تجدّدت المواجهات بين رئيس الوزراء العراقيّ، مصطفى الكاظمي، وعناصر وقيادات الميليشيات المدعومة من إيران، بالتزامن مع اقتراب الذكرى الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، والقيادي في الحشد الشعبي "أبو مهدي المهندس"؛ إذ تتفاقم الأوضاع الأمنيّة المنفلتة في بغداد، مؤخراً، خاصّة بعد القصف الصاروخي الذي استهدف المنطقة الخضراء، وسط العاصمة العراقيّة، خلال النصف الثاني من الشهر الحالي، والتي يتواجد فيها مقرّ الحكومة، ومجمع السفارة الأمريكية، إضافة إلى البعثات الدولية، الأمر الذي رأى الجيش العراقيّ أنّه "يستهدف الانتقاص من هيبة الدولة، وزعزعة استقرارها".
العراق باعتباره ساحة للتنافس الإقليميّ
مطلع الشهر الجاري، جرت مجموعة من الإجراءات الأمنية الاحترازية، بخصوص الوجود الدبلوماسيّ الأمريكيّ ببغداد، والتي رجّح مراقبون، أنّها تأتي على خلفية التوترات الإقليمية بين واشنطن وطهران؛ حيث يتخذ الطرفان من العراق ساحة تنافس ومواجهة.
وعليه؛ قامت إدارة الرئيس الأمريكيّ، المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بـ "خفض عدد الدبلوماسيين العاملين في السفارة الأمريكية في بغداد إلى النصف، وكذلك في المنشآت الدبلوماسية الأخرى في العراق".
وبحسب المنصة الأمريكية "بولتيكيو"؛ فإنّ "تخفيض عدد العاملين في السفارة الأمريكية، والمنشآت الدبلوماسية بالعراق، من المفترض أن يكون مؤقتاً، غير أنّ استئناف العمل بالطاقة الكاملة، لم يحسم بعد، بسبب تنامي التوترات بين الولايات المتحدة وإيران".
زيارة الوفد العراقيّ إلى إيران، المحمّل برسالة رفيعة المستوى، من رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، تمثّل المحاولة الأخيرة لضبط تحركات الميليشيات العراقية المرتبطة بإيران
القصف الصاروخيّ، الذي ردّت عليه منظومة الدفاع الأمريكيّة، الموجودة بمجمع السفارة، لم يلحق خسائر في الأرواح، بينما تعرضت الأبنية المتاخمة للمنطقة لبعض الأضرار، بيد أنّ الحادث كشف عن انفلات الأوضاع الأمنية، وإصرار المجموعات الولائية على تكثيف العداء مع رئيس الوزراء العراقي، الذي سبق أن اتهمته قيادات "عصائب أهل الحق" و"الحشد الشعبي"، بأنّه ساهم في تنفيذ عملية اغتيال قائد فيلق القدس، والقيادي في الحشد الشعبي، مطلع العام الحالي، أثناء توليه منصب مدير المخابرات العامة العراقية.
وقبل أيام قليلة، وبينما لم يمرّ أسبوع على استهداف السفار الأمريكية، أصدرت "سريّة قاصم الجبارين"، المدعومة من إيران، بياناً، هدّدت فيه بتنفيذ عملية جديدة، خلال بضعة أيام، ضدّ "رتل دعم لوجيستي لقوات التحالف الدولي"، الموجود في محافظة بابل، جنوب بغداد، كما أعلن فصيل مسلّح آخر مواصلة الهجمات ضدّ "المحتل الأمريكي"، إذا لم تفرج الحكومة عن العناصر الذين قامت بتوقيفهم، على خلفية اتهامها بتنفيذ عمليات القصف الأخيرة.
استهداف الكاظمي.. تاريخ العداء ومسارات المواجهة
انبعثت التوترات الأخيرة، بين الميليشيات المدعومة من إيران، ورئيس الوزراء العراقيّ، عقب اعتقال القياديّ في ميليشيا عصائب أهل الحقّ، حسام الزيرجاوي، والمتّهم الرئيس بتنفيذ القصف العسكريّ الذي استهدف المنطقة الخضراء.
وإلى ذلك، غرّد القيادي الأمني في كتائب حزب الله العراقي، أبو علي العسكري، عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "على كاظمي الغدّار ألّا يختبر صبر المقاومة بعد اليوم، فالوقت مناسب جداً لتقطيع أذنيه، كما تقطّع آذان الماعز".
وتابع القيادي في كتائب حزب الله: "المنطقة اليوم تغلي على صفيح ساخن، واحتمال نشوب حرب شاملة قائم، وهو ما يستدعي ضبط النفس لتضييع الفرصة على العدو، بألا نكون الطرف البادئ بها".
الباحث محمد نعناع لـ"حفريات": استبقت طهران أيّة محاولات ضغط عليها، وطالبت بغداد بتسديد المستحقات المالية، ودفع مديونياتها المتراكمة الخاصة بسدّ النقص في مجال الطاقة
القيادي في كتائب حزب الله العراقي، كان هو ذاته الذي اتهم الكاظمي بأنّه وراء تسهيل عملية اغتيال القياديين في الحرس الثوري الإيراني؛ حيث قال إنّ "الكاظمي عندما كان يشغل منصب رئيس المخابرات العامة العراقية، قام بتسهيل قتل سليماني والمهندس"، وأضاف: "لن يكون عيدنا في هذا المقطع الزمني عيداً، إلا بأخذ الثأر الذي يليق حجماً ومضموناً بسليماني والمهندس، وشهداء مدينة القائم من قاتليهم".
وهدّد العسكريّ؛ بأنّ "المشاركين المحليين، ابتداءً من كاظمي الغادر، إلى أدنى الرتب التي ساهمت بتسهيل هذه الجرائم التاريخية، لن يفلتوا من العقاب، مهما كان الثمن وطال الزمن".
كما رأى؛ أنّ "ترشيح الكاظمي لرئاسة مجلس الوزراء، بمثابة إعلان حرب على الشعب، وأنّه سيحرق ما تبقى من أمن البلاد".
استمرار التصعيد ومحاولات التهدئة
ومن جانبه، أصدر القضاء العراقي مذكرة اعتقال للعسكري بعد تهديداته الأخيرة، وقال الناطق بلسان القائد العام للقوات المسلحة العراقية، يحيى رسول: "هناك مليون و800 ألف عنصر عسكري يأتمرون بأوامر مباشرة من الكاظمي في فرض الأمن، وملاحقة العناصر الخارجة عن القانون".
وفي ظلّ احتدام الوضع السياسيّ والأمنيّ بالعراق، أعلنت طهران، قبل أيام، وصول وفد عراقي رفيع المستوى، يحمل رسالة من رئيس الوزراء العراقي للقيادة الإيرانية.
وبينما يرى مراقبون أنّ الزيارة تستهدف "الحدّ من نشاط الميليشيات التابعة لإيران، ووقف تصعيدها الأخير، والالتزام بالضوابط القانونية للدولة"، غير أنّ الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، خطيب زاده، نفى تلك التحليلات الأخيرة، وقال: "الزيارة كانت بدعوة إيرانيّة، وتشمل مشاورات بين مسؤولي البلدين حول مختلف الموضوعات في مجال العلاقات الثنائية، والقضايا الإقليميّة، وتناقش آخر التطوّرات".
اقرأ أيضاً: هل أعلن الكاظمي الحرب على حزب الله العراقي؟
وتمثّل زيارة الوفد العراقيّ إلى إيران، المحمّل برسالة رفيعة المستوى، من رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، المحاولة الأخيرة من جانبه، لجهة ضبط تحركات الميليشيات العراقية، المرتبطة بإيران، حسبما يوضح الباحث العراقي، المتخصص في الشأن الإيراني، الدكتور محمد نعناع.
ويضيف نعناع، لـ "حفريات": "بعد فشل هدنتين للتهدئة؛ إحداهما تعهّد بها المرشد الإيراني، علي خامنئي، لمصطفى الكاظمي، عند زيارة الأخير لطهران؛ إذ ربطت إيران بين قبول الكاظمي بنقل وساطة إلى السعودية، والتهدئة في العراق، متجاوزة مشاورة الميليشيات العراقية، ومن ثمّ؛ فرضت عليها قبول هذه التهدئة نزولاً عند مصالحها، والتهدئة الثانية، جرت بين مبعوثة الأمم المتحدة، بلاسخارت، والقياديّ العسكريّ في الحشد الشعبيّ، عبد العزيز المحمداوي، وهي الأخرى فشلت، ولم تصمد، بسبب عدم إجماع الميليشيات عليها".
ويلفت الباحث العراقي، إلى أنّ "هذه المحاولة الأخيرة التي يحملها الوفد العراقيّ الرسميّ إلى طهران، تأتي في ظلّ انقسام الحشد الشعبيّ، وخروج جزء مهم منه، المعروف بـ "حشد العتبات"، والذي يدعم الكاظمي، كما يسعى إلى تقوية مؤسسات الدولة.
وفي الوقت ذاته؛ تأتي هذه المحاولة للضغط على إيران بعد موقف مقتدى الصدر الأخير، الرافض لتصرّفات الميليشيات، وكذا إطلاقها الصواريخ على السفارة الأمريكية، بحسب المصدر ذاته، ويردف: "لذلك استبقت طهران أيّة محاولات ضغط عليها، في إطار هذه المتغيّرات العنيفة والسريعة، وطالبت بغداد بتسديد المستحقات المالية، ودفع مديونياتها المتراكمة، الخاصة بسدّ النقص في مجال الطاقة، وحصولها على الكهرباء والغاز، ونتيجة لهذه الضغوطات المتبادلة؛ من الممكن أن تفشل جهود التهدئة حتى تتفق الأطراف على تهدئة شاملة، قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة".