
الحبيب مباركي
عبر التاريخ وحسب ما تذكره مصادر موثوقة فإن المقر السياسي لحركة حماس تنقل بين أكثر من عاصمة عربية من الأردن مرورا بسوريا وصولا إلى قطر، وفي كل محطة من هذه المحطات واجهت الحركة تحدّيات أدت في النهاية إلى إغلاق مكاتبها في عمان ودمشق والدوحة التي بادرت هي الأخرى مؤخرا باتخاذ قرار مماثل.
مع تأكّد الخبر اليقين بغلق مكتب حماس في الدوحة، لم يتبق أمام الحركة سوى تنفيسة صغيرة تتلقاها من بعض الداعمين لها في عاصمتين عربيتين هما الجزائر واليمن وإسناد لا يكاد يُذكر من بعض الفصائل العراقية، رغم كونه لا يلقى صدًى من الدوائر الرسمية العراقية.
مع دخول حماس نفقا مظلما بحثا عمّا يعتبره البعض لجوءا مؤقتا لأسباب متشابكة، منها ما هو أمني ولوجستي لبعض قادة الحركة الملاحقين من إسرائيل، ومنها ما هو سياسي استنادا إلى ترتيبات يمكن أن تجريها الحركة على مستوى القيادة، تتصاعد التكهنات بشأن مستقبل المكتب السياسي لحماس وأيّ وجهة سيختارها قادتها لحط الرّحال فيها. هل تكون الجزائر حلا مؤقتا إلى حين التوصل إلى وقف الحرب في غزة؟ قد يكون الجواب “نعم.”
الجزائر حلّ من بين الحلول التي يمكن أن تلجأ إليها حماس التي باتت منبوذة وملاحقة أولا استنادا إلى بعدها الجغرافي عن منطقة الصراع، وثانيا باعتبارها تمتاز عن غيرها بتمثيل رسمي للحركة الإسلامية ويحظى قادتها بمعاملة خاصة هناك، وثالثا فإن الجزائر تربطها علاقات جيدة مع حماس منذ عام 2016 وفيها مكتب تسييري لحماس يتولى مسؤوليته القيادي محمد عثمان، إضافة إلى إقامة القيادي سامي أبوزهري في الجزائر العاصمة، علاوة على ذلك فإن حماس ترتبط بعلاقات وثيقة مع حركة مجتمع السلم الجزائرية، وهي إحدى أذرع جماعة الإخوان المسلمين.. هذه العوامل مجتمعة من شأنها أن تبقي فرضية التوجه نحو الجزائر ممكنة.
لكن ماذا عن الجزائر، هل يمكن أن تقبل بالدخول تحت سقف الممانعة والتعنّت وفرض الطاعة الذي خاضته قطر قبلها وغيرها من العواصم العربية التي احتضنت المكتب السياسي للحركة ولم تجن من وراء ذلك سوى الويلات؟
الجزائر التي تعيش بدورها عزلة إقليمية ومستعدة للتضحية بالكثير من أجل إحياء بعض القنوات الدبلوماسية مع بعض العواصم العربية، لا شك أنها ستدرس هذا السيناريو إن طرح عليها، قبل الإقدام على أيّ خطوة من شأنها أن تضعها في موقف محرج أكثر مما هي فيه.
معطى آخر مهمّ وهو أن الجزائر، في ظل القيادة الحالية، لا يمكن أن تقدم الإضافة للحركة سواء في علاقتها بالحرب الدائرة في غزة أو بترتيبات ممكنة مع دوائر صنع القرار العالمية قياسا باضطراب مواقفها والاصطفاف الذي تسير فيه، ما أربك دبلوماسيتها الخارجية وجعلها معزولة أكثر.
أيضا الجزائر التي لطالما سعت للتظاهر بدعم القضية الفلسطينية واستخدامها ورقة ضغط للابتزاز السياسي، حيث استضافت قمّة فشلت في تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية عام 2022، يؤكد مراقبون أنها دائما ما تسعى لبناء شرعية وهمية باسم فلسطين والفلسطينيين، فكيف لها أن تستضيف حركة منبوذة قطريا ولا تمتلك شرعية هي الأخرى على أرضها؟
هنا يبرز لبنان كوجهة أخرى محتملة، حيث يضم تمثيلا رسميا للحركة ويقيم فيه عدد من قادتها البارزين بينهم أسامة حمدان وخليل الحية إضافة إلى قيادات عسكرية وقواعد تنظيمية في المخيمات الفلسطينية، لكن الوضع الذي يعيشه لبنان ليس آمنا أين تبحث إسرائيل في كل زقاق وكل دائرة عن قطع دابر الحركة، لذلك لا يبدو لبنان خيارا مثاليا حاليا.
أما عن علاقات حماس ببعض الدول العربية التي كانت ولا تزال تحظى بدعمها، فإنه لا يمكن الجزم على الأقل في المدى القريب، بأن الحركة ستقطع علاقاتها معها لأن معظمها يدور في فلك إيران وتعتبر جزءا مهمّا من محور المقاومة. لكن على المدى البعيد، هناك توقعات بأن تتوسع دائرة التوتر مع هذه الدول باعتبار أن إسرائيل سوف تستمر في تتبع قادة الحركة أينما كانوا وسيكون ذلك أسهل إذا ما كانوا متواجدين خارج قطر.
ومع وصول دونالد ترامب إلى السلطة، ستمارس إدارته ضغوطا على الدول التي تؤوي قادة حماس أو ترتبط بعلاقات مع الحركة وغيرها من وكلاء إيران، ما سيدفعها إلى إبعاد نفسها عن أيّ شبهات.
السيناريو الأسوأ هو الذي تعيش على وقعه حماس اليوم. ضغوط مستمرة منذ بدء الحرب في قطاع غزة قبل أكثر من عام نتجت عنها تصفية أبرز قادتها ورئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، زادها تأزما فشل جميع المفاوضات التي خاضتها من أجل وقف الحرب.
مع تزايد التكهنات التي تتوقع خروج حماس من قطر، طرحت فرضية يمكن أن تنقذ الحركة من مأزق الملاحقة وتسهم في تبريد الأجواء مع إسرائيل وهي الإعلان عن حل مكتبها السياسي نهائيا والانضواء تحت منظمة التحرير الفلسطينية، وهي فرضية تبقى قائمة لكن يصعب تحققها.
لكن بقاء القيادات في الخارج سيكون المعضلة الأساسية التي سوف تواجهها حماس خاصة مع ضبابية المشهد الحالي في ما يخص التعامل الدولي مع الحركة بعد وصول إدارة جديدة في الولايات المتحدة بقيادة ترامب.
العرب