هل تقف تونس على مشارف حرب دستورية؟

هل تقف تونس على مشارف حرب دستورية؟


08/02/2021

تواجه تونس في الآونة الأخيرة، أزمات سياسية متلاحقة، ساهمت حركة النهضة في تزايد وتيرتها، من خلال سعيها المستمر نحو القبض على مفاصل الدولة، والتحكم في مؤسّساتها، الأمر الذي تجلى في الأزمة التي نشبت بين مؤسّسات الدولة، على تخوم تحركات النهضة، لإزاحة الوزراء الموالين للرئيس، قيس سعيّد، في سياق التعديل الوزاري الأخير، الذي كشف عن التحالف الصامت فيما بين حكومة هشام المشيشي، وحركة النهضة وزعيمها، راشد الغنوشي.

التعديل الوزاري الأخير كشف عن التحالف الصامت بين حكومة هشام المشيشي وحركة النهضة

تمارس حركة النهضة لعبة سياسية، يصفها مراقبون، بأنها شديدة الخطورة، على واقع ومستقبل الدولة التونسية، بوضع مؤسّسات الدولة في مواجهة بعضها البعض، ظناً أنّ اصطفاف الحكومة والبرلمان، من الممكن أن يخضع مؤسسة الرئاسة، الأمر الذي يكفل لها حرية تمرير الأهداف والمعطيات الخاصّة بها، سواء داخلياً أو إقليمياً أو دولياً، وتناست أنّ الجماهير دوماً هي من يستطيع حماية المؤسسات، ومنح المشروعية الحقيقية، لأيّ حركة سياسية، خاصّة وأنّ المواطن التونسي يعاني من تدهور شديد في مستوى توفر الخدمات، مع انخفاض منسوب التنمية، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على فرص توفر الحياة الكريمة، ولا يمكن أن يرقب التونسيون تلك الأوضاع، دون أن يضعوا النهضة، وزعيمها راشد الغنوشي في حيز الاتهام المباشر.

ممانعة الرئيس وانقلاب النهضة

من جانبه شدّد الرئيس التونسي، على أنّ الأزمة السياسية التي تعيشها بلاده، وتعمّقت مؤخراً برفضه للتحوير (التعديل) الوزاري، واعتراضه على بعض الأسماء، التي نالت ثقة البرلمان، يتحمل مسوؤليتها مَن وصفهم بـ"المناورين"، مؤكداً في الوقت نفسه استعداده لكل الحلول، دونما تراجع عن المبادئ، قائلاً: "لينظروا في طبيعة اليمين على القرآن في الإسلام، تعهدت أمام ربي أن أكون في خدمة الشعب، وأنّي لن أكون في خدمة هؤلاء، الذي يسعون للإطاحة بالدولة".

في هذا السياق، يشير أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، الدكتور أمين محفوظ، إلى أنّ "ثمة حقاً أصيلاً للرئيس في قبول تسمية الوزراء، وأنّ ذلك القبول ليس أمراً شكلياً، بل يتعلق بسلامة وضمان أداء الوزراء لمهامهم، في إطار التحوير الوزاري الأخير، الذي مرره البرلمان، واعترض عليه الرئيس".

محفوظ: غموض إجراءات تشكيل الحكومة ونيلها الثقة يفتح الباب نحو العديد من القراءات والتأويلات

وأضاف محفوظ، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ "الغموض الذي يكتنف الفصل 89، المتعلق بإجراءات تشكيل الحكومة، ونيلها الثقة وأدائها اليمين، يفتح الباب نحو عديد القراءات والتأويلات، التي تؤدي إلى تعقيدات بالغة، تبدو واضحة في الصراع المحتدم بين مؤسّسات الحكم في تونس، ففي ظل غياب المحكمة الدستورية، يجب أن ترجح رؤية رئيس الجمهورية، طبقاً لنص الفصل 72 من الدستور، والذي ينص على أنّ رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها الذي يضمن استقلالها، ويسهر على احترام الدستور".

 أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، الدكتور أمين محفوظ

في هذا الإطار، تؤكد النائب السابق في مجلس النواب التونسي، فاطمة المسدي، أنّ "ثمة احتجاجات شعبية، تعيش على وقعها تونس بالآونة الأخيرة، رفع من خلالها المتظاهرون قائمة، تتصدرها مطالب اجتماعية واقتصادية، ترتبط بحياة المواطنين، ما لبثت أن تطوّرت لتشمل حلّ البرلمان، ورفض التحوير الوزاري، وضرورة محاسبة حركة النهضة، وقائدها راشد الغنوشي وزمرته، إذ تحمله الجماهير تدهور الأوضاع الأمنيّة في البلاد".

يرقب الشارع التونسي تطاحن مؤسّسات الدولة علناً عبر البيانات والتصريحات من كل الجهات

وتضيف الناشطة السياسية لـ"حفريات": "أدعم هذه المطالب الشعبية، واعتبرها شرعية، بعد ما أضحت الوضعية الاقتصادية والسياسية في تونس، بعيدة عن آمال وطموحات الشعب، كنتيجة مباشرة لتحكم طبقة فاسدة، وحركة النهضة مسؤولة عما يجري بشكل مباشر، طيلة السنوات الماضية"، لافتة إلى أنّ "ثمة ممارسة عشوائية، للعبة التناقضات ومحاولات السيطرة على الحكومة، وعلى رئيسها السيد هشام المشيشي، من قبل الغنوشي، عبر التحرك بعيداً عن المطالب التي تبناها رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، والتي دعمها بتصريح رسمي في اجتماع مجلس الأمن القومي، مؤكداً رفضه خرق الدستور، والسماح بأداء وزراء تلاحقهم شبهات الفساد لليمين الدستوري".

اقرأ أيضاً: 14 حكومة خلال 10 سنوات: الضغوط السياسية تربك تونس

جاء هذا التصريح من سعيّد، وفق المسدي، "بعدما كشف عن تحركات مريبة، فيما بين حركة النهضة ورئيس الحكومة، لتمرير التحوير الوزاري، رغم رفض الشارع ورئاسة الجمهورية"، ورأت أنّ مرور التحوير الوزاري بتلك الوضعية، وبعد توافقات من أغلبية الكتل البرلمانية، لأهداف سياسية، خوفاً من سيناريو حل البرلمان، هو "بمثابة إعلان حرب دستورية وسياسية، بين البرلمان ومؤسّسة رئاسة الجمهورية والحكومة، خاصّة في ظل عدم وجود محكمة دستورية، لها الحق في الفصل في مثل تلك الأمور".

التمكين على أنقاض الوطن

في ظل هذه المعطيات، أصبح الشارع التونسي يشاهد تطاحن مؤسّسات الدولة علناً، عبر البيانات والتصريحات من كل الجهات، وصولاً إلى محاولة "اغتيال" الرئيس، التي مرت وكأنّها "وسيلة لتصفية الحسابات"، وهو ما علّقت عليه فاطمة المسدي، باعتباره "جواً خانقاً، جعل المواطن يكابد أعنف الأزمات على كافة الأصعدة، الأمر الذي ستكون له عواقب وخيمة على الأمن والاستقرار الداخلي، ما قد يدفع إلى انتهاج الاغتيالات أو التورّط في احتراب أهلي"، لافتة إلى أنّه "من الصعوبة رؤية المسارات الآمنة، دون سيناريو سحب الثقة من الغنوشي، ودعم رئيس الجمهورية، خاصّة بعد تمرير التحوير الوزاري، رغم اعتراض الأخير، والذي تفرض عليه أزمة مؤسّسات الحكم، أن يتحمل مسؤولياته الدستورية، ويحاسب الفاسدين".

النائب السابق في مجلس النواب التونسي، فاطمة المسدي

ومع تفاقم الأزمة، خرجت دعوات طالب أصحابها بتغيير نظام الحكم إلى النظام الرئاسي، استجابة لطبيعة الشعب التونسي، الذي يحبذ أن يرى قائداً سياسياً واحداً، واضحاً ومسؤولاً على الدولة، وفي المقابل خرج الغنوشي، لينادي بنظام برلماني واضح، يكون فيه الحزب الفائز في الانتخابات، هو المتحكم في الدولة، ويعتبر منصب رئيس الجمهورية، منصباً رمزياً، ما اعتبره البعض انقلاباً ناعماً على رئاسة الجمهورية، وهو ما علّقت عليه المسدي، بأنّ "نظام الحكم شبه البرلماني الهجين، أصبح الجميع يرونه سبباً للأزمة، وكل الأطراف المتصارعة لها تصور لتغييره".

مع تفاقم الأزمة خرجت دعوات طالب أصحابها بتغيير نظام الحكم إلى النظام الرئاسي

من جانبه، يقول النائب السابق في البرلمان التونسي، والمحلل السياسي، عبدالعزيز القطي، إنّ "التحوير الوزاري الأخير، أحدث  ضجة غير مسبوقة، وأزمة دستورية وسياسية عميقة، ما يصفه بالقطرة التي أفاضت الكأس، وأجهزت على نظرية التوافق، التي مكنت النهضة في الفترة النيابية الفائتة، من تمرير كل ما أرادت، خدمة لمصالحها الحزبية، بمنطق الغاية تبرر الوسيلة".

المسدي: نظام الحكم شبه البرلماني الهجين أصبح الجميع يرونه سبباً للأزمة وكل الأطراف المتصارعة لها تصور لتغييره

ويتابع القطي حديثه لـ"حفريات": يمكن القول إنّ حركة النهضة صُدمت بمواقف رئيس الجمهورية، الرافضة لمنطق البيع والشراء والغنيمة، فكشرت عن أنيابها، بعد فشلها في تمرير حكومتها الأولى، ومرور مبادرة الرئيس بتعيين إلياس الفخفاخ، ولكن النهضة تمكنت وحلفاءها في المجلس، من إسقاط حكومته، لمحاولته فتح ملفات فساد الحركة، بيد أنّ استقالة حكومة الفخفاخ، أعادت المبادرة لرئيس الجمهورية، الذي عيّن السيد هشام المشيشي، فتعهد بتشكيل حكومة غير سياسية، مكونة من وزراء تكنوقراط، ولكن حركة النهضة لم تستسغ ذلك، وأعلنت من خلال أحد شركائها، أنّ حكومة الرئيس سيتم تغييرها في أقرب وقت.

 النائب السابق في البرلمان التونسي، والمحلل السياسي، عبدالعزيز القطي

ويتابع القطي: بعد ابتزاز النهضة لرئيس الحكومة، تم إقرار تغيير أحد عشر وزيراً، ما أدّى لإعفاء الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية، وبعد التشاور مع النهضة وشركائها، خاصّة قلب تونس، وائتلاف الكرامة، الذراع العنيف لحركة الإخوان، تم اختيار وزراء تحوم حولهم شبهات فساد وتضارب مصالح، إضافة إلى الاختلالات الإجرائية والقانونية والدستورية، والتي نبه لها رئيس الجمهورية، خلال ترأسه لمجلس الأمن القومي، بحضور رئيس الحكومة و رئيس البرلمان.

اقرأ أيضاً: عبير موسي: تونس انزلقت نحو حكم الفتاوى لا القانون... كيف؟

ويشير النائب السابق إلى أنّ "اختيار رئيس الحكومة، جاء بتحريض وتشجيع من الغنوشي، الذي صعد المواجهة مع رئيس الجمهورية، بذهابه للبرلمان، للاستقواء بتصويت النواب، في حين أنّ تصويت المجلس على التحوير الحكومي، غير قانوني، وفيه جدل دستوري، سيما وأنّه في ظل غياب المحكمة الدستورية، يبقى رئيس الجمهورية هو الضامن لتأويل وتطبيق الدستور".

القطي: تصويت مجلس النواب على التحوير الحكومي غير قانوني ويشوبه جدل دستوري

ويستكمل القطي: "أمام رفض رئيس الجمهورية لهذا العبث القانوني والسياسي، مع تعطل العمل البرلماني، بسبب فشل رئيس المجلس في مهامه، وعبثه بمؤسسة البرلمان، خرج علينا الغنوشي بعد تضييق الخناق عليه، يتوعد بتغيير نظام الحكم إلى برلماني صرف، خدمة لشهواته السلطوية، ومتهجماً على رئيس الجمهورية، باعتبار دوره رمزياً، في حين أنّه هو المنتخب مباشرة من الشعب، بأكثر من ثلاثة ملايين صوت، أمام رئيس برلمان انتخب نائباً ببضعة آلاف".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية