مكان قناة اسطنبول في ميزان القوى في البحر الأسود

مكان قناة اسطنبول في ميزان القوى في البحر الأسود

مكان قناة اسطنبول في ميزان القوى في البحر الأسود


كاتب ومترجم جزائري
05/10/2022

ترجمة: مدني قصري

لا يزال الوصول إلى البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط ​​هدفاً رئيسياً لروسيا. بصفتها حارس اتفاقية مونترو تحتفظ تركيا بحق المراقبة على ممرات المضائق. يتحدى مشروع قناة اسطنبول هذا التوازن ويهدد المصالح الروسية. وهذا ما تتناوله مقابلة أجراها موقع revueconflits.com مع الخبير الإستراتيجي إيغور ديلانوي لفك رموز سياسة موسكو.

د. إيغور ديلانوي أستاذ في التاريخ من جامعة صوفيا أنتيبوليس الفرنسية، وكاتب أطروحة حول مصالح وطموحات روسيا في البحر الأبيض المتوسط​​، وكذلك عن نشاط الأسطول الروسي في البحر الأسود. وهو نائب مدير فرانكو- المرصد الروسي منذ عام 2015. تركز أبحاثه على قضايا الأمن والدفاع الروسية، والجغرافيا السياسية للبحر الأسود، والمصالح الروسية في البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط، وكذلك الأسطول الحربي الروسي.

هنا تفاصيل المقابلة:

بول لو برون: هل روسيا محقة في الشعور بالتهديد بسبب بناء قناة اسطنبول؟

إيغور ديلانوي: منذ عام ونصف العام صار مشروع " قناة اسطنبول حديث السلطات التركية بشكل ملموس. ومع ذلك لم أسمع حقاً أي تصريحات روسية تشير إلى تصوّرها للتهديد. في ذلك الوقت جرت مكالمة هاتفية بين الرئيسين بوتين وأردوغان، حيث جرى الحديث عن قناة اسطنبول. وأكد الزعيمان تمسكهما باتفاقية مونترو. لذلك لا أشعر أنّ الروس ينظرون إلى موضوع القناة من منظور التهديد.

بحكم الجغرافيا القائمة ولكي تكون القوارب قادرة على الوصول إلى البحر الأسود عبر بحر مرمرة، فليس أمامها خيار آخر سوى المرور بالدردنيل

إيغور ديلانوي: مرجعيتي في الموضوع تأكيد من سيرجي لافروف الذي أشار إلى أهمية اتفاقية مونترو. فإذا لم يكن تهديداً فهو مصدر لعدم الاستقرار. لافروف لم يقدر بالضرورة بناء القناة وقد تساءل عن الغرض من هذه القناة.

سواء تساءل عن الغرض من هذه القناة أو حول استقرار المنطقة لا يعني أنه يعتبرها تهديداً، هذا هو العنصر الأول. أما العنصر الثاني فمن الواضح أنه من الضروري اتباع تصريحات لافروف، ولكن ليست الجهات الفاعلة في السياسة الخارجية الروسية هي الأكثر اتصالاً بالضرورة. يجب أن نستمع منذ الآن إلى أقوال وزارة الدفاع التي توسع ديوانها بشكل كبير، أو إلى أقوال الإدارة الرئاسية التي هي عبارة عن دولة في قلب الدولة. يجب أيضاً مراعاة مالكي السفن أو الشركات المصدّرة للحبوب والبترول من أجل فهم الديناميكيات الأمنية والجيوسياسية في البحر الأسود.

في إحدى مقالاتك استعرضتَ مشروع 2017 الذي يحدد الأهداف البحرية لروسيا، خاصة في البحر الأسود. ماذا عن العلاقات بين روسيا وتركيا اللتين تُعتبران شريكين مهمّين اقتصادياً، وفي الوقت نفسه هما متنافستان جيوسياسياً؟ من خلال بنائها قناة اسطنبول هل سيتعين على تركيا الاختيار بين الناتو وروسيا فيما تسعى دائماً إلى تجسيد توازن القوى في البحر الأسود؟ ألن يؤدي هذا إلى تدهور العلاقات الروسية التركية؟

لا أشعر أنّ تركيا اتخذت خياراً يجعلها تثير عداء روسيا ضدها. أولاً هل سترى هذه القناة النور يوماً؟ الوضع الاقتصادي في تركيا صعب للغاية. فحول المشروع نفسه لا يشعر الروس بالتهديد، لأنه بالنسبة للأتراك تبقى اتفاقية مونترو حجر الزاوية في نظام أمن البحر الأسود. وقد أثبت الصراع الحالي المستعر في أوكرانيا ذلك. لجأت تركيا واستعانت بالمادتين 19 و21 من الاتفاقية لإغلاق المضايق أمام السفن الحربية. وهذا في صالح روسيا، لأنّ هذا الإجراء التركي يمنع ظهور المدمرات الأمريكية، والفرقاطات البريطانية والفرنسية. لذلك أميل إلى اعتبار هذه الاتفاقية نقطة تقارب روسية تركية تتحدث ضد وجود الناتو في البحر الأسود.

منذ عام ونصف العام صار مشروع " قناة اسطنبول حديث السلطات التركية بشكل ملموس

ستظل هذه القناة مقيّدة بالرؤى الأمنية لاتفاقية مونترو التي تغطي أربع مناطق: البوسفور، بحر مرمرة، الدردنيل والبحر الأسود. إنّ إنشاء قناة لربط بحر مرمرة بالبحر الأسود متجاوزةً البوسفور لن يسمح للناتو بتوسيع قوته البحرية في البحر الأسود. فبحكم الجغرافيا القائمة ولكي تكون القوارب قادرة على الوصول إلى البحر الأسود عبر بحر مرمرة، فليس أمامها خيار آخر سوى المرور بالدردنيل. والحال أنّ هذه الأخيرة موضوع أحكام اتفاقية مونترو، لدرجة أنّ السفن الحربية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي ستضطر إلى المرور عبر مضيقٍ خاضع لقيود الملاحة.

في ما يتصل بالملاحة العسكرية ستعمل قناة اسطنبول على تعزيز الظروف الأمنية للسفن الروسية المبحرة في مضيق البوسفور. بعد أن رفعت نشاطها في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط ​أصبح الطلب على البحرية الروسية مرتفعاً لإنجاز عمليات بحرية. والحال أنّ ازدحام المضيق يؤثر على قدرتها على الحركة. لذلك من مصلحتها أن تتحرك بسلاسة بين البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأسود عبر المضائق أو قناة اسطنبول. أخيراً القناة لا تلغي مونترو لكنها تخدش روحه قليلاً. وبالفعل فلكونها موقعاً جغرافياً جديداً بين البحر الأسود وبحر مرمرة لم يكن موجوداً عندما تم التوقيع على اتفاقية مونترو فإنّ قناة اسطنبول تخلق سابقة. ومع ذلك من وجهة النظر الروسية يبدو لي أنه لا يزال هناك المزيد من المزايا التي يقدمها مشروع القناة هذا أكثر من العيوب المحتملة.

ما الهدف من إنشاء قناة تجارية كلفت أكثر من عشرة مليارات يورو، وعائداتها غير مضمونة، إذا لم تستطع تركيا جني مكاسب أمنية وعسكرية منها؟

لنفترض أنّ هذه المشاريع رأت النور، في هذه الحالة ستضطر المدمرة الأمريكية في حال قررت المرور بقناة مرمرة هذه إلى عبور بحر مرمرة، وبالتالي ستقع تحت قيود الاتفاقية. لنفترض أنّ الأمريكيين قرروا إرسال سفينة محظورة بموجب الاتفاقية بسبب الحدّ المفروض على الحمولة. فبحكم الجغرافيا سيتعين عليها المرور عبر بحر مرمرة، وبالتالي ستظل مقيدة بأحكام اتفاقية مونترو.

الوضع الاقتصادي في تركيا صعب للغاية. المشروع نفسه لا يُشعر الروس بالتهديد، لأنه بالنسبة للأتراك تبقى اتفاقية مونترو حجر الزاوية في نظام أمن البحر الأسود

يبدو لي المشروع التجاري مشكوكاً فيه، لأنّ تكلفة البناء باهظة، وحتى التكلفة فهي التكلفة المعلن عنها فقط! أما بالنسبة للرسوم التي ستُستخدم لتعويض بناء القناة، فإنّ السفن ستبحث عن الخيار الأقل تكلفة: دفع عدة آلاف من الدولارات لعبور المضيق أو الانتظار ثمان وأربعين ساعة أو ثلاثة أيام، أو حتى أكثر لعبور المضيق بسبب الانتظار؟ هناك أيضاً فكرة اتجاه حركة المرور.

ما مصلحة تركيا في عدم فرض احترام اتفاقية تشكل الأداة الوحيدة المتاحة لها؟ أكانت تركيا لا تميل لأي خيار آخر لو كانت قناة إسطنبول موجودة بالفعل؟ لننطلق من مبدأ أنّ النظام القانوني للقناة يسمح بمرور حاملات الطائرات الأمريكية، وهو أمر مستحيل مع اتفاقية مونترو. هل كانت تركيا مع امتلاك قناة اسطنبول ستجلب حاملات الطائرات الأمريكية للضغط على روسيا؟

الأتراك مرتبطون باتفاقية مونترو لدرجة أنني لا أراهم يفتحونها. حول روح الاتفاقية أراهم يفتحون ثغرة! لكن حرفياً يحترمها الأتراك ويصرون على احترامها. حول عبور السفن الحربية الروسية إلى البحر الأبيض المتوسط ​​يسير كل من الأتراك والروس بحذر وحيطة. يكرر الأتراك بلا انقطاع أنّ هذه القناة لا تشكك في اتفاقية مونترو، وأنّ هذه القناة لا علاقة لها بقناة إسطنبول. وهذا صحيح في الواقع: هذه القناة لا علاقة لها بالاتفاقية. الأتراك لا يرغبون في إعادة فتح ملف اتفاقية مونترو تفادياً لوقوع الأوروبيين والأمريكيين في الثغرة. لا تؤثر القناة على سيادة تركيا على المضايق. ومع ذلك فهذه هي المشكلة الأساسية الحقيقية بالنسبة لتركيا: الحفاظ على سيادتها على "مضايقها" التي تشكل عوامل جغرافية تعرضت سيادتها التركية للخطر في مناسبات عديدة خلال القرون الثلاثة الماضية. في النهاية لا يمكنني الخوض في هذا المنطق المتمثل في التأكيد على أنّ تركيا لم تعد تحترم اتفاقية مونترو لأنها تمتلك الآن قناة. منذ عام 1991 لم يُخْفِ الأتراك استعدادهم لمواجهة إرادة الولايات المتحدة حول الوجود البحري العسكري في البحر الأسود.

إنّ ما يحيرني هو موقف تركيا، إذ تؤكد أنّ القناة واتفاقية مونترو موضوعان قانونيان متميزان. لذلك تستطيع تركيا التأكيد على أنّ قناة إسطنبول سيكون لها نظام قانوني مستقل تماماً عن نظام اتفاقية مونترو، وهو ما سيسمح بمرور السفن الحربية. إذا كانت تركيا لا تريد التشكيك في اتفاقية مونترو كان عليها أن تؤكد صراحة أنّ السفن الحربية لن تستطيع المرور عبر القناة. لماذا لا تؤكد تركيا صراحة على الغرض التجاري وليس العسكري من القناة؟

حتى لا تحرم نفسها من مصدر رزق في حال عبرته سفن عسكرية. في ظروف معينة سيكون عبور مضيق البوسفور عرضة للخطر بسبب سوء الأحوال الجوية أو بقعة زيت وقود أو خطر انجراف في الألغام مما سيجبر السفينة العسكرية على استخدام القناة، إذا اضطرت إلى الدخول في البحر الأسود والعكس بالعكس. في هذا الصدد أقدّر أنها غير مقيدة وأنها تترك العديد من الخيارات مفتوحة.

إنه نهج كلاسيكي عند العمل حول تركيا. من خلال مشروع القناة هذا سيكون هناك جدول أعمال مخفي إلى حد ما. ومع ذلك فإنّ المشروع المذكور لا يعود تاريخه إلى زمن أردوغان فقط. في التسعينيات كان الأتراك قلقين بالفعل بشأن زيادة حركة المرور عبر مضيق البوسفور بسبب زيادة المبادلات التجارة البحرية. والحال أيضاً أنّ الروس ليسوا غرباء عن هذه الزيادة. في الواقع هناك خطط لزيادة حركة البنية التحتية للموانئ في موانئ البحر الأسود الروسية.

مضيق البوسفور

أنا لا أشكك في الغرض التجاري للقناة، وكذلك ارتباط تركيا باتفاقية مونترو. في عام 1936  كان من غير المتوقع لها أن تحصل على اتفاقية تحقق لها الكثير من المكاسب. ألا تغامر تركيا هنا بسماحها طوعاً أو كرهاً للولايات المتحدة بالدخول إلى القناة ووصولها إلى البحر الأسود؟

إنّ ما هو مؤكد هو أننا يجب أن نقارن، من ناحية مشروع القناة هذا، ومن ناحية أخرى الاستقرار المقدس للبحر الأسود الذي يرتبط به الأتراك بشدة ويعملون من أجله منذ ثلاثين عاماً. لا سيما أنّ لهذا أهميته بالنسبة لتركيا، حيث تم زعزعة استقرار كل الأجنحة المتبقية حتى وقت قريب جداً. هل هذه القناة في هذه المرحلة من الإنجاز تعرّض هذا الاستقرار للخطر؟ أميل إلى قول لا. على المدى الطويل، من الناحية الفكرية لا يمكننا استبعاد أنهم ربما يفتحون ثغرة في الجهاز. لا يمكننا استبعاد أنه قد تكون هناك عواقب لا نقدرها اليوم والتي يمكن أن تسهم في إثارة حالة من عدم الاستقرار في المنطقة.

لقد استندت إلى إحدى مقالاتك تحت عنوان "نقاط القوة والضعف في أسطول البحر الأسود". لقد خلقت روسيا فقاعة رفض الوصول وعدم نفاذية سواحلها على حساب نطاق نشاط أوسع قليلاً. هل هذه إستراتيجية جيدة لروسيا التي ترغب في أن تصبح مرة أخرى قوة قادرة على حماية مصالحها في الشرق الأوسط وأفريقيا؟

من وجهة النظر الروسية تعمل اتفاقية مونترو كمرشح (فلتر) قوي للغاية فيما يتعلق بأساطيل الناتو وهي تدخل في منطق تقديس حوض بونتيك.

في الوقت الحالي هناك فترة استثنائية من حيث أنّ الملاحة العسكرية محظورة هناك. من غير الواضح ما الذي ستكون مهمة أسطول البحر الأسود فور انتهاء الصراع. كيف ستتصور روسيا دور أسطولها في أعقاب هذا الصراع أو في الواقع الجديد الذي سيخلقه هذا الصراع؟ لقد تأثرت قدرة الأسطول بسبب الصراع وستجد هذه القدرة عناء في التعافي على المدى المتوسط. أما بالنسبة لاهتمامه بالبحر الأبيض المتوسط فلا أظن أنها ستلغي سربها البحري، لكن نمو جناحها البحري سيتوقف. ولا أراهن على استنزاف الحركة العسكرية الروسية عبر المضايق.

أخيراً ما رأيك في تكاثر العمليات العسكرية للناتو في البحر الأسود وتوسيع الناتو إلى دول مجاورة لمنطقة جسرية ؟

توسع الناتو ليشمل دول مجاورة لا يبدو لي موضوع الساعة. الآن يمكن لوجود الناتو هذا أن يتخذ شكل قوة تدخل بحرية TASK FORCE navale في البحر الأسود. ومع ذلك فقد كان ذلك مشروعاً وكان مدعوماً بالطبع من قبل الأوكرانيين. ومع ذلك يبدو أنّ الأتراك كانوا يعارضون سرّاً هذا المشروع الذي روج له الرومانيون بنشاط خلال قمة الناتو في وارسو في عام 2016.

كان الأتراك ينظرون إليه كخطر يمكن أن يسلبهم احتكارهم الأمني ​​البحري في البحر الأسود. عندما يرفع الأتراك قيود الملاحة في المضائق فليس من المستحيل أن نرى سفن الناتو وهي تعود إلى الظهور من جديد. الآن يهمني أن أعرف إلى أي مدى سيتم  إضفاء الطابع المؤسسي على هذا وإنشاء قوة تدخل  TASK FORCE. حدسياً  أظن أنه سيقع تحت رعاية تركية. في المقابل سيكون للمجموعات القتالية التي يتم إنشاؤها في رومانيا تأثير على الوضع البحري، لأنّ هذه المجموعات القتالية هي التي سيتم توفيرها جواً أو بحراً. وبشكل عام سوف تترسخ بصمة الناتو في البحر الأسود ولكن في المسرح البري أكثر من رسوخها البحر.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

revueconflits.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية