هل تسعى تركيا للتمدد إلى لبنان انطلاقاً من الشمال؟

هل تسعى تركيا للتمدد إلى لبنان انطلاقاً من الشمال؟


05/08/2020

طوني بولس

بعد 100 عام على تفكك السلطنة العثمانية وإعلان دولة تركيا العلمانية ضمن حدودها الجغرافية المعروفة، تعود أحلام استعادة أمجاد السلطة العثمانية التي حكمت الشرق طيلة أربعة قرون للاستيقاظ من جديد، ويشير التدخل العلني للجيش التركي في أكثر من ميدان عربي من العراق وسوريا وصولاً إلى ليبيا، إضافة إلى دعم وتبني تنظيم "الإخوان المسلمين" كأيديولوجيا سياسية دينية، تمهد للتغلغل البطيء داخل العالم العربي والإسلامي.

ومنذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011 بدأ التسلل التركي إلى الميدان السوري واضحاً من خلال دعم بعض المجموعات وفصائل إسلامية ولا سيما في محافظات الشمال تحت ذريعة حماية الأمن القومي، ومنع قيام دولة كردية اتحادية تضم أكراد العراق وسوريا وتتمدد نحو أكراد تركيا.

وفي السياق نفسه تتداول أوساط سياسية معلومات عن سعي تركيا للتدخل في لبنان مثلما فعلت في سوريا والعراق وليبيا واليمن وقطر والصومال، وتستثمر في ذلك المكوّن السّنيّ المتمثل بجماعة "الإخوان المسلمين" والأقليّة التّركمانيّة. وأن الأزمة السياسية والاقتصادية التي يمر بها لبنان حالياً قد تكون أرضية خصبة لهذا التمدد ولاسيما انطلاقاً من ساحة شمال لبنان عامة ومدينة طرابلس خاصة.

ووفق المعلومات فإن المفارقة الوحيدة بين لبنان والدول الأخرى أنه لا يرتكز على جماعة "الإخوان المسلمين" إنما من ضمن مجموعات منضوية في إطار الانتفاضة الشعبية وبعض الشخصيات السياسية والدينية الفاعلة.

حراك فرنسي

وتشير مصادر دبلوماسية فرنسية إلى أن أحد أبرز أهداف الاندفاعة الفرنسية تجاه لبنان هو تطويق النفوذ التركي المتمادي في الشرق الأوسط خصوصاً أنه بات يصطدم بالمصالح الفرنسية في شمال أفريقيا ولا سيما ليبيا ولبنان، مؤكدة أن فرنسا تؤيد سياسة حياد لبنان بدلاً من تقاسمه بين هيمنة إيرانية وتغلغل تركي مستجد، حيث أن تقارير عديدة تشير إلى تنسيق إيراني تركي ونية لتقاسم النفوذ بينهما.

وتلفت المصادر إلى أن توسع تركيا خارج حدودها بات يهدد الاستقرار في المنطقة وهو لا ينسحب على المنطقة العربية فحسب إنما تداعيات التوتر بدأت تظهر من إقليم "ناغورني كاراباخ" المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان وصولاً إلى الحدود اليونانية وجزيرة قبرص، مؤكدة ضرورة التحرك السريع من قبل الاتحاد الأوروبي وأن فرنسا ستعمل على ذلك.

وتتخوف المصادر الفرنسية أن يكون الدخول التركي إلى شمال لبنان بضوء أخضر أميركي بهدف إحداث توازن إقليمي بين التواجد الروسي على الساحل السوري مقابل حضور تركي نشط على الساحل اللبناني الشمالي، معتبرة أن هكذا توجه قد يعرض وحدة الأراضي اللبنانية للخطر.

الإحباط السني

وفي هذا السياق، يؤكد القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش، أن السعي التركي لتوسيع دائرة الوجود مع بعض النفوذ ليس بجديد، ويقول "منذ عقدين بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التواصل مع تجمعات ذات أصول تركمانية في عكار"، ويضيف أن طرابلس بالذات لا تزال تحمل بعض الذكريات العثمانية في تاريخها ولكن ما يحدث اليوم هو أن الفراغ الذي أحدثه غياب العرب الفاعل عن الوجود في الساحة السنية فتح الباب أمام اللاعبين على المستوى المذهبي للإيحاء بأنهم البديل الراعي وهذا ما دفع البعض للاستفادة من الاندفاعة التركية نحو توسيع النفوذ على مستوى البحر المتوسط".

ويرى علوش أن المؤكد هو أن مناطق السنة في لبنان تعيش فراغاً سياسياً مع يأس مستوطن ما يجعل الوضع جاهزاً للاستعمال، مضيفاً "طرابلس والشمال يمكنهما أن يشكلا حاضنة لهذا المشروع لكن ما بذل حتى الان قليل جداً بالمقارنة مع حجم مشروع من هذا النوع.

انتهازية عونية

وبرز في الأيام الماضية حديث لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن وجود دور نشط للأتراك في لبنان، ووجه اتهامات لبعض الأجهزة الأمنية اللبنانية من ضمنها قائد الجيش جوزيف عون، بالتواطؤ لتسهيل التمدد التركي باتجاه شمال لبنان.

ورد النائب السابق خالد الضاهر على الاتهامات التي يوجهها أركان "العهد" عن وجود دور أمني للأتراك في الشمال معتبراً أن هذا الكلام يستهدف الطائفة السنية، مؤكداً أن المناطق السنية بكاملها تحت سلطة الدولة والجيش وهي على عكس المناطق الشيعية التي يسيطر عليها "حزب الله" وتغيب الدولة عنها.

وشدد على أن اتهامات باسيل لقائد الجيش في بعدها الداخلي تدخل في إطار الانتقام السياسي ومحاولة "حرق" أي اسم قد يكون مطروحاً مستقبلاً لرئاسة الجمهورية، في حين يكمن بعدها الخارجي في إطار ابتزاز دول الخليج الذي يغلق أبوابه بوجه الحكومة المدعومة من "حزب الله" ومحور إيران والنظام السوري.

وقال إن العلاقة بين اللبنانيين والدولة التركية هي علاقة تاريخية، وأن "تركيا لديها حضور في مناطق عديدة من خلال المساعدات الاجتماعية والصحية والتعليمية التي سبق وأن انشأتها في عدد من القرى الشمالية والمحرومة من الانماء"، مضيفاً أن دولاً عدة تقدم مساعدات اجتماعية للشعب اللبناني، "الولايات المتحدة تقدم مساعدات للجيش وكذلك مساعدات تنموية للمناطق كافة ومن ضمنها مناطق "حزب الله"، كذلك فرنسا تدعم قطاعات عديدة في لبنان، ودول الخليج تقوم بمساندة الشعب اللبناني اجتماعياً"، متسائلاً عن الأهداف من تضخيم الدور التركي ومحاولات "شيطنته" من خلال ربطه بأجندات خارجية وأعمال أمنية.

واعتبر الضاهر أن الانكفاء العربي عن الساحة اللبنانية عامة والسنية خصوصاً جعل 90 بالمئة من السنة يتطلعون إلى دور تركي من أجل التوازن مع التوحش الإيراني بالهيمنة على لبنان.

تفاعل واحترام

وفي السياق نفسه، يقول مصدر أمنى ملاصق لوزير الداخلية محمد فهمي، إن لديه معلومات تشير إلى أن "مجموعات تسمى "المنتديات" ويديرها المحامي نبيل الحلبي وهي ممولة من الشيخ بهاء الدين الحريري تعمل على استجلاب الدور التركي إلى لبنان"، متهماً بهاء الحريري بالعمل مع الأتراك من أجل الدخول إلى الساحة اللبنانية.

وحول هذه المعلومات يرد مصدر دبلوماسي تركي فضل عدم نشر اسمه، "لا علاقة تجمع تركيا ببهاء الحريري ولا نبيل الحلبي"، مضيفاً "كل ما نعرفه عن الحلبي أنه يعمل في سياق إغاثة النازحين السوريين وينسق ذلك مع بعض الجمعيات المدنية التركية والأوروبية والعربية"، مؤكداً عدم وجود أي تدخل أو دور تركي على الساحة اللبنانية، وأن "تفاعل اللبنانيين مع تركيا ناتج عن احترام ومحبة بلا تدخل في شؤون لبنان، والعلاقة موجودة مع كل الأطراف السياسية اللبنانية".

وكذلك يعلق خالد الضاهر على الاتهامات التي يطلقها وزير الداخلية، مطالباً لجنة الدفاع النيابية بمطالبة فهمي وباسيل بالكشف عما لديهما من معلومات واثباتات وإلا "اعتبار كلامهما افتراء على الوطن وإساءة إلى لبنان واستقراره".

ويوضح أن محاولات "تركيب" علاقة بين الدور التركي في لبنان وحركة بهاء الحريري المرتبطة بالانتفاضة الشعبية، الهدف منها محاولة لمحاصرته عربياً وغربياً ووضعه في اصطفاف داخلي يضعضع علاقته بالانتفاضة الشعبية.

العثمانية الجديدة

ويعتبر الباحث والمتخصص في الشؤون التركية خورشيد دلي، أن تركيا كدولة اقليمية لها طموحات بالسيطرة والهيمنة وتوسيع النفوذ الاقليمي، "هي تُفكر أن يكون لها دور في لبنان لذلك سعت خلال السنوات الماضية إلى توسيع عوامل قوتها"، مشيراً إلى أن "هذا التوسع مبني على مجموعة مسارات منها بناء جمعيات لبنانية تركية تعمل في مجال الثقافة والخدمات ولا سيما تعليم اللغة، وكذلك اهتمت بشكل خاص في المناطق التي تقع شمال لبنان وتحديداً طرابلس وعكار وبلدة الكواشرة وقرى من أصول تركمانية".

ولفت إلى زيادة الأشخاص الذين باتوا يعتبرون أنفسهم أنصاراً لتركيا في لبنان والذين أصبحوا يخرجون إلى العلن في الشوارع ويؤيدون السياسة التركية، مؤكداً أن "مثل هذا الدعم يحظى برعاية رسمية من السفارة التركية في لبنان والحكومة التركية".

واعتبر أنه "بسبب توسع النشاط التركي بدأنا نسمع تصريحات وتقارير تتحدث عن الدور التركي، ولعل ما يخوف من هذا الدور هو تدخلات تركيا في سوريا والعراق وليبيا، والخوف من تكرار مثل هذا السيناريو"، مشدداً على أن "هدف تركيا في لبنان هو السعي لأن تتحول إلى دولة تؤثر في السياسة الداخلية أي بمعنى أن تكون لها جماعات سياسية تتبعها وتجعل منها مرجعية، وتركيا في هذا الامر تعتمد على جماعات الإسلام السياسي ولا سيما تيارات الإخوانية، ليكون هدفها إعادة دور التركي بشكله الجديد أي كما يقال العثمانية الجديدة".

وتابع "أما الهدف الثاني فله بعد اقتصادي وهو أن تركيا الآن في صراع على الطاقة والغاز والنفط في المتوسط، هناك محاور اقليمية تتشكل، واعتقد ان أحد اهدافها الاساسية هو الوصول إلى مثل هذه التحالفات مع لبنان كي يدخل معها في الصراعات القائمة على الطاقة في المتوسط".

وعن تداعيات التقدم التركي في لبنان على هذا النحو قال "سيكون على حساب نفوذ بعض الدول العربية، فتركيا معروفة انه لديها نموذج مختلف تحاول فرضه بكل الوسائل التي تسمى الحرب الناعمة"، مشيراً إلى أن "تركيا استفادت من الخلافات داخل المرجعيات الاسلامية السنية في لبنان وتشتت هذه المرجعية وضعفها وبالتالي ربما تركيا وجدت في هذا الأمر جسراً إلى بناء أو تشكيل حالة سياسية جديدة".

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية