لماذا يعتقد "الإخوان" أنّ نشاط المرأة في الحياة العامة عهر؟

لماذا يعتقد "الإخوان" أنّ نشاط المرأة في الحياة العامة عهر؟

لماذا يعتقد "الإخوان" أنّ نشاط المرأة في الحياة العامة عهر؟


11/02/2024

يلجأ الإخوان عادة، في كتابة التاريخ، إلى المبالغة والاختلاق لدعم منطقهم ورؤيتهم للأسباب التي أدت إلى ظهور جماعتهم، وربما كان عنوان الدعوة فريضة شرعية وضرورة بشرية عنواناً أثيراً لديهم، في محاولة إقناعهم لكثيرين بضرورة هذه الجماعة، التي يأتي ظهورها لديهم مطلباً شرعياً وضرورة اجتماعية.

في هذا السياق يحاولون تقديم الحالة الاجتماعية والفكرية التي سبقت ظهورهم، بأنّها كانت بيئة غير مثالية تفتقر لوجودهم وتنتظر أدوارهم.

ففي مجال الدعوة الإسلامية، مثلاً، لم يكونوا هم الجمعية الأولى، ولن يكونوا الأخيرة بالطبع، التي استشرفت ممارسة الدعوة الإسلامية في المجتمع المصري، لكن هل حمدوا لتلك الجمعيات أدوارها، وحملوا معها عبء الدعوة دون أيّة أجندات خاصة سوى تمكين القيم والسعي لمرضاة الله وتحصيل الثواب في العاجل والآجل؟

لم يقف الإخوان في اتهامهم عند الجمعيات السلفية والدعوية، بل اتهموا الطرق الصوفية بأنّها تربّي أعضاءها على السلبية، وكأنّ تربية النفوس على السلام مما لم يدع له الدين

ظهرت الجمعيات الإسلامية قبيل الحرب العالمية الأولى، مثل: الجمعية الشرعية، وجمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، وازداد عددها بصورة ملحوظة في الفترة التي أعقبت الحرب، خاصة خلال العشرينيات، وأهمها جمعية أنصار السنة المحمدية وجمعية الشبان المسلمين، وقُدّر عدد تلك الجمعيات، عام 1947، أي بعد مرور 19 عاماً على تأسيس الإخوان، بحوالي 135 جمعية، يؤكّد الإخوان أنّه لم ينشأ بعد تأسيس الإخوان منها إلا عدد محدود.

فلماذا أحجم الناس عن المضي في تأسيس المزيد من تلك الجمعيات التي كانت تنهض بنشاط واضح في حقل الدعوة إلى جانب دعاة الأزهر الشريف؟

اقرأ أيضاً: هذا هو الدور الذي لعبته "الأخوات" في صناعة الإرهاب داخل الجماعة

هل كانت تلك هي جناية الإخوان على المجتمع، في التوجس من كل جمعية ترفع راية الدعوة إلى الدين ومكارم الأخلاق، خصوصاً أنّ الإخوان، كجمعية نشأت لهذا الغرض وقدمت نفسها باعتبارها غيورة على قيم الدين والأخلاق، ثم ما لبثت، بعد 10 أعوام، أن كشفت عن مراميها وأهدافها السياسية، التي خلطت فيها بين العمل السرّي والعلني، بين الدعوي والسياسي، وبين المدني والعسكري؟

تعامل الإخوان مع تلك الجمعيات بقدر كبير من التوجس والقلق، وحاولوا أن يقطعوا طريقها إلى الناس؛ باتهامها بأنّها لا تعرف الدين بشموله مثلهم وتختصر حقائق الدين، ومن ثم فهي تبشر بنسخة ناقصة للدين.

 يقول مؤرّخهم، في الكتاب الذي أعدته لجنة من منسوبي الجماعة، من أساتذة أقسام التاريخ بالجامعات المصرية، وحمل عنوان "أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين" بتوقيع عضو مكتب الإرشاد جمعة أمين عبدالعزيز: "ويرى البعض أنّ هذه الجمعيات نشأت نتيجة ضعف الأمة الإسلامية وانتشار الفساد الخلقي في المجتمع، واتجاه الحكّام المسلمين إلى تقاليد الغرب، لذلك فقد تعدّدت مناهجها؛ فمنها ما توجّه نحو المعونة والمواساة، ومنها ما توجه إلى إعانة الفقراء والمساكين، كجمعية العروة الوثقى والجمعية الخيرية الإسلامية، أما ما عدا ذلك من الجمعيات؛ فإنّ منهجها إلقاء العظات والنصائح والإرشادات الدينية، ما عدا جماعة الإخوان المسلمين؛ الذين كان لديهم منهج آخر "لاحظ أنّ هذا التقويم يجعل الإخوان هم الأقدر والأكفأ والأشمل في فهم الدين؛ لذا يصفون نشاط الجمعيات الأخرى بالقصور"، وكانت جهود تلك الجمعيات غالباً ما تصبّ في اتجاه هدف إصلاح الفرد المسلم، دونما وجود تصوّر متكامل لإصلاح المجتمع، وقد أدّت سمة الجزئية التي طبعت اهتمام كلّ منها إلى وقوع الفرقة فيما بينها ونشوب الخلافات الكلامية، التي كانت تؤدّي بدورها إلى تكريس طابع الاهتمام الجزئي بالإسلام".

اقرأ أيضاً: الأخوات المسلمات.. ما سر ترويج الجماعة للنموذج النسوي الإيراني؟

تأمل هذه المغالطات؛ إصلاح الفرد والانشغال به يعني لديهم غياب تصور لإصلاح المجتمع، وهل المجتمع إلا أفراد؟ ثمّ هذا التنوع في النشاط في تلك الجمعيات بين أعمال البر والدعوة وانشغال كلّ فريق بما يتقنه، أليس تنوعاً خلّاقاً وكلّ ميسّر لما خلق له؟ وهذا تعدّد مفيد وليست فرقة مضرة، كما يتوهم الإخوان، الذين تلبستهم روح الشمولية في الأهداف والوسائل إلى حدّ أن جعلوا جماعتهم ميداناً لكلّ نشاط يتعارض مع غيره، فلم يفلحوا في ميدان واحد ممّا ادّعوا العمل والنشاط فيه.

لم يقف الإخوان في اتهامهم عند الجمعيات السلفية والدعوية، بل اتهموا الجمعيات أو الطرق الصوفية بأنّها تربّي أعضاءها على السلبية، وكأنّ تربية النفوس على السلام مع الخلق والكون مما لم يدع له الدين! يقول مؤرخهم: "فإذا أضيف إلى ذلك أنّ الطرق الصوفية في مصر في تلك الفترة كانت من خلال ممارستها تضفي مزيداً من السلبية على أتباعها وتعزلهم عن الحياة العامة شيئاً فشيئاً".

كان من المعروف أنّ أحد كبار شيوخ الصوفية، وهو الشيخ التيجاني، كان قد نصح حسن البنا حين فاتحه بشأن فكرته وجماعته، بالانصراف عن ذلك والانشغال بالتربية والسلوك، حاثّاً إياه على الابتعاد عن السياسة، واكتشف البنا صواب تلك النصيحة قبل وفاته، لكنّ مؤرّخ الجماعة تغافل عن ذلك وحرص على أن يميز الإخوان عن كلّ الجماعات بشمول الفكرة والتصوّر، واتّهام باقي العاملين للإسلام بقصور الفهم والتصور والسلوك.

اقرأ أيضاً: حكاية "المرشد" وأول رئيسة لقسم "الأخوات المسلمات"

أما عن الموقف من المرأة ومشاركتها في الحياة العامة ونضالها من أجل الانتصار في معركة التقاليد التي حجبتها طويلاً عن أدوارها، فقد بدا موقف الإخوان الفكري متأخراً ورجعياً إلى حدّ بعيد؛ تأمّل كيف وصف مؤرّخهم مشاهد بروز الحركة النسوية وطنياً في مصر، يقول: "وتجرأت المرأة منذ ذلك الوقت على المشاركة في القضايا الوطنية، وفي مختلف الميادين الاجتماعية، فتألفت لجنة مركزية للسيدات الوفديات، شاركت مشاركة فعالة في حركة المقاطعة الاقتصادية، سنة 1922، وتزعمت صفية زغلول، حرم زعيم الثورة الأول وكريمة مصطفى باشا فهمي، هذه الحركة الأولى، التي طفرت بالمرأة إلى وضع لم يحلم قاسم أمين أن تبلغه في مثل هذا المدة الوجيزة، ثم استأنفت المرأة الطريق الذي وضعت قدمها على أوّله باشتراكها في ثورة 1919، فأخذت تؤسس الجامعات وتقيم الحفلات وتعقد الندوات والمحاضرات، وتزعمت الحركة النسوية هدى شعراوي، حرم علي باشا شعراوي، الذي كان ثاني الثلاثة الذين توجهوا إلى دار المندوب السامي البريطاني، في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 1918، يطالبون بالاستقلال، وتجرأت هذه المتزعمة على ما لم تتجرأ عليه امرأة مسلمة؛ فسافرت إلى باريس وإلى أمريكا لدراسة شؤون المرأة، وأخذت تلقي بالتصريحات والأحاديث لمندوبي الصحف".

يقول مؤرخ الإخوان: جاء محمد عبده الذي واجه مشكلة الإصلاح بحسبانها مشكلة تربوية بدلاً من تناولها سياسياً، معتقداً أنّه كي يتحقق الإصلاح يجب أن يبدأ خطواته الأولى من الفرد

نحن أمام استنكار واضح لدور حقيقي وطبيعي للمرأة؛ حيث يضع الإخوان المرأة في مرتبة أدنى، تأمّل كيف وصف مؤرّخهم هذا الموقف:

تحت عنوان موقف الإمام البنا والإخوان من دور المرأة في المجتمع، وبعد هذا الاستعراض السابق يقول: "وقف حسن البنا، ومن بعده الإخوان، من قضية المرأة موقف الإسلام، فرفض ذلك السفور المقصود والعهر المباح، وحاول أن يردّ المرأة إلى دورها الحقيقي، وهو بناء الأمة عن طريق تربية النشء المسلم واستقرار الأسرة المسلمة، التي تهيّئ جوّاً من الإبداع والابتكار للزوج المسلم".

قد يغني هذا الاستشهاد عن أيّ شرح لموقف الإخوان من المرأة؛ إذ يرون النشاط الطبيعي للمرأة وأدوارها في الحياة العامة، باعتبار النساء شقائق الرجال بنصّ حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبنص آيات الذكر الحكيم التي كانت تشير دائماً إلى الذكر والأنثى في مناط التكليف من عتبة واحدة وبعين واحدة، يرون أنّ هذا النشاط لون من ألوان العهر والتنكر للدّور الطبيعي الذي حضّ عليه الإسلام، على حدّ زعمهم.

أما عن الموقف الفكري من بعض رواد النهضة الفكرية في أمتنا، والذين حفظت لهم الأمة مكانهم في ضمائرها، فيبدو واضحاً من تقويمهم لإسهامات الشيخ محمد عبده وطه وحسين مثلاً.

سنجد لمزاً خفياً لأفكار محمد عبده واتهاماً مباشراً لها بفاعليتها المحدودة مقابل تزكية واضحة لأفكار الإخوان ومنهاجهم الفعّال في العمل، يقول مؤرخهم: "ثمّ جاء محمد عبده الذي واجه مشكلة الإصلاح بحسبانها مشكلة تربوية بدلاً من تناولها من الزاوية السياسية، معتقداً أنّه كي يتحقق الإصلاح يجب أن يبدأ خطواته الأولى من الفرد، ومن ثم فقد نقل حركة العودة إلى الإسلام من عمل سياسي إلى عمل تربوي ثقافي، باعتبار أنّ التربية هي أساس كلّ حركة إصلاحية"،  ثم يردف قائلاً: "وبرغم أنّ حركة محمد عبده نجحت في إزالة الركود العقلي إلا أنّ بعث النهضة الإسلامية ظلّ لا يكترث بالفعالية الاجتماعية؛ بل لم يستطع تغيير النفس الإسلامية، ولا أن يترجم إلى لغة الواقع فكرة الوظيفة الاجتماعية للدين "ثمّ يثني بالحديث عن تلامذة محمد عبده، من أمثال: الشيخ طنطاوي جوهري، والشيخ رضوان شافعي المتعافي، ومحمد فريد وجدي؛ لنجد أنّه يسفّه جهودهم قائلاً: "وقد كانوا متأثرين بمنهج الإمام محمد عبده، بيد أنّهم توسّعوا في اللجوء إلى الأفكار والفلسفات الغربية، وكان محمد فريد وجدي، أكثرهم توسعاً لدرجة أنّ كثرة اعتماده على فلسفات الغرب جنحت به بعيداً عن بعض العقائد الإسلامية دون أن يدري".

اقرأ أيضاً: ما حقيقة دور المرأة في الجماعة وكيف نشأ قسم الأخوات المسلمات؟

الميول التكفيرية يبدو أنّ بذورها أقدم من داعش والقاعدة، كما نرى في هذا النص.

ثم ينتقل مؤرخ الإخوان إلى مستوى آخر من التدليس، عبر تزكية البنا على كلّ سابقيه، حتى إن كانوا الأفغاني ومحمد عبده، يقول مؤرّخهم على لسان الدكتور الطاهر أحمد مكّي: "حسن البنا داعية إسلامي من طراز فريد عبقري وفذّ، وعالم ومخطط مجدّد، ورجل دين وخطيب مؤثر، ومحدّث مقنع وداعية يبشر بنظام إسلامي يجمع إلى شجاعة جمال الدين وتطور فكر الإمام محمد عبده قدرة فائقة على التنظيم لم تكن لأيّ منهما"، ثم يردف قائلاً: "وعلى ذلك، فإنّ الفارق في الفهم والعمل والفارق في الشخصية جعل البعض يرى أنّ الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا يمثلون مرحلة لدعوة الإسلام لم تتجاوز أن تكون حركتهم تعبيراً عن رغبة في الإصلاح أو محاولة لم تستطع أن تنظّم جهوداً عملية ترمي إلى سيادة مبادئ الإسلام في الحكم والسياسة والاجتماع، أما مرحلة حسن البنا فتمثل عندهم مرحلة الإعداد الجاد لعمل عظيم متعدد المراحل والخطوات ومرحلة التقويم والتثقيف لما اعوجّ من حركة محمد عبده والأفغاني ورضا، مما لا يكاد يرى إلا بمجهر دقيق، ولما اعوجّ من حركة غيرهم عبد العزيز جاويش، ومن نهجوا طريقه، أو أوغلوا في الخطأ، فكان انحرافهم بيّناً "هل يمكننا أن نعلق بشيء بعد هذا التخليط والتدليس، والحطّ من شأن رواد الفكر الإسلامي الذين اعتدى عليهم مؤرخو الإخوان".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية