المعطيات، شبه الموثوقة، أنّ عدداً من المقاتلين التابعين لتنظيم داعش الإرهابي، والمدعومين من تركيا قد انتقلوا إلى التراب الليبي، وإن صح ذلك سنكون أمام "محرقة" جديدة، في ليبيا هذه المرة.


ويرى بعض المراقبين للمشهد الليبي أنّ التطورات التي حصلت طوال الشهور الماضية والاختراق التركي غير المنتظر تعود إلى عجز الاتحاد الأوروبي عن التعاطي مع الصراع في ليبيا وفق معادلة تسمح بانتصار السلام على الحرب؛ حيث تطوّر الأمر إلى خلاف حول الموقف من الوضع الليبي بين باريس وروما، انعكس على المواقف المشتركة التي كان من الممكن للاتحاد الأوروبي أن يتخذها حيال الأزمة.

وجدت أنقرة أنّ مناخ الفوضى في الساحة الليبية يسمح لها بأن تشرئب بعنقها نحو شمال أفريقيا

وأمام هذا الوضع شبه المسدود، أعرب غسان سلامة، رئيس البعثة الأممية إلى ليبيا، في حوار أجراه مع يومية "لوموند" الفرنسية نشرته يوم 31 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عن قلقه البالغ من الانزلاق الليبي. ورداً على سؤال يتعلق بالتدخل التركي، قال سلامة إنّ ذلك جزء من عدم التحرك الدولي في الوقت المناسب منذ بداية معركة طرابلس التي لا تزال مستمرة؛ حيث إنّه بعد قرابة تسعة أشهر من الاقتتال الداخلي لم يصدر حتى اليوم قرار من مجلس الأمن حول وقف إطلاق النار، وهو ما يسمح بمختلف التدخلات الأجنبية، كما فعلت تركيا التي اعتادت على استغلال كل تراجع للاتحاد الأوروبي في أي موقع من المواقع لصالحها.
ويرى سلامة أنّ الساحة الليبية مرشحة لمزيد من الاحتقان في الفترات المقبلة، إذا استمر الصمت الدولي عما يحصل بالداخل، وتواصل خرق حظر توريد الأسلحة لأطراف الاقتتال. وأعرب سلامة عن قلقه لكون الدول التي تبيع الأسلحة لهذه الأطراف هي نفسها التي صادقت على قرار منع بيع الأسلحة قبل ثمانية أعوام، ما يُقدّم دليلاً قاطعاً على النفاق الدولي في الملف الليبي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية