
برغم ما يؤكد أخصائيون حول أن للكتاتيب دورا هاما في نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف والتشدّد لما تكتسيه مرحلة ما قبل الدراسة من أهمية في تربية الناشئة على نبذ كل أشكال التطرّف، غير أن جماعة الإخوان بتونس قد شوهت هذا المفهوم خلال السنوات العشر التي حكمت خلالها البلاد، واستغلت الكتاتيب لخدمة أجنداتها المتطرفة ونشر فكرها بين الناشئة.
هذا ولا تزال السلطات بقيادة الرئيس قيس سعيّد تحاول تجاوز مخلفات هذه "العشرية السوداء"، عبر فرض رقابة على الجمعيات الناشطة من العام 2011 والمدارس القرآنية وخصوصا الكتاتيب، عبر تشديد الرقابة وملاءمة البرامج التعليمية والتثبت من مصادر التمويل.
وقد أثبتت تقارير بعد العام 2011 أنّ جهات متطرّفة قد أحكمت سيطرتها على أغلب الكتاتيب التابعة للمساجد في تونس، بعد أن تمكنت من السيطرة على دُور العبادة مستغلّة حالة الارتباك الأمني والمؤسساتي التي عصفت بالبلاد بعيد الثورة.
لكن مختصون وسياسيون تونسيون أكدوا أن وزارة الشؤون الدينية نجحت نسبيا، خلال الفترة الأخيرة، في القضاء على الكتاتيب القرآنية العشوائية التي لا تعترف أغلبها بالمناهج الرسمية في التدريس.
رقابة مكثفة
والأسبوع الماضي، أصدرت وزارة الشؤون الدينية بلاغا أكدت فيه أن نحو 2040 كتّابا يستقبل أكثر من 60 ألف تلميذ، يدرسون في قسمي السّنة التحضيرية والسنة التمهيدية، وأن الكتاتيب، التي تشرف عليها وزارة الشؤون الدّينية، تعتمد "برنامج دليل مرجعي للتربية بالكتاتيب ومنهاج السنة التحضيرية لوزارة التربية".
الكتاتيب التي تشرف عليها وزارة الشؤون الدّينية تعتمد "برنامج دليل مرجعي للتربية بالكتاتيب ومنهاج السنة التحضيرية
وكان وزير الشؤون الدّينية أحمد البوهالي زار، أمس الثلاثاء، عددا من الكتاتيب، وهي كتّاب جامع القدس بباردو وكتّاب جامع أبي بكر الصّديق بحلق الواد وكتّاب جامع القدس بالكباريّة من ولاية تونس، وأوصى بتطبيق مناهج وبرامج وزارتي الشؤون الدّينية والتربية مع المحافظة في الآن ذاته على خصوصية مؤسّسة الكتّاب، حسب ذات المصدر.
ودعا في هذا الصدد إلى تحسين ظروف الفضاء الذي يدرس فيه الأطفال والالتزام بتوصيات وزارة الصّحة، مؤكّدا على أهميّة غرس القيم السّمحة لدى الناشئة.
وأفاد البلاغ بأنّ وزارة الشؤون الدّينية تحرص على تنظيم برامج تكوينية دوريّة للمؤدّبين على المستويين الجهوي والوطني لتطوير آدائهم ومواكبة المستجدّات في قطاع التربية والطفولة.
مؤسسات ضاربة في القدم
وفي هذا الصدد يعرف المدير العام العناية بالقرآن الكريم بوزارة الشؤون الدينية نوفل جراد الكتاتيب بأنها "مؤسسات ضاربة في القدم في تونس وتقدم خدمات تربوية اجتماعية للأطفال بين الأربع والست سنوات، أي ما قبل الدراسة"، بحسب ما نقلت عنه "اندبندنت عربية".
وأضاف أنها "فضاء تربوي عمومي يؤمه الأطفال، ويعمل بخاصة على تحفيظ الأطفال نصيباً من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وعلى تربيتهم على الآداب والأخلاق الفاضلة وتعليمهم المبادئ الأساس للغة العربية، وكذلك تدريبهم على الأنشطة الرياضية المناسبة لهم بما يسهم في تنمية مهاراتهم وتطوير ملكاتهم ونموهم الذهني والبدني والنفسي وإعدادهم لمراحل التعليم اللاحقة، ويحجر ترسيم الأطفال الذين يقل سنهم عن أربع سنوات".
تنظيم الكتاتيب
سعياً لاحتواء الانفلات الذي أحدثته "عشرية الإخوان السوداء" في هذه الكتاتيب، أصدرت وزارة الشؤون الدينية التونسية أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي قراراً يتعلّق بتنظيمها.
وعرّف هذا القرار الكتّاب (مفرد كتاتيب)، على أنّه "فضاء تربوي عمومي يؤمّه الأطفال المتراوحة أعمارهم بين (4 و6) أعوام، ويعمل خاصة على تحفيظ الأطفال نصيباً من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وعلى تربيتهم على الآداب والأخلاق الفاضلة، وعلى تعليمهم المبادئ الأساسية للّغة العربية، وتدريبهم على الأنشطة الرياضية المناسبة لهم، بما يساهم في تنمية مهاراتهم وتطوير ملكاتهم ونموهم الذّهني والبدني والنّفسي، وإعدادهم لمراحل التعليم اللاحقة، ويحجر ترسيم الأطفال الذين يقلّ سنّهم عن (4) أعوام".
وحسب القرار، تخضع الكتاتيب لإشراف وزارة الشؤون الدينية إدارياً وفنّياً، من حيث إحداثها وبرامجها التربوية ونظام وتوقيت التدريس فيها وطاقة استيعابها، ويتولّى المؤدبون مهمة التربية بمقتضى قرار تكليف من وزير الشؤون الدينية ويحجر التدريس بالكتاتيب على من ليس له صفة مؤدب.
كما نصّ القرار على أنّ الكتاتيب تخضع للتراتيب المعمول بها في مجال الصحة والسلامة، وخاصة منها الأحكام المتعلقة بإصدار مجلة السلامة والوقاية من أخطار الحريق والانفجار والفزع والبنايات، ويتولّى متفقّدو الشؤون الدينية والوعاظ تفقّد ومتابعة سير الأنشطة التربوية بالكتاتيب كل في نطاق مهامه.
ويقع تأجير المؤدبين على أساس مقتضيات أوامر حكومية، ويحجّر اعتماد برامج تربوية مخالفة لبرنامج التربية بالكتاتيب المقرر من قبل وزارة الشؤون الدينية.
ونصّ أحد فصول هذا القرار على أنّه يتمتّع بمجانية الدراسة بالكتاتيب الأيتام، وأطفال العائلات المعوزة، والأطفال ذوو اضطرابات طيف التوحد.
العشرية السوداء
يُذكر أنّ تونس عاشت خلال العشرية الماضية وضعاً خطيراً جداً في علاقة باستقطاب الأطفال والشباب، وتوجيههم نحو التطرف والإرهاب والتكفير والسفر نحو بؤر التوتر، إذ وفرت حركة النهضة والحكومات الموالية لها، والإسلام السياسي بصفة عامة، نوعاً من الحماية لتلك المؤسسات والسماح لها بممارسة أنشطتها بكل أريحية.
وفي كانون الثاني (يناير) 2019 تصاعد الجدل في الأوساط التونسية إثر الكشف عن مدرسة قرآنية عشوائية في مدينة الرقاب التابعة لمحافظة سيدي بوزيد (وسط غرب)، تلقّن الأطفال أفكاراً داعشية متطرفة وتعاملهم معاملة سيئة في ظروف صحية قاسية.
وردّت السلطات وقتها بالقيام بحملة أغلقت بموجبها عشرات المدارس القرآنية المشبوهة، وتم إيقاف عدة أشخاص بتهمة "الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال والاعتداء بالعنف والاشتباه في الانتماء إلى تنظيم إرهابي"، حسب بيان صدر عن وزارة الداخلية في ذلك الحين.
وما تزال حوالي (4) آلاف جمعية ومدرسة قرآنية ومعهد شرعي وفروع لتنظيمات إسلامية، على غرار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تواصل نشاطها في تونس.
ويشير مراقبون إلى أنّ المدارس القرآنية العشوائية والكتاتيب الناشطة تحت غطاء الجمعيات الخيرية هي في الواقع "استراتيجية تتبعها التنظيمات الأصولية المتطرفة لتكوين جيش احتياط يساعدها في تنفيذ عمليات إرهابية في المستقبل".
ويؤكد خبراء في علم الاجتماع أن نشر الأفكار المتطرفة والمتشدّدة يكون أكثر سهولة في المناطق المهمشة والفقيرة وهو المكان الذي تسلّلت إليه العديد من الجمعيات الخيرية عبر رفع شعار الأنشطة الخيرية ومساعدة المواطنين في تأمين مستلزمات الدراسة وما إلى ذلك من ضروريات الحياة.