هل غيرت قضية جوني ديب وأمبر هيرد النظرة إلى "الناجيات" من العنف؟

هل غيرت قضية جوني ديب وأمبر هيرد النظرة إلى "الناجيات" من العنف؟


05/06/2022

انتهت مساء الأربعاء الماضي القضية الأكثر جدلاً على مدار الأشهر الماضية، بين نجمي هيوليود جوني ديب وأمبر هيرد، بكسب الأول للادعاء وتبرئته من تهمة العنف المنزلي ضد طليقته، وتغريمها نحو (15) مليون دولار، على أن تحصل في المقابل على (2) مليون دولار كتعويض في قضية أخرى.

وبعد دقائق من إعلان الحكم، سارع الممثل الأمريكي الشهير للتعليق قائلاً: إنّ المحكمة "أعادت إليه الحياة بعد (6) أعوام متواصلة من المعاناة"، معبّراً عن سعادته وتأثره البالغ بالقرار.

أمّا هيرد، فقالت إنّها محبطة، واعتبرت الحكم "خطوة إلى الخلف، وأنّها تشعر بخيبة أمل غير مسبوقة"، وأعلن فريقها الدفاعي لاحقاً الاستئناف على الحكم لتقليل المبلغ.

 

رحاب هاني: أمبر أضرّت بقضايا المرأة المعنفة بشكل كبير وسلوكها سيترك آثاراً مستقبلية سيئة في تعاطي الرأي العام معها

 

وبالرغم من أنّ حكم هيئة المحلفين الأمريكية قد أسدل الستار قانونياً على قضية الثنائي الشهير، إلا أنّ التداعيات الخاصة بها ما تزال حاضرة بشكل قوي وربما تمتد إلى أعوام، على حدّ وصف مراقبين، خاصة ما يتعلق بقضية العنف ضد النساء، ومدى مصداقية الضحايا في تلك القضايا، ويبدو أنّ خسارة هيرد وإثبات زيف ادعاءاتها في غالب الوقائع المذكورة في القضية قد فتح الباب واسعاً لمراجعة الفكرة المترسخة حول الضحايا أو الناجيات من العنف الأسري، وأنّ الرجل ليس دائماً هو المتهم أو الجاني في مثل هذه الوقائع.

ملايين طالبوا بمنع هيرد من التمثيل

في اليوم التالي من إصدار الحكم، نشرت صحيفة "ديلي ميل البريطانية" عريضة موقعة من (4.4) ملايين شخص تطالب باستبعاد أمبر هيرد من دور الملكة ميرا في فيلم "أكوا مان 2".

ويسعى القائمون على العريضة إلى جمع (4.5) ملايين توقيع، وهو ما يعني أنّ المبادرة أضحت قريبة من بلوغ مسعاها، كما أنّها أضحت الأكثر إقبالاً على منصة "Change.org"، بحسب شبكة "سكاي نيوز".

 

٤٤ ثانية (قفلة كاميل فاسكيس لمرافعتها قبل ما يكمل بن شو المحامي الثاني في فريق دفاع ديب) كانت الثواني الأهم ….. الزيتونة الحقيقية . . "اللي شهدت بيه أمبر هيرد في المحكمة هي قصة نساء كتير جدًا بيعانوا من العنف المنزلي ، لكن ما قدمته من دلائل مزيفة في مقابل ما ادعته بيأكد بالدليل القاطع إنها مش قصتها ….. مش قصة أمبر هيرد ………. ولكنه في الحقيقة كان فعل قاسي منها مش بس تجاه جوني ديب ولكن تجاه كل ناجية حقيقية من العنف المنزلي …. عشان تطلع أمبر هيرد للعالم وتحاول (كذبًا) إنها تصدر نفسها كشخصية عامة ناجية من عنف منزلي كان فعل خاطئ ، غير حقيقي ، وسبب في تشهير حقيقي لأطراف أخريين ، وتسبب في إساءة وضرر غير قابل للإصلاح …" . . أكثر من رائعة 👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼 أكثر من رائعة 👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼 أكثر من رائعة 👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼 كاميل فاسكيس ♥️ #محاكمة_جوني_ديب_وامبر_هيرد

Posted by Rehab Hany on Friday, May 27, 2022

ردود الفعل التي أعقبت الحكم، أو تزامنت مع إجراءات التقاضي، كانت متباينة إلى حدٍّ كبير في إظهار التعاطف مع كلا الطرفين، لكنّ ديب استحوذ على الجانب الأكبر من هذا التعاطف بعد إثبات براءته، وربما بات هناك شبه اتفاق من المؤيدين والمعارضين، وحتى المنظمات النسوية، حول أهمية المراجعة والتدقيق في الشكاوى والأطروحات التي تقدّمها النساء بخصوص تعرضهنّ لوقائع العنف أو الاضطهاد الأسري.

كيف أساءت هيرد لجميع النساء؟

الحديث حول هذا المحور أثارته بشكل أساسي كاميل فاسكيس محامية جوني ديب في مرافعتها الأخيرة أمام المحكمة، حين قالت: "إنّ ما شهدت به أمبر هيرد في المحكمة هي قصة نساء كثيرات يعانين من العنف المنزلي، لكنّ ما قدمته من دلائل "مزيفة"، في مقابل ما ادّعته، يؤكد بالدليل القاطع أنّها ليست قصتها، لكنّه في الحقيقة فعل قاسٍ جداً، ليس فقط بحق ديب، ولكنّه بحق كلّ ناجية من العنف المنزلي".

وتابعت فاسكيس: إنّ "ظهور هيرد ومحاولتها "كذباً" تصدير نفسها كشخصية عامّة ناجية من العنف المنزلي كان فعلاً خاطئاً، وغير حقيقي، وسبّب في تشهير حقيقي لأطراف آخرين، وتسبب في إساءة وضرر غير قابل للإصلاح".

 

يارا نحلة: من اليوم فصاعداً ستستخدم هذه القضية ذريعة لتكذيب الناجيات ودليلاً على ممارسة النساء للعنف

 

الأستاذة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة رحاب هاني كانت متابعة دقيقة لأحداث القضية بين الثنائي الشهير منذ بداية إجراءات التقاضي قبل نحو شهر ونصف الشهر، وحرصت على تقديم متابعة يومية وتحليل لما يجري داخل ساحة المحكمة الأمريكية، وقد اعتبرت أنّ ما فعلته هيرد "قد أضرّ بقضايا المرأة المعنفة بشكل كبير، وسيترك آثاراً مستقبلية سيئة في تعاطي الرأي العام مع هذا النوع من القضايا، وأكدت أنّه لا يمكن التسليم برأي أو حكم في مثل هذه القضايا مستقبلاً إلا بعد ثبوت أدلة إدانة قاطعة".

الأستاذة رحاب أكدت خلال منشورات متتالية عبر صفحتها على موقع  "فيسبوك" أنّ القضية تمثل تحولاً في أنماط التعامل مع هذا النوع من القضايا، للفصل بين الوقائع الحقيقية والمزيفة، والتعاطف الحقيقي مع الناجيات، أصحاب القصص الحقيقية ودعمهن بكل السبل، وفي المقابل الانتصار للطرف الذي يقع عليه ظلم أو يتعرض لمحاولة ابتزاز أو تشهير.

هل تنسف خسارة هيرد جهود العدالة من أجل النساء؟

من جانبها ترى الكاتبة يارا نحلة أنّ "طليقة جوني ديب نسفت ما حققته النساء خلال أعوام في مسرحية واحدة".

جوني ديب استحوذ على الجانب الأكبر من التعاطف بعد إثبات براءته

وفي مقالها المنشور بموقع وكالة "أخبار اليوم"، تحت عنوان "شكراً أمبر"، تقول نحلة: "يبتهج كثر اليوم، لا سيّما الذكور، إزاء سقوط أمبر هيرد المدوّي، وانكشاف أكاذيبها، لما تمثّله هذه الأكاذيب العلنية من حجّة للتشكيك في شهادات النساء اللواتي يتعرّضن للعنف المنزلي والتحرّش الجنسي. إنّ الانتقام من هيرد ليس انتقاماً من المرأة التي ثبتت عليها تهمة الكذب فحسب، بل هو انتقام من كلّ امرأة كسرت حاجز الصمت وتمّ تصديقها، إنّه انتقام من حركة "Me Too" التي أرست قاعدة تصديق الناجيات".

وتضيف: "لا أحد ينكر أنّ ثمة رجالاً يتعرضون للعنف المنزلي، لكنّ قضية بهذا الحجم وبهذه التغطية الإعلامية من شأنها أن تعادل بين الاضطهاد التاريخي الذي عرفته النساء، وهو عنف ذو طابع ممنهج ومتأصّل في الثقافة وهياكل السلطة الذكورية، وبين ما تعرّض له جوني ديب وقلّة من الذكور الذين يقعون ضحية نساء مضطربات.

 

مناهل السهوي: الخوف اليوم يتمثّل في أن تترك قضية الثنائي الشهير أثراً حتمياً في كيفية تعامل الجموع مع قضايا من هذا النوع خاصة في المنطقة العربية

 

وتتابع: "لا أحد ينكر أيضاً أنّ ثمة نساء كاذبات، فالكذب، ككل شيء آخر، ليس حكراً على الرجال، لكنّ الخطاب النسوي الذي يرفع شعار تصديق الناجيات هو خطاب سياسي واعٍ للخلل في موازين القوى بين النساء والرجال، وهو بالتالي يدعو إلى إنصاف الغالبية الساحقة من النساء اللواتي تعرّضن فعلاً للعنف، بدءاً بتصديق رواياتهن".

ذريعة لتكذيب الناجيات

وبحسب نحلة، "من اليوم فصاعداً، ستستخدم قضية جوني ديب كذريعة لتكذيب الناجيات، وكدليل على ممارسة النساء للعنف، "مثلهنّ مثل الرجال"، يمكننا أن نودّع إذن شعار "تصديق الناجيات"، لأنّ "ناجية" واحدة انفضحَت ككاذبة. إنّ ما حققته النساء في الأعوام الأخيرة، بمن فيهن نساء هوليوود، لجهة إضفاء الشرعية على أقوال النساء وتجاربهن، تمّ هدره في مسرحية إعلامية واحدة".

هيرد... "قديسة الذكوريّين"

أمّا الكاتبة السورية مناهل السهوي، فترى في مقالها المنشور بعنوان: "أمبر هيرد، "القديسة" الجديدة للذكوريّين"، أنّ "أمبر هيرد تمثل اليوم الصورة المطبوعة في العقل الجمعي، ولذا يبدو تأثيرها قوياً، أصبحت الإثبات القطعي المُنتظر لمظلومية الرجل، أو ببساطة، لمقولة: "ألم نقل لكم إنّ النساء شرّيرات؟!".

مناهل السهوي: قد تكون أمبر شريرة لكن ليس لكونها امرأة بل لكونها نفسها

وتضيف: "قد تكون أمبر شريرة، لكن ليس لكونها امرأة، بل لكونها نفسها، أمّا الخوف اليوم، فيتمثّل في أن تترك هذه القضية أثراً حتمياً في كيفية تعامل الجموع مع قضايا من هذا النوع، خاصة في المنطقة العربية، حيث لم يمضِ وقت طويل على نجاح الحركات النسوية في إيصال رسائلها وقضاياها إلى الحيّز العام، فتستحيل قضية جوني وأمبر حجّة جديدة لكارهي النساء ومكذّبيهن.

متسائلة: "هل سيجعل التجنّي المُحتمل لأمبر على جوني من كلّ النساء المعنَّفات كاذبات؟ وهل إيذاؤها لإصبع جوني يجعل من كلّ الرجال ضحايا نساء عنيفات في السرّ؟"

مواضيع ذات صلة:

صورة الجسد في وعي المرأة الريفية بين الدين والأعراف الاجتماعية

لماذا يعتقد "الإخوان" أنّ نشاط المرأة في الحياة العامة عهر؟

عن الوجه الآخر في فكر طلعت حرب.. هذا موقفه من قضايا المرأة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية