من هو ألكسندر دوغين؟ وكيف أثر في عقلية بوتين؟

من هو ألكسندر دوغين؟ وكيف أثر في عقلية بوتين؟


21/03/2022

في سياق الحديث عن الحرب الدائرة في أوكرانيا، لا بدّ من التطرّق لبعض المؤثرين وصنّاع القرار في روسيا، الذين كانوا الدافع الحقيقي لهذا التحرك العسكري وفقاً للمصالح الاستراتيجية، أو الطموحات التي تعززها أفكار ومبادئ تعتبر تركة قديمة، تعود إلى الاتحاد السوفييتي.

لكنّ اللافت هنا أنّ الحديث ليس عن رئيس دولة أو حكومة أو زعيم حزب أو قائد عسكري أو أمير حرب، كما هو متعارف عليه، بل عن مفكّر سياسي، ومُنظّر استراتيجي، وفيلسوف، ذاع صيته بالتزامن مع الحرب الروسية على أوكرانيا، زعم أنّ الرئيس فلاديمير بوتين يحتكم إلى نظرياته التوسعيه، وأنّه بأفكاره يُعدّ شريكاً إيديولوجياً في حكم روسيا.

اقرأ أيضاً: العقوبات الغربية على موسكو.. لماذا فشلت بعض الشركات العالمية في مغادرة روسيا؟

المفكر والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، في تصريح صحفي مع شبكة "الجزيرة"، لم ينكر تأثيره ونفوذه القوي على الرئيس الروسي، لافتاً إلى أنّ تصوراته تلتقي مع تصورات بوتين، خاصة حول القضايا الجيوسياسية، فهو "ينظّر، وبوتين يطبق" على أرض الواقع.

دوغين: نحن نريد أن يكون بوتين ضمن قائمة الزعماء العظام

وقد وصف العمليات العسكرية الدائرة في أوكرانيا منذ أكثر من (3) أسابيع بأنّها "ليست حرباً ضد الشعب الأوكراني ولا الدولة، ولكنّها حرب ضد الدمى الغربية التي تحاول السيطرة على العالم، وضد النازيين الجدد الذين انقلبوا على إرادة الشعب الأوكراني في 2014".

وقال دوغين في المقابلة ذاتها أول من أمس: أنا وطني، وأدعم بوتين، والعملية العسكرية كانت ضرورية للغاية لوقف الهجوم الذي أعِدّ سابقاً لاستهداف إقليم دونباس وشبه جزيرة القرم".

  الفيلسوف الروسي يستبعد أن تكون لهذه الحرب تداعيات استراتيجية سلبية على روسيا

وأضاف دوغين أنّ "الحرب الاستباقية التي اعتمدها الرئيس بوتين كانت انتقائية، واستهدفت المجموعات المتطرفة التي يسيطر عليها الغرب، والتي تراهن على اقتلاع أوكرانيا من الخريطة الروسية".

واستبعد الفيلسوف الروسي أن تكون لهذه الحرب تداعيات استراتيجية سلبية على روسيا، مؤكداً أنّه "بعد انتصار روسيا ستنتهي الأحادية القطبية، وسيكون العالم أحسن ممّا كان عليه قبل الحرب".

اقرأ أيضاً: زيارة وزير خارجية إيران لموسكو... هل تثمر عن تفاهمات حول مفاوضات فيينا؟

وانتقد دوغين المقولة التي يذهب أصحابها إلى أنّ أوكرانيا تُشكّل "مستنقعاً جديّاً لاستنزاف روسيا"، مشدداً على أنّ "ما يصوّره العولميون على أنّه فخ لروسيا أو أفغانستان ثانية أمر غير وارد"، وأنّ "انتصار روسيا المحتوم في هذه الحرب سيخيّب آمال المتربصين بالنصر الروسي".

وقال: "لو كان (الرئيس الأمريكي السابق) دونالد ترامب في الحكم، لما وصلنا إلى الحرب، لأنّه كان واقعياً، ولم يمارس ضغوطاً، ولم يكن يهتم بأوكرانيا أو بتوسّع الناتو".

يمكن اعتبار دوغين من الفلاسفة الملهمين للفكر السياسي في روسيا اليوم

وأضاف أنّ "عالم اليوم بصدد حرب أفكار، وروسيا تقاتل باسم الشعوب الأوروبية والإسلامية ضد النظام الليبرالي الغربي، إلى أن تتمكن من تقرير مصيرها".

 

اقرأ أيضاً: هل تشارك أنقرة في العقوبات ضدّ موسكو؟.. وزير الخارجية التركي يجيب

وحول ما أثير عن إمكانية هزيمة روسيا في الحرب، قال الفيلسوف الروسي: "غالبية الروس لا يفكرون بهذه النتيجة، لأنّها مُحال، والعملية العسكرية الدائرة في أوكرانيا مسألة وجودية تختزل المصير الروسي كلياً".

وأضاف: "احتمال الهزيمة غير وارد، وإن حدث، فإنّه سيشكّل نهاية بوتين ونهاية روسيا، لأنّنا غامرنا بكل شيء، لذلك يجب الإصغاء جيداً لتصريحات بوتين بشأن إمكانية استعمال السلاح النووي"، وتابع: "إمّا أن تنتصر روسيا، وإمّا أن يزول العالم عبر السلاح النووي".

 دوغين: بعد انتصار روسيا ستنتهي الأحادية القطبية وسيكون العالم أحسن وإلا سيزول العالم عبر السلاح النووي

وخلص الفيلسوف الروسي إلى أنّه "ليس هناك إمكانية للحلول الوسط في هذه الحرب، فروسيا إمّا أن تنتصر، وإمّا أن تزول، ومن دونها ليست هناك بشرية، وإذا أرادت أي دولة أن تعيش بسلام على هذه الأرض، فيجب عليها أن تقبل بوجود روسيا العظيمة ذات السياسة المستقلة".

واستبعد دوغين أن يكون النموذج الروسي بديلاً للنموذج الليبرالي، مشيراً إلى أنّ كل ما يريده قادة روسيا هو "منع النموذج الغربي من الوصول إلى ديارنا، ومنح الشعوب الأوروبية والإسلامية فرصة الاختيار بعيداً على الهيمنة والضغوط".

 

اقرأ أيضاً: وزير خارجية إيران يتوجه لموسكو... هذه أجندة مشاوراته

وقال: إنّ هناك دولاً عظمى تقتسم الرؤية الروسية بشأن هذه الحرب ونتائجها الجيواستراتيجة على العالم، منها الصين والهند.

وانتقد دوغين العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا، مشدداً على أنّها لن تؤثر على مستقبل روسيا، بقدر ما ستؤثر على الدول التي فرضتها، واعتبرها "عقوبات صحية للاقتصاد الروسي، حتى يعاد بناؤه داخلياً بعدما كان يعتمد في جزئيات كبيرة على الصادرات نحو الغرب".

دوغين أخذ بالاعتبار معالم النظرية السياسية الرابعة، نظرية الثورة وتصفية الاستعمار، وعارض النظرية الليبرالية ثم الشيوعية

وعن علاقته الشخصية بالرئيس الروسي بوتين، أوضح دوغين أنّ هناك تشابهاً بينهما، "يقوم على الاهتمام المشترك بقدر روسيا وحضاراتها ومصيرها"، مضيفاً: "لأنّ بوتين جعل روسيا أكبر من الليبراليين الغربيين، فإنّ السواد الأعظم من الشعب الروسي يدعمون العملية العسكرية التي قادها في أوكرانيا، رغم معارضة الأقلية".

 إنّ هناك دولاً عظمى تقتسم الرؤية الروسية بشأن هذه الحرب ونتائجها الجيواستراتيجة على العالم، منها الصين والهند

وتابع: "ما لا يعرفه الغرب هو أنّ بوتين يوجد في موقع الملك أو الإمبراطور بالنسبة إلى الروس، ليس لأنّه يريد ذلك، بل لأنّه ملك بطبيعته، ونحن نريده أن يكون ضمن قائمة الزعماء العظام لروسيا، وقائداً للملكية الشعبية، وتجلياً قوياً لروح الدولة الروسية".

ما هي أهم نظريات دوغين؟

تصريحات دوغين الأخيرة تكشف طبيعة أفكاره التي انتشرت بين النخبة الروسية في منتصف التسعينيات، وخاصة في الأوساط العسكرية وجهاز الاستخبارات، فمن هو دوغين؟ وما هي نظرياته؟

ألكسندر دوغين أحد أهمّ الفلاسفة في مجال علم الجغرافيا السياسية أو "الجيبولتيكا"، وقد ألّف ما يزيد على (60) كتاباً، أهمّها نشر عام 1999 كتاب (أسس الجيبولتيكا ـ مستقبل روسيا الجيبولتيكي)، والذي يعتمد عليه بوتين في سياسته الخارجية، ومن أهمّ الأسس التي طرحها دوغين في كتابه أنّ الصراع اليوم بين روسيا وأمريكا هو صراع "جيبولتيكي"، وليس كما كان بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة "الصراع الإيديولوجي"، والصراع الحالي هو حتمي، بمعنى أنّه لا ينتهي إلّا بتدمير أو هزيمة أحد الطرفين للطرف الآخر، وهذا يعني أنّ وصول حلف الناتو إلى أوكرانيا وإغلاقه منفذ البحر الأسود بوجه موسكو يعني نهاية روسيا كدولة عظمى.

   ما لا يعرفه الغرب أنّ بوتين يوجد في موقع الملك أو الإمبراطور لأنّه ملك بطبيعته

ويرى دوغين في تفسيره لمعنى الصراع الجيبولتيكي أنّه صراع بين اليابسة والبحر، وروسيا أسيرة اليابسة فيما أمريكا وبريطانيا والدول الغربية تحتل البحر وتتمتع بمزاياه في الحركة والحيوية اللوجستية، ولذا كانت روسيا دائماً تهدف للوصول إلى "المياه الدافئة" لتتحرر من ديكتاتورية اليابسة أو قدرية الجغرافيا، ويُشخّص الصراع الحالي بين موسكو وواشنطن بالصراع بين "التيلولوقراطية، أي القوى البرية، من جهة والتلاسقراطيا، أي القوى البحرية".

 

اقرأ أيضاً: حظر واردات النفط الروسي: هل تجر واشنطن أوروبا لمواجهة أخرى مع موسكو؟

ويرى دوغين أيضاً أنّ المشروع الاستراتيجي لروسيا يجب أن يكون بناء "الإمبراطورية الأوروآسيوية"، وأن تكون هويتها وطنية "روسية فوق العرق والقومية"، دولة محافظة تنبذ الليبرالية، وتحترم الموروث الديني والاجتماعي والثقافي للشعوب المنضوية تحت رايتها.

 بوتين يعتنق رؤية دوغين للنظرية السياسية الرابعة نظرية تؤكد حق الجميع في الحياة والشراكة

ويعتقد دوغين، وفق مقالة نشرها المحلل السياسي رجا طلب اليوم في صحيفة "الرأي" الأردنية، أنّه بعد أكثر من عقد على صدور كتابه المشار إليه أنّ هناك مدرسة تكوّنت في روسيا اسمها "البوتينية"، مؤمنة ببوتين وبمبادئه وتطبقها.

دوغين لم ينكر تأثيره ونفوذه القوي على بوتين وأنّ تصوراتهما تلتقيان خاصة حول القضايا الجيوسياسية

في العودة إلى مجريات الأحداث وإسقاط "عقل دوغين عليها"، فإنّ منع أوكرانيا من التحول إلى حليف لواشنطن هي مسألة حياة أو موت، وبالتالي ضرورة حياديتها، إن لم يكن هناك إمكانية لتبعيتها لروسيا، أمّا السيطرة على شبه جزيرة القرم، فهي ضرورة استراتيجية لمنع خنق روسيا وحرمانها من البحر.

من يقرأ كذلك كتابات الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، لا بدّ أن يأخذ بعين الاعتبار معالم النظرية السياسية الرابعة، نظرية الثورة وتصفية الاستعمار، نظرية في أبعادها الـ(3): الجيوسياسي والأمني والاقتصادي، ضد النظريات الغربية.

   دوغين ألّف (60) كتاباً أهمها كتاب (أسس الجيبولتيكا) الذي يعتمد عليه بوتين في سياسته الخارجية

عارض دوغين من قبل (3) نظريات رئيسة ملأت الأجواء في القرن الـ20: النظرية الليبرالية، ثم النظرية الشيوعية، وصولأ إلى النظرية الفاشية.

 

اقرأ أيضاً: باحث من موسكو لـ "حفريات": احتمالات الحرب في أوكرانيا كارثية

من خلال متابعة توجهات بوتين خلال (20) عاماً، و(4) فترات رئاسية، اعتبر بوتين أنّ روسيا تصلح ممثلاً للسلام العالمي، من خلال اعتناق رؤية دوغين للنظرية السياسية الرابعة، تلك التي تُقدّم نموذجاً جديداً خارجاً عن الشيوعية والليبرالية والفاشية، نظرية تقول بحق الجميع في الحياة والشراكة، لفرد كان أو لطبقة، لأيّ صاحب عرق أو دين، هي نظرية تسعى إلى حماية الوجود من التصرفات المؤدلجة التي نعيشها في المجتمعات التي تشبه المسرحيات، والتي تتكشف من حولنا، بعدما فقدت مقدرتها على الخداع مجدداً، وفق ما نقلت الإندبندت بالعربية.

طموح دوغين يلتقي مع رغبة العودة بروسيا إلى منبعها الأصلي وتاريخها: روسيا عظمى وقيصر جديد بمرآة العصر

 إنّها ملامح روسيا الأوراسية، طموح دوغين يلتقي ورغبة السياسيين في العودة بروسيا إلى منبعها الأصلي وتاريخها البعيد والقريب، روسيا العظمى التي تضم الأطراف المجاورة.

يرغب الفيلسوف دوغين في العودة إلى الماضي، نحو القيم الأصلية، يرغب في قيصر جديد بمرآة العصر، فالقيم الغربية الليبرالية لا علاقة لها بالثقافة الروسية، ولا بالثقافة الكونفوشوسية الصينية أو الإسلامية، هكذا يقرّ الفيلسوف بتعدد الحضارات والثقافات، ويرغب في التعايش والتجاور.

ولد دوغين في موسكو عام 1962

ويمكن اعتبار دوغين من الفلاسفة الملهمين للفكر السياسي في روسيا اليوم، ويمكن اعتبار هذا الالتقاء إعادة النظر في الجغرافية السياسية، وتشكيل عالم متعدد الأقطاب بإرادة الحضارات على أساس الاحترام والتنافس، ومن الخطوات الأولى مجابهة المشروع الغربي الراغب في احتواء روسيا والصين، وذلك من خلال بعث روح القومية الروسية. الفيلسوف يقترح وينظّر، والسياسي يطبق ويصدر الأوامر، ولا ندري تبعات الحرب ونهايتها، ندرك الخراب والتدمير للحضارة والإنسان معاً، ونعي ذلك التناقض الدائم بين الحكمة والقوة.

فيلسوف بنفوذ سياسي

وقد ولد دوغين في موسكو عام 1962، لوالد جنرال في دائرة الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان العامة بالاتحاد السوفييتي السابق، ووالدة تعمل طبيبة.

ترك والده الأسرة عندما كان في الثالثة من عمره، لكنّه حرص على منحه مستوى معيشياً جيداً، وساعده على الخروج من المشاكل مع السلطات في بعض الأحيان.

في عام 1979 التحق ألكسندر بمعهد موسكو للطيران، لكنّه قرر ترك دراسة الطيران والالتحاق بكلية الفلسفة، ليتخرج بماجستير بالفلسفة، قبل أن يحصل على شهادتي دكتوراه؛ إحداهما في علم الاجتماع، والأخرى في العلوم السياسية، بحسب رواية سيرته للكاتب الروسي يفغيني دياكونوف.

    يرى دوغين أنّ المشروع الاستراتيجي لروسيا يجب أن يكون بناء "الإمبراطورية الأوروآسيوية"

مبكراً وفي أعوام تفكيك الاتحاد السوفييتي، نشط دوغين ضد ما رأى أنّه توتاليتارية وسلطوية، ومن ثم شارك في الانتفاضة الشعبية التي أدّت إلى إسقاط يلتسين.

ويحظى دوغين بنفوذ سياسي قوي داخل أروقة الكرملين والدوما وفي المستوى الأكاديمي، ويُعتبر من أبرز المنظّرين عن فكرة "القومية الروسية"، وفق ما نقلت شبكة "تي آر تي" التركية.

وعمل أيضاً في منصب مستشار رئيس مجلس الدوما غينادي سيليزنيوف، وهو اليوم عضو فاعل في حزب "روسيا الموحّدة" الحاكم، ومؤسّس الجبهة القومية البلشفية وحزب أوراسيا الروسي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية