منافسو جحا: لماذا انضم المشاهير إلى جمعيات الحمير؟

الحمير

منافسو جحا: لماذا انضم المشاهير إلى جمعيات الحمير؟


24/12/2019

هل فكّر الإنسان مليّاً لماذا أهان الكثير من المخلوقات التي وقفت إلى جانبه، خصوصاً الحمير، التي صعدت معه الجبال الوعرة، وهبطت به الوديان السحيقة على امتداد التاريخ، وتحمّلت الجهد عنه، فأسهمت في حراثة أرضه، أو نقلته من مكانٍ إلى آخر طوال قرون، كما خُلّدت إلى جانبه في القصص والروايات والنوادر، وأنقذت حياته في العديد من المرات؟

اقرأ أيضاً: الحمير في العالم مُهدّدة بالانقراض.. لماذا؟‎
ويمتدّ تاريخ استئناس الحمير إلى 3000 قبل الميلاد، وربما لم يعاملها الإنسان بهذه الدونية إلا حين تطورت الصناعة فاستغنى عنها، وقد كان قبل ذلك يؤسس لها الجمعيات والنقابات، التي انضمّ إليها كثير من الأدباء والمشاهير حول العالم.

الحمار الذهبي
تعود أقدم قطعة أثرية أحفورية وجدت لأجداد الحمار "قبل 3 ملايين عام، أما الأسلاف المباشرون له، فقد عثِر على أحافير تخصّهم، منذ 700 ألف عام على الأقل"، وفق موسوعة العالم الإيطالي أزارولي، عام 1992، ضمن كتابه "التاريخ الأركيولوجي لتطور أجداد الحمار".

انضمّ أدباء وفنانون كعباس العقاد ونادية لطفي إلى جمعية للحمير تأسست في مصر عام 1932 كرمز لمقاومة الاحتلال الإنجليزي

أيضاً، وجدت أول الأشكال المرسومة التي تمثل الحمير في مقابر بنيت خلال الحقبة الفرعونية الأولى؛ أي الفترة الرعوية من حضارة الفراعنة؛ إذ أعيد نشر تلك الرسوم في 2008، على الموقع الرسمي لـ "Fox News".
وعدا عن وجود الحمير في أفريقيا؛ فإنّها وجدت مبكراً كذلك "في آسيا، وتحديداً في بلاد الشام، ودمشق القديمة، التي عُدت مركزاً لتكاثرها، وقد تمّ نقلها لاحقاً إلى أوروبا، ثم انتقلت في فترةٍ متأخرةٍ إلى الأمريكيتين، من خلال رحلات كريستوفر كولومبوس"، بحسب المصدر ذاته.

اهتم الفراعنة وملوكهم بالحمير وقدراتها الكبيرة والمفيدة

وقد وجدت الحمير في التاريخ القديم، كحيوانات مسالمة ترافق الرعاة، ويمكن لها حمل الأحمال الثقيلة، وكذلك نقل الإنسان من مكانٍ إلى آخر، لكن أهمّ ما يميزها، قدرتها على صعود أو هبوط التضاريس الوعرة من الجبال أو التلال والوديان، حتى إنّها تستطيع تمييز الطريق وحفظها، وتميز الطريق الخطيرة من الآمنة، وأيضاً "يمكن لها أن تختار خطواتها بعناية، حتى إنّها تستطيع المشي على ثلاث أرجل مثلاً في بعض المسالك الوعرة الخطيرة، حتى تتمكن من تجاوزها ودرء الخطر عن نفسها، أو عما تحمله". وفق كتاب "الحمار" للباحث المصري نور القفطي.

أول رواية عرفها التاريخ كتبت عام 124 قبل الميلاد، وألّفها الروماني الأمازيغي أبيوليوس كان بطلها حماراً مسحوراً

ويذكر القفطي أنّ للحمار ذِكراً في الديانات السماوية الثلاث، دليلاً على أهميته، حيث "كان للحمار مع السيّد المسيح موقفان؛ الحمار الذي رحلت عليه مريم العذراء مع ولدها يسوع ويوسف النجار إلى مصر، والحمار الذي ركبه السيد المسيح في رحلته الأخيرة إلى أورشليم، أما اليهود فهم مدينون للحمار الذي ذكر في قصصهم وأساطيرهم، فشمشون الجبار، الذي خرج لقتال الكنعانيين، وفق الأسطورة، وجد في طريقه حماراً ميتاً فأخذ فكّه وقاتل به، أمّا الحمار في الإسلام فقد ذكر في خمس سور من سور القرآن الكريم، أمّا الأحاديث النبوية فقد ذكرت أحاديث كثيرة للرسول محمد ﷺ، وهو يركب الحمار ويستعين به في حركته".

اقرأ أيضاً: كيف أشعلت الحمير أزمة دبلوماسية بين دولتين؟

ويشير الباحث إلى أنّ الحمير ذكرت كثيراً في الأمثال الشعبية، وخلّدها التاريخ في مواقف كثيرة، وقد كانت الموضوع الأساسي في أول رواية عرفها التاريخ؛ إذ لعبت دور البطولة في رواية "الحمار الذهبي"، التي كتبت في 124 قبل الميلاد، وكتبها الروماني الأمازيغي أبيوليوس؛ حيث تقول الرواية إنّ "والدة حبيبته كانت ساحرة، وإنّها كانت تحول بينه وبين حبيبته، فقد سحرته إلى حمار، لكنه كان صبوراً ضدّ كلّ الصعاب من أجل نيل قلب حبيبته"، بحسب الرواية نفسها.

يراها البعض مخلوقات غبية لكنّ تاريخها غني جداً

منافسو جحا
في كتابه "جحا العربي"، الصادر عام 1990، يقول الباحث والكاتب الدكتور محمد رجب النجار، إنّ الحمار شكّل في قصص جحا ونوادره "شخصيةً أساسية لا يمكن إهمالها؛ إذ حمل دلالات ثقافية وسياسية وفكاهية مميزة، طبعت روح التراث والعصر الذي جاءت منه قصص جحا، وأسهمت في السخرية، والتعبير من خلال شخصية الحمار، بتقديم دلالاتٍ قوية وآراء حرة قدر الممكن".

شكلت الحمير موضوعاً لقصص كتّابٍ عالميين ومثقفين كثر مثل الكاتب والشاعر الفرنسي جان دو لا فونتين

وليس بعيداً عن رأي الدكتور رجب؛ فقد حظي الحمار باهتمام الأدباء والرؤساء حتى يومنا هذا، منذ رحلة هانيبال على الألب ونقله أمتعته على الفيلة والحمير في رحلةٍ مستحيلة، امتداداً إلى عبور الأوروبيين جبال أمريكا الجنوبية على ظهور الحمير التي مكنتهم من الوصول وكسب معاركهم، وليس انتهاءً باستخدامها في نقل الأثقال داخل أنفاق حفر المترو حول العالم. وقد أبدى الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك، رغبته الحقيقية في "تولّي رئاسة جمعية الحمير الفرنسية التي تأسست عام 1911، أمّا المملكة المغربية؛ فإنّها تقيم مسابقة لأجمل حمار سنوياً، وتحديداً في قرية بني عمار، وتوجد كذلك جمعية الحمير المصرية التي كان عدد المنخرطين فيها عام 1987، 35 ألف عضو؛ حيث أسّسها الفنان زكي طليمات عام 1932، وانضمّ إليها كثير من الأدباء والفنانين، كعباس العقاد والفنانة نادية لطفي"، وفق ما يقوله القفطي، مؤكداً أنّ جمعية الحمير التي تأسست في مصر، كان هدفها "مقاومة الاحتلال الإنجليزي، وإجراءاته التعسفية ضدّ الكتّاب والمسارح والفنانين".

اقرأ أيضاً: "سارة" عبّاس محمود العقاد: رواية الفتنة والغموض والأسرار
وقد حصل أمر مماثل في سوريا خلال فترة الانتداب الفرنسي؛ حيث نشرت قصص هزلية، عن الانتماء إلى جمعية للحمير؛ إذ تروى قصص على ألسنتها ضدّ الاحتلال ومعاونيه في سوريا، وكان من كتب تلك القصص بالتحديد، وزير المالية السوري آنذاك، جلال زهدي، ونشرت لاحقاً في مجلة "المضحك المبكي"، في العدد 1012 بتاريخ 9 كانون الأول (دسيمبر) عام 1962.
وقد شكلت الحمير موضوعاً لقصص كتّابٍ عالميين ومثقفين كثر أيضاً، مثل الكاتب والشاعر الفرنسي، جان دو لا فونتين، وكذلك وليم شكسبير، وتوفيق الحكيم، وغيرهم، وذلك للسخرية السياسية، أو من أجل تمرير أفكارٍ فلسفية معينة.
اليوم، وفق دراسات، "يتناقص عدد الحمير في العالم، وتضمّ مصر وحدها ما مقداره 1.5 مليون حمار، تحتاج الحفاظ عليها، في مواجهة الطلب المتزايد عالمياً على جلود الحمير، كما في الصين ودولٍ أخرى؛ حيث تستخدم في صنع الجيلاتين، كما أنّ عملية تكاثر الحمير، أخذت تصير أبطأ منذ ما بعد منتصف القرن العشري"، وفق تقريرٍ نشره موقع "ولاد البلد"، في 30 كانون الثاني (يناير) 2019.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية