إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية أم قتلها؟

إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية أم قتلها؟


08/06/2022

رغم ما يتنازع القضية الفلسطينية من تعدّد القوى السياسية والعسكرية والتوجهات نحو الحلّ والانقسام التنفيذي وغير ذلك، إلا أنّ هناك حقيقة موضوعية وهي حاجة الجسم المعبر عن القضية؛ منظمة التحرير الفلسطينية للإصلاح.

ولا تمتدّ الموضوعية إلى العلاج، بل تقف عند تشخيص الخلل العام؛ إذ لا اتفاق بين القوى الفلسطينية على طريقة الإصلاح، بسبب الخلاف على الحل المطلوب للقضية؛ بين من يتمسّك بالنضال دون الاعتراف باتفاق أوسلو الذي وقعته المنظمة عام 1993، ويطالب بحلّ السلطة التي نتجت عنه، ومن يتمسّك بالاتفاق ويرى في النضال السلمي الطريق الوحيد لإقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل الخامس من حزيران (يونيو) عام 1967، ومع الرؤيتين تتداخل عوامل أخرى تتعلق بالأيديولوجيا والصراع السياسي والمكاسب الشخصية والحركية.

الممثل الشرعي الوحيد

تعدّ منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين في المحافل العربية والدولية، منذ تأسيسها عام 1964، بعد عقد المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول، وجاء تأسيسها بناءً على تكليف من الجامعة العربية في قمتها الأولى لعام 1963، ونالت الاعتراف العربي في القمة العربية الثانية لعام 1964، وتولى أحمد الشقيري منصب أول رئيس للجنة التنفيذية للمنظمة حتى استقالته، بعد خلافات عام 1967، وخلفه بالوكالة يحيى حمودة، حتى انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية ياسر عرفات رئيساً لها، عام 1969، بعد العديد من التحولات الفلسطينية الداخلية، واعترفت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة كممثل للشعب الفلسطيني عام 1974، وعقب وفاة عرفات عام 2004، خلفه الرئيس محمود عباس أبو مازن.

ومنذ أن سعى الشقيري لتأسيس كيان جامع للشعب الفلسطيني بدعم الجامعة العربية ظهرت خلافات بين الحركات الفلسطينية حول هذا الكيان العام، الذي صار لاحقاً منظمة التحرير الفلسطينية، التي لم تحظَ بقبول من كبريات الحركات المسلحة آنذاك، ومن بينها حركة فتح حتى عام 1969 حين صار عرفات رئيساً لها؛ فقد نظرت الحركات الفلسطينية إلى المنظمة في بدايتها على أنّها جسم سياسي موالٍ للدول العربية.

مؤسس منظمة التحرير، أحمد الشقيري

ومع تولي عرفات رئاسة المنظمة باتت أكثر فاعلية، ومع ذلك لم تنضم حركات فلسطينية إليها، ومع كلّ قرار تاريخي صدر عنها وُجدت خلافات حولها، ومن ذلك الخلاف بعد إعلان "البرنامج السياسي المرحلي" عام 1974، وصولاً إلى توقيع اتفاقية أوسلو، عام 1994، والتي شهدت تحولات كبرى خالفت الأسس الأولى التي قامت عليها المنظمة، وعقب ذلك تمّ تغيير الميثاق الوطني عام 1998 في اجتماع المجلس الوطني في غزة.

منذ أن سعى الشقيري لتأسيس كيان جامع للشعب الفلسطيني بدعم الجامعة العربية ظهرت خلافات بين الحركات الفلسطينية حول هذا الكيان العام، الذي صار لاحقاً منظمة التحرير الفلسطينية

وشهدت المنظمة والواقع الفلسطيني والعربي والدولي تغيرات كبيرة، من أهمها في الداخل انزواء فصائل مقاومة وبروز أخرى جديدة غير منضوية تحت المنظمة، وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، اللتان رفضتا اتفاق أوسلو، وتبعاته من قرارات خرجت من منظمة التحرير.

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المُهدي مطاوع: "منظمة التحرير الفلسطينية أحد أهم المنجزات في النضال الفلسطيني منذ بداية الاحتلال، ومن خلالها استطاع الفلسطينيون أن يجبروا العالم على التعاطي مع القضية الفلسطينية، والاعتراف بوجود شعب فلسطيني، وبهذا الاعتراف تمكنت من الدخول في مسار سياسي لخلق حلول للقضية الفلسطينية".

وتابع لـ "حفريات": "رغم الشعور والتقدير العام بتراجع دور المنظمة، لكنّني أعتقد أنّ التراجع هو في القضية الفلسطينية وليس فيها".

أزمة منظمة التحرير

ومن جانبه، يرى الباحث في العلوم الاجتماعية والسياسية، محمد بدر؛ أنّ دور المنظمة اليوم "يتمثّل وينحصر في إعادة إنتاج الشرعية للمشروع السياسي الذي جاء بعد أوسلو، وأثبت فشله وعدم قدرته على الاستجابة للتحديات الإسرائيلية. وأيضاً في تجديد شرعية بعض منظريه وقادته، ولم يعد لها أيّ  دور سياسي حقيقي ملموس".

عبد المُهدي مطاوع: مؤسسات المنظمة تدير شؤون الفلسطينيين في بلدان اللجوء

وقال الباحث الفلسطيني لـ "حفريات": "السلطة الفلسطينية التي يُفترض أنها تعمل تحت سقف المنظمة، أخضعت الأخيرة وجعلتها تعمل تحت سقفها وضمن رؤية قادتها". وأشار إلى أنّ المنظمة المكونة من عدد من الفصائل الفلسطينية لا تترجم ذلك التعدد داخلها "ليس أكثر من شكل فني لا يعبّر عن جوهر حياة المنظمة وتعاطيها مع القضايا، ويدلل على ذلك عدم تطبيق القرارات كلّها الصادرة عن المجلس المركزي للمنظمة في السنوات الأخيرة، رغم أنّها ملزمة. إلى جانب مقاطعة جلسات بعض هيئات المنظمة من قبل عدد من الفصائل المهمة، من بينها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي تعدّ الفصيل الثاني فيها من حيث الثقل والتمثيل".

وحول اتفاق أوسلو قال الباحث محمد بدر: "ساهم اتفاق أوسلو في ضرب وحدة منظمة التحرير بعد أن رفضت تيارات أساسية فيها الاتفاق، من بينها الجبهة الشعبية، وساعد كذلك في بروز تيارات المعارضة وتوسع المدّ الشعبي لها، كما في حالة حركة حماس، وأدّى أيضاً إلى زيادة قوة العلاقات بين بعض الفصائل، ودول عارضت الاتفاق كما سوريا وإيران وغيرها".

وأفاد بأنّ الاتفاق: "أدّى لطغيان السلطة على المنظمة، وأصبحت المنظمة تعمل وفق  أجندة السلطة لا العكس، وعمل على تفكيك وحدة الموقف داخل المنظمة".

وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المُهدي مطاوع، أنّ من الظلم القول إنّ "اتفاقاً وقعته المنظمة أنهى دورها لأسباب عديدة؛ المنظمة أنشأت السلطة الفلسطينية لإدارة الحكم الذاتي في المناطق الفلسطينية كمرحلة مؤقتة، وربما هذا السبب في التركيز الإعلامي والدولي في التعامل مع السلطة الفلسطينية، كما أنّ مؤسسات المنظمة ما تزال هي التي تدير شؤون الفلسطينيين في بلدان اللجوء، وعلى رأسها لبنان وسوريا والأردن، سواء على المستوى الصحي والتعليمي والأمني بالتعاون مع وكالة الغوث".

وتابع: "اتفاق أوسلو في صياغته كان يحمل وعوداً براقةً ورؤيةً للوصول لدولة فلسطينية على حدود عام 67، وأسباب قتل هذا الاتفاق متداخلة، وشاركت فيها أطراف فلسطينية، ثم طالبوا بما هو أدنى من ما وافقت عليه منظمة التحرير".

الإصلاح المرغوب

ويعدّ العنوان الأبرز لأزمة المنظمة هو موقف حركتي حماس والجهاد منها، باعتبارهما خصوصاً حماس من أكبر الفصائل الفلسطينية اليوم، وأهمها في التأثير في الصراع مع إسرائيل. وكان إصلاح المنظمة موضوعاً دائم النقاش حوله على طاولة حوار الفصائل الفلسطينية، خصوصاً في الحوار الذي رعته القاهرة، عام 2005، وخرج باتفاق حول تشكيل لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، والتي شاركت حركتا حماس والجهاد في عضويتها، وخلال هذا الحوار رغبت الحركتان في إعادة بناء المنظمة على أسس جديدة، بدلاً من التفعيل.

ورغم الاتفاق على اللجنة إلا أنّها لم تمارس عملها، ومع ذلك ظلت أحد الحلول التي تطرحها بعض الفصائل لتفعيل وتجديد دور منظمة التحرير، وخلال جولات المصالحة بين حركتي فتح وحماس، طرحت الأخيرة مطلب إجراء الانتخابات العامة بما فيها انتخابات المجلس الوطني، الذي يعدّ أعلى سلطة فلسطينية، وتنبثق عنه منظمة التحرير، وكان ذلك مطروحاً في اتفاق المصالحة الأخير الذي رعته القاهرة.

عبد الناصر وعرفات

ويقول الباحث محمد بدر: "خلاف حماس والجهاد الإسلامي مع المنظمة، أو موانع انضمامها لها شقّان: الأول سياسي مرتبط ببرنامج المنظمة السياسي ودورها الفعلي، وهذا أمر غير قابل للتفاوض مثلاً في حالة الجهاد الإسلامي التي ترفض كلّ أنواع الاعتراف بإسرائيل، بما في ذلك الحلول المرحلية".

وأضاف: "الشقّ الثاني يتعلّق بتركيبة المنظمة وطبيعة التمثيل فيها، وهنا من المهم الإشارة إلى أنّ حركتي حماس والجهاد تطالبان بانتخابات المجلس الوطني، وأن يكون التمثيل على أساس الأصوات، وهو ما ترفضه حركة فتح التي يشغل عدد كبير من قادتها وكوادرها العضوية في المجلس الوطني تحت كوتا المستقلين، وهذا من ناحية عملية غير صحيح".

الباحث محمد بدر لـ "حفريات": منظمة التحرير بعيداً عن واقع حالها اليوم، هي من حافظت على الهوية الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني لفترة طويلة، وهي إرث مهم للشعب الفلسطيني

ومن جانبه، أكّد مطاوع، على وجود حاجة ملحة لـ "إعادة الروح لمنظمة التحرير في إطار يتعامل مع الواقع ويعيد ترتيب المشهد الفلسطيني بشكل وحدوي، بحيث يثمر عن تحقيق الحلم الفلسطيني".

وعن حركة حماس قال: "هناك مفاوضات منذ الثمانينات لضمّها للمنظمة، لكنّها رفضت؛ لأنّها تريد منظومة تكون هي الغالبية والمتحكمة فيها. وحاولت عدة مرات، بدعم بعض الدول، أن تخلق أجساماً بديلة لتمثيل الشعب الفلسطيني، لكنّها أخفقت"، وأشار إلى أنّ الحركة "عادت مرة أخرى للهجوم على المنظمة بدعوى الإصلاح، لكنّها تريد فرض رؤيتها وتمثيلها على الشعب الفلسطيني في الحقيقة".

ومن جانبه، أشار الباحث محمد بدر إلى أنّ حماس "تسعى لبناء علاقات على شكل تحالف ضمني، دون مسميات وحدود مع قوى، حتى داخل المنظمة، وهذا ما تمكن قراءته من خلال التحالفات التي أقامتها مع الجبهة الشعبية في انتخابات بلدية ونقابية وطلابية في السنة الأخيرة".

وشدّد على أنّ "منظمة التحرير، بعيداً عن واقع حالها اليوم، هي من حافظت على الهوية الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني لفترة طويلة، وبالتالي هي إرث مهم للشعب الفلسطيني ومسيرته التحررية ونضاله ضدّ الاحتلال والتبعية، لكنّ ما حدث بعد اتفاق أوسلو هو أنّ المنظمة انقلبت تماماً على أهدافها وغاياتها التي انطلقت من أجلها، فقد ساهمت في تشتت الهوية الفلسطينية، واستبعاد مكونات مهمة من الشعب الفلسطيني، كما في حالة فلسطينيي الداخل المحتل".

وحول إصلاح المنظمة، قال الباحث في العلوم السياسية والاجتماعية: "إصلاحها ضرورة مهمة، لكنّها تبدو شبه مستحيلة، على الأقل في المرحلة الحالية، ولا يمكن إصلاحها دون مراجعة نقدية لكلّ سلوكها الذي أوصلها وأوصلنا إلى حالة أصبحنا فيها على هامش الاهتمام العربي والدولي، ولا يمكن إصلاحها، من وجهة نظري، إلا بتراجعها عن الاعتراف بإسرائيل وقطع كلّ أشكال العلاقة معها، وتفعيل المقاومة الشاملة ضدّ الاحتلال".

وذكر أنّ هذه الشروط هي "قرارات مجلس مركزي المنظمة وحصيلة مراجعاته لكلّ السنوات الماضية، لكن لا يوجد تطبيق عملي لهذه القرارات، ما يعني أنّنا نحن متفقون مع المنظمة في الاستنتاج، لكنّنا مختلفون في عدم التطبيق".

ومن جانب آخر، فحركة فتح ترى خلاف ذلك، وتتمسك بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، رغم إعلانها إيقاف التنسيق الأمني، ولهذا لا يبدو في الأفق القريب أنّ إصلاح المنظمة أمر ممكن، خصوصاً بعد تجذر الانقسام بين فتح وحماس، وعدم تأييد الموقف العربي والدولي لقرار كهذا، له تبعات ربما تتجاوز فلسطين.

مواضيع ذات صلة:

 في ذكرى أوسلو: إدوارد سعيد اعتبره استسلاماً.. ودرويش خيانة

قطر تغير آلية دعمها لغزة.. ما علاقة السلطة الفلسطينية؟

-  بعد انتهاك حقوق الأحياء: إسرائيل تعاقب جثامين الشهداء الفلسطينيين




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية