نحو المصالحة مع السلطة.. قراءة في خطاب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل

نحو المصالحة مع السلطة، قراءة في خطاب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل

نحو المصالحة مع السلطة.. قراءة في خطاب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل


03/05/2023

بعد غياب امتدّ طيلة شهر رمضان، ظهر الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي، في مناسبة العيد العالمي للعمال، وألقى كلمة دار مضمونها حول إلقاء ثقل تبعية الأزمات التي تعيشها البلاد على السلطة السياسية، واتهامها بالاستحواذ على السلطات، والتفرد بالرأي، واستبعاد المنظمة النقابية الأكبر في البلاد، وتجاهل دورها التاريخي، وفي المقابل أثنى على الموقف الذي اتخذه الرئيس قيس سعيّد مؤخراً برفضه إملاءات صندوق النقد الدولي، وتطبيع العلاقات مع سوريا، واصفاً ذلك بالتطابق مع توجهات المنظمة الشغيلة.

ثمّة إشارات تضمنها الخطاب تشي بتحول في توجهات المنظمة الشغيلة، وابتعادها عن نهجها التصعيدي ضد الرئاسة والسلطة التنفيذية؛ ممّا أدى فيما مضى إلى مساحات من التوتر والارتباك، بينها وبين مكونات السلطة في تونس.

أهداف وتحركات المنظمة

قال نور الدين الطبوبي، في كلمة ألقاها يوم الإثنين الأول من شهر أيّار (مايو) الجاري، خلال تجمع عمالي بقصر المؤتمرات بالعاصمة التونسية بمناسبة عيد الشغل: إنّه "بعد استراحة المناضل خلال شهر رمضان، آن الأوان للعودة إلى الطريق السلمي للنضال". وتابع قائلاً: إنّ "المنظمة الشغيلة ستواصل تحركاتها النضالية السلمية من أجل الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال".

في هذا السياق، تشير الكاتبة الصحفية التونسية عواطف السويدي، في تصريحات خصّت بها "حفريات"، إلى أنّه من الواضح أنّ خطاب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل في عيد العمال كان خطاباً هادئاً، ويحتوي على قدر كبير من الحكمة، ويدعو السلطة التنفيذية والرئيس قيس سعيّد مرة أخرى إلى التحاور والنقاش حول عدد من الملفات العالقة، لا سيّما فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وطرح موقف المنظمة الشغيلة من الملفات الدولية. في المقابل انتقد نور الدين الطبوبي ما سمّاه التفرد في أمور الحكم، معتبراً إيّاها السبب في تعميق الأزمة في البلاد.

عواطف السويدي: من الواضح أنّ خطاب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل في عيد العمال كان خطاباً هادئاً

ووصفت السويدي ما جاء في مضمون خطاب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل بالموقف القديم الجديد للمنظمة النقابية، خاصّة منذ اللحظة التي حسم فيها الطبوبي رأيه بشأن عدم رغبة الرئيس في التشاور مع الاتحاد، بيد أنّ الطبوبي ارتأى أنّ ثمّة مسؤولية تقع على بعض وزراء الحكومة في رفع درجة التوتر، لا سيّما في الملفات التي تتعلق بالأوضاع النقابية، وتعطيل سير الاتفاقيات مع السلطة التنفيذية، وهنا ترى الكاتبة الصحفية عواطف السويدي أنّ في ذلك إشارة إلى توقيف عدد من النقابيين خلال الفترة الأخيرة، وما استتبعه ذلك من تداعيات على العلاقة فيما بين الاتحاد والسلطة.

من جانبه، قال سامي الطاهري، المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل: إنّ الحوار مع الرئيس قيس سعيّد وصل إلى طريق مسدودة، كما أنّ علاقته تأزمت مع أغلب مكونات الطيف المدني والسياسي؛ بسبب ما وصفه بـ "احتكاره جميع السلطات".

وأوضح الطاهري في لقاء متلفز على قناة "فرانس 24" أنّ غياب الاستقرار السياسي أثّر على مردودية الاقتصاد؛ ممّا انعكس سلباً بشكل جلي على الوضع الاجتماعي في البلاد.

مبادرة الاتحاد

أعلن الطبوبي  في كلمته عن الانتهاء من المبادرة التي أعدها اتحاد الشغل مع (3) منظمات، وتأكيده أنّه سيتم تقديمها قريباً إلى الرئيس قيس سعيّد؛ موضحاً أنّها ليست فرضاً على السلطة القائمة أو الرأي العام، ولا تهدف إلى الوصول إلى السلطة، أو تحقيق مكاسب؛ بل اضطلاع القوى الوطنية بدورها لإيجاد حلول للأزمة التي تعيشها البلاد، مشيراً إلى أنّه لا خيار لتونس ولشعبها إلّا الحوار، بعيداً عن التفرد بالرأي.

ترى الكاتبة التونسية عواطف السويدي أنّ موعد المبادرة تأخر كثيراً، وتقدّر ذلك التأخير نحو كون المنظمة الشغيلة تترقب تلقي إشارة إيجابية، أو أيّ سياق يدفع نحو التلاقي مع مؤسسة الرئاسة

وأوضح الطبوبي أنّه في غياب الحوار؛ فإنّ البلاد مهددة بالانقسام والتفكك والتبعية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتراجع المقدرة الشرائية للمواطنين، وتفشي الهجرة غير القانونية، وزيادة الخطر على كيان الدولة. وقال إنّ طرد نقابيين دوليين من تونس يكشف التفرد بالرأي وسياسة فرض الأمر الواقع التي تنتهجها السلطة متجاهلة القوى الوطنية ومكونات المجتمع المدني. وشدّد على أنّ "تونس اليوم في حاجة إلى وحدة وطنية من أجل النهوض بالبلاد على كافة المستويات، واستعادة مكانتها". مؤكداً أنّه لا "تسامح ولا مصالحة مع من تورط في الفساد، أو يعادي الدولة ولا يعترف بسيادتها". 

الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل قال: إنّه ترك موعد تقديم المبادرة مفتوحاً، وعلى هامش ذلك ترى الكاتبة التونسية عواطف السويدي أنّ موعد المبادرة تأخر كثيراً، وتقدّر ذلك التأخير نحو كون المنظمة الشغيلة تترقب تلقي إشارة إيجابية، أو أيّ سياق يدفع نحو التلاقي مع مؤسسة الرئاسة.

كما تضيف السويدي ملاحظة أنّ الطبوبي تفادى استخدام عبارة "الإنقاذ الوطني" عند حديثه عن المبادرة، واستبدلها بعبارة "مستقبل تونس". وتابعت: "ذلك كله يدفع نحو كون المنظمة الشغيلة ترغب في التفاعل الإيجابي مع مكونات السلطة في البلاد، سواء الحكومة أو الرئيس.

خطاب مصالحة

من جانبه، يصف الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة خطاب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي بـ "خطاب المصالحة"، إذ أشاد بتصريحات رئيس الجمهورية الرافضة لإملاءات صندوق النقد الدولي، واعتبر أنّ هذا الموقف متوافق مع موقف المنظمة الرافضة أيضاً للإصلاحات والإملاءات المطلوبة من المؤسسات المالية، مقابل بعض القروض، مع اللمز ضد الحكومة، حين تساءل عن جدوى تفاوضها مع صندوق النقد الدولي مثلاً طيلة أكثر من عام، وبلغ به الأمر استعارة بعض عبارات الرئيس؛ كالقول إنّ المعجزة الحقيقية هي التعويل على قدراتنا، وتجميع قوانا؛ لأنّ زمن المعجزات ولى، وانتهى كذلك عهد سخاء الأشقاء وكرم الأصدقاء.

مراد علالة: خطاب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي هو خطاب مصالحة

يعود مراد علالة، في إطار تصريحاته لـ "حفريات"، إلى الشأن الاجتماعي؛ وهو المجال الذي حدّده رئيس الجمهورية للمنظمة، حيث طالب الطبوبي بقرار سياسي جريء ينقذ العام الدراسي ويعطي للمربين حقوقهم، بعد أن آل الحوار بين نقابات التربية والتعليم برمتها، وسلطة الإشراف، إلى ما يشبه النفق المسدود، حيث إنّ أزمة حجب الأعداد تهدد العام الدراسي بالفشل.

وطبيعي أيضاً أن يردّد الأمين العام التحدي المعهود من أنّ كل الاتفاقيات الموقعة، و"كل المطالب ستُطبّق، أحبّ من أحبّ أو كره من كره". ويربط ذلك بمواصلة النضالات السلمية  من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشغالين والأجراء.

سامي الطاهري: طريقة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، حول قرض جديد لإنقاذ اقتصاد البلد الغارق في الديون، ليست شفافة

واللافت أنّه في الوقت الذي وجّه فيه رسائل إيجابية للرئيس، ألقى الطبوبي بالمسؤولية في الأزمة الراهنة بين المنظمة والسلطة إلى وزراء مارسوا سياسة الإقصاء، وحاكوا ما حاكوه حسب قوله، ضد العمل النقابي والنقابيين.

وحتى عندما تحدث عن محاكمة النقابيين التونسيين، وطرد النقابيين الدوليين، قال الطبوبي: إنّ ذلك هو نتيجة التفرد بالرأي، وفرض الأمر الواقع، وتجاهل مؤسسات الدولة والقوى الوطنية، ومكونات المجتمع المدني، واعتبر ذلك سلوكاً غير موفق؛ لأنّ طرد النقابيين الدوليين جحود وتجاهل للتاريخ، وتمظهر للأزمة السياسية في البلاد.

توافق حول الملف السوري

في المقابل، أشاد الأمين العام للاتحاد بعودة العلاقات مع سوريا، وقال: إنّ ذلك كان مطلباً للاتحاد، والأمر نفسه في علاقة بقضية الحق الفلسطيني، ومواقف تونس والتونسيين الثابتة منه.

الاتحاد التونسي للشغل أشار في بيان العيد العالمي للعمال إلى أنّ الاتحاد "يثمن عودة العلاقات بين تونس وسوريا، ويراها استجابة للإرادة الشعبية، وللدعوات المتكررة التي أطلقتها القوى الوطنية، وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشّغل منذ العام 2012، ويعتبرها خطوة أساسية  لتمتين الروابط بين الشعبين والدولتين، وفرصة لكشف حقيقة موجات التسفير التي دفعت بآلاف الشباب من تونس إلى الإرهاب، وإلى ارتكاب أفظع الجرائم في حق الشعب السوري، وتمكن بلا شك من إضاءة جانب من حقيقة التحركات الإرهابية في تونس، ومنها الاغتيالات السياسية التي طالت الشهيدين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي، وعدداً من الأمنيين والعسكريين والمدنيين".

خطوة إلى الوراء

في السياق نفسه، أشار سامي الطاهري، المتحدث الرسمي باسم الاتحاد التونسي للشغل، إلى أنّ طريقة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، حول قرض جديد لإنقاذ اقتصاد البلد الغارق في الديون، "ليست شفافة، وأحادية، ولم تشرك الأطراف المعنية في صياغة الحلول".

وأضاف الطاهري: "نؤكد على إيجابية الموقف الصادر عن رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي أعلن فيه في مطلع نيسان (أبريل) رفضه "إملاءات" صندوق النقد الدولي؛ لمنح تونس قرضاً تناهز قيمته ملياري دولار".

 سامي الطاهري، المتحدث الرسمي باسم الاتحاد التونسي للشغل

وردّاً على حملة الاعتقالات المستمرة في تونس، قال الطاهري: "إنّنا نعول على مقاومة القضاة لأيّ تعليمات"؛ لوقف حملة الانتهاكات والأحكام الصادرة ضد عدد من الناشطين الحقوقيين والنقابيين.

إلى ذلك، رأى عدد من المتابعين أنّ التصريحات الجديدة للأمين العام نور الدين الطبوبي تمثل  تحولاً لافتاً في موقف اتحاد الشغل، بعد التصعيد الذي قابل به اعتقال عدد من النقابيين، وإحالة البعض الآخر إلى التحقيق في قضايا تتعلق بتحركات احتجاجية نقابية، خارج الأطر القانونية.

نحو ذلك أشارت الكاتبة التونسية عواطف السويدي إلى أنّ كلمة نور الدين الطبوبي تبدو تمهيداً إجرائياً لطرح مبادرته إلى الرأي العام، وكذا نحو الرئيس قيس سعيّد بشكل خاص، الذي يرفض التحاور مع الأجسام الوسيطة، خاصّة في ظل تنصيب البرلمان وجدولة جلسات أعماله. ولفتت إلى أنّ الخطاب يحمل دعوة متجددة للتفاعل مع مسار الـ (25) من تموز (يوليو)؛ من خلال الإشارة إلى ضرورة المشاركة في الحلول والبدائل لمختلف القضايا التي تتعرض لها البلاد. وأضافت أنّ "الخطاب تجميعي؛ يدعو إلى الوحدة الوطنية، والقطع مع الانقسام في المجتمع التونسي"، بشكل يمكن اعتباره خطوة إلى الوراء قليلاً؛ إذ لم يحشد في خطابه ضد السلطة، مثلما جرت العادة، ولم يستخدم تعبيرات تحمل مضامين صدامية، بل مال نحو الهدوء والرغبة في التواصل مع السلطة.

هكذا إذن تكلم الطبوبي، بعد غياب مطول نسبياً، الأمر الذي فتح المجال إلى كثير من القراءات والتأويلات، التي سيغذيها دون شك خطاب عيد الشغل، وربما صورة الأمس القريب التي جمعت نور الدين الطبوبي ووزير الداخلية الجديد، يوم 13 نيسان (أبريل) المنقضي، تكشف عن التوجهات الجديدة للاتحاد.

مواضيع ذات صلة:

جدل حول منع كتب بمعرض تونس.. هل تحول الإخوان إلى مدافعين عن الحريات؟

هل ينهي الصراع بين سعيد والنهضة حقبة الإخوان في تونس؟

لماذا تخلى إخوان تونس عن رئيس حركتهم في محنته؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية