مرجل الصراع على السلطة في ليبيا يغلي رغم الجهود الأفريقية

مرجل الصراع على السلطة في ليبيا يغلي رغم الجهود الأفريقية

مرجل الصراع على السلطة في ليبيا يغلي رغم الجهود الأفريقية


16/11/2022

مع تعمق حالة الجمود السياسي في ليبيا، وفتور التواصل بين أطراف الأزمة، خرج رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ليطلق دعوةً للقاء مصالحة برعاية أفريقية أممية للفاعلين في الأزمة الليبية، بعد شهور من موقف المتفرج مما شهدته البلاد من إخفاق في الالتزام بمهام الفترة الانتقالية وتنظيم الانتخابات.

ولم تلق دعوة الرئاسي حماسة من الأطراف الداخلية في ليبيا، سواء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وطرفي الصراع على السلطة التنفيذية؛ عبد الحميد الدبيبة، وفتحي باشاغا، وكذلك لدى القيادة العامة التي يئست من أية حلول يشارك في وضعها المتصارعون ذاتهم على السلطة.

دعوة المنفي

وتزامنت دعوة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، إلى عقد لقاء جامع لكل الأطراف المعنية بالقضية الليبية برعاية الاتحاد الأفريقي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بهدف "الوصول إلى الانتخابات وتحقيق مشروع المصالحة الوطنية"، مع زيارة السفير والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إلى طرابلس،  وعقد سلسلة واسعة من اللقاءات. وأطلق المنفي الدعوة خلال استقباله الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبد الله باتيلي، لبحث مستجدات الأوضاع السياسية في ليبيا.

ونشر الموقع الإلكتروني للسفارة الليبية في ليبيا بياناً حول زيارة نورلاند للعاصمة طرابلس في الفترة من 8 - 10 من الشهر الجاري، حيث عقد اجتماعات مع مسؤولين حكوميين وشركاء دوليين ومجتمع المانحين، بما في ذلك ممثلون عن حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والبنك الدولي والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة والمفوضية القومية للانتخابات. وأكد نورلاند على اهتمام بلاده بإجراء الانتخابات، وحذر من "ترسيخ المرتزقة والقوات الأجنبية أقدامها في ليبيا".

السفير الأمريكي في زيارة للفريق أول محمد الحداد

وشدد السفير نورلاند على أنّ بلاده قد "تعيد تقييم علاقاتها مع الجهات الفاعلة والمؤسسات التي تؤخر وتعرقل التقدم نحو الحلول السياسية في ليبيا".

وفي السياق نفسه، أثنى السفير الأمريكي على مقترح تشكيل قوة مشتركة بين الشرق والغرب الليبي كخطوة أولى نحو توحيد المؤسسة العسكرية، تكون مهمتها حماية وتأمين الحدود. ولم تلق تصريحات السفير الأمريكي نورلاند رضا رئيس أركان الجيش التابع لحكومة الوحدة المؤقتة، حيث عقب بأنّ "المرتزقة هم القوات الأجنبية المتواجدة بشكل غير شرعي في ليبيا".

وبغض النظر عن رؤية الفريق أول محمد الحداد التي تتبع سياسة رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة في استرضاء تركيا، لضمان دعمها في البقاء وعدم الدخول في انتخابات عامة، تملك واشنطن القدرة على تحريك المجتمع الغربي والاتحاد الأفريقي لتسهيل التوصل إلى حل سياسي بين الأطراف الليبية، ومتابعة تنفيذه، وهو أمر لن تكون روسيا بعيدةً عنه عبر مجلس الأمن الدولي، الذي منح التفويض لعمل البعثة الأممية وتعيين مسؤوليها ومتابعة عملها.

مع اقتراب الذكرى الأولى لموعد الانتخابات في 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل يسعى المبعوث الأممي بدعم أمريكي أوروبي وأفريقي إلى إعادة توجيه الجميع نحو الانتخابات

وعاد الزخم إلى الدور الأمريكي بعد وقت قصير من تسلم الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبد الله باتيلي، مهام منصبه من داخل طرابلس. وجاء اختيار باتيلي السنغالي الجنسية في هذا المنصب ليجمع الجهود الأفريقية المعنية بالأزمة الليبية مع الجهود الأممية.

وتمثل الزخم الأفريقي في تصريحات وزير الخارجية الكونغولي، جان كلود جاكوسو، عن أنّ برازافيل تعمل على تنظيم مؤتمر مصالحة بين الليبيين في العام 2023، تحت رعاية الدول الخمس في مجلس الأمن الدولي.

وقبل عدة أيام أجرى الوزير جان كلود جاكوسو، ممثلاً عن رئيس اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي من أجل ليبيا زيارةً إلى ليبيا، استهلها بجولة إلى شرقها، حيث عقد مشاورات مع قائد قوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر، ورئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا، في بنغازي، كما عقد لقاءات مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ووزير الخارجية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب حافظ قدور. ومن المنتظر أن يزور طرابلس خلال الأيام المقبلة للهدف نفسه.

أطراف الأزمة

وبسؤاله عن الأطراف المقصودة من دعوة المنفي، قال المحلل السياسي الليبي، محمود المفتي: "المنفي لا يملك شأنه؛ فهو قفاز داخله أصابع عبد الحميد الدبيبة، بجانب أنّ صلاحياته كما أقرها مؤتمر جنيف لا تخوله بأخذ أي قرار"، وأشار إلى أنّ "المنفي لا يملك شعبية على الأرض، وليس له القدرة على تغيير أي شيء، هو شخصية ضخمتها وسائل الإعلام".

ومن جانبه، أفاد الباحث السياسي والدستوري، محمد محفوظ، بأنّ المجلس الرئاسي بالرغم من أنه بروتوكولي لا يمتلك عديد الصلاحيات، يملك منصب القائد الأعلى للجيش كما ذكر اتفاق جنيف، لكنها صلاحية لم تُفعل". وأضاف لـ"حفريات": " هم ثلاث من الشخصيات الضعيفة، التي لا تملك ثقلاً سياسياً أو عسكرياً، ولديهم رغبة في البقاء في مناصبهم لفترة أطول، ولهذا اكتفوا بموقف المحايد كيلا يحسبوا على طرف دون آخر، ومثلهم في الرغبة في البقاء مثل جميع المجالس والهيئات الأخرى".

د. محمد محفوظ: لابد من جدية الأطراف الداخلية

وأوضح الباحث الليبي أنّه لا بد من "جدية الأطراف الداخلية ومن يدعمها خارجياً حتى يكون هناك مخرج يثمر تطورات إيجابية في اتجاه الانتخابات". وحذر من أنّ اقتصار الحوار على الأطراف الداخلية "لن يجدي نفعاً باعتبار أنّ كل الموجودين على الأرض يتحركون وفق أدوات خارجية، وهم سبب الجمود".

وربما يُحدث الاتحاد الأفريقي فرقاً في ليبيا، بعد نجاحه في التوصل لتوقيع وقف إطلاق النار بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تجراي، لكن تختلف الأزمة الليبية من حيث وجود قوى فاعلة من خارج القارة، تمتلك أدوات ومصالح أكبر وأهم من التي تملكها ليبيا مع أفريقيا - جنوب الصحراء.

وكان الثنائي الرسمي الممثل لأطراف الصراع؛ مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وقعا اتفاقاً بتوحيد السلطة التنفيذية والمناصب السيادية في فترة لا تتجاوز حلول العام المقبل 2023، في 21 من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في دولة المغرب. ولا يبدو أنّ المجلسين تحركا نحو تنفيذ هذا الاتفاق، الذي واجهه رئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة بقوة، ورفضه كونه يعني الإطاحة به وبمنافسه فتحي باشاغا لصالح شخصية جديدة. ومن المرجح أنّ المبعوث الأممي والمبعوث الأمريكي لم يعودا يعولان كثيراً على إمكانية توافق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على قاعدة دستورية، لإقامة الانتخابات العامة وفقاً لها.

المجتمع الدولي

ويقوم للمجتمع الدولي بالدور الأبرز في مجريات الأحداث الليبية، خصوصاً بعد العام 2019 مع التدخل الأجنبي العسكري، وما تبع ذلك من توقيع وقف إطلاق النار برعاية أممية، وصولاً إلى تشكيل السلطة التنفيذية الحالية.

ومع اقتراب الذكرى الأولى لموعد الانتخابات في 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، يسعى المبعوث الأممي بدعم أمريكي أوروبي وأفريقي إلى إعادة توجيه الجميع نحو الانتخابات، وهي قضية لن تكون سهلةً؛ كونها تمس مسائل تتعلق بالتدخلات الأجنبية، وخصوصاً التركية.

المحلل السياسي محمود المفتي لـ"حفريات": الوضع المحلي الليبي مرتبط بالعامل الإقليمي والدولي، وزادت تلك العلاقة تعقيداً بعد الاتفاقيات البحرية الأمنية التركية مع حكومات عميلة

وفي حديثه لـ"حفريات" قال المحلل السياسي الليبي، محمود المفتي: "المبعوث الأممي باتيلي ليس إلا أزمة أخرى تُضاف على الخريطة الأممية، فهو يكرر نهجاً فاشلاً لا يعكس واقع الأمر في ليبيا". وأضاف: "من البديهي استعمال جملة الذهاب الى الانتخابات وكأنها لعبة ماكرة، حيث لا ركائز متوفرة لتحقيق ذلك، في ظل عاصمة مختطفة من تجار الحروب والتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسهم تنظيم الإخوان والمجلس الأعلى للدولة الذي يسعى للإطاحة بالجيش الليبي بالرجمة، إنهم لا يرغبون في إجراء انتخابات بل إطالة أمد الأزمة".

ومن جانبه، قال الباحث محمد محفوظ: "المجتمع الدولي حريص على وجود استقرار في ليبيا، ولو بحد أدنى، لتجنب اضطراب توريد النفط الليبي في ظل أزمة الطاقة العالمية، ولكن الخلاف حول رؤيته لتحقيق ذلك؛ هل عبر استمرار الوضع كما هو عليه، أم عن طريق الانتخابات، ولا أظن هناك نية لأي طرف داخلي أو خارجي في دعم توجه واضح نحو الانتخابات".

محمود المفتي: المبعوث الأممي باتيلي ليس إلا أزمة أخرى

وفي السياق ذاته، أفاد المحلل السياسي محمود المفتي بأنّ الوضع المحلي الليبي مرتبط بالعامل الإقليمي والدولي، وزادت تلك العلاقة تعقيداً بعد الاتفاقيات البحرية الأمنية التركية مع حكومات عميلة على رأسها السراج ثم الدبيبة، وهو ما زاد من حالة الانقسام الداخلي والخارجي، مما يجر المنطقة برمتها إلى صراعات محتملة.

وقلل المحلل الليبي من جدوى المسار الأممي، موضحاً أنّ الاستقرار وحل الأزمة لن يحدث دون "فك الارتباط بين الغرب والإخوان المسلمين في ليبيا، وقطع عودة دعاة المركزية".

وتولى المبعوث الدولي، عبد الله باتيلي مهامه رسمياً في 25 أيلول (سبتمبر) الماضي، ووصل إلى طرابلس في 14 تشرين الأول (أكتوبر). وفي بيان صدر فور وصوله، قال باتيلي أنه سيبدأ بالانخراط مع الأحزاب الليبية في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والنساء والشباب. كما أشار إلى أنّ أولويته هي "تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة، بالاستناد إلى إطار دستوري متين".

مواضيع ذات صلة:

تأثيرات تجميد عائدات النفط على الانقسام السياسي في ليبيا

مسارات التوافق في ليبيا ورهانات القوى الدولية

الوضع العسكري والميداني في ليبيا.. حكومتان بلا دولة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية