
ثمّة مساعٍ محمومة من قبل جماعة الإخوان في اليمن لتقوية وجودها، أو بالأحرى الاحتماء بتحالفات مشبوهة، في ظل الانحسار الإقليمي لفروعها المنتشرة بالمنطقة وفي العديد من الدول التي بدأت استدارة صحوية لحظر أنشطتها، وتقويض نفوذها السياسي. وكانت دولة الأردن المحطة الأخيرة، حتى الآن، التي تتخذ قراراً بحظر الجماعة الأم للإسلام السياسي. إذ إنّ التنظيم المصنف على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، بات يمثل عبئاً سياسياً وأمنياً، ويشكل تهديدات جمّة على الاستقرار السياسي في مناطق نشاطه المحلي، في ظل الوضع الإقليمي القلق، وذلك مع ارتهان الجماعة بمصالحها الفئوية ضد كل ما هو وطني.
وقد شكلت حرب غزة معادلة اصطفاف إقليمي من خلال قوى رعائية، مثل قطر وإيران، حيث انخرطت جماعة الإخوان في تحالفات خارجية مع قوى الإسلام السياسي، بتنوع مرجعياتها، وفي نسختها السنّية والشيعية، بداية من حركة حماس في غزة، مروراً بتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين، حتى الحرس الثوري وتنظيماته الميليشياوية المنتشرة بالمنطقة في لبنان واليمن والعراق، وعليه سعت إلى تحقيق فوائد سياسية وتنظيمية براغماتية على حساب الاستقرار الوطني، كما برز في الأردن، وهناك انعكاسات مماثلة في اليمن، حيث تتنامى حدة المطالب الشعبية بضرورة حظر تنظيم الإخوان وذراعه المحلية "حزب التجمع اليمني للإصلاح".
خيانة على كافة المستويات
انتشر هاشتاغ على منصة التواصل الاجتماعي (إكس) #حظر_إخوان_اليمن، بعد تسليط الضوء على خيانته في الجبهات وتسليمها لميليشيات الحوثي الإرهابية، وفق تقارير محلية، وقد جاءت المطالب بالتزامن مع قرار الأردن بحلّ تنظيم الإخوان، واعتباره جماعة غير مشروعة وتجريم الانتماء إليه، وذلك بعد كشف مخططات إرهابية للتنظيم تضر بأمن الأردن، وتسعى لإسقاط النظام. كما قال النشطاء إنّ "خيانات حزب الإصلاح للمقاومة، وتغيير مسار معركة التحالف العربي الرامية إلى إنهاء انقلاب ميليشيات الحوثي، تسبب في تأخير الحسم وسيطرة الميليشيات على معظم اليمن".
وأوضحوا أنّ تنظيم الإخوان "يعيش مرحلة حصار وانحسار عربي وعالمي، بعد قرار الأردن حظر أنشطة الجماعة في البلاد. وهو قرار فتح شهية اليمنيين للمطالبة بحظر الإخوان في اليمن".
بالتالي، لم يكن مفاجئاً أن يسعى الإخوان إلى تحالف علني مع ميليشيات الحوثي المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، وهي الأخرى تعاني أوضاعاً مأزومة في ظل الضربات الأمريكية العنيفة ضدها، وضغوط الرئيس دونالد ترامب على طهران لتدشين اتفاق بشأن البرنامج النووي وما يتبعه من تهدئة في ملفات إقليمية. والتحالف بين التنظيمين رغم ما بينهما من خلافات ظاهرية إيديولوجية وعقائدية، يتضمن "تشكيل حكومة مشتركة، في الوقت الذي يروج فيه الحزب أنّه ضد الميليشيات الموالية لإيران، وأنّه يسعى للإطاحة بها وتحرير المناطق الخاضعة لهيمنتها".
ونقل موقع (الخبر اليمني) المحلي عن مصادر دبلوماسية غربية أنّ القائم بأعمال أمين عام الحزب الإخواني عبد الرزاق الهجري يُجري اتصالات باسم ما يُعرف بـ "التكتل الوطني للأحزاب والقوى السياسية"، الذي شكّله حزب (الإصلاح) بدعم أمريكي، يُجري اتصالات مع سفراء أجانب لتعبيد الطريق مع من يصفهم بـ "الحوثيين". وقرار حزب (الإصلاح) التواصل بعرض منفرد يعكس انتهازيته المفرطة ومحاولة الإخوان استغلال الفرصة لتسويق أنفسهم كجهة داعمة للسلام، بهدف الحصول على دعم من قبل بعض اللاعبين الأساسيين في الأزمة اليمنية.
وتابع: "الإخوان يسعون للعب دور فعال في الصراع الدائر مع ميليشيات الحوثي الإرهابية، بتقديم فروض الطاعة والولاء للولايات المتحدة الأمريكية التي توجّه يوميًا ضربات موجعة للجماعة الموالية لإيران، وهدف الحزب هو الحصول على حصته من السلطة، سواء تمّ القضاء على الحوثيين، أو بقوا في مناطق سيطرتهم".
انتهازية سياسية فجة
في حديثه لـ (حفريات) يوضح الباحث المختص في الشؤون الإقليمية والدولية، الدكتور مصطفى صلاح، أنّ هذا التحالف يبدو "ضمن سياسات الجماعة، بل تنظيمات الإسلام السياسي التي تتعاطى ببراغماتية شديدة، ولديها الاستعداد لعقد صفقات مشبوهة، والبحث عن تحالفات مؤقتة لإيجاد صيغة نحو البقاء والتمدد وتجاوز لحظات الإخفاق والانحسار، أو ما يُعرف بـ "المحن" السياسية والتاريخية. وفي ظل الوضع المأزوم لجناحي الإسلام السياسي السنّي والشيعي باليمن، فإنّ الحاجة تبدو ملحة لتجسير الفواصل بينهما، وعدم تشتيت أو استنزاف الجهود ميدانياً وعسكرياً وسياسياً، لمواجهة التحديات المختلفة على الصعيد الأمني والاستقرار السياسي والعسكري. وقد صعّدت واشنطن من ضرباتها، مؤخراً، على جناح الإخوان باليمن وعلى الحوثيين".
وشنت ضربات على منازل تابعة لبيت الشدادي في العبدية التي ينتمي إليها قائد ما كانت تُعرف بالمنطقة العسكرية الثالثة التابعة لحزب (الإصلاح) عبد الرب الشدادي، وفق ما تشير التقارير المحلية. كما استهدف الطيران الأمريكي قبل أيام مواقع عسكرية تابعة لحزب (الإصلاح)، في جبهات التماس الواقعة في محيط مدينة مأرب في مديريتي العبدية ورغوان، الأمر الذي نجم عنه مقتل نجل القائد الإخواني، منصور الحنق، وهو قيادي رفيع المستوى في حزب (الإصلاح)، وعدد من عناصر الحزب.
ويقول موقع (الخبر اليمني): إنّ "الغارات الجديدة جاءت في إطار عملية أمريكية لقصقصة أجنحة الإخوان، وتشير الضربات إلى أنّ جميع مقرات ومواقع وقيادات الحزب قد أصبحت أهدافاً للطيران الأمريكي".
تضامن عضوي مع الإرهاب
يمكن القول إنّ الإخوان في اليمن ارتبطوا بعلاقات قديمة وتاريخية بالتنظيمات الإرهابية. ففي الثمانينيات ذهب زعيم الحزب المؤسس عبد المجيد الزنداني وعدد من طلابه إلى أفغانستان للانضمام إلى المجاهدين في قتالهم ضد القوات الروسية. بالإضافة إلى عمله كمستشار لأسامة بن لادن وغيره من قادة تنظيم القاعدة في التسعينيات، وتحدث الزنداني أيضاً في فعاليات حماس، بما في ذلك مؤتمر جمع التبرعات لحماس في عام 2006. وقد تم إدراج الزنداني على قائمة العقوبات من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة في عام 2004. واليوم يدير حزب الإصلاح عدداً من الأجنحة المختلفة: السياسية والخيرية وشبه العسكرية. ويتركز مقاتلو الحزب والجماعات شبه العسكرية التابعة له بشكل خاص في شمال البلاد، حيث تولت الجماعة ـ المدعومة من المملكة العربية السعودية ـ القتال ضد المتمردين الحوثيين. واتهمت الإمارات حزب الإصلاح بالاستيلاء على 75% من المعدات العسكرية التي قدمها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وفق المركز العربي لدراسة التطرف.
إذاً، ثمة نقطة التقاء تجمع القاعدة بالإخوان في اليمن منذ عقود، الأمر الذي له انعكاسات راهنة مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وكذا تنظيم داعش؛ إذ قاتل حزب الإصلاح في بعض الأحيان إلى جانب تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم داعش في اليمن وفقاً للتقارير التي توصلت إليها المملكة العربية السعودية، كما يشير المركز العربي. ويردف: "منذ اعترافها بالتحالف بين الجماعات الثلاث في آذار (مارس) 2016، أعلنت السعودية أنّها أعادت النظر في استراتيجيتها في اليمن ودعمها للحزب المرتبط بالإخوان". أمّا بخصوص حماس، فهي ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين في اليمن من خلال الزعيم المؤسس لحزب الإصلاح عبد المجيد الزنداني. وفي عام 2006 ألقى الزنداني كلمة في مؤتمر لجمع التبرعات لحماس في اليمن، وخلال المؤتمر تعهد الحشد بجمع "ملايين الريالات" لحماس، بحسب ما يشير تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية.