موسم "الكيطنة": هكذا يحيي الموريتانيون تراثهم وينعشون اقتصادهم

موريتانيا

موسم "الكيطنة": هكذا يحيي الموريتانيون تراثهم وينعشون اقتصادهم


01/08/2018

يتجول الشاب الموريتاني محمد الأمين داخل واحة من النخيل تملكها أسرته بولاية "تكانت"، وسط البلاد، في الفترة التي يثمر فيها النخيل، والمعروفة محلياً بموسم "الكيطنة"، وهو منشغل بجني ثمار النخيل لتقديم "الرطب"، لأفراد أسرته الذين قرروا المرابطة على مقربة من الواحة لمدة أسبوعين، من أجل الاستمتاع بالطبيعة، وأكل التمور، وجلب ما بقي منها لتوزيعه على المحتاجين، وبيع بعض منه لرواد السوق المحلية.

ويعتبر موسم "الكيطنة" أو موسم جني التمور، وجهة لجميع الموريتانيين لقضاء بعض الوقت، بحيث تضرب الخيام داخل واحات النخيل، أو على مشارفها، ويجلب ما يكفي من المؤونة، فهناك من يقضي أسبوعين، أو شهراً، وهناك من يفضل قضاء العطلة الصيفية، في مناطق واحات النخيل للاستماع بجمال الطبيعة وجني ثمار النخيل.

يعتبر موسماً اقتصادياً

سياحة واقتصاد

يقول محمد الأمين إنه دأب على زيارة واحات النخيل رفقة أفراد أسرته لقضاء موسم "الكيطنة"، التي تزدهر نهاية شهر حزيران (يونيو)، وتستمر حتى بداية شهر آب (أغسطس) من كل سنة، معتبراً أنّ أسرته تستمتع خلال هذه الفترة بالسياحة في أودية وجبال ووهاد، ولاية "تكانت"، ذات الطبيعة الخلابة التي تستهوي السياح الأجانب فيقضون فيها أوقاتاً طويلة للمتعة والاسترخاء.

ويضيف محمد الأمين في تصريح لــ "حفريات"، أنّ موسم "الكيطنة"، الذي يستهوي معظم الأسر الموريتانية "ليس فقط لأكل ثمار التمور، والسياحة، بل يعتبر موسماً اقتصادياً يساهم بشكل كبير في إنعاش الاقتصاد الوطني بشكل عام، حيث تزدهر خلاله تجارة التمور، وتستفيد فيه الأسر التي تمتلك واحات نخيل غنّاء من ريع ثمارها، كما تستفيد العمالة التي تتولى نزع ثمار الخيل وتهيئتها حتى تكون في متناول الجميع".

موسم الكيطنة يستهوي معظم الأسر الموريتانية ليس فقط لأكل ثمار التمور والسياحة بل لكونه موسماً اقتصادياً

وبحسب تقديرات رسمية صدرت العام 2017، فإنّ أعداد النخيل في ولاية تكانت وسط البلاد، تقدر بـ 720 ألف نخلة موزعة بين 10 آلاف واحة نخيل تسمى محلياً بــ "أزريبة".

ويطالب سيدي محمد (أحد ملاك واحات النخيل في الولاية)، الجهات الرسمية، بالعمل على تنمية الواحات، والتحسين من إنتاجيتها، مشدداً على أنّ "إنتاجية النخيل تشهد تناقصاً كبيراً بسبب ندرة المياه، ونفاذ كميات الميدات المقدمة من الحكومة لمواجهة الآفات التي تهدد بقاء النخيل في عدة مناطق بالولاية".

اقرأ أيضاً: "الحمّالة" المحتجون يهددون بتعطيل موانئ موريتانيا

ودعا سيدي محمد في حديثه لــ "حفريات"، إلى تشديد الإجراءات "لمنع انتقال آفة السوسة الحمراء للنخيل من المناطق الموبوءة إلى أخرى لا تزال خالية من المرض، والعمل على توعية المزارعين بخطورة نقل فسائل النخيل بين المناطق".

ويردف سيدي محمد: "لدينا عدد من واحات النخيل، ونمضي موسم (الكيطنة)، داخلها لجني ثمارها، والاستمتاع بمناظرها الجميلة، وهو ما تقوم به مئات الأسر التي تقطن المنطقة، وحتى تلك التي تسافر من العاصمة نواكشوط، من أجل حضور الموسم، والمشاركة فيه، إحياءً للتراث السنوي الذي ظل الموريتانيون يتمسكون به منذ فترات طويلة".

موسم "الكيطنة" عادة تقليدية لدى الموريتانيين بشكل عام

تمسك بالعادات والتقاليد

يشكل موسم "الكيطنة"، عادة تقليدية لدى الموريتانيين بشكل عام، لكنها ترسخت بشكل كبير لدى سكان شمال البلاد، ووسطها، (ولاية آدرار في الشمال، وولاية تكانت في الوسط)، وذلك لوجود أكبر، وأقدم واحات النخيل المعرفة محليا بــ "ازرايب"، في البلاد بالولايتين، نظراً لطبيعتهما الجبلية وتضاريسهما القابلة لزراعة النخيل.

يقول مصطفى (مالك وكالة لتأجير السيارات)، إنّ الإقبال على موسم "الكيطنة"، يزداد بكثرة في ولاية آدرار شمال البلاد، منه في ولاية تكانت الواقعة في الوسط، نظراً لتمتع الولاية بواحات نخيل كثيرة، منوهاً إلى أنّ العائلات الموريتانية تشد الرحال بشكل أكبر إلى ولاية "آدرار"، لقضاء موسم "الكيطنة"، الذي يتزامن مع العطلة الصيفية في البلد.

زادت الحكومة الموريتانية عدد النخيل بنسبة 5.2% وسيّجت 35 واحة بالإضافة إلى توفير مياه الري وإنشاء السدود

وأبلغ  مصطفى "حفريات"، أنه أجر عشرات السيارات خلال عطلة الصيف الحالية للعائلات المتوجه إلى ولاية "آدرار"، لقضاء موسم "الكيطنة"، مشيراً إلى أنّ الموريتانيين يتمسكون بالعادات والتقاليد بشكل كبير، وأنّ تلك الأسر تجلب معها الخيام، والأمتعة والمؤونة، وتقضي أوقاتاً طويلة، لنزع ثمار النخيل وأكل "التكلاع"، وهي نوعية من التمور الطازجة يفضلها المشاركون في "الكيطنة"، على غيرها من "الرطب"، لما يصفها به العارفون بالنخيل من صحة ولذة ونقاوة.

وترى السالكة (إحدى سكان ولاية آدرار شمال موريتانيا)، أّن الولاية ستقبل خلال موسم "الكيطنة" أعداداً كبيرة من المواطنين الراغبين في العودة إلى نمط حياتهم التقليدي، وقضاء موسم "الكيطنة"، في جو بدوي يشبه الجو التقليدي الذي كان الموريتانيون يعيشونه في السابق، حيث الخيمة، وواحات النخيل، ومياه الآبار، ولبن المواشي، والاستمتاع بمناظر طبيعية خلابة تتمتع بها منطقة آدرار شمال البلاد.

ويرى محمد عبد الله ولد سالم (أحد سكان آدرار)، أنّ ولاية آدرار شمال البلاد، تضم أبرز وأكبر مزارع النخيل، كما تعتبر واحات النخيل من أهم الواحات التي تنتج التمور ذات الجودة عالية في عموم البلد، وهو ما يعزز مكانتها لدى نفوس المواطنين، ويجعلها قبلة لمئات العائلات من مختلف مناطق موريتانيا لقضاء موسم "الكيطنة"، والعودة إلى عادات وتقاليد المجتمع خلال عطلة الصيف من كل عام.

اقرأ أيضاً: موريتانيا تحذّر من نشاطات إيرانية مشبوهة

ويضيف ولد سالم لـ "حفريات"، أنّ واحات النخيل في منطقة (آدرار) تمتد على مساحة تقدر بــ 1876 هكتاراً، أي ما يشكل نصف مساحة واحات النخيل في البلاد، بينما يقدر عدد واحات النخيل بنحو 53 واحة موزعة على مدن (أطار، شنقيط،  وادان، أوجفت)، ويتجاوز إنتاجها السنوي 17 ألف طن.

وتعتبر ولاية (آدرار)، منطقة سياحية وقبلة للسواح من أوروبا، وبعض البلدان الأخرى، نظراً لجمال جبالها وسهولها وجوها الصحراوي ومناظرها الطبيعية الخلابة.

واحات النخيل في منطقة (آدرار) تمتد على مساحة تقدر بــ 1876 هكتاراً

مهرجانات وسهرات لإحياء "الكيطنة"

يعيش الموريتانيون خلال موسم "الكيطنة"، أجواء الثقافة والفن، رغم الانشغال في جمع التمور، وتخزينها لقابل الأيام، إلا أنّ الطبيعة البدوية للمجتمع فرضت على العائلات إحياء التراث القديم، والتمسك بالعادات والتقاليد في كل المناسبات التي يتجمع فيها المواطنون.

وتنظم وزارة الثقافة الموريتانية منذ سنوات مهرجان "الكيطنة" السنوي، الذي يسعى إلى تسليط الضوء على أنماط الفنون والتراث المرتبط بواحات النخيل، عبر معارض التمور وسهرات فنية وموسيقية.

اقرأ أيضاً: سلفيو موريتانيا يتحالفون مع الناصريين رغم التناقضات الفكرية والسياسية

وتسعى المهرجانات السنوية والسهرات الفنية التي تنظمها العائلات خلال موسم "الكيطنة"، إلى التعريف بتراث الواحات وإحياء الفنون والتقاليد المرتبطة به، حيث تتخلل المهرجانات  دعوات لحماية واحات النخيل من الجفاف والتصحّر، ودعم المزارعين بتوفير مصانع تعليب وتصدير منتجاتهم.

وكانت الحكومة قد عمدت إلى زيادة عدد النخيل بنسبة 5.2% وتسييج 35 واحة على مساحة 5145 هكتاراً، بالإضافة إلى توفير مياه الري وإنشاء السدود.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية