هل انقلب الجولاني على تركيا أم أنه ينفذ مخططاتها؟.. ما الجديد؟

هل انقلب الجولاني على تركيا أم أنه ينفذ مخططاتها؟.. ما الجديد؟


17/05/2022

الصدام المعلن في شمال غرب سوريا بين هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) التي تزعمها أبو محمد الجولاني، والميليشيات المدعومة من نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، جعل الصورة أكثر ضبابية من حيث التحالفات والاصطفافات.

فإضافة إلى الهجوم الرسمي من أنقرة على الجولاني مطلع العام الجاري باعتباره يتلقى دعماً مالياً من أطراف لم تُسمّها لإفساد اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، الذي وقعته تركيا مع روسيا، إنّما يُعبّر عن لحظة نزاع بين الجولاني والمصالح التركية في المنطقة، وفق ما نقل موقع "تركيا الآن".

ولكنّ التعاون التركي - القطري الشامل في مناطق النزاع شرق الأوسطية يعكس حقيقة أنّ دعم قطر لأبي محمد الجولاني، وصراعه مع وكلاء تركيا، هو مجرد توزيع أدوار بين الطرفين في اللعبة السورية، بحسب المصدر السابق.  

ووفقاً للمصدر ذاته، فإنّ انفصال زعيم تحرير الشام عن تنظيم القاعدة كخطوة دفعه إليها المحور القطري - التركي، كي تمنح ميليشيا الجولاني صبغة محلية، يسهل معها دمجها داخل النسيج المعقد للمعارضة السورية، وبالتالي تمثيل هيئة تحرير الشام لرغبات الدولتين في سوريا.

انفصال الجولاني عن القاعدة منح ميليشيا الجولاني صبغة محلية وسهل دمجها داخل المعارضة السورية

واعتبر الكثيرون أنّ الدليل الحاسم على أنّ الجولاني يعمل لصالح أنقرة بالخفاء، هو الخبر الذي نشرته وكالة "سبوتنيك" الروسية، في شباط (فبراير) من العام 2019، حول علاج أبي محمد الجولاني في مشفى بمحافظة هاتاي جنوب غرب تركيا، إثر إصابته في قصف جوي روسي استهدف موكبه في مدينة إدلب.

وفي هذه الأيام يراقب أبو محمد الجولاني الاقتتال المشتعل في مناطق انتشار الفصائل التابعة لتركيا شمال حلب، بعيون طامحة للتوسّع وقضم تلك المناطق بشكل تدريجي.

وتمكَّن الجولاني عبر سياسته من القبض على مفاصل الحياة في المناطق التي يسيطر عليها، مستفيداً من إستراتيجية "داعش" التي خبرها سابقاً، وتجربة "طالبان" التي يحلم بتكرارها في سوريا.

 

الجولاني يراقب الاقتتال المشتعل في مناطق انتشار الفصائل التابعة لتركيا شمال حلب، بعيون طامحة للتوسّع وقضم تلك المناطق بشكل تدريجي

 

خلال الشهرَين الماضيَين، ساهمت أنقرة في تلميع الجولاني الذي كثّف من ظهوره الإعلامي لترسيخ صورته كـ"رجل دولة"، فقد ظهر في اجتماع لأعضاء حكومته الجديدة التي قام بتشكيلها قبل أشهر، شارحاً أمام عدسات الكاميرات السياسة التي يجب على "حكومة الإنقاذ" تنفيذها، قبل أن يظهر مرّة أخرى ليُعلن افتتاح مشروع طُرقي يربط معبر باب الهوى، ووصلة طرقية تتفرّع نحو طريق حلب.    

المشروع الذي افتتحه مؤسّس "جبهة النصرة" الذي تمثّل بتعبيد مسافة لا تزيد على (3) كيلومترات، استثمره الجولاني للنأي بنفسه عن مشهد المعارك وعمليات التفخيخ والتفجير، وذلك استكمالاً لسلسلة طويلة من الإجراءات التي اتّبعها لتبييض سمعته.    

كذلك، جاء هذا المشروع الصغير ليتوّج مجموعة من الإجراءات التي بدأها الرجل قبل أكثر من (3) أعوام، انتقل عمله خلالها من جبهات القتال إلى القبض على المفاصل الاقتصادية في مناطق سيطرته، فأنشأ عدداً كبيراً من الشركات في مختلف القطاعات، احتكرت سلعاً عديدة، بينها شركات عقارية تنفّذ مشاريع بدعم مالي تركي – قطري، إضافة إلى النفط والمداجن والحوالات المالية وغيرها، وفق صحيفة الأخبار اللبنانية.

اتهمت بعض الجهات السورية المعارضة، الجولاني، بهدر مئات آلاف الدولارات لحفر الخندق

وسط تصاعد حالة التوتر بين "جيش الإسلام "المنضوي تحت راية الفيلق الثالث التابع لـ"الجيش الوطني السوري" المدعوم والمموّل من تركيا، و"هيئة تحرير الشام"، بدأت الأخيرة العمل على الفصل الجغرافي بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة القوات الموالية لتركيا، وسط تساؤلات عمّا إذا كانت هذه الخطوة تهدف إلى وضع أسس التقسيم على أساس مناطق النفوذ التي اتخذت شكلها وحدودها النهائية منذ آذار (مارس) 2020، أم أنّ لدى أبي محمد الجولاني خططاً أخرى لاستخدام  الخندق إذا قرر إشعال حرب فصائلية جديدة في المنطقة، وفق صحيفة "النهار العربي".

وذكرت مصادر أمنية في الشمال السوري الذي تحتله تركيا أنّ "هيئة تحرير الشام" تواصل منذ أسابيع أعمال حفر خندق على طول الحدود الإدارية الفاصلة بين مناطق سيطرتها في منطقة دير بلوط شمال إدلب، ومناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الشمالي.

 

الجولاني كثّف من ظهوره الإعلامي لترسيخ صورته كـ"رجل دولة"، فقد ظهر في اجتماع لأعضاء حكومته وفي افتتاح طريق جديدة

 

وأضافت المصادر أنّ "تحرير الشام" تستمر باستكمال حفر خندق كانت قد بدأت العمل عليه منذ قرابة الشهرين، بعمق (4) أمتار وفوقه ساتر ترابي كبير على طول المنطقة الفاصلة بين إدلب وعفرين، وفق ما نقلت وكالة "نورث برس" المحلية، التي أكدت أنّها حصلت على صور تظهر أكواماً من التراب إلى جانب خندق في ريف إدلب الشمالي.

ويتخوف مراقبون من أن يكون حفر الخندق بمثابة توجه إلى تكريس الانقسام الجغرافي الذي يوزع الأراضي السورية بين مناطق نفوذ تهيمن عليها دول أجنبية.   

ووصف "مراسل الجيش الوطني"، وهو حساب على تلغرام مناهض لـ"هيئة تحرير الشام"، أنّه بعدما قسّم الجولاني المناطق المحررة (الخارجة عن سيطرة الجيش السوري النظامي) اقتصادياً وعسكرياً يقوم من خلال الخندق بتقسيمها جغرافياً.

واتهمت بعض الجهات السورية المعارضة، الجولاني، بهدر مئات آلاف الدولارات لحفر الخندق من أجل ترسيم حدود إمارته الإسلامية وتعزيز نفوذه، مخصصاً في سبيل ذلك آلاف العمال والعناصر المسلحة للعمل على حفر الخندق وحمايته، تاركاً في الوقت نفسه خطوط التماس مع الجيش السوري من دون تحصينات حقيقية.

 

"هيئة تحرير الشام" بدأت العمل على الفصل الجغرافي بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة القوات الموالية لتركيا بحفر خندق ووضع سواتر ترابية

 

ورغم أنّ "هيئة تحرير الشام" لم تكشف أيّاً من أهدافها من حفر الخندق، إلا أنّ مجموعة من القنوات على تلغرام وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تتبنّى رواية الهيئة وتعمل على ترويجها من دون أن تكون تابعة لها رسمياً، وهي أنّ سبب حفر الخندق هو لمنع عمليات التهريب بين مناطق السيطرة المختلفة، لا سيّما تهريب المشتقات النفطية وبعض المحاصيل الزراعية، لأنّ عمليات التهريب المتواصلة على ضفتي مناطق السيطرة تحرم الهيئة من موارد مالية كبيرة جداً.     

وثمّة سبب آخر يجري تداوله هو محاولة التضييق على عمليات تهريب المخدرات، لا سيّما بعد الكشف عن محاولة تهريب مليوني حبة كبتاغون إلى تركيا قبل بضعة أسابيع، الأمر الذي أثار مخاوف كبيرة من أن تكون تجارة المخدرات قد انتقلت من الجنوب السوري إلى الشمال.

ويأتي حفر الخندق في ظل تصاعد الحملات الإعلامية بين "جيش الإسلام" من جهة، و"هيئة تحرير الشام" من جهة أخرى، وسط توقعات تشير إلى أنّ الهيئة لم يسبق لها أن شنت حملة إعلامية مركزة ضد فصيل ما من دون أن يعقبها عمل عسكري أو أمني تقوم به للقضاء على الفصيل أو إجراء تغييرات على خريطة السيطرة والنفوذ.

 

أعمال حفر الخندق تتواصل منذ أسابيع على طول الحدود الفاصلة بين مناطق سيطرتها شمال إدلب، ومناطق سيطرة "الجيش الوطني"

 

ولا يستبعد بعض المراقبين للمشهد في الشمال السوري أن يكون حفر الخندق ينطوي على دلالات وأبعاد مختلفة، سياسية واقتصادية وعسكرية، لافتة إلى أنّ اتخاذ منع التهريب ذريعة لحفر الخندق لا يلغي إمكان استخدامه لتحقيق أهداف أخرى، سواء عسكرية كاتخاذه خط دفاع ضد فصائل "الجيش الوطني"، أو ربما رأس حربة للهجوم عليها إذا استمر التصعيد مع "جيش الإسلام"، أو سياسية لترسيم الحدود بين مناطق النفوذ، وبالتالي إجهاض المشروع الذي حاولت تركيا العمل عليه والقائم على توحيد الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض مع حكومة الإنقاذ التي تهيمن عليها "هيئة تحرير الشام" في إدلب.

ومنذ آذار (مارس) 2020، توقفت معركة جيش النظام السوري في إدلب بناءً على مذكرة تفاهم وقعها الرئيسان التركي أردوغان والروسي بوتين لفرض التهدئة العسكرية بموجب شروط وضوابط متبادلة، وتنقسم الأراضي السورية إلى (4) مناطق نفوذ، هي: منطقة الاحتلال التركي في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، ومناطق سيطرة "قوات سوريا الديموقراطية" شرق نهر الفرات بدعم من القوات الأمريكية، ومناطق سيطرة الحكومة السورية بدعم روسي وإيراني، وأخيراً إمارة إدلب التي تهيمن عليها "هيئة تحرير الشام".

مواضيع ذات صلة:

"طالبان" نموذجاً... هل ينجح الجولاني في تغيير نظرة العالم لهيئة "تحرير الشام"؟

بعد واشنطن الجولاني يتغزّل بروسيا وإيران!

من يسعى لتدوير الجولاني بثوب إخواني؟ ولماذا؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية