هل تتحول منطقة الساحل الأفريقي إلى "سوريا أخرى"؟

هل تتحول منطقة الساحل الأفريقي إلى "سوريا أخرى"؟


07/03/2020

ترجمة: محمد الدخاخني


تخيّل كيف ستكون ردّة الفعل في بريطانيا إذا اقتحم جهاديّون إسلامويّون مسلّحون قدّاس الأحد في كنيسة بإحدى قرى مقاطعة ساري، وأطلقوا نيران الأسلحة الآليّة على الرّعيّة وقتلوا القسّ وما لا يقلّ عن 23 من المصلّين. سينفلت الرّعب والغضب. والهجوم سيأخذ ضجّة إعلاميّة فوريّة في كافّة أنحاء العالم.

تُعدّ بوركينا فاسو النّقطة السّاخنة الجديدة في مواجهة متنامية بين الإسلامويّين وحكومات السّاحل المدعومة من الغرب

هذا بالضّبط ما حدث لرعاة الكنيسة البروتستانتيّين في بانسي، وهي قرية في شمال بوركينا فاسو، في 16 شباط (فبراير) الماضي - بالرّغم من أنّك بالكاد ستعرف ذلك، إذا حكمنا بناءً على الصّمت الدّوليّ الّذي تلا الواقعة. التّكرار المتزايد لمثل هذه الفظائع في منطقة السّاحل في أفريقيا هو أحد التّفسيرات المحتملة لهذه الّلامبالاة الظّاهرة، بالرّغم من وجود تفسيرات أخرى.
في كانون الثاني (يناير) الماضي، قتل متشدّدون إسلامويّون عشرات القرويّين في سيلجادجي، في مقاطعة سوم ببوركينا فاسو. وبعد أيّام، توفّي 20 شخصاً في لامدامول، وهي قرية تقع شمال العاصمة واغادوغو. وبحسب ما ورد، يُختار الضّحايا على أساس عقيدتهم أو صِلاتهم بالحكومة أو عِرقهم. وأيًّا كان "السّبب"، فإنّ التّأثير واحد: إرهابٌ محض.


تُعدّ بوركينا فاسو النّقطة السّاخنة الجديدة في مواجهة متنامية بين الإسلامويّين وحكومات السّاحل المدعومة من الغرب، وهي منطقة واسعة شِبه قاحلة جنوب الصّحراء تمتدّ من السّنغال وموريتانيا على ساحل المحيط الأطلسيّ عبر مالي والنّيجر وتشاد إلى السّودان وإريتريا على البحر الأحمر.

اقرأ أيضاً: باريس تواجه تحديات جهادية جديدة في الساحل الأفريقي.. ما أبرزها؟
ربّما لم تتحدّث عناوين الصّحف في أوروبا والولايات المتّحدة عن ذلك، لكن حوالي 1,800 شخص لقوا حتفهم خلال عنفٍ عارمٍ في بوركينا فاسو العام الماضي. ونزح حوالي 500,000 داخليّاً. ومن جانبها، تحذّر الأمم المتّحدة من أنّها قد تصبح "سوريا أخرى". وبإضافة ضحايا مالي والنّيجر، يرتفع عدد القتلى في عام 2019 إلى ما يقدّر بنحو 4,000، أي بزيادة تصل إلى الخمسة أضعاف منذ عام 2016. ويحتاج ملايين آخرون إلى المساعدة الغذائيّة.
ما بدأ في عام 2012 باعتباره تمرّداً انفصاليّاً جزئيّاً ومحصوراً في شمال مالي انتشر بلا هوادة. ويُنظَر الآن إلى منطقة السّاحل باعتبارها جبهة القتال الجديدة بين المتطرّفين الإسلامويّين والغرب. وتخشى الدّول السّاحليّة في غرب أفريقيا العدوى. أيضاً، يتزايد وجود الجّهات التّابعة لداعش والقاعدة، والّتي تستغلّ المساحات غير الخاضعة للحكم والفقر المدقع والتّوترات الدّينيّة والقبليّة والاضطّرابات النّاجمة عن التّغيّر المناخيّ.

اقرأ أيضاً: لماذا ترفض شعوب الساحل الأفريقي الوجود العسكري الفرنسي؟
بعبارة أخرى، إنّ التّهديد الإرهابيّ الّذي جذب الانتباه العالميّ لأوّل مرّة في أفغانستان في عام 2001، وأُعِيد تشكيله فيما بعد في العراق وسوريا، وجد مركزاً جديداً لعمليّاته. وبالنّظر إلى التّاريخ الحديث، سيكون من الخطأ الكبير الاعتقاد بأنّ هذا التّهديد البعيد، كما يفترض، ليس له أيّ تأثير على أمن لندن وباريس ونيويورك في المستقبل.
إذا لم تكن معاناة السّاحل دافعاً كافياً للعمل، فمن المؤكّد أنّ الحسابات المعنيّة بالذّات يجب أن تكون كذلك. ومع ذلك، فإنّ الجمود النّسبيّ للحكومات الغربيّة، بما في ذلك بريطانيا، يوحي بعكس ذلك. فالتّهديد المتزايد معترفٌ به على نطاق واسع. لكن العمل الجماعيّ الفعّال لمكافحته غير موجود. لقد حاولت فرنسا، بماضيها الاستعماريّ وروابطها الفرنكوفونيّة المستمرّة، أخذ خطوة قياديّة. وأرسلت 4,500 جنديّ إلى مالي في عام 2013، وقامت مؤخّراً بإضافة تعزيزات.

اقرأ أيضاً: تجارة تهريب البشر في أفريقيا.. أرباح خيالية ومعاناة لا تنتهي

وفي كانون الثّاني (يناير)الماضي، التقى الرّئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، بقادة ما يسمّى دول السّاحل الخمس الكبرى. وبحلول نهاية شباط (فبراير) الماضي، عُقِدت قمّة متابعَة استضافتها موريتانيا.
المشكلة تكمن جزئيّاً في الموارد - تتعلّق بمحدوديّة القدرات والدّعم الّلوجستيّ والتّدريب. وخطّة مجموعة الخمسة - بوركينا فاسو وموريتانيا ومالي والنّيجر وتشاد - لتشكيل قوّة عسكريّة مشتركة قوامها 5,000 جنديّ أُجّلت بسبب نقص الأموال والمعدّات.


وفشلت الدّول الأفريقيّة الأخرى في إحراز أيّ تقدّم، بالرّغم من أنّ الاتّحاد الأفريقيّ يدّعي أنّ هذا الأمر يتغيّر. وتحتفظ الأمم المتّحدة بقوّة حفظ سلام قوامها 13,000 فرد في مالي، وخصّص الاتّحاد الأوروبيّ 8 مليارات يورو في شكل مساعدات إنمائيّة لدول مجموعة الخمسة، لكن عدم الاستقرار مستمرّ في الصّعود.
وتُعدّ كلّ من السّودان وتشاد، وكلتاهما تأثّرت سلباً بالحرب الّليبيّة، عرضة للخطر بشكل خاصّ. وقد حظيت جهود السودان الرّامية إلى تحقيق الدّيمقراطيّة بعد ثورة العام الماضي بمكافأة ضئيلة من حيث المساعدات الغربيّة وتخفيف العقوبات. وإذا بدأ الإحباط، فقد ينتج عن ذلك انقلاب إسلامويّ مضادّ في الخرطوم.

اقرأ أيضاً: اتفاق أردوغان-السراج والإرهاب في شمال أفريقيا
كان جان-إيف لو دريان، وزير الخارجيّة الفرنسيّ، قد صرّح قائلاً في قمّة شباط (فبراير) الماضي: "من الضّروريّ التّحرّك بقوّة عندما يتعلّق الأمر بالتّعبئة أو التّنسيق أو تحديد الأولويات". وقال إنّ الهدف العام هو الدّمج بين الأمن والتّنمية.
لم يترك محاورو لو دريان له أيّ شكّ في حاجتهم الملحّة. فقال الرّئيس الموريتانيّ، محمّد ولد الغزوانيّ: "يحتاج السّاحل أكثر من أيّ وقت مضى إلى اهتمام متزايد ومنسّق من دول المنطقة والمجتمع الدّوليّ لكسر دوامة العنف". وقال موسى فكي، رئيس مفوضيّة الاتّحاد الأفريقيّ: "نحتاج بشدّة الى انتصارات ملموسة ضدّ الإرهاب".

اقرأ أيضاً: هل تتسلل تركيا من بوابة تونس إلى المحيط المتوسطي والأفريقي؟
المشكلة سياسيّة بقدر ما هي عمليّة. ففي حين انضمّت إيطاليا إلى فرنسا خلال القمّة في التّعهد ببذل المزيد من الجهود، فإنّ تدخّل بريطانيا العسكريّ ضئيل، وكذلك تدخّل ألمانيا. ويحيط الجدل أيضاً بتدخّلات ماكرون، الّتي يجد البعض فيها بشكل غير مستحبّ تذكيراً بالأزمنة الاستعماريّة. ويشير النّقاد إلى أنّ دعم فرنسا للوضع الرّاهن يدعم الحكم غير الدّيمقراطيّ والمسيء والفساد - وأنّ نهجها يعتمد بشكل كبير على الإكراه والقوّة الغاشمة. ذلك النّهج لن يهزم المتمرّدين وإنّما سيعزّز وجودهم.

ولد الغزواني: يحتاج الساحل الأفريقي إلى اهتمام متزايد ومنسّق من دول المنطقة والمجتمع الدولي لكسر دوامة العنف

يجب أن يضاف إلى هذه التّناقضات الموقف الرّومانسيّ لإدارة ترامب. فلم تعد القوّات الأمريكيّة تشارك مباشرة في منطقة السّاحل، بعد تكبّدها خسائر في النّيجر في عام 2017. لكن حوالي 1,000 جنديّ أمريكيّ يقدّمون دعماً حيويّاً، بما في ذلك النّقل والتّزوّد بالوقود الجويّ والمراقبة عبر الطّائرات المسيّرة. وقد يُفقَد هذا الدّعم مع تطوّر خطط البنتاغون الّتي تتوخّى انسحاب جميع الجنود الأمريكيّين البالغ عددهم 5,000 جنديّ في أفريقيا. ويقدّر القادة العسكريّون الأمريكيّون حجم التّهديد الإرهابيّ في منطقة السّاحل بشكل كامل، لكن بالنّسبة إلى دونالد ترامب، الّذي لا يُبدي اهتماماً على الإطلاق بأفريقيا، فإنّ الأولويات هي إيران والمواجهة المستقبليّة المحتملة مع الصّين.
إنّ ترامب بوضوح لا يهتمّ ببوركينا فاسو. لكن حتّى نكون منصفين، يمكن توجيه النّقد نفسه إلى العديد من الزّعماء في أوروبا. في السّاحل، كما هو الحال في أماكن أخرى، يحاول ماكرون ملء الفراغ القياديّ الغربيّ. وحتّى الآن، يبدو أنّها معركة خاسرة.


سيمون تيسدال، الغارديان

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:
https://www.theguardian.com/commentisfree/2020/feb/29/west-ignores-growth-islamic-insurgents-africa-at-its-peril



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية