هل يدفع حزب الله لبنان إلى حرب أهلية؟

هل يدفع حزب الله لبنان إلى حرب أهلية؟


08/06/2020

اعتبر مراقبون كثر أنّ الرسالة الأبرز، في مواجهة لبنان خطر الفتنة أو الحرب الأهلية في انتفاضة متجددة شهدها أول من أمس السبت، أنّ "حزب الله" يمكن أن يدفع لبنان إلى هذه الحدود رفضاً للمطالبة بنزع سلاحه تطبيقاً للقرار 1559 وذلك قياساً إلى اعتباره أنّ المنتفضين تحركهم أهداف مشبوهة، على رغم الأسباب المبررة في الوضع الانهياري الذي يواجهه لبنان.

الاحتجاجات اللبنانية لا تطالب فقط بمعالجة الهموم المعيشية، إنما تطالب، وللمرة الأولى، بنزع سلاح ميليشيا حزب الله

وهذا كان واضحاً، كما تقول الكاتبة روزانا بومنصف في صحيفة "النهار" اللبنانية، في التلويح المسبق بشارع سيقابل الشارع الذي سيتظاهر فيه المنتفضون وعلى نحو يكون أكثر عنفاً ما دامت الشعارات خرجت عن إطار المطالبة بإسقاط الطبقة السياسية ومحاربة الفساد. وشهد لبنان في الواقع نموذجاً من ذلك لدى اغتيال الرئيس رفيق الحريري بذريعة أنه هو من صنع القرار 1559 أو كان وراءه كسبب مباشر تم تكراره لاغتيال الرجل الذي أعاد إعمار البلد. لكنّ هؤلاء المراقبين أنفسهم، وفق "النهار" تساءلوا إذا كان الحزب يستطيع الذهاب أبعد من التهديد، علماً أنّ كل القوى الرئيسية في البلد لم تتحدث عن المطالبة بالقرار 1559 ونأت عن الدفع بهذه المطالبة إلى الواجهة بما فيهم حزب الكتائب باعتباره كان أحد الداعين إلى التظاهرة في وسط بيروت.

 

 

ماذا فعل مناصرو حزب الله وحركة أمل؟

منذ يوم السبت، وبعد الاستنفار الأمني الذي أشعله مناصرو حزب الله وحركة أمل في وسط بيروت، ثم في عين الرمانة، يبدو أنّ لبنان دخل دوامة جديدة من الأزمات المذهبية تضاف إلى وضعه الاقتصادي والمالي المنهار.

ويشهد لبنان أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، يتزامن مع شحّ الدولار وفقدان العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها، عدا عن ارتفاع معدل التضخم، ما جعل قرابة نصف السكان تحت خط الفقر، ودفعت هذه الأزمة، كما تقول "الحرة" مئات آلاف اللبنانيين للخروج إلى الشارع منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والفشل في إدارة الأزمات المتلاحقة.

اقرأ أيضاً: تلويح حزب الله بالانقلاب على الدستور

احتجاجات السبت لم تنته بطريقة تحمد عقباها؛ حيث أشعل أنصار "الثنائي الشيعي"، بطريقة بدت للمتابعين أنّها مدروسة ومنسقة، الشارعَ المعارض لهم، ومعه العصبيات الطائفية عند السنّة والمسيحيين، بعد شتم رموز دينية في وسط بيروت ثم في عين الرمانة، ما أدى إلى غضب عارم سرعان ما تحول إلى اشتباكات مسلحة أسفرت عن سقوط جرحى، وأدى إلى إغلاق طرق اعتراضاً على تصرفات أنصار "الثنائي" الذي كالعادة صدر بيانات عن قياداته تستنكر التعرض للأديان، ولكن دون محاسبة للمناصرين الذي قاموا بهذه الأفعال بطريقة منسقة، وهم معروفون بالأسماء والوجوه وأماكن السكن.

وجابت مسيرات ليلية عدداً من مناطق بيروت وصيدا وطرابلس في لبنان، احتجاجاً على التعرض لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها.

مجموعة الأزمات الدولية: قدرة الطبقة السياسية اللبنانية على الإشراف على التحول الاقتصادي هي موضع شكّ كبير

ونبّه رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري، في تعليق على حادث شتم السيدة عائشة، من مغبّة "الانجرار وراء تصرفات يمكن أن تهدد السلم الأهلي وتفسح المجال أمام الجهلة لإشعال الفتنة".

جاء التحرك بعد تخفيف السلطات مطلع الأسبوع الحالي قيود الإغلاق العام التي فرضتها منذ منتصف آذار (مارس) الماضي لمكافحة وباء كوفيد-19، وأدت إلى تراجع وتيرة التحركات المناوئة للسلطة، ورفعت بعض المجموعات عناوين خلافية بينها نزع سلاح حزب الله، وهو شعار لم تتطرق له غالبية مجموعات الحراك الشعبي غير المسبوق الذي شهده لبنان منذ نحو ثمانية أشهر.

قالت مراسلة قناة "الحرة" من لبنان إنّ اشتباكات مسلحة وقعت السبت بين مجموعات مسلحة تابعة لتيار المستقبل ومجموعات تابعة لحركة أمل.

أزمة اقتصادية خانقة

ويعاني لبنان أزمة اقتصادية خانقة، ويأمل في الحصول على دعم دولي يقدّر بأكثر من 20 مليار دولار للخروج من أزمته، بينها 11 مليار أقرها مؤتمر سيدر في باريس عام 2018 مشترطاً إجراء إصلاحات لم تبصر النور.

وأوردت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير نشرته الإثنين أنّ الأزمة الاقتصادية الراهنة "غير مسبوقة في تاريخ البلاد"، منبّهة إلى أنّ "لبنان يحتاج إلى مساعدات خارجية ملحّة لتفادي أسوأ العواقب الاجتماعية".

 

 

وتخلّف لبنان في آذار (مارس) الماضي عن تسديد ديونه الخارجية، للمرة الأولى في تاريخه. وأقرّت الحكومة نهاية نيسان (أبريل) الماضي خطة إصلاح اقتصادية، طلب لبنان على أساسها مساعدة من صندوق النقد الدولي. ويعقد مسؤولون من الطرفين اجتماعات متلاحقة منذ الشهر الماضي.

وللحصول "على تمويل جديد" وتجنب الأسوأ، يتوجّب على لبنان، وفق التقرير، الذي أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، "تسريع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشكل عاجل" إذ يمكن للمساعدة التي يقدمها أن تمهّد الطريق أمام مساعدات من جهات مانحة أخرى.

اقرأ أيضاً: تعظيم المكاسب.. كيف يستفيد حزب الله من أزمة كورونا؟

بيْد أنّ مجموعة الأزمات الدولية تقول إنّ قدرة الطبقة السياسية على الإشراف على هذا التحول هي "موضع شكّ كبير"، كونه "يسحب البساط من تحت أقدامها".

وأضافت "من الصعب جداً تصوّر أنهم سيفعلون ذلك ما لم يجد اللبنانيون الذين خرجوا إلى الشوارع منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2019 أساليب لممارسة ضغط مستمر على المؤسسات السياسية في البلاد".

هوية رئيس الحكومة المقبل

وفي هذا السياق، يلفت الكاتب في "النهار" غسان حجار إلى أنّ الحديث عن استقالة الحكومة، او إقالتها، لا فرق في النتيجة، يقتضي السؤال عن البدائل، وتحديداً عن هوية رئيس الحكومة المقبل. فالإشارات المتتالية من "أهل البيت" عن فشل الحكومة، تفسر أنّ ثمة نية للتغيير، أو في الحد الأدنى، العمل على "ابتزاز" الرئيس حسان دياب لإخضاعه أكثر، إذ بدا من اللحظة الأولى لانطلاق عمل الحكومة عدم الرضى عليه، لأنه لم يخضع كما أريدَ له، رغم كل التهم التي تلاحقه، والعثرات التي تعترض سبيله، وصولاً إلى "قانون قيصر" بعد اتخاذه وجهة صندوق النقد الدولي، ليكتشف "حزب الله" تحديداً، أنّ صنيعته، وإن بطريقة غير مباشرة، يقترب من الإدارة، بل من الإرادة الاميركية، أكثر من سلفه الرئيس سعد الحريري المتهم من دون أن يقدم تنازلات.

اقرأ أيضاً: اغتيال سليماني.. هل يوثر في تشكيل الحكومة اللبنانية؟

وبات حزب الله، يردف حجار، يرى بوضوح أنّ الحكومة الحالية لا تملك المظلة الكافية لتغطيته في الداخل والخارج، وأنّ النقمة تتزايد لدى "أهل السنّة"، والشرخ يتوسع بين كل المكونات اللبنانية، فيما الوضع المالي الاقتصادي على شفير الانفجار. ويرى الحزب، ومن معه، أنّ الحكومة الحالية لن تتمكن من التصدي للحملة الأمريكية الجديدة عليه، وعلى سلاحه.

وتزداد النقمة الشعبية ضد حزب الله، من قبل الناشطين اللبنانيين والعرب الرافضين للهيمنة الإيرانية على شؤون دولهم؛ فقد تحول هاشتاغ "#نرفض_ارهاب_الازعر_نصرالله" إلى أحد أكثر الهاشتاغات تداولاً في بعض الدول العربية، وخصوصاً في لبنان والعراق.

 

 

وأفاد منظمون من الحراك اللبناني الذي اندلع السبت بأنّ الاحتجاجات لا تطالب فقط بمعالجة الهموم المعيشية، إنما تطالب، وللمرة الأولى، بنزع سلاح ميليشيا حزب الله.

وفي هذا الإطار، توجه شبان إلى شارع بشارة الخوري بالقرب من جسر الرينغ وهم يهتفون ضد سلاح حزب الله، إلا أنّ الجيش منع تقدمهم.

وذكر مراسل "العربية" أنّ قوات الشغب أطلقت قنابل مسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، فيما حاول الجيش الفصل بين متظاهرين ومناصرين لحزب الله وآخرين تابعين لحركة "أمل" والتي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري والذين كانوا يتوجهون إلى وسط بيروت وهم يهتفون بشعارات طائفية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية