هل انتهى استثمار أردوغان في الأزمة السورية؟

هل انتهى استثمار أردوغان في الأزمة السورية؟


07/01/2020

هل وصل الملف السوري إلى نهايته في حسابات أردوغان الإقليمية والدولية؟ وهل بات الملف الليبي هو الشغل الشاغل لسياسته في المرحلة القادمة؟ وهل سينجح أردوغان في فرض تركيا كلاعب إقليمي أساسي في المتوسط من البوابة الليبية بعد أن فشل بذلك عبر البوابة السورية؟

يعيد أردوغان، توجيه بوصلة اهتمامه السياسي والدبلوماسي باتجاه الملف الليبي، وتنفيذ مذكرتي التفاهم الاقتصادية والأمنية مع حكومة السراج، في نقل لمركز ثقل السياسة التركية وحرفه عن المسار السوري.

عمد أردوغان، منذ بداية الأزمة السورية، إلى دعم الفصائل المتشددة على حساب الجيش السوري الحر، في محاولة واضحة لأسلمة الثورة السورية والسيطرة عليها وتوجيهها من باب دعم المتدينين والمتشددين والمقربين من الإخوان المسلمين، تماما كما حدث في ليبيا حيث تتبنى الحكومة التركية وبتمويل قطري حكومة فايز السراج في طرابلس والمحسوبة على الفصائل المتشددة والإسلاميين.

تعرضت سياسة أردوغان في سوريا إلى نكسات متلاحقة على مدار الأعوام الفائتة، وتقلصت أهدافه بشكل مستمر، وانخفض سقف الفائدة المرجوة من التورط في المستنقع السوري، نتيجة لتضارب مصالح الدول الكبرى كروسيا والولايات المتحدة مع أحلام أردوغان التوسعية.

وكان للتدخل العسكري الروسي في سوريا إلى جانب قوات الحكومة السورية دور حاسم ومؤثر في بدء انحسار النفوذ التركي وانفراده بالساحة السورية، واكتفى أردوغان بلعب دور الشريك الضامن في ما عرف بمناطق خفض التصعيد في سوريا، والتي تنازل عنها تباعا في صفقات مع الروس والإيرانيين والحكومة السورية، مقابل غض الطرف عن عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، والاستيلاء على عفرين والقرى الكردية المتاخمة للحدود التركية.

وانحصر الدعم التركي للمعارضة المسلحة في محافظة إدلب التي وصلها عشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة ممن عرفوا برافضي التسويات في المناطق التي أعيدت لسيطرة النظام، ووقع أردوغان مع بوتين اتفاقية المنطقة الآمنة لتجنيب المدنيين المزيد من أهوال الحرب، على أن يقوم الجانب التركي بإبعاد المقاتلين المتشددين والأسلحة الثقيلة عن خطوط التماس لمسافة محددة، إضافة لإعادة الطريقين الدوليين (الأوتسترادين) لسيطرة النظام، وهو ما فشل أردوغان في تحقيقه لاحقاً.

وكان فشل أردوغان في الوصول والسيطرة على آبار النفط السورية في شمال شرق سوريا بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني وامتداداته داخل الأراضي السورية، على إثر إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قواته من الشمال، ثم إعادة نشر القوات الأميركية مجددا حول حقول وآبار النفط والسيطرة عليها.

وعمل أردوغان على إشغال الرأي العام التركي بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني، والمصلحة القومية التركية في تعقب فلوله داخل سوريا، وقام بعملية التوغل العسكري فيما عرف بعملية نبع السلام، وسيطر على مسافة حدودية قدرت بطول 100 كيلومتر تمتد من مدينة تل أبيض إلى مدينة رأس العين السورييتين، وبعمق 33 كيلومتر، ولا يزال الجمود سيد الموقف على الرغم من تهديدات أردوغان بالتمدد شرقا وغربا، والسيطرة على كامل الشريط الحدودي.

واعتمد أردوغان في عملية نبع السلام على قوات المعارضة السورية التي قام جهاز المخابرات التركية بتدريبها وتسليحها، وأعلن عزمه على إنشاء مدن وقرى لاستيعاب مليوني لاجئ سوري من الموجودين على الأراضي التركية، ودأب على ابتزاز الاتحاد الأوروبي لتمويل هذه المشاريع المجنونة أو فتح الحدود وإغراق أوروبا باللاجئين السوريين مجدداً.

أربك قصف إدلب في أبريل أردوغان وحساباته مجددا وبات من الواضح أن عملية تسليم إدلب باتت أمرا واقعاً ومرتباً، وتسببت الحملة بتهجير أكثر من 200 ألف مدني باتجاه الحدود التركية، ما دفع أردوغان للتلويح مجددا بورقة اللاجئين وفتح الأبواب باتجاه أوروبا، بحجة أن تركيا غير قادرة وحدها على استيعاب موجات لاجئين جديدة.

بات واضحا انحسار الدور التركي في سوريا، وأن الكفة تميل مجددا لصالح النظام في السيطرة على أغلب الجغرافيا السورية، وأن أردوغان قد اكتفى من الغنيمة السورية بالمناطق الحدودية التي احتلها، وأقام فيها ما يشبه الحزام الأمني الذي يضم الفصائل المتشددة بينه وبين المكون الكردي في سوريا، وحان الوقت للالتفات للملف الليبي.

وجاءت الدراسات الجيولوجية لمنطقة شرق المتوسط لتكشف عن مخزون هائل من النفط والغاز تحت البحر، قدر بحسب دراسات أولية بما يفوق 700 مليار دولار، ما جعل اهتمام أردوغان ينصبّ على كيفية الاستيلاء على جزء من هذه الثروة والاستفادة منها، بعد الفشل الذريع في الحصول على النفط السوري.

وخلال العام الماضي لم يفوّت أردوغان فرصة لبث الفوضى في المتوسط بحجة التنقيب عن الغاز قبالة الساحل القبرصي، ودأب على إرسال سفن التنقيب مصحوبة بسفن حربية وغطاء جوي عسكري، في تحدّ واضح للقوانين والأعراف الدولية، ما جعل تركيا عرضة للانتقادات الدولية ولعقوبات الاتحاد الأوروبي في محاولة لردع أردوغان وأطماعه.

واستغلّ أردوغان حالة الضعف والتراجع التي أصابت حكومة السراج في ليبيا، رغم دعمها بالسلاح والتكنولوجيا العسكرية، بعد شن قوات المشير خليفة حفتر هجوما متواصلا على العاصمة طرابلس بغاية إخضاعها والتخلص من الفصائل المتشددة، فكان أن تم توقيع اتفاقيتين مع السراج في إسطنبول، اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما والتعاون التجاري، وعسكرية تنص على تقديم الدعم بكل أشكاله لحكومة السراج حين الحاجة.

وأما اتفاقية ترسيم الحدود فإنها تتيح لتركيا السيطرة على مساحات بحرية هائلة وتمكنها من فرض واقع جديد لتوزيع الثروة في شرق المتوسط، ما أثار حفيظة الدول المتشاطئة في المتوسط كاليونان وقبرص ومصر وإسرائيل.

والاتفاق الأمني الذي سمح بعد تمريره من البرلمان التركي بإرسال كل أنواع المساعدات العسكرية واللوجستية بما فيها إرسال الجنود الأتراك، وهو ما صرح به أردوغان البارحة في حديثه مع قناة سي إن إن، حيث قال إن قواته بدأت بالوصول إلى ليبيا.

ويسعى أردوغان الآن لتمكين حكومة السراج في طرابلس عبر مدها بالمقاتلين السوريين والقوات التركية، ضماناً وحيداً لاستمرار الاتفاقيتين معها، والتركيز على كيفية الاستثمار في الموارد النفطية الهائلة.

يؤكّد محللون أنّ أردوغان لم يكتفِ بالاستثمار في الأحداث في سوريا لتحقيق مصالحه التوسعية والإقليمية، بل قام بتحويل عشرات الآلاف من السوريين إلى مرتزقة بسلاح مأجور عابر للحدود، وموظّف في خدمة أطماعه.

عن "أحوال" التركية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية