مهرجان القاهرة لموسيقى الجاز يتحدى الظروف الصعبة

مهرجان القاهرة لموسيقى الجاز يتحدى الظروف الصعبة

مهرجان القاهرة لموسيقى الجاز يتحدى الظروف الصعبة


31/10/2023

في العام 2009، بعد أن قام الموسيقي المصري (عمرو صلاح) مع فرقته بجولة فنية في أمريكا وأوروبا، أثار غيرته وجود مهرجانات قوية للاحتفاء بموسيقى الجاز، وغياب مثل تلك المهرجانات في مصر. وفور عودته إلى القاهرة اجتمع بعدد من الموسيقيين المصريين المهتمين بهذا النوع من الموسيقى؛ منهم: فتحي سلامة، ويحيى خليل، واقترح عليهم تنظيم مهرجان لموسيقى الجاز في مصر، وقد لاقى الاقتراح قبولاً، حتى أنّ الدورة الأولى أقيمت لمدة (5) أيام بساقية الصاوي في الزمالك. وشارك في تلك الدورة عدد من الفرق المصرية، ولاقت نجاحاً جماهيرياً غير متوقع، ممّا لفت انتباه عدد من السفارات الأجنبية التي قدمت دعماً للدورة الثانية في العام اللاحق، وشارك فيها عدد من الفرق المصرية، وكذلك فرق أجنبية من (10) دول مختلفة؛ منها: ألمانيا، وبلغايا، والولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وحتى في عام 2011 بعد ثورة كانون الثاني (يناير)، أقيمت الدورة الثالثة لمهرجان الجاز في العام نفسه بحضور دولي كبير. 

تحديات تواجه مهرجان القاهرة للجاز

يقول (عمرو صلاح) مؤسس ومدير مهرجان الجاز، في تصريحات خصّ بها (حفريات): أنا لاعب بيانو مولع بموسيقى الجاز، لذا قمت بتأسيس المهرجان، شجعني على ذلك حماس الفنانين المصريين، فكان اعتماد مهرجان الجاز الأكبر على عائد شباك التذاكر، والجهود الذاتية للفرق المشاركة بالمهرجان، وذلك قبل الدعم البسيط الذي قدمته عدة سفارات أجنبية بمصر، حتى قمنا بلفت انتباه الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح يدعمنا بشكل مباشر.

ويضيف: لم يكن لديّ ما يلزم من خلفية لوجيستية كافية لإدارة مهرجان بهذا الحجم، لكنّه حدث، ولاقى نجاحاً جماهيرياً وإعلامياً وفنياً، رغم كل التحديات التي يواجهها من دعم مادي، أو تصاريح من نقابة المهن الموسيقية، أو حتى نقص الخبرات لدى فريق العمل الصغير المسؤول عن إدارة مهرجان بهذا الحجم! على الرغم من ذلك، نحن مستمرون في المحاولة. كنت أتمنى أن تقدم الدولة الدعم الكافي للثقافة والفنون، فانعزالية الدولة عن الأحداث الثقافية المستقلة، رغم أنّها تنظم على مستوى رسمي دولي يمكن تفاديها، فكل الدول المشاركة بالمهرجان تشارك فيه بدعم وتمثيل مباشر من دولها، على عكس موقفي وأنا أؤسس للمهرجان وأشارك فيه سنوياً كمبادرة فردية من دون هذا النوع المطلوب من الدعم المباشر. 

مدير المهرجان: الثقافة ليست رفاهية، لما تحمله من إمكانية تحقيق تحولات جوهرية، وذلك على المستوى الدولي، والحكومي، وحتى الاستراتيجي

لا شك أنّ العمل الثقافي في مصر يواجه مشكلة، تعود في الأساس إلى غياب استراتيجية حقيقية للوضع الثقافي في مصر، وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ الثقافة ليست رفاهية، لما تحمله من إمكانية تحقيق تحولات جوهرية، وذلك على المستوى الدولي، والحكومي، وحتى الاستراتيجي، فلدينا بالفعل ذخيرة فعالة، وواقع ثقافي ثري لا يتوقف عن التغير والتحول، لكننا نفتقد البوصلة في كيفية استخدامه بالشكل اللائق، بل إنّنا لا نملك حتى الإدراك الصحيح لمدى قوته وتأثيره التي ينبغي استغلالها استغلالاً صحيحاً للاستفادة من إمكانياته لأجيال قادمة.

الدورة الـ (15) للمهرجان

انطلقت الدورة الـ (15) لمهرجان القاهرة للجاز في الفترة من 26 تشرين الأول (أكتوبر) حتى 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023. ويُذكر أنّه كان من المقرر أن تقدّم العروض لهذا العام في عدد من الأماكن؛ منها: مسرح الجيزويت، ومكتبة الإسكندرية، ومدينة المنيا، ومركز التحرير الثقافي  بالجامعة الأمريكية، لكنّ نقابة المهن الموسيقية طلبت من إدارة المهرجان التعهد بإقامة العروض في مركز التحرير الثقافي، كما صرح مدير المهرجان لـ (حفريات)، وقد أدى هذا التراجع في البرنامج إلى نوع من الإحباط لدى الفنانين، الذين توقعوا إقامة عروضهم في أماكن متنوعة، وكذلك للجهات الداعمة مثل الاتحاد الأوروبي، واتحاد المعاهد الثقافية الأوروبية، وعدد من السفارات الأجنبية، والمراكز الثقافية بمصر. لكن رغم التضييق الواضح؛ يقام المهرجان بمشاركة فنانين من (14) دولة مختلفة؛ منها: مصر، وأستراليا، والنمسا، وبلجيكا، وليتوانيا، وأسبانيا، وسويسرا. وسيتضمن برنامج هذا العام فعاليات متعددة؛ منها العروض والحفلات الموسيقية الحية، وورش العمل، وبرنامج الجاز للأطفال (جازينينو)، وعروض أفلام وثائقية، وحلقات العزف الجماعي، ومناقشات حوارية ومعرض فوتوغرافي.

فعاليات تميز هذه الدورة

الفيلم الوثائقي ( كايرو جاز مان) يروي القصة الشيقة لمهرجان القاهرة للجاز، وإنجاز مؤسسه عمرو صلاح، حيث يرسم الفيلم الوثائقي، الموسيقي، والسياسي في الوقت نفسه؛ صورة للمناخ العام في العاصمة المصرية، الفيلم للمخرج الألماني التونسي (عاطف بو زيد)، وعرض يوم 28 تشرين الأول (أكتوبر) في معهد جوتة، وأعقبه نقاش مع المخرجة (هالة جلال).

ومن العروض المميزة، عرض موسيقي لمجموعة شادي القصير، وهو عازف ساكسفون ومؤلف مصري. بدأ رحلته الموسيقية عندما كان عمره (23) عاماً. في العام 2015 جمع أشهر الموسيقيين في القاهرة؛ لتشكيل مجموعة شادي القصير، لتقدم مؤلفات شادي من الجاز الحديث والموسيقى الإثنية، لتتجاوز الحدود الجغرافية، وتقرب المسافات الثقافية بين البشر من خلال أعمال موسيقية أصلية متميزة.

هناك أيضاً فرقة (ثلاثي بيدرو نيفيس) ويصفها الموسيقي، عازف البيانو وملحن الجاز البرتغالي المبدع (بيدرو)، بأنّها بعض من أجمل وأرقى موسيقى الجاز التي نمت في البرتغال، مؤكدين موهبته الطبيعية في التأليف، والمزج السلس بين مختلف الإيقاعات والمناظر الصوتية المستمدة من ثقافته الموسيقية الواسعة، وهو معروف بإنتاجه المميز، بالإضافة إلى مساهماته في أعمال عدد من زملائه الموسيقيين. حصل ألبومه الأول 'Ausente' على استحسان كبير في البرتغال ورشح كأحد ألبومات العام، وهو واحد من (13) ألبوماً يجب امتلاكها، بحسب المهتمين.

وأخيراً وليس آخراً، تأتي عروض مجموعة طارق رؤوف، وهي تضم (4) من أفضل عازفي الآلات النحاسية مع الإيقاع والبيانو والكونتراباص، تقدّم مجموعة عازف الترومبيت طارق رؤوف لوناً جديداً، مثيراً للاهتمام في المشهد الموسيقي المصري؛ من خلال مؤلفاته الأصلية جنباً إلى جنب مع توزيعاته الخاصة لمؤلفات كبار مؤلفي الجاز؛ أمثال: ديزي جيليسبي وودي شو، في إطار موسيقى الجاز اللاتينية، والبلوز، السوينج والجاز العربي. وهذا هو أحد الأسباب الأساسية التي تجعل فرقة طارق رؤوف تستحق الترحيب الحار.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية