مناورة إخوان الجزائر في تونس ... اعتداء والتفاف وتعمية

مناورة إخوان الجزائر في تونس ... اعتداء والتفاف وتعمية

مناورة إخوان الجزائر في تونس ... اعتداء والتفاف وتعمية


24/04/2023

ارتضى إخوان الجزائر تحريك مناورة جديدة في تونس إثر اعتقال الرمز الإخواني راشد الغنوشي، وشكّل هذا الإنزال في ملعب الجارة الشرقية للجزائر، طعنة للمبادئ الأساسية للدبلوماسية الجزائرية، كما أنّ هذا الانزلاق الإخواني الجديد ينطوي على خلفيات مؤثثة بالالتفاف والتعمية.

إذا كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ظلّ يشدّد على أنّ "هناك مؤامرة تحاك ضد تونس، والجزائر تدعم الرئيس قيس سعيد باعتباره رمزاً انتخبه الشعب ولم يوضع في المنصب بالقوة، وعليه فالجزائر لن تتخلّ عن تونس أحب من أحب وكره من كره"، إلاّ أنّ فلول الإخوان في الجزائر يعاكسون هذا التوجّه.

في هذا الشأن، أهال "عبد العالي حساني شريف" رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر واجهة محلية للإخوان)، كثيراً من السوداوية على الوضع في تونس، حيث راح يتحدث عن "أزمة سياسية" هناك، مثلما وصف إيقاف الغنوشي بـ "الاعتداء الصارخ الذي يأتي ضمن حلقة من حلقات إعادة تونس إلى نفق الأحادية وتعزيز الحكم المتفرد والاعتداء على الحريات".

القفز على التشظي

بدل الاهتمام بالانقسام العميق في صفوف إخوان الجزائر إلى أربع زُمر، وحالة التشظي التي أفرزها "تخييط" المؤتمر الأخير لحركة مجتمع السلم، فضّل "حساني شريف" حشر أنف فصيله في الشأن الداخلي التونسي، وإطلاق مزاعم من قبيل "اتجاه تونس إلى حكم الفرد وتغييب المؤسسات الديمقراطية والشرعية المنتخبة".

وكعادة إخوان الجزائر، لم يتورع خليفة "عبد الرزاق مقري في تحذير الرئيس قيس سعيد، مما سماه "الدخول في نفق الصراعات والاضطرابات وحالة عدم الاستقرار السياسي والتردي الاقتصادي، التي لن تؤثر على تونس فحسب بل على دول الجوار والمنطقة ككل".

يعتبر التصعيد الكلامي لإخوان الجزائر حول الوضع في تونس، بمثابة ضربة للخط الرسمي للدبلوماسية الجزائرية التي ترى في تونس أهم دولة للجزائر في المغرب العربي

اللافت، أنّ "عبد الرزاق مقري" الذي ظلّ لعقد على رأس إخوان الجزائر، ضرب الخط الرسمي لدبلوماسية الرئيس تبون في الصميم، إذ لم يتحرج من كتابة تغريدة على صفحته الرسمية بمنصة (فيسبوك) ضمّنها اتهامات خطيرة من قبيل: "النظام التونسي الحالي يُخفي فشله في خدمة الأشقاء التوانسة في معيشتهم وضمان كرامتهم ومنحهم حريتهم بإشعال نيران الفتنة في كل اتجاه"، وذهابه إلى أنّ "حلفاء قيس سعيد ليسوا أصدقاء للجزائر بل مُناهم إضعاف بلدنا وضرب استقراره".

"مقري" الذي تطارده انتقادات الخصوم بـ "إجهاض أي تحول ديمقراطي في بيت الإخوان"، دفعته "حميّة الغنوشي" للقول: "لا يمثل هؤلاء الظالمون أي رهان مستقبلي فهم أعجز على الثبات أمام التحولات المحلية والإقليمية والدولية القادمة، وإنما يساهمون في إغراق الأمة العربية والإسلامية في ضعفها وتخلفها خدمة لأجندات خارجية عربية وأجنبية معادية للإسلام والمسلمين".

عبد الرزاق مقري

ضرب الخط الرسمي

يعتبر التصعيد الكلامي لإخوان الجزائر حول الوضع في تونس، بمثابة ضربة للخط الرسمي للدبلوماسية الجزائرية التي ترى في تونس أهم دولة للجزائر في المغرب العربي، وأكّدت الجزائر عبر مسؤوليها المتعاقبين "قدرة الشعب التونسي على حلّ مشاكله بنفسه".

وتقوم رؤية الدبلوماسية الجزائرية للعلاقات مع تونس، على أبعاد استراتيجية وأمنية واقتصادية، لذا شدّد الرئيس تبون في أكثر من تصريح إعلامي، على أنّ "أمن الجزائر وتونس واحد"، وظلّت الدبلوماسية الجزائرية تحثّ على تكثيف الجهود وتوحيد الصفوف ضدّ محاولات الاختراق والفتنة والتفرقة.

وتحرص الجزائر وتونس على تحصين الحدود المشتركة وإحباط حركة تهريب السلاح ومجموعات الإرهاب، فضلاً عن تنمية المدن الحدودية التي تحوّلت إلى معاقل للدمويين ومجموعات الإجرام المنظم.

عاصفة ردود

عجّت منصات التواصل الاجتماعي بعاصفة من الردود المستهجنة لتصريحات إخوان الجزائر، وقال "عدّة": "الإخوانيون كغيرهم من واجهات الإسلام السياسي تجاوزتهم الأحداث من خلال وعي الشعب وتفاعله مع الأحداث التي أصبح يتابعها كل لحظة عبر وسائل الاعلام المختلفة وبالخصوص الوسائط الاجتماعية".

وتابع: "ليسوا في مستوى الحدث ويعانون من الإرباك الداخلي، ولم يستطيعوا الاجتماع في كتلة واحدة رغم تشدقهم بحكاية القواسم المشتركة، وبالتالي تراجع حجمهم وحضورهم، ويريدون التعمية على ذلك بشنّ هجمات دونكيشوتية هنا وهناك".

يرى متابعون أنّ القطاع العريض من الجماهير الجزائرية لا تثق في الإخوان، بسبب الأخطاء الكثيرة الناجمة عن تعاطيها السياسي والرسمي خلال العشريتين الأخيرتين

ولاحظ "مصعب" أنّ تصريحات الإخوان شبيهة بما طرحه نظراؤهم الإسلاميون المتشددون قبل أزيد من ثلاثة عقود، وأحال ساخراً على تصريح "عباسي مدني" رئيس ما كان يسمى "جبهة الإنقاذ الإسلامية" عام 1991: "ألاّ تتذكرون تلك الفقرة الموسيقية لعباسي: إن قالوا انتخابات، انتخبنا وإن قالوا لا، جاهدنا... قولوا لن تحصدوا إلا ما زرعتم"، واستطرد: "الأهمّ الغنوشي في السجن والتوانسة في أمان، والله المستعان".

ودعا إبراهيم كلاً من مقري وحساني شريف إلى "الاهتمام بمشاكلهما وبلدهما"، مؤكداً: "ما يحدث عندنا شأن تونسي فقط"، كما طالب "رشيد" إخوان الجزائر وتونس إلى "الانسحاب من المشهد السياسي لأنهم فشلوا".

وتابع وسيم: "تونس دولة لها سيادة ولها رئيس جمهورية مدعوم من الشعب وله ثقة الجميع، فكفى يا إخوان الجزائر تدخلاً في الشأن الداخلي للبلاد".

هروب إلى الأمام

علّق مغردون أنّ المغامرة التي يجترّها إخوان الجزائر هي "محض هروب إلى الأمام"، وأوعز "يحيى": "ما حدث في المؤتمر الأخير لحركة مجتمع السلم زاد من شروخ الإخوان الذين قد يتفتتون أكثر في القادم، وكان الأجدى لو خاضوا في انحرافات وزرائهم القدماء والجدد، بدل إطلاق النار على عربات الإسعاف".

عبدالعالي حساني شريف

وانتقد "جمال": "جنوح الإخوان إلى "الاستوزار الظرفي" والتواجد الشكلي في "الحكومات" دون تقديم برامج حقيقية، ما يفسّر استمرار سيرهم إلى التراجعات والتشرذم".

ويشير "إلياس" باستغراب إلى "حديث الإخوانيين على امتلاكهم القدرة لتجسيد التغيير"، و"تسويقهم لـ "قوة واتساع قواعدهم النضالية"، ويضيف: "واقع الأمر يثبت غير ذلك، ما يفسّر التشتّت والاختلالات التي أبقتهم حزبًا ضعيفًا.

ويرى متابعون أنّ القطاع العريض من الجماهير الجزائرية لا تثق في الإخوان، بسبب الأخطاء الكثيرة الناجمة عن تعاطيها السياسي والرسمي خلال العشريتين الأخيرتين، بعدما ظلوا يروّجون لخطاب الانتصار الوهمي الذي أنتجه قادتهم وروّجوه مطوّلاً، رغم النتائج الكارثية التي حققها ممثلوهم في الحكومات المتعاقبة، حيث تأكّد للناس أنّ حضورهم كان "مجرد ديكور ولأهداف شخصية، ولا علاقة لها بالبرامج الحكومية والطموحات الشعبية".

وتسجّل "نائلة" أنّ "إخوان الجزائر يعانون من تراجع المستويات القيادية، والابتعاد عن الهم الاجتماعي، الأمر الذي نتج عنه شحوباً وتفككاً بين الجانبين، سيما مع انفصالهم عن عموم الطبقات الاجتماعية الضعيفة، وانحيازها إلى الطبقة المرفّهة اجتماعياً، وسط فضائح كشفت محاكمات الفساد بعضاً من تفاصيلها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية