هل تنجح تونس في حل لغز الاغتيالات السياسية في عهد "النهضة"؟

هل تنجح تونس في حل لغز الاغتيالات السياسية في عهد "النهضة"؟

هل تنجح تونس في حل لغز الاغتيالات السياسية في عهد "النهضة"؟


08/02/2023

يمرّ اليوم عقد كامل على الاغتيالات السياسية التي طالت رموز المعارضة ضد سلطة التيار الإخواني بتونس، عام 2013، فيما ظلّت مؤسسات الدولة مجتمعةً في تونس عاجزة على امتداد هذه الأعوام العشرة عن الكشف عن حقيقة هذه الاغتيالات، التي كادت تُدخل البلاد حرباً أهلية لا مخرج منها.

وتحمّل هيئة الدفاع عن بلعيد، مسؤولية عدم كشف حقيقة الرمزين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، إلى المنظومة التي حكمت طوال الأعوام الـ 10 الأخيرة، ورأساً إلى "حركة النهضة" الإخوانية، حتى أنّها قدمت عدّه أدلة تكشف تورطها، إلا أنّ الملف ظلّ عالقاً بين المحاكم حتى الآن.

وتسعى هيئة الدفاع عن شكري بلعيد وعدد من الأحزاب السياسية إلى الضغط على الرئيس التونسي قيس سعيّد من أجل دفع المؤسسة القضائية إلى فتح هذا الملف بعيداً من الضغوطات السياسية وكشف الحقيقة للتونسيين.

إجراءات جديدة

أعلنت وزارة العدل التونسية، أول من أمس، بالتزامن مع الذكرى العاشرة لرحيل المعارض اليساري شكري بلعيد، تشكيل لجنة خاصة لمتابعة ملف اغتيال المعارضين، وفق ما أعلنت عنه وزيرة العدل ليلى جفال.

وتسعى وزيرة العدل لمراقبة مسار القضية، التي طال أمدها من خلال تشكيل اللجنة الخاصة، خصوصاً بعد تأكيد الرئيس قبل مدة على ضرورة البت في بعض الملفات منتقداً، طول المسار القضائي والتغطية على بعض القضايا الحارقة وداعياً لتفعيل المحاسبة.

اغتيل المعارض التونسي شكري بلعيد، صباح يوم 6 شباط (فبراير) 2013 رمياً بالرصاص أمام منزله بضواحي العاصمة

وأكدت الوزيرة، وفق بيان نشرته وزارة العدل في صفحتها الرسمية على الفيسبوك الإثنين، أنّ اللجنة ستكون "تحت إشرافها المباشر"، وأنّها ستسعى "لمحاسبة كل من تورط في تعطيل سير الملفات وسعى في طمس الأدلة والتأثير على المسار القضائي".

وأذنت ليلى جفال "بمهمة تفقد قضائي وإداري شاملة للملفات ذات العلاقة بملف اغتيال الشهيدين، لمتابعة حسن سير الإجراءات بما في ذلك إحصاء المحجوز والمؤيدات بكافة مكوناتها وتتبع مسارها الإجرائي بالإضافة إلى رقمنة كامل الملفات وحفظها في محامل إلكترونية".

وبحسب التحركات القضائية الأخيرة، يبدو أنّ بعض فصول عملية الاغتيال وبعض الملفات المتعلقة بالتسفير والجهاز السري بدأت تتضح، بعد اتخاذ الرئيس قيس سعيد للإجراءات الاستثنائية في 25 تموز (يوليو) 2021، ومحاولة تطهير القضاء من التدخلات السياسية.

وترى هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي أنّه تم التلاعب ببعض الأدلة، فيما يتعلق بالملف فيما يواجه القاضي المعزول بشير العكرمي، الذي تولى البحث في القضية تهماً بالتستر على أكثر من 6 آلاف ملف يتعلق بالإرهاب.

محاصرة الإخوان

واغتيل المعارض التونسي شكري بلعيد، صباح يوم 6 شباط (فبراير) 2013 رمياً بالرصاص أمام منزله بضواحي العاصمة، في أول عملية اغتيال سياسية تشهدها تونس بعد عام 1956، ما كانت بمثابة الصدمة في الشارع التونسي، في عهد رئيس الحكومة الأسبق والقيادي البارز في حركة النهضة الإخوانية حينها حمادي الجبالي، ووزير الداخلية النهضاوي (المسجون حالياً) علي العريض ووزير العدل النهضاوي أيضاً نور الدين البحيري.

ويرجح مراقبون أن يقترب القضاء التونسي، من حل لغز الاغتيالات السياسية، بعد إخراج حركة النهضة الإخوانية من الحكم، خصوصاً أنّ القوى السياسية اتهمتها طيلة الأعوام الماضية، بتعطيل سير التحقيقات، وفتح بعض الملفات الحساسة التي قد تضرّ بوجودها، وأيضاً بالسيطرة على أجهزة الداخلية والقضاء.

بحسب التحركات القضائية الأخيرة يبدو أنّ بعض فصول عملية الاغتيال وبعض الملفات المتعلقة بالتسفير والجهاز السري بدأت تتضح

وكان الكاتب والباحث التونسي في التاريخ المعاصر محمد ذويب قد قال في تصريحات سابقة لموقع "اندبندنت عربية"، إنّ "حركة النهضة باتت أمام وضع جديد سيحشرها في الزاوية، ويجعل الأحزاب التي كانت متحالفة معها تنفضّ من حولها، في حال بدأ القضاء فعلاً في كشف حقيقة الاغتيالات السياسية".

وأضاف أنّ "حركة النهضة في وضع لا تُحسد عليه بعد أن كانت تتحكم في المشهد، وهي اليوم محل مساءلة سياسية وقضائية في علاقة بملف الجهاز السري والاغتيالات السياسية"، وأعرب عن أمله أن تكون "المحاسبة القضائية عادلة، لكل من أجرم من حركة النهضة في حق تونس.

محمد ذويب:حركة النهضة باتت أمام وضع جديد سيحشرها في الزاوية

وكان وثائقي "ساعة عدل واحدة: قضايا الاغتيالات السياسية وتحويل وجهة الحقيقة"، الذي طرحته منصة "صواب الرأي" في الذكرى التاسعة لاغتيال المعارضيْن، قد لفت إلى حقيقة أنّ القضاء تحوّل، خلال الأعوام الماضية، من أداة لتحقيق العدالة إلى فجوة عميقة تدفن فيها الحقيقة والعدالة معاً، في سبيل حماية "حركة النهضة" من أي مسؤولية سياسية أو جنائية عن جرائم الإلغاء السياسي.

الرئيس سعيّد من جانبه، كان قد لوّح منذ شهور بأنّه مهتم بقضية الجهاز السري لـ"حركة النهضة"، مشدداً على أنّ "الدولة وحدها هي التي يجب أن تحتكر القوة المسلحة"، كما بدا مهتماً بقضية الاغتيالات السياسية، وهو ما يكشف عن توجهه مستقبلاً للضغط من أجل فتح هذه الملفات، بشكل لا يمكن لـ"حركة النهضة" معه أن تنجح في مواصلة مسار التصدي لكشف الحقيقة، كما دأبت على ذلك خلال الأعوام الماضية.

10 أعوام من الاتهامات للنهضة

وتتهم عائلة بلعيد والقوى السياسية المعارضة مباشرة حركة النهضة ورئيسها الغنوشي باغتيال بلعيد، المعروف بانتقاداته اللاذعة للحركة ولزعمائها ولمنظومة حكمها في تلك الفترة، إلا أنّ الحركة ما فتئت تنفي هذه الاتهامات وتصفها بـ"الكاذبة"، وتعتبر ألا مصلحة لها في ذلك مطلقاً.

يرجّح مراقبون أن يقترب القضاء التونسي من حل لغز الاغتيالات السياسية بعد إخراج حركة النهضة الإخوانية من الحكم

ومنذ عام 2013، فتح القضاء تحقيقاً ولم يصدر حتى اليوم أحكامه في القضية ولا حتى في قضية اغتيال النائب السابق في البرلمان محمد براهمي في الخامس والعشرين من تموز (يوليو) في العام 2013، بسبب ما قالت هيئة الدفاع عن الشهيدين إنّه "ضغوطات وتورط لقضاة في إخفاء وثائق للتستر على شخصيات هامة في الدولة".

وكانت هيئة الدفاع قد أعلنت توصلها إلى كشف معلومات حساسة عن وجود ما أسمته بـ"غرفة سوداء" في وزارة الداخلية، توجد بها وثائق هامة تدين حركة النهضة وما يسمى بـ"الجهاز السري" للحركة، الذي حملته الهيئة مسؤولية الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية في البلاد.

وذكرت هيئة الدفاع أنّ جهودها أفضت إلى "الكشف عن معطيات تثبت تورط رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في قضايا تتعلق بغسيل الأموال، فضلاً عن تهمة التخابر مع جهات أجنبية والتجسس على السياسيين وعلى المسؤولين في الدولة".

واتهمت قضاة بعرقلة مسار الملفات المتعلقة بقضيتي اغتيال بلعيد وبراهمي، ورفعت شكايات "ضد كل القضاة الذين عطّلوا مسار القضية وتورّطوا في التستر على ملفات ذات علاقة، وفي مقدمتهم وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي".

ويرفع المتظاهرون في الوقفات الدورية المنتظمة أمام وزارة الداخلية، للمطالبة بكشف حقيقة الاغتيالات السياسية في تونس بعد الثورة (حوالي 500 وقفة)، الشعارات ذاتها ضد حركة النهضة الإخوانية متهمين رئيسها راشد الغنوشي بالوقوف وراء اغتيال بلعيد.

دعوات متصاعدة لكشف الحقيقة

وأعرب حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (حزب شكري بلعيد) بمناسبة الذكرى العاشرة لاغتيال السياسي الراحل، الإثنين، عن استغرابه مما اعتبره مواصلة تقاعس السلطة والقضاء في التعامل مع ملف الاغتيال والجهاز السري، رغم إقرارهما بانتهاء الضغوطات التي كانت تمارسها حركة النهضة وامتداداتها.

وطالب كل القوى الوطنية والهيئات والمنظمات بمواصلة الضغط من أجل كشف الحقيقة كاملة وإدانة كافة المتورطين في الاغتيال والتغطية عليه، داعياً إلى المشاركة بكثافة في برنامج الحزب إحياء للذكرى العاشرة للاغتيال.

وقالت عضو هيئة الدفاع إيمان قزارة إنّ الهيئة بصدد الإعداد لندوة صحافية خلال الأيام القادمة، سيتم خلالها الكشف عن تفاصيل جديدة تخص قضية اغتيال السياسيين بلعيد وبراهمي، وفق وكالة الأنباء التونسية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية