"طالبان" نموذجاً... هل ينجح الجولاني في تغيير نظرة العالم لهيئة "تحرير الشام"؟

"طالبان" نموذجاً... هل ينجح الجولاني في تغيير نظرة العالم لهيئة "تحرير الشام"؟


21/12/2021

شكّل نجاح تجربة حركة طالبان في الاستيلاء على أفغانستان، وإنهاء التواجد الأجنبي في البلاد، نموذجاً يُحتذى به للتنظيمات الجهادية مثل "هيئة تحرير الشام" في سوريا، التي تحاول تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش، وبعض الجماعات الجهادية التي تنشط في سوريا، تغيير نظرة المجتمع الدولي إليها، وقد دشّن تلك المحاولات زعيم تنظيم النصرة سابقاً "أبو محمد الجولاني"، الذي يسعى باستمرار لتقديم نفسه بديلاً عن سلطة الحكومة السورية في الشمال الغربي من سوريا، من خلال الادّعاء بوجود قيادة مدنية هناك تسيطر عليها (حكومة الإنقاذ) وتحكم تحت نفوذ تنظيمه "هيئة تحرير الشام"، ليكون التسويق الدولي على أنّ هناك حكومة مدنية في المنطقة تدعم وتخدم المدنيين تتبع لقوّاته العسكرية.

اقرأ أيضاً: بعد واشنطن.. الجولاني يتغزّل بروسيا وإيران!

هذا ما دفع قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني للحضور باللباس المدني نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) لحضور اجتماع عقده مجلس الشورى العام في إدلب، مع وزارة الاقتصاد في "حكومة الإنقاذ" التابعة للهيئة.

وأعلنت حكومة الإنقاذ توجهها إلى دعم مادة الخبز بعد الارتفاع في الأسعار، وذلك عبر الأفران الحكومية إلى جانب الأفران العاملة في المنطقة.

ويرى محللون، نقل عنهم موقع "الحل نت"، أنّ هذا الإعلان من قبل الحكومة جاء لتبرير سرقاتها غير المحدودة من موارد المنطقة، وتكريس العائدات لخزائنها العسكرية في إدلب وريفها.

وقد عمدت "حكومة الإنقاذ" إلى الظهور على أنّها الداعم للمادة الأساسية، وهي الخبز، لتوثيق نفسها أمام الأهالي، في حين تتملص من دعم المحروقات، وهي من السلع الأساسية لأهالي محافظة إدلب.

 

هيئة تحرير الشام في سوريا تحاول، تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش وبعض الجماعات الجهادية التي تنشط في سوريا، تغيير نظرة المجتمع الدولي إليها

 

ورغم تحقيق أرباح طائلة تصل إلى مليون ونصف المليون دولار شهرياً، عبر تجارة المحروقات عبر معبر باب الهوى، تلجأ شركة وتد للمحروقات التابعة للهيئة إلى رفع أسعار المواد النفطية مع كلّ انخفاض لليرة التركية دون أيّ مراعاة لظروف الأهالي.

ويرى الباحث السياسي عبد الرحمن عبّارة أنّ اجتماع الجولاني جاء ضمن سياسة تحسين الصورة أمام المجتمع المحلي، استكمالاً في محاولاته تسويق نفسه أمام المجتمع الدولي.

اقرأ أيضاً: ترتيبات تركية جديدة في شمال سوريا بمعاونة الجولاني... ما علاقة الأكراد؟

وقال عبّارة: "محاولات الجولاني لتحسين صورته بدأت مطلع عام 2020، والهدف منها في المقام الأول التقرب مع الغرب، وبالتالي فإنّ اجتماع الجولاني بحكومة الإنقاذ مجرّد استكمال لديكور المشهد، وتحميلها المسؤولية في تردي الأوضاع الاقتصادية".

وفي تعليقه على سياسات الجولاني، يضيف الباحث السياسي: "في العديد من المناسبات قدّم الجولاني نفسه بديلاً عن النظام في بسط الأمن في مناطق سيطرته، وأنّه قادر على تأسيس نظام سياسي واجتماعي محدود جغرافيّاً بمفهوم الدولة الحديثة، في محاولة للتشبّه بنظام طالبان في أفغانستان".

وتتحكم هيئة تحرير الشام، عبر ذراعها المدني "حكومة الإنقاذ"، بكافة مفاصل الحياة شمال غربي سوريا.

وتتحدث أوساط مقرّبة، رفضت الإفصاح عن اسمها، من قائد "تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، عن رغبته بتأسيس واقع مشابه لأفغانستان في شمال سوريا انطلاقاً من مدينة إدلب، من أجل هذا فإنّ التنظيمات الجهادية في سوريا ستعتبر التجربة الطالبانية "تجربة ملهمة" للثبات وعدم التنازل وصولاً إلى السيطرة الكاملة على الأراضي السورية، ولو استغرق ذلك (20) عاماً، كما حصل مع حركة "طالبان"، وفق ما نقلت صحيفة "العرب" اللندنية.

 

أبو محمد الجولاني يجتمع بلباس مدني مع حكومة الإنقاذ، ويزعم أنّ أهدافه هي دعم المدنيين عن طريق دعمه للخبز في مناطق سيطرتها

 

هذا، ولا يتوقف طموح الجولاني عند العلاقات التركية، بل يسعى لتوسيع علاقاته مع النظام السوري وحلفائه الروس، من خلال إفراد مساحة "شرعية" تبيح التعامل مع "الكفار" الافتراضيين الذين قتل واعتقل آلاف المدنيين والعسكريين منهم بفتاوى خلال الأعوام الماضية بتهمة التعامل معهم.

وفي إطار استرضاء أعداء الأمس من "كفار" المجتمع الدولي، سمح الجولاني بدخول قافلة مساعدة أممية من مناطق سيطرة نظام الأسد إلى داخل إدلب، بحماية أمنية مشددة شاركت فيها القوات التركية بعرباتها العسكرية، رغم ما يترتب على تلك الخطوة من شرعنة للنظام وتطبيقاً للخطة الروسية الهادفة لإلغاء المعابر الأخرى الخارجة عن سيطرته.

 

عبّارة: اجتماع الجولاني جاء ضمن سياسة تحسين الصورة أمام المجتمع المحلي، واستكمالاً في محاولاته تسويق نفسه أمام المجتمع الدولي

 

وفي التفاصيل، أفادت شبكة "أورينت" في 9 كانون الأول (ديسمبر) أنّ القافلة الأممية تتألف من (14) شاحنة محمّلة بمساعدات مقدّمة من الأمم المتحدة، ودخلت من مناطق النظام عبر معبر سراقب (الترنبة) شرق إدلب، وحطّت رحالها في مستودعات إغاثية بمدينة سرمدا، بإشراف مباشر من "هيئة تحرير الشام"، على أن يتمّ توزيعها لاحقاً على المدنيين في إدلب بإشراف "منظمات شريكة لبرنامج الأمم المتحدة".

وهذه قافلة المساعدات الثانية التي يسمح زعيم "تحرير الشام" بدخولها من مناطق سيطرة نظام الأسد عبر المعابر المشتركة بين الطرفين، وكانت الأولى في أواخر آب (أغسطس) الماضي، حين دخلت قافلة أممية من مدينة حلب إلى مدينة سرمدا شمال إدلب، وتتألف من (15) شاحنة (9600) سلة غذائية، تحت مزاعم "مساعدة المدنيين".

وفي سياق طموحات "جبهة النصرة سابقاً" لشرعنة وجودها، كان قائدها  الإرهابي أبو محمد الجولاني قد وجّه رسائل "معسولة" للدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في الجزء الأول الذي نُشر من لقائه مع الصحفي الأمريكي مارتن سميث.

ونشرت شبكة "FRONTLINE" مقتطفات من اللقاء يوم 3 نيسان (إبريل) 2021، وتضمّنت إجابات قدّمها الجولاني لأسئلة سميث، الذي سبق أن أجرى زيارة إلى محافظة إدلب استمرت عدة أيام.

 

الجولاني قدّم نفسه بديلاً عن النظام في بسط الأمن في مناطق سيطرته، وأنّه قادر على تأسيس نظام سياسي واجتماعي، محاولاً التشبه بنظام طالبان

 

ويأتي ما سبق في الوقت الذي تحاول فيه هيئة "تحرير الشام" وقائدها الجولاني تعديل المسار السابق الذي سارت عليه، في خطوة لإظهار "الاعتدال"، بعيداً عن وسم "الإرهاب" الذي ما يزال يلازمها حتى الآن.

واعتبر الجولاني أنّه لا يتصرف كحاكم في المنطقة (شمال غرب سورية)، بل هو "جزء من الثورة السورية".

وقال: إنّ هيئة "تحرير الشام" لا تشكّل تهديداً لأمن أوروبا وأمريكا، وهي ليست نقطة انطلاق لتنفيذ "الجهاد الأجنبي".

اقرأ أيضاً: من يسعى لتدوير الجولاني بثوب إخواني؟ ولماذا؟

وفي ردّه على سؤال يتعلق بتصنيفه على قوائم "الإرهاب"، أضاف الجولاني: "هذا تصنيف جائر وسياسي، ليس له وجه من الحق والمصداقية، لأنّنا من خلال مسيرتنا في (10) أعوام لم نشكّل أي تهديد للمجتمع الغربي والأوروبي".   

وتابع: "بالتالي، تصنيف الإرهاب مسيّس، ونحن ندعو الدول التي قامت بمثل هذه الإجراءات أن تراجع سياساتها تجاه الثورة السورية".

 

الجولاني يسترضي النظام السوري وحلفاءه الروس بالسماح بدخول قافلة مساعدة أممية من مناطق سيطرة النظام إلى داخل إدلب

 

وفي السياق، أظهرت دراسة أجرتها نجوان سليمان الباحثة الأولى في جامعة جورج تاون في واشنطن، ونشرها موقع مؤسسة "كارنيغي"، أنّ حصر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) جهودها وعملياتها في داخل سوريا، ومحاربتها للحركات التابعة لتنظيمَي "داعش" و"القاعدة"، عوامل تشير إلى تغيرات مهمّة تهدف إلى الاعتراف بها، وحذفها من قائمة الإرهاب.

وأوردت الدراسة أنّه في 15 أيلول (سبتمبر) الماضي قدّم عبد الرحيم عطون، الشرعي العام لهيئة تحرير الشام، محاضرةً بعنوان "الجهاد والمقاومة في العالم الإسلامي: طالبان نموذجاً"، نظّمتها "حكومة الإنقاذ" المدعومة من "هيئة تحرير الشام" بمدينة إدلب.

وظهر الرجل الثاني في هيئة تحرير الشام، بعد الجولاني، خلال المحاضرة بمظهر مختلف تماماً، "وركّز على نقاط التشابه بين طالبان والهيئة، والتغيرات التي حدثت في الحركة، وأهمّها تبنّيها للجهاد المحلي داخل سوريا، ورغبتها في التواصل مع الدول".

اقرأ أيضاً: في وقت يحاول فيه تلميع نفسه... جرائم الجولاني تعود إلى الواجهة

وأوردت الدراسة، وفق ما نقلت "إندبنديت" بالعربية، لمحة تاريخية عن "هيئة تحرير الشام" التي بدأت في التشكّل كفرع لتنظيم "داعش" التابع لـ"القاعدة" في العراق مع نهاية عام 2011. ولكن بحلول منتصف 2013 انفصلت "النصرة" عن تنظيم داعش في العراق، وأعلنت بيعتها لأيمن الظواهري أمير تنظيم "القاعدة". وفي عام 2016 أعلن الجولاني انفصال الجبهة عن "القاعدة" كليّاً، وغيّر اسم الجبهة لتصبح "جبهة فتح الشام". وفي عام 2017 اندمجت الجبهة مع بعض الفصائل المسلحة وشكّلت "هيئة تحرير الشام".

 

الجولاني في لقاء مع صحيفة أمريكية: هيئة "تحرير الشام" لا تشكّل تهديداً لأمن أوروبا وأمريكا، وهي ليست نقطة انطلاق لتنفيذ "الجهاد الأجنبي"

 

وصاحب هذه التحولات التنظيمية تحولات في منهجية الحركة ووسائل عملها؛ أهمها عدم تبنّيها العمل خارج الأراضي السورية، وبالتالي تبنّي "الجهاد المحلي"، والقطيعة مع منهج تنظيم "القاعدة" القائم على "الجهاد العالمي"، وعملت الهيئة على القضاء، أو على إضعاف، الحركات المسلحة المنافسة لها، حيث سيطرت على إدلب بشكل كبير مع بداية عام 2019، وعلى معبر باب الهوى مع تركيا، الذي يُعدّ المعبر الاستراتيجي الأهم لإدخال البضائع والمساعدات لإدلب.

اقرأ أيضاً: في أول مقابلة مع صحفي أمريكي‏.. ماذا قال الجولاني؟

ورأت الدراسة أنّ "من أهمّ التحولات البراغماتية التي أجرتها هيئة فتح الشام هي تشكيل حكومة الإنقاذ لإدارة الشؤون المدنية في إدلب، وإنشاء ذراع سياسية للحركة، والدخول في اتصالات ومفاوضات مع تركيا وقبول -بل وحماية- نقاط المراقبة المقررة وفقاً لمحادثات الأستانة بين تركيا وروسيا وإيران.

ودخلت الهيئة في صراع مفتوح مع ما تبقى من تنظيم داعش في إدلب. وما يثير الاهتمام، هو قيامها بإضعاف "حركة حراس الدين" التابعة لتنظيم "القاعدة" واعتقال بعض قياداتها.

 

دراسة تظهر أنّ حصر "هيئة تحرير الشام" عملياتها داخل سوريا، ومحاربتها للحركات الإرهابية، عوامل تشير إلى تغيرات تهدف إلى الاعتراف بها دولياً، وحذفها من قائمة الإرهاب

 

وحالياً قامت الهيئة بمهاجمة الحركات التي يقودها مهاجرون غير سوريين مثل "جند الشام"، وطلبت منهم مغادرة إدلب. ومن الواضح أنّ القيادة البراغماتية لهيئة تحرير الشام تبنّت نموذجاً مختلفاً، وتسعى من خلال أعمالها وتصريحاتها الإعلامية إلى رسم صورة للحركة باعتبارها حركة سورية ثورية محلية، لا تتبع لتنظيمات متشددة خارجية، ولا تشكّل خطراً على الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، وفق ما صرّح عطون.

 وفي هذا الصدد، تربط قيادتها بين نموذج حركة "طالبان" كحركة مسلحة محلية- ونجاحها في الدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة- وهيئة تحرير الشام باعتبار الأخيرة حركة شبيهة في سوريا، تعمل على إنهاء التنظيمات المتشددة، وسورنة المجال العسكري في إدلب. في الواقع، التغيرات التي حدثت للهيئة عائدة إلى عوامل عدة؛ فإضافة إلى تعلّمها من تجارب الحركات الإسلامية المسلحة، وأهمها حركة "طالبان"، وبراغماتية قيادتها، تُعدّ استراتيجية العصا والجزرة التي اتبعتها تركيا عاملاً مهمّاً، فقد استطاعت تركيا دفع الهيئة إلى تغيير موقفها من قضايا شائكة عدة، أهمّها قرارات الأستانة. على الجانب الآخر لم تتعاطَ الولايات المتحدة مع الرسائل المباشرة التي أرسلها الجولاني، والتي أبدى فيها عدم تشكيل الهيئة خطراً على الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: الجولاني يظهر بشكل لم يعتد عليه كثيرون... إلى ماذا يطمح؟

واعتبرت الدراسة أنّ "تحوّل الهيئة إلى الجهاد المحلي، وقصر عملياتها داخل سوريا، وتشكيلها حكومة مدنية، وتعاطيها مع قرارات الأستانة، ومحاربتها للحركات التابعة لتنظيم داعش والقاعدة والمهاجرين في سوريا، تشير إلى تغيرات مهمّة تهدف إلى الاعتراف بها، وإزالتها من قائمة الإرهاب.

 وفي ضوء سيطرتها على محافظة إدلب، التي يسكنها أكثر من (3) ملايين ونصف  المليون مدني، فإنّ الجماعة تعتقد أنّ المجتمع الدولي في النهاية سيحتكم إلى طاولة الحوار، بدعم من نظام العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليتجنّب موجات نزوح جديدة من مدينة إدلب باتجاه الحدود التركية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية