لماذا تخلى إخوان تونس عن رئيس حركتهم في محنته؟

لماذا تخلى إخوان تونس عن رئيس حركتهم في محنته؟

لماذا تخلى إخوان تونس عن رئيس حركتهم في محنته؟


26/04/2023

منذ إلقاء القبض على الغنوشي وإيداعه في السجن بعد ساعات طويلة من التحقيق استبشر طيف واسع من الشارع التونسي بخبر الإيقاف، حتّى أنّ ابنة الشهيد محمد البراهمي الذي اغتيل في رمضان 2013 أمام منزله بـ (14) رصاصة كتبت تدوينة ليلة إيقاف الغنوشي في صفحتها على فايسبوك ذكرت فيها أنّها أطلقت أمام منزله (14) زغرودة، في حركة رمزية تقول إنّها كانت تتمنى تحقيقها حال القبض على الغنوشي، وأبدت سعادتها بتحقيق أمنيتها.

وذكرت ابنة الشهيد البراهمي في تدخّل إذاعي على موجات إذاعة (إي إف إم) الخاصّة أنّ عدد الزغرودات يرمز إلى عدد الرصاصات التي وُجّهت إلى جسد والدها يوم اغتياله في عهد حكم النهضة في 25 تموز (يوليو) 2013. وتناقلت بعض وسائل التواصل الاجتماعي أغنية يحتفي فيها أحد الفنانين بسجن الغنوشي، زيادة عن حسابات بعض المدوّنين التي احتفى أصحابها باعتقال الغنوشي وإيداعه السجن.

وإذا كان هذا "الاستبشار" مفهوماً لدى قطاع واسع من التونسيين والتونسيات بما أنّ الغنوشي قد تصدر استطلاعات الرأي سابقاً بوصفه "أكثر شخصية مكروهة في تونس"، وقدمت في شأنه عريضة سحب ثقة أكثر من مرة ونجا منها بأعجوبة، فإنّ ما يثير الاستغراب هو اكتفاء حركة النهضة بكلمات تنديد مقتضبة تصدر من حين إلى آخر على صفحتها الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي، أو مشاركة بعض بيانات التنديد باعتقاله صادرة من تنظيمات إخوانية في بعض الدول. ولم نرَ أيّ تظاهرة تنزل إلى الشارع منددة بالاعتقال أو مطالبة بإطلاق سراحه، بل اكتفت بعض الحسابات والصفحات على وسائل التواصل بالتدوين والهجوم على رئيس الجمهورية وعلى القضاء ووزيرة العدل.

 ليست المرة الأولى التي يتخلى فيها أتباع حركة النهضة عن دعوة الغنوشي للتظاهر والمساندة

وبالعودة إلى التاريخ، نلاحظ أنّها ليست المرة الأولى التي يتخلى فيها أتباع حركة النهضة عن دعوة الغنوشي للتظاهر والمساندة، ففي ليلة 25 تموز (يوليو) 2021 وقف الغنوشي أمام باب البرلمان ليلاً بعد أن منعه الجيش من دخوله، ووجهت حركة النهضة نداء للالتحاق به، ولكنّ أحداً لم يستجب إلى ذلك سوى ما يُعدّ على أصابع اليد.

وفي التظاهرات التي نظمتها حركة النهضة أنفقت أموالاً طائلة على وسائل النقل لجلب المساندين من كل محافظات الجمهورية للاستعراض في شارع الحبيب بورقيبة أو شارع محمد الخامس.

وقبلها فقدت حركة النهضة أكثر من ثلثي قاعدتها الانتخابية حتى انتخابات 2019، وفقدت صدارة استطلاعات الرأي في نوايا التصويت، وانفض من حولها كثيرون. فلماذا تُرك الغنوشي وحيداً في مواجهته مع السلطة مؤخراً؟

منذ إلقاء القبض على الغنوشي وإيداعه في السجن بعد ساعات طويلة من التحقيق استبشر طيف واسع من الشارع التونسي بخبر الإيقاف

ليس من السهل أن نحيط بإجابة كاملة في مقال محدود لأنّ الأسباب كثيرة، ولكنّنا نكتفي بأهمها:

أوّلاً: فقدان الإخوان حواضنهم الإقليمية والدولية، فقد تخلت عنهم تركيا وقطر فأعادتا علاقاتهما مع مصر والسعودية والإمارات، وخمد الصراع بينها، وهو صراع كان يغذي الإخوان ويستغلهم أداة لمهاجمة مصر والسعودية والإمارات بشكل مخصوص، غير أنّ المصالحة ضيقت عليهم الخناق إعلامياً، كما فعلت تركيا مع قنوات الإخوان الفضائية التي تبث من أراضيها بعد التسهيلات والدعم الواسع الذي كانت تقدمه لهم.

ثانياً: جاءت النهضة بعد الثورة بوعود شعبوية خيالية يستحيل تحقيقها في برنامجها الانتخابي، ووعدت بتشغيل مئات الآلاف (400 إلى 500 ألف حسب برنامجها حينها)، واستغلت أعمالاً خيرية متنوعة، وفرضت العفو التشريعي العام الذي شمل إرهابيين قاتلوا ضد المؤسسة الأمنية والعسكرية قبل الثورة في ما بات يُعرف بـ "أحداث سليمان"، وعلى رأس هؤلاء أبو عياض الذي أسس أنصار الشريعة بعد الثورة، وسمحت له حركة النهضة بعقد مؤتمراته، وكانت الاغتيالات السياسية على يد التنظيم مدوّية. كل تلك الوعود جمعت حولها كثيراً من الطامعين والانتهازيين، ومن فاقدي الأمل بحثاً عن وعودها. ولكنّهم سرعان ما اكتشفوا زيف وعودها وشعبويتها فانفضوا من حولها.

بعد فوزها بانتخابات 2014 بدأ الجميع يتبين شيئاً فشيئاً أنّ الديمقراطية لا تعني حركة النهضة إلّا إذا كانت في الحكم

ثالثاً: أدرك الشارع التونسي بسرعة عدم جدية ادعاءات حركة النهضة في تبنّيها الديمقراطية وإيمانها بالحرية، ذلك أنّها سارعت للاستيلاء على القضاء وضيقت الخناق على الإعلام وبعثت قنوات فضائية وجرائد دعائية وصفحات فيسبوكية يديرها مكتبها الإعلامي مختصة في تشويه المعارضين ومهاجمتهم عبر التزييف ونشر الإشاعات والأكاذيب، وفقدت بذلك ادعاءاتها "الطهورية"، وسقطت شعاراتها في خانة الأكاذيب.

رابعاً: تتالت سلسلة أكاذيب الغنوشي الذي استقبل بعد الثورة في 29 كانون الثاني (يناير) 2011 الزعماء في مطار قرطاج الدولي، بعد أن أعلن من لندن أنّه لن يترشح لأيّ انتخابات أبداً، وأنّ مطلبه الوحيد هو العودة إلى تراب الوطن، غير أنّه ترشح وفاز برئاسة مجلس نواب الشعب المنحلّ، رغم تحذيره من هذه الخطوة. ووعد في انتخابات 2014 بألّا يتحالف مع حزب "نداء تونس" الذي سوّق له بأنّه يمثّل الثورة المضادة والتجمعيين (نسبة إلى التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم في عهد زين العابدين بن علي، الذي تمّ حله بعد الثورة مباشرة)، ولكنّه طار إلى باريس فجأة فعقد صفقة مع رئيس نداء تونس ومؤسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، قبل أن ينقلب عليه ويتحالف مع شقّ من حزبه ويحوّل نداء تونس الفائز بالأغلبية في البرلمان إلى الحزب الثالث أو الرابع. وبعد انتخابات 2019 تحالف مع حزب قلب تونس ومؤسسه نبيل القروي الذي كان يتهمه بالفساد، وذكر في منابر إعلامية خلال الحملة الانتخابية أنّه لن يتحالف معه مطلقاً لأنّه ملاحق في قضايا فساد منها قضايا جدية في تبييض الأموال وغيرها. فخرج الغنوشي بعد تحالفه معه مؤكداً أنّ القروي شخص نظيف، وأنّه سيغادر السجن قريباً، في استباق مفضوح لحيثيات قضية القروي الذي مازالت قضيته بين يدي القضاء.

أدرك الشارع التونسي بسرعة عدم جدية ادعاءات حركة النهضة في تبنّيها الديمقراطية وإيمانها بالحرية، ذلك أنّها سارعت للاستيلاء على القضاء وضيقت الخناق على الإعلام

خامساً: بعد كل ما ذُكر سابقاً لم يعد من الهين على كثير من أنصاره إيجاد الأعذار لتقلبات الغنوشي وأكاذيبه المفضوحة وتصريحاته المتناقضة، وقد كانت أغلبيتهم تراه نموذجاً لزعيم طهوري حكيم وصادق ومتديّن، فإذا كل تصرفاته وقراراته وتحالفاته تفكك تلك الصورة في أذهانهم وتكشف لهم زيفها.

سادساً: منذ تأسيس حركة النهضة مطلع ثمانينات القرن الماضي والغنوشي هو الرئيس الفعلي للحركة يديرها بصلابة من لا يسمح لأيّ من معارضيه داخل الحركة بالبروز، وقد صرح في اجتماع عام في شارع الحبيب بورقيبة أمام أنصاره، بعد استقالة القيادي التاريخي للحركة حمادي الجبالي، أنّ القياديين مهما علت شؤونهم فإنّهم لا يساوون شيئاً خارج الحركة. وقد سبق أن أعلن (100) قيادي من الحركة أغلبهم من قيادات الصف الأول استقالتهم من الحركة وتكوينهم حزباً جديداً (منهم عبد اللطيف المكي وسمير ديلو وغيرهما)، بعد أن وجهوا للغنوشي رسالة احتجاج يطالبونه فيها بعقد المؤتمر للحركة وعدم الترشح مجدداً، ولكنّه ظل يؤجله من حين إلى آخر، ولم يعقد إلى حدّ الآن. وبالتالي فإنّ رغبة الغنوشي في السلطة وتعطشه لها ساهم أيضاً بدرجة كبيرة في تخلي أنصاره عنه، فانفضوا من حوله. وكثير منهم أبدوا ارتياحهم لإيقافه بطريقة ضمنية، مثلما فعل عماد الحمامي القيادي السابق في الحركة الذي كان وزيراً من وزرائها لمّا كانت حاكمة.

سابعاً: بعد فوزها بانتخابات 2014 بدأ الجميع يتبين شيئاً فشيئاً أنّ الديمقراطية لا تعني حركة النهضة إلّا إذا كانت في الحكم، كما اكتشفوا أنّ النتائج التي حققتها في الانتخابات ليست سوى ثمرة التمويل الأجنبي غير المشروع والممنوع بالقانون التونسي، واكتشفوا العقود التي عقدتها مع مجموعات الضغط والمنشورة جميعاً على الموقع الرسمي لوزارة العدل الأمريكية، وقيمتها خيالية، وقد كان آخرها خلال الحملة الانتخابية في 2019، باسم امرأة باكستانية حسب العقد الذي بلغت قيمته مليون دولار أمريكي، زيادة عن عدد من العقود السابقة.

أدت هذه النقاط وغيرها كثير إلى تخلي الشارع التونسي عن الغنوشي وحركة النهضة، وانفض من حوله أنصاره، فبات الذئب وحيداً، غير أنّ أهم سؤال يطرح في هذا السياق: ماذا لو ثبت قضائياً أنّ الغنوشي متورط في قضية التسفير إلى بؤر التوتر؟ وماذا لو ثبت قضائياً التمويل غير المشروع خلال الحملات الانتخابية؟ وماذا لو أدين الغنوشي رسمياً في سلسلة القضايا المرفوعة ضده؟ أيّ مصير لحركة النهضة الإخوانية في تونس بعد ذلك؟

مواضيع ذات صلة:

لماذا يسعى الاتحاد التونسي للشغل لفتح قنوات حوار مع الحكومة؟

إيقاف الغنوشي.. للإخوان تاريخ طويل من التحريض على أمن الدولة في تونس

انحاز للفئات التونسية الفقيرة... ما تداعيات رفض سعيد لشروط النقد الدولي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية