هل تشمل التسوية السياسية المقبلة لحرب السودان "الحركة الإسلامية"؟

هل تشمل التسوية السياسية المقبلة لحرب السودان "الحركة الإسلامية"؟

هل تشمل التسوية السياسية المقبلة لحرب السودان "الحركة الإسلامية"؟


21/03/2024

جمال عبدالقادر البدوي

مع عودة الآمال مجدداً حول إمكان الحل السياسي التفاوضي لحرب السودان، ونشاط التحركات الإقليمية والدولية وما تبعه من تسريبات حول وثيقة مشروع للحل، على رغم تواصل القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، بات الحديث عن وقف الحرب مقترناً بطبيعة العملية السياسية التي تعقبها، في ظل تنامي الأصوات حول ضرورة ألا تستثني هذه العملية أياً من القوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني المنحل المتهم بدعم استمرار الحرب. فهل يشمل الحل السياسي للأزمة السودانية مشاركة رموز النظام السابق من "الحركة الإسلامية" ممن لم يرتكبوا جرائم أو ممن يوصفون بـ "الأنقياء" أو المعتدلين من الإسلاميين؟

الرفض والاعتدال

في السياق، قال رئيس "حزب الأمة" مبارك الفاضل المهدي إن الوقت لا يزال مبكراً للحوار السياسي الذي ينتظر انتهاء الحرب أولاً، "علماً أن الشعب السوداني اختلف تماماً وسيكون شرساً جداً بعد الحرب، لذلك، أتوقع مفاجآت تعصف بكل المفاهيم والقيادات التي تسيّدت الموقف بعد الثورة"، داعياً إلى ضرورة أن تكون الحكومة المدنية التنفيذية الانتقالية المقبلة حكومة وحدة وطنية من كفاءات سياسية ومهنية ذات خبرة حتى تستطيع مواجهة تحديات إعادة الإعمار والبناء الاقتصادي والسلام.

ووصف المهدي واقع الإسلاميين، الآن، بأنهم في أضعف حالاتهم، "وأن الحرس القديم منهم من جماعة الرئيس السابق عمر البشير بات مرفوضاً، لكن هناك تيارات إسلامية من المعتدلين الرافضين لقيادات عهد حكومة الإنقاذ السابقة، وعلى رأسهم البشير والقيادات البارزة في تلك المرحلة، مثل علي عثمان طه ونافع علي نافع وغيرهما، يعتبرون جزءاً من الماضي تجاوزته المرحلة الراهنة". وتابع "لكن هناك تياراً شبابياً من الحركة الإسلامية ممن شاركوا في ثورة ديسمبر (كانون الأول)، وأسسوا حركة المستقبل، إلى جانب تيار آخر معتدل يقوده إبراهيم غندور وزير الخارجية السابق، أما الحركة التي أسسها البشير من الموالين له كرافد  للسلطة، وأمينها العام الحالي علي كرتي، فتناهضها حتى تيارات الشباب والمعتدلين".

بيات شتوي

واعتبر المهدي أن الإسلاميين "في حالة بيات شتوي ومعظم قياداتهم موجود في العاصمة المصرية القاهرة، غير أن مجموعة علي كرتي هي التي تحاول استغلال الاستنفار لاستعادة شبابها"، معتبراً أن مشاركة بعضهم في القتال تم بصورة شخصية، في وقت تطوع ما تبقى من منسوبي مجموعة "البراء بن مالك" المقاتلة التي تدربت وقاتلت في حرب جنوب السودان إلى جانب الجيش. وقال "ليس هناك عداء مطلق أو شخصي مع الإسلاميين، فنحن نتعاطى مع حزب المؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح وحركة المستقبل الشبابية، لكن موقفنا الرافض ينصب على نظام الإنقاذ بقيادة البشير والجرائم التي ارتكبها خلال سنوات حكمه الطويلة"، معتبراً أن "بعض القوى الغربية والإقليمية هي التي صنعت الاتفاق الإطاري ودفعت إلى تسليم السلطة الانتقالية لمجموعة المجلس المركزي للحرية والتغيير وإبعاد الجيش، وهي ذاتها التي صنعت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، ورتبت لتوقيع اتفاق أديس أبابا مع الدعم السريع، وما زالت تضغط من أجل تسوية تعيدها للساحة السياسية والعسكرية عبر منبر المنامة، وتضغط أيضاً على قيادة الجيش للقبول بمشاركة (تقدم) في منبر جدة".

تكرار الأخطاء

من جهته، أوضح المحلل السياسي الزمزمي بشير أن العملية السياسية المنتظرة "إذا كانت ستشمل مشاركة الدعم السريع ومجموعات من قوى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بما فيها من رموز للحركات المسلحة التي سبق وقاتلت الحكومة، فمن الطبيعي أن يشمل ذلك الحوار الإسلاميين بكل أطيافهم، لا سيما وأن هناك مجموعات منهم مقبولة غربياً وعربياً بدرجة كبيرة، وليست مصنفة إرهابية أو خطرة"، مضيفاً "لقد كانت الصراعات السياسية والإقصاء من المشاركة في الفترة الانتقالية من أهم أسباب قيام حرب السودان الحالية، ولا ينبغي تكرار الأخطاء ذاتها، فضلاً عن أن معظم البلدان التي تمرّ بتحولات وانتقال سياسي تذهب مباشرة إلى الانتخابات لاختيار من يحكم، لكن رفض الانتخابات من بعض القوى والأحزاب الصغيرة في هذه المرحلة يعبّر عن خوفها منها"، لذلك، بحسب بشير "فإن إفساح المجال للقوى السياسية كافة للعمل السياسي من دون إقصاء أمر مهم، وسبق أن تكتلت الأحزاب السياسية لإسقاط حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الإسلامية".

وتوقع المحلل السياسي أن تكون العملية السياسية المقبلة شاملة من دون إقصاء أي جهة في المرحلة الانتقالية، لتشمل حتى القبائل التي شاركت في الحرب إلى جانب "الدعم السريع"، لأن إبعاد أي جهة من المعادلة قد يعيد البلاد إلى الاضطراب مرة أخرى.

وكان القيادي في الكتلة الديمقراطية مني أركو مناوي قد كتب على منصة "إكس" أن مرحلة ما بعد الحرب يجب أن تشمل جميع السودانيين للدخول في حوار لا يستثني أحداً بمن فيهم الإسلاميون. وأضاف "على رغم أنني يساري التوجه، لكنني أرى أن يشارك الإسلاميون في الحوار الشامل الذي يمكن أن يبنى عليه السودان على أسس جديدة ".

"تقدم" تتبرأ

إلى ذلك، نفت تنسيقية "تقدم" أي علاقة لها أو لرئيسها عبدالله حمدوك، بالوثيقة التي تضمنت مشروع مقترحات حل سياسي لاتفاق بين الجيش و"الدعم السريع" لإنهاء الحرب. وكشف علاء الدين نقد المتحدث باسم التنسيقية أن الوثيقة نسبت زوراً لـ "تقدم" على رغم أنها حوت بعضاً من اتفاق الجيش و"الدعم السريع" في المنامة، مشيراً إلى أن الوثيقة تضمنت، في الفقرة السادسة منها، مغالطات وتناقضات حول أسس العملية السلمية وموعد بدايتها، وكذلك في جانب الترتيبات الأمنية "وانسحاب القوات كان من القضايا الخلافية في المنامة ما يشير إلى أن الوثيقة برمتها مختلقة".

تسوية خطرة

وسط هذه الأجواء، لم يستبعد أستاذ العلاقات الدولية فاروق مبشر أن يكون ما جاء من تسريبات في الوثيقة المتداولة لمشروع تسوية يجري الإعداد لها بين الجيش و"الدعم السريع"، في بعض الدوائر الإقليمية والدولية، لكن "تكمن الخطورة في كونها تتبنى معظم ما ورد من النقاط في اتفاق المنامة بين الفريق شمس الدين الكباشي نائب القائد العام للجيش والفريق عبدالرحيم دقلو القائد الثاني للدعم السريع، التي سبق ورفضها الجيش"، مرجحاً أن تكون هناك ضغوط إقليمية ودولية أسهمت في تغيير موقف قاده الجيش.

وخطورة الوثيقة المسربة، بحسب مبشر، تكمن في أن "فكرتها كانت تنطوي على صفقة بين الطرفين يستفيد منها الإسلاميون في العودة إلى المشهد من جديد، مقابل إقصاء قوى الثورة المدنية الرافضة عودة حزب المؤتمر الوطني إلى المشهد من جديد". وأشار، أيضاً، إلى أن جوهر التسوية المسربة يقوم على شراكة مدنية - عسكرية ولا يمكن أن ينتج حلولاً وطنية مستدامة، من دون النظر إلى ما آلت إليه تجربة الشراكة السابقة، منتقداً، في الوقت عينه، تجاهل الوثيقة التام مبدأ المحاسبة بالحديث عن منح حصانات مطلقة تجاه جرائم الحرب.

سلطة عسكرية

من جانبه، قال القيادي في تنسيقية "تقدم" رئيس الحركة الشعبية - التيار الثوري ياسر عرمان إن حديث الفريق ياسر العطا بعدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، يكشف أن الحرب كانت من أجل استعادة السلطة من قبل الإسلاميين ومنسوبيهم وحلفائهم من كبار الضباط، ورأى عرمان ضرورة الفصل بين أي مفاوضات لوقف إطلاق النار وبين العملية السياسية، "فالعملية السياسية يجب ألا تترك لطرفي الصراع وإلا فإن السلطة ستنتهي في يد العسكر، وبمعزل عن الشعب وشعارات ثورة ديسمبر في المدنية والديمقراطية"، مضيفاً "يجب أن نعمل معاً من أجل وقف الحرب من دون ربطها بالعملية السياسية في هذا التوقيت، وبمشاركة فاعلة من المدنيين وقوى التغيير وليس بمعزل عنهم"، ولفت إلى أن دمج العملية السياسية في قضايا وقف الحرب، قبل العودة الفاعلة للنشاط المدني والسياسي، وعودة النازحين والحياة إلى المدن والقرى، "سيكون تحت سيطرة حاملي السلاح والعسكريين، وسينتهي الأمر إلى شراكة بينهم على حساب ثورة ديسمبر، وهو ما خطط له حزب المؤتمر الوطني والإسلاميون".

جيش مهني

وتابع عرمان "من دون بناء جيش وطني، لا يحمل فوق ظهره الإسلاميين ولا يتحكمون في قراره، لن تصل البلاد إلى الاستقرار أو الديمقراطية أو التنمية".

واندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، في العاصمة الخرطوم، وسرعان ما تمددت إلى دارفور وكردفان غرب السودان والجزيرة وأطراف ولاية سنار وسط البلاد، مخلفة ما يزيد على 14 ألف قتيل وأكثر من ثمانية ملايين نازح ولاجئ، ودمار كبير في البنية التحتية للبلاد التي بات أكثر من نصف سكانها على أعتاب المجاعة وفقاً للأمم المتحدة.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية