هكذا عبثت قوى الإسلام السياسي وتنظيماته الجهادية في ليبيا خلال العقد الماضي

هل كانت ليبيا "ذبيحة مقدسة" لقوى الإسلام السياسي وتنظيماته الجهادية خلال العقد الماضي؟

هكذا عبثت قوى الإسلام السياسي وتنظيماته الجهادية في ليبيا خلال العقد الماضي


10/01/2024

شهدت ليبيا، التي عانت طيلة أعوام العقد الماضي من الانقسام المناطقي والصراع بين الأجسام السياسية الفاعلة التي عبّرت بقوة عن هذا الانقسام بين شرق البلاد وغربها، شهدت حضوراً كثيفاً وثقيلاً لكافة تنظيمات الإسلام السياسي والقوى الإقليمية الداعمة لها، فضلاً عن تيار السلفية الجهادية وتنظيمَي؛ داعش والقاعدة.

وقد بدت، وهي تواجه أحداث شباط (فبراير) من العام 2011، كـ "ذبيحة مقدسة" لقوى الإسلام السياسي وتنظيماته الجهادية لتعبث بواقع ومستقبل أحد أهم نقاط الجغرافيا السياسية التي تطلّ على البحر المتوسط، بحسب ما ورد في تقرير تحليلي للكاتب رامي شفيق على موقع (الحل نت) تحت عنوان: "ليبيا... "ذبيحة مقدسة" لقوى الإسلام السياسي وتنظيماته الجهادية".

توزع الإسلامويين في جغرافيا ليبيا

حضور الإسلاميين، ووزنهم السياسي في ليبيا، يختلف من جغرافيا إلى أخرى عبر مختلف أرجاء البلاد، تبعاً لما أظهرته تفاعلات عقد زمني كامل منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي.

وبحسب ما رصده التقرير التحليلي، تُعدّ المنطقة الغربية الحاضنة الرئيسية لهذا التيار على اختلاف مستوياته وتكويناته، وعلى الجانب الآخر تأتي المنطقة الشرقية من البلاد، إذ يعتبر الإسلاميون هناك خصماً رئيسياً للقوى الاجتماعية.

لكن يبدو تعامل قبائل الجنوب مع تيارات الإسلام السياسي يراوح بين عدم الاهتمام والبراغماتية بشكل لا ينفصل عن السمات الرئيسية التي تميز تعامل قبائل الجنوب مع العملية السياسية برمتها، باعتبار أنّ حضورهم الجغرافي في البلاد يقع بين مناطق الشرق والغرب، ممّا يضع نفوذ كل من قوى الشرق والغرب له حضوره البارز في مناطق الجنوب.

شهدت ليبيا حضوراً كثيفاً وثقيلاً لكافة تنظيمات الإسلام السياسي والقوى الإقليمية الداعمة لها

ومثلما يتباين حضور تلك التنظيمات في الفضاء الليبي يختلف أثره وتداخلاته في المجال السياسي والقوى المنخرطة في الصراع، على المستويين السياسي والميداني، ويبدو تموضع تيار (الإخوان المسلمين) على أكثر من مستوى ودرجة؛ مرةً عبر الناحية التنظيمية من خلال جمعية دعوية تحت اسم (جمعية الإحياء والتجديد) منذ مطلع شهر أيار (مايو) من العام 2021، وأخرى على المستوى السياسي والحزبي من خلال (حزب العدالة والبناء) ورئيسه الجديد عماد البناني، بعد انشقاق الحليف القديم محمد صوان وتأسيسه لحزب آخر تحت اسم (الحزب الديمقراطي)، وفق التقرير.

 

تُعدّ المنطقة الغربية الحاضنة الرئيسية لهذا التيار على اختلاف مستوياته وتكويناته، وعلى الجانب الآخر تأتي المنطقة الشرقية من البلاد.

 

لم يبرح (الإخوان المسلمون) خارطة المناصب الفاعلة في ليبيا خلال العقد الماضي، فقد حرصوا على التمسك بتلابيب قيادة المجلس الأعلى للدولة من خلال احتفاظ خالد المشري بالمنصب لدورات متتالية، ثم عبور المنصب إلى محمد تكالة عضو (حزب العدالة والبناء)، على خلفية الصراع بين المشري ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة.

ذلك كله ارتبط بتيار آخر فاعل داخل جغرافيا العاصمة والمنطقة الغربية وهو تيار المفتي الصادق الغرياني الذي يعبّر عن السلفية الجهادية ويتحالف بالكليّة مع سلطة الحكومة التنفيذية والمجلس الأعلى للدولة بمنسوب أقل، خاصة عبر أعضاء المجلس الذي ينتمي بعض منه لتكتل محمد صوان و(الحزب الديمقراطي) الذي يقف ضد سلطة الدبيبة.

تداعيات جمّة على المشهد السياسي

وتتخذ جغرافيا بنغازي والمناطق التابعة لها والقبائل هناك موقف العداء الصارخ لتلك التنظيمات، بدءاً من واقعة اغتيال الإسلاميين للّواء عبد الفتاح يونس، أثناء الحرب ضد القذافي حيث ينتمي يونس -وزير داخلية القذافي سابقاً- إلى قبيلة (العبيدات) التي تُعدّ أكبر قبائل الشرق عدداً. 

كما أنّ هذا العداء تجذّر وامتدّ نطاقه مع توسّع عمليات التصفية الجسدية التي مارستها التنظيمات الجهادية بحق قادة عسكريين آخرين ووجهاء قبائل في مدن شرق ليبيا في المرحلة التي تلت سقوط القذافي، وكذا تعدد العمليات الإرهابية التي حصدت أرواح الآلاف من أبناء المنطقة الشرقية، فضلاً عن الإصابات.

 

لم يبرح الإخوان المسلمون خارطة المناصب الفاعلة في ليبيا خلال العقد الماضي، فقد حرصوا على التمسك بتلابيب قيادة المجلس الأعلى للدولة

 

بالمقابل، ثمة دعم قدمته قوى سياسية من الغرب الليبي لهذه التنظيمات، ممّا جعل مدن غرب ليبيا متورطة، بحسب وجهة نظر قبائل برقة، في الممارسات العنيفة التي قامت بها الجماعات المتطرفة في المنطقة الشرقية، وأدى ذلك منذ وقت مبكر إلى تشابك الموقف من الإسلاميين مع الانقسامات السياسية على أساس جهوي بين شرق البلاد وغربها.

وقد ذكرت مصادر (الحل نت) أنّ العاصمة الليبية طرابلس شهدت اجتماعاً بمنزل المفتي الصادق الغرياني بمنطقة تاجوراء بالعاصمة طرابلس، وضم الاجتماع كلّاً من محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، ورئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وآمر تشكيل مسلح عن مدينة الزاوية محمود بن رجب، لكنّ الاجتماع انتهى دون نتائج ملموسة بين الدبيبة والصديق الكبير الذي يصر على ربط الصرف بموافقة مجلس النواب.

كما تحدثت المصادر عن خلاف نشب بين عبد الحميد الدبيبة ونائبه رمضان بوجناح وصل إلى احتدام العلاقات بينهما. وجاء الخلاف بين الرجلين على خلفية تصرف الأول في (100) مليون دينار ليبي (نحو 20 مليون دولار) كانت مخصصة لإعادة إعمار الجنوب.

وأنّ رئيس السلطة التنفيذية عبد الحميد الدبيبة أودع المبلغ في حساب مخصص لإعادة إعمار الجنوب الليبي كبند مستقل، بيد أنّ نائبه رمضان بوجناح خلال جولته الأخيرة إلى عدة دول منها إيران وعودته إلى ليبيا فوجئ بكون الدبيبة قام بسحب المبلغ من الحساب، ممّا جعل بوجناح يحتد بالنقاش مع الدبيبة بمكتبه في حالة غضب، وواجهه بصرف المبلغ من الحساب على خلاف البند المدرج عليه.

محددات الأزمة السياسية

كاتب التحليل أكد، عبر فحص كافة التناقضات واشتباكات الرؤى والتحالفات بين كافة الأجسام السياسية والقوى الإيديولوجية والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، رؤية محددات أزمة الانسداد السياسي في ليبيا ومسؤولية توظيف تنظيمات الإسلام السياسي لتلك التناقضات بين القوى الفاعلة محلياً لإرباك المشهد السياسي وإطالة عمر الأزمة لآفاق غير معلومة.

تتخذ جغرافيا بنغازي والمناطق التابعة لها والقبائل هناك موقف العداء الصارخ لتلك التنظيمات

تأسيساً على ذلك، يمكن فهم حجم وعمق التغيرات التي طرأت على تحالفات بعض القوى الدولية مع الأجسام السياسية في ليبيا، خاصة على مستوى التباين الذي طرأ على علاقة روسيا بالأطراف الليبية، إذ عرف الحضور الروسي الفضاء الليبي مع تحركات المشير خليفة حفتر لدخول العاصمة طرابلس ودعم جهوده في ذلك الشأن، بيد أنّه في الفترة الأخيرة برز ذلك الحضور على الضفة المقابلة من خلال تعزيز علاقات موسكو بقوى الغرب الليبي.

واستند المقال في ذلك على استقبال موسكو رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة خلال نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، واستقبال رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة السفير الروسي لدى ليبيا آيدار أغانين، ومناقشة الملفات السياسية بين البلدين، وتأكيد السفير الروسي مواصلة السفارة العمل من داخل العاصمة بكامل طاقمها.

إلى ذلك، أشارت مصادر ليبية إلى أنّ زيارة تكالة لموسكو جاءت بناءً على رغبة عبد الحميد الدبيبة الذي يهتم بإشراك موسكو في العملية السياسية، ولا يلتفت لتلك العلاقة الوطيدة مع خليفة حفتر، فضلاً عن كون الدبيبة يسعى حثيثاً نحو توظيف رغبة موسكو تنويع منسوب علاقاتها بين قوى الشرق والغرب تعزيزاً لوجودها في ليبيا، والتنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف الاستفادة من الحضور الروسي في إدارة الصراع وعدم الخضوع للضغوط التي تمارس من أجل تشكيل حكومة جديدة لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي الليبي وحل أزمات البلاد تدريجياً تباعاً.

مواضيع ذات صلة:

إخوان ليبيا يحاولون خلط الأوراق لعرقلة إنهاء الأزمات السياسية في البلاد.. ما الجديد؟

صراع داخل المجلس الأعلى للدولة في ليبيا.. وضرورة اختراق الانسداد السياسي

حوار الـ (5) الكبار.. مسار جديد للحل السياسي في ليبيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية