
بينما تعيش الأحزاب السياسية في تونس، بكافة أطيافها، حالة من الجمود؛ منذ 25 تموز / يوليو 2021 وتعمقت بعد انتخابات تشرين الأول / أكتوبر الماضي، فتح الرئيس التونسي قيس سعيد النقاش بشأن مدى استعداده لفتح أبواب الحوار مع الأحزاب في البلاد، بعد أن شدد في آخر خطاب له على أهمية "الوحدة الوطنية" وذلك في سياق حديثه عن التحديات التي تواجه تونس عام 2025.
وقال سعيد، خلال إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء، إن "تحديات كثيرة سنرفعها وأهم سدة في مواجهة كل أشكال التحديات في ظل هذه الأوضاع المتسارعة وغير المسبوقة التي يشهدها العالم اليوم، تتمثل في وحدة وطنية صمّاء تتكسّر على جدارها كل المحاولات اليائسة لضرب الاستقرار".
وأكد أن سنة 2025 "ستكون سنة كل التحديات وتجسيد آمال الشعب التونسي وانتظاراته المشروعة في الشغل والحرية والكرامة الوطنية".
إنهاء القطيعة
في تعليقه على هذا الموضوع، يرى الأمين العام لحزب "مسار 25 جويلية/يوليو" (داعم للسلطة) محمود بن مبروك، أن حديث سعيد عن الوحدة الوطنية يحمل في أبعاده رغبة في التهدئة وإنهاء القطيعة وفتح أبواب الحوار مع مختلف القوى السياسية والمنظمات الوطنية وتجميعها تحت راية الوطن.
ويقول بن مبروك لشبكة "الحرة" إن كلام الرئيس عن الوحدة الوطنية لم يكن اعتباطيا، بل يحمل قراءة استشرافية للتطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعيشها تونس.
ويشدد في السياق ذاته على أهمية الانفتاح على الآراء السياسية الناقدة والبناءة وفقا لمقتضيات المرحلة الجديدة وتغليبا لمصلحة الوطن، مشيدا بخطوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نحو فتح حوار سياسي وطني مع الأحزاب السياسية تفاديا لأي انفجار اجتماعي في البلاد.
ومنذ الـ25 من يوليو / تموز من العام 2021 أصدر الرئيس قيس سعيد قرارات بحل مجلسي النواب والأعلى للقضاء، وحل الحكومة المدعومة آنذاك من حركة النهضة الإسلامية، في خطوة وصفتها الأحزاب السياسية المعارضة بـ"الانقلاب"، فيما قال الرئيس سعيد إنها خطوات ضرورية من أجل تصحيح مسار الثورة.
هل ولى زمن الأحزاب السياسية
وبات دور الأحزاب السياسية في تونس هشًّا للغاية منذ سنوات، وزاد وقعها تعقيدًا في ظل مقاطعة هذه الأحزاب للانتخابات النيابية والمحلية التي عرفتها البلاد في وقت سابق؛ ما يثير تساؤلات حول مستقبلها.
في السياق، قال المحلل السياسي التونسي، نبيل الرابحي، إن"الدور الكلاسيكي للأحزاب انتهى"، مضيفا: "هذا في الواقع ليس من الآن حيث انتهى في الثمانينيات وقد لاحظنا ذلك أكثر في السنوات الأخيرة بصعود قيس سعيد وغيره".
وأكد في تصريح خاص لـ "إرم نيوز" أن "السؤال الذي يطرح اليوم: هل الديمقراطية ما زالت ترتكز على الأحزاب السياسية والأجسام الوسيطة أم لا؟"، مؤكدا أن: "هذا يبقى سؤالًا نظريًّا وللنقاش وربما ليست له إجابة في الوقت الراهن، لكن يجب العمل على تطوير الديمقراطية".
وشدد على أن "من ناحية أخرى من الضروري إيجاد خطاب سياسي في تونس يتماشى والعصر الحالي"، وأشار إلى أن المفهوم الكلاسيكي للأحزاب انتهى والمفهوم الكلاسيكي للسلطة الغنيمة انتهى، لذلك يجب تطوير خطاب جديد يتماشى مع الأجيال الجديدة والتكنولوجيا".
على الأحزاب السياسية البحث عن بدائل على مستوى الخطاب والقيادات بشكل يتيح لها استعادة ولو القليل من شعبيتها إذا كانت فعلاً تنوي العودة
من جانبه، وقال المحلل السياسي التونسي، محمد صالح العبيدي، إن "الأحزاب السياسية في تونس تعيش حالة من الإحباط التام بسبب الانتكاسات التي تعرضت إليها، وهي انتكاسات ناجمة عن عدم قيامها بمراجعات ودخولها في مواجهة واستنزاف مع السلطة".
وتابع العبيدي في تصريح لـ "إرم نيوز" أن "مستقبل الأحزاب السياسية في تونس يبدو قاتمًا ما لم يحدث تغيير ما، إذ سيستمر تهميشها بشكل كبير خاصة أنه لا ممثلين لها في كتل بارزة في غرفتي البرلمان، المجلس الوطني للجهات والأقاليم ومجلس النواب".
وأكد أن "على الأحزاب السياسية البحث عن بدائل على مستوى الخطاب والقيادات بشكل يتيح لها استعادة ولو القليل من شعبيتها إذا كانت فعلاً تنوي العودة إلى الساحة السياسية بقوة".
حضور الأحزاب يتلاشى
ومنعت السلطات الأمنية “حركة النهضة الإخوانية”، منذ نيسان / أبريل 2023، من تنظيم اجتماعاتها وأغلقت جميع مقراتها في البلاد، كما يقبع عدد من قيادييها البارزين ومن بينهم زعيم الحركة راشد الغنوشي في السجن بشبهة التآمر على أمن الدولة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في تصريح سابق لصحيفة "العرب": ”تعاني الأحزاب أيضا من مشاكل منذ القدم لأنها لم تتأسس وتتطور في مناخ ديمقراطي وأحيانا هي مشلولة وعاجزة عن إدارة الشأن العام، ثبت هذا بعد ثورة 2011 عندما توفرت لها الفرصة للحكم لكنها عجزت وفشلت”.
وتلاشى حضور الأحزاب تدريجيا مع نظام “الحكم القاعدي” الذي أرساه الرئيس سعيد بعد 2021، بدءا بنظام انتخابي يعتمد الاقتراع على الأفراد في الانتخابات البرلمانية بدل الاقتراع على القوائم، وهو ما ضاعف من تهميش دور الأحزاب.
لكن على الجانب الآخر ، يلقي محللون باللائمة على الأحزاب نفسها في انحسار دورها وضرب مصداقيتها لدى الناخبين.
وبعد فترة وردية أعقبت سقوط حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011، بلغ فيها النشاط الحزبي ذروته حيث ناهز عددها 250 حزبا حتى عام 2020، وهو عدد ضخم مقارنة بعدد السكان، جاءت الانتكاسة الكبرى في 2021.
وقال الجورشي ”هناك فجوة في علاقة الأحزاب بالجمهور، لم يتعود الجمهور على نظام تعددي ولذلك هو في حالة اضطراب إزاء تغير الحكومات”، وأضاف ”يتعين على الأحزاب أن تعيد بناء الثقة مع المواطنين لكسب المصداقية”.
الأحزاب تلوذ بالصمت منذ انتخابات الرئاسة
يذكر أن الأحزاب السياسية في تونس، خاصة المعارضة منها لجأت إلى "الصمت"، بعد أسبوعين من الانتخابات الرئاسية، التي أُعيد فيها انتخاب الرئيس "قيس سعيد"، لولاية ثانية مدتها 5 سنوات، بنحو 90% من الأصوات.
وتعرضت المعارضة في تونس إلى هزيمة قاسية عندما فشلت في إيصال المرشح المسجون عياشي الزمال إلى دور ثانٍ أو الفوز برئاسة البلاد، عندما واجه قيس سعيد والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي في السادس من أكتوبر الجاري.
واعتبر محللون أن "الأحزاب السياسية لم تكن لها برامج أو مشاريع لإنجازها وتنفيذها، حتى تقوم بمراجعات في المرحلة الراهنة"، وأن هذه الأحزاب "حاولت فقط أن تكون حاضرة في فلك الانتخابات الرئاسية، من أجل أمل صغير في تغيير المعادلة، ولكنها فشلت في ذلك كما كان متوقعًا".