تتصاعد المخاوف الدولية، يوماً تلو الآخر، جراء تصاعد وتيرة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، ممّا يمثل تهديداً للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية لعدد من الدول، فضلاً عن التهديدات الأمنية المحتملة، إقليماً ودولياً، خاصة في ضوء التداعيات المحتملة للأزمة السودانية على تنامي ظاهرة الإرهاب بدول الجوار، وما يمكن أن تسمح به هشاشة الوضع الراهن من احتمالات انتشار أكبر للحركات الإرهابية والجماعات المتطرفة بالمنطقة.
في ضوء التهديدات الراهنة، تتسابق غالبية الدول التي لها تواجد أمني أو مصالح اقتصادية واستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي، في مقدمتها الولايات المتحدة والصين وروسيا ودول أوروبا، تتسابق من أجل تأمين مصالحها، وتجنب المخاطر المحتملة لتفشي ظاهرة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي.
وخلال الفترة الماضية عزز الاتحاد الأوروبي استراتيجية الانخراط الأمني في المنطقة، في ضوء التشاحن المستمر بين أوروبا وروسيا، على خلفية الأزمة الأوكرانية، كما تسعى دول الاتحاد، بحسب مراقبين، لتوسيع نفوذها من أجل تأمين مصالح اقتصادية يمكن أن تسهم بشكل كبير في معالجة الأزمة الاقتصادية لدى دول أوروبا، باستغلال الموارد الأفريقية الوفيرة.
وفي هذا الصدد تناولت دراسة حديثة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، للباحث جاسم محمد، أبعاد وأهداف استراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة في منطقة القرن الأفريقي، ومدى قدرتها على تحقيق مواجهة حقيقية مع تنظيمات التطرف، وتأثيرها على خارطة الإرهاب مستقبلاً.
لماذا تهتم أوروبا بالقرن الأفريقي؟
بحسب الدراسة، تعاني دول القرن الأفريقي من العنف وانعدام الأمن بشكل متزايد، بالرغم من كونها مركزاً مهمّاً على طريق التجارة والهجرة في البحر الأحمر، على الحدود مع المناطق غير المستقرة في الساحل ووسط أفريقيا، ممّا يجعلها تحظى بأهمية استراتيجية خاصة بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وفي إطار مساعي دول الاتحاد لتأمين مصالحها في دول القرن الأفريقي، اعتمد الاتحاد إطاراً متكاملاً لمواءمة برامج وأدوات السياسة الخارجية المختلفة التي تهدف إلى تأمين المنطقة، ومع ذلك فإنّ الصراعات بين الدول المعنية تزيد من صعوبة تحقيق استقرار في منطقة القرن الأفريقي.
وأوردت الدراسة أنّ هناك حوالي 40% من ممرات الشحن العالمية و25% من الإمدادات البحرية للاتحاد الأوروبي تمر عبر خليج عدن، وبالرغم من أنّ القرصنة قد تم تقليصها إلى حدٍّ كبيرٍ من خلال الجهود الدولية، وقبل كل شيء عملية الاتحاد الأوروبي "أتالانتا" (ATLANTA)، إلّا أنّها ما تزال تشكل تهديداً أساسياً للأمن البحري، بما في ذلك الاتجار غير المشروع، وتتصاعد المخاوف مع تنامي نشاط الجماعتين الأكثر نشاطاً في منطقة القرن الأفريقي، وهما داعش وحركة الشباب الصومالية.
ما يثير هواجس الأطراف الدولية والأقليمية هو أنّ الدول المتشاطئة أو الواقعة عند القرن الأفريقي تعاني الكثير من الهشاشة وعدم الاستقرار، أبرزها الصومال، وهذا ما دفع الولايات المتحدة ودولاً أخرى لتتخذ من جيبوتي مقراً لعملياتها في حماية الملاحة البحرية، وكذلك الحدّ من عمليات الجماعات المتطرفة أبرزها جماعة (الشباب) الصومالية المتطرفة، وفق الدراسة.
كيف تساعد أفريقيا في تحقيق "الاستقلال الاستراتيجي" لأوروبا؟
بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، تُعدّ أفريقيا أحد أهم الشركاء لتحقيق سياسة الاستقلال الاستراتيجي التي تسعى أوروبا لتحقيقها مؤخراً، وذلك من خلال توظيف الموارد الأفريقية لخدمة المصالح الأوروبية.
وبحسب الدراسة، أدرك الأوروبيون بالفعل أنّ جيرانهم الجنوبيين يمكنهم مساعدتهم في تلبية احتياجاتهم الجديدة من الطاقة والمواد الخام في سياق الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والعقوبات المفروضة على روسيا، لذلك حان الوقت لاتخاذ مواقف أكثر استباقية تجاه اهتمامات ومخاوف السياسة الأفريقية، لتعزيز مرونة مجتمعاتها ومؤسساتها نحو تعاون أكثر نفعاً مع دول أوروبا.
هناك حوالي 40% من ممرات الشحن العالمية و25% من الإمدادات البحرية للاتحاد الأوروبي تمر عبر خليج عدن، ممّا يثير قلق دول أوروبا حول مصالحها الاقتصادية
ويرى الباحث أنّ أفريقيا ليست فقط بديلاً محتملاً للمنافسين الاستراتيجيين والشركاء غير الموثوق بهم، في ضوء حالة التشاحن المتصاعد مؤخراً، بين أوروبا وخلفائها، لكنّها تمثل أيضاً بوابة إلى الجنوب العالمي الأوسع، وأيضاً من خلال تعزيز علاقتها مع القارة الأفريقية قد تستعيد أوروبا مصداقيتها في البلدان النامية والناشئة الأخرى، من أمريكا اللاتينية إلى آسيا.
تخفيف موجات الهجرة
يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال تمديد نفوذه في أفريقيا أيضاً، بجانب مكافحة الإرهاب وحماية المصالح الاستراتيجة، لتحقيق أهداف أخرى يتعلق أهمها بالعمل على تخفيف ومحاصرة موجات الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا، خاصة مع زيادة الاضطرابات في منطقة القرن الأفريقي.
وفي هذا الصدد يقول الباحث: إنّه "بالرغم من الجهود المبذولة لتعزيز التعاون مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بشأن المهاجرين واللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في ليبيا وغيرها من الدول الأفريقية، والطموح لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية والتهجير القسري، فإنّ جوهر جهود الاتحاد الأوروبي ما يزال يحدّ من الوافدين على السواحل الأوروبية ومكافحة أنشطة التهريب في البحر الأبيض المتوسط وزيادة عمليات الإعادة إلى بلدان المنشأ في أفريقيا.
وأشار إلى أنّ العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا بحاجة ماسة إلى استراتيجية جديدة، يجب أن تستند إلى السياق الدولي المتغير بشكل كبير، وتوازن أكثر مساواة بين الفوائد والمسؤوليات، ورؤية طويلة الأجل فيما يتعلق بمسألة الهجرة التي تمثل عبئاً كبيراً على دول أوروبا في الوقت الراهن.
خارطة التنظيمات الأخطر في القرن الأفريقي
بحسب الدراسة، تتصدر حركة الشباب الصومالية، إلى جانب بعض المجموعات التابعة لتنظيم داعش وربما القاعدة، خارطة التنظيمات الأخطر في منطقة القرن الأفريقي، خاصة أنّ الظروف الراهنة قد تدفع إلى توسيع نشاطها بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، رغم جهود المواجهة الأمنية.
وقد ازداد عنف حركة الشباب في عام 2022، وشاركت الجماعة في أكثر من (2400) حادث إرهابي بدافع سياسي، بينما استهدفت أكثر من (1700) حادثة مدنيين، بزيادة قدرها 19% و41% على التوالي، مقارنة بالعام السابق 2021.
أدرك الأوروبيون بالفعل أنّ جيرانهم الجنوبيين يمكنهم مساعدتهم في تلبية احتياجاتهم الجديدة من الطاقة والمواد الخام، في سياق الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والعقوبات المفروضة على روسيا
كما رصدت تقارير نشاط للحركة الصومالية في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في مناطق بنادير وشبيلي السفلى وجوبا السفلى، حيث اشتبك المتمردون مع أفراد الأمن الصوماليين والقوات الدولية، وكان استهداف المدنيين من قبل حركة الشباب أعلى في مناطق بنادير وشبيلي السفلى وهيران، حيث زاد بنسبة 17% و95% و366% على التوالي، مقارنة بالعام السابق 2021، ووسعت المجموعة في الوقت نفسه نطاق الهجمات على المدنيين، لا سيّما في حيران وشبيلي السفلى.
مستقبل التنسيق الأوروبي في القرن الأفريقي
إجمالاً يرى الباحث أنّه، رغم انشغال دول الاتحاد الأوروبي بحرب أوكرانيا، فإنّه من المتوقع أن تعزز اهتمامها أكثر وقوتها العسكرية والبحرية في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، كون القرن الأفريقي والبحر الأحمر وباب المندب تبقى ذات أهمية أقتصادية لدول الاتحاد والعالم، في فترة يشهد فيه العالم ودول أوروبا أزمات اقتصادية كبيرة.
وما يحتاجه الاتحاد الأوروبي هو مواصلة جهوده في القرن الأفريقي لتعزيز الاستقرار والأمن، كما أنّ هناك حاجة إلى تعزيز المعالجات لجذور التطرف والإرهاب، من خلال برامج المساعدة الإنسانية والتعاون بشأن الحوكمة، وسيادة القانون، وبناء السلام، والإدماج الاجتماعي والتعليم، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ.
مواضيع ذات صلة:
- ملف الأفارقة غير النظاميين يوتر العلاقة بين تونس والاتحاد الأفريقي.. ما الجديد؟
- الأكبر منذ 2011... الجفاف يهدد بمجاعة في القرن الأفريقي... هل من حلول؟