مقتل الصحراوي: التداعيات على الإرهاب بدول الساحل الأفريقي

مقتل الصحراوي: التداعيات على الإرهاب بدول الساحل الأفريقي


20/09/2021

أعلن الرئيس الفرنسي مقتل زعيم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى عدنان أبو الوليد الصحراوي، وهو القيادي المعروف الذي شكّل التنظيم في هذه المنطقة العام 2015، وقد وصفَ مقتله بأنه "نجاح كبير آخر في المعركة ضد الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل".

ألقى هذا الحدث بظلاله على هذه المنطقة المضطربة؛ إذ طالما اتُّهم هذا القيادي المعروف في معظم الهجمات في منطقة الساحل، ومن بينها استهداف عمال الإغاثة الفرنسيين في العام 2020، إلا أنّ ذلك لا يعني بالضرورة انتهاء التنظيم لأسباب متعددة ومتنوعة أهمها الخريطة الإرهابية المعقّدة للإرهاب في تلك المنطقة.

من هو أبو الوليد؟

ولد الصحراوي في مدينة العيون بالصحراء الغربية، وكان مقاتلاً أول الأمر في صفوف جبهة البوليساريو، وفق موقع "روسيا اليوم".

اقرأ أيضاً: بعد 20 عاماً من 11 سبتمبر: الإرهاب يتصاعد في أفريقيا

وتشير المعلومات المتوافرة إلى أنه يعد أحد مؤسسي الجماعة السلفية "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، وأنّه انضم بعد ذلك إلى تنظيم "المرابطون"، وبالنهاية انضم إلى تنظيم "داعش"، وكان أول من بايع زعيمه بالمنطقة، وكان ذلك في أيار (مايو) العام 2015.

وتقول تقارير إعلامية إنّ الصحراوي كان لاجئاً في الجزائر وعاش في معسكر تابع لجبهة البوليساريو، وانضم إلى ما يعرف بجيش التحرير الشعبي الصحراوي، وتخرج من مدرسة عسكرية تسمى مدرسة الشهيد الولي.

عدنان أبو الوليد الصحراوي

ولاحقاً في العام 2011، شارك في تأسيس جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا وكان عضواً في مجلس شورى التنظيم، والمتحدث الرسمي باسمه.

وكان هذا الرجل وراء خطف عدد من العاملين في المجال الإنساني في مخيم تندوف للاجئين، فيما تحوّل التنظيم في العام 2013، إلى "المرابطون"، وأعلن عدنان أبو وليد الصحراوي في 19 أيار (مايو) مسؤوليته عن اختطاف حارس روماني في منجم بالقرب من منطقة تامباو.

 أبو الوليد الصحراوي الذي قتل مؤخراً متهم في معظم الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل

 وحصل انشقاق في تنظيم "المرابطون" في أيار (مايو) 2015، وكان الصحراوي ضمن مجموعة بايعت أبو بكر البغدادي، زعيم "داعش" آنذاك، في حين أنّ مختار بلمختار، الشخصية الشهيرة والمعروفة بارتباطها بتنظيم "القاعدة"، رفض الخطوة وشدد على بيعة أيمن الظواهري، وعلى عدم شرعية ما قام به الصحراوي.

وحصلت قطيعة بين الفريقين المنقسمين وصلت حد التقاتل في واقعة جرت بشمال منطقة جاو بمالي في 14 يونيو، أصيب خلالها أبو وليد الصحراوي وقتل 14 آخرون.

ومن سجل الصحراوي الطويل، هجمات استهدفت نقطة تفتيش جمركية بمنطقة ماركوي في بوركينا فاسو مطلع أيلول (سبتمبر) 2016، ما أسفر عن مقتل ضابط جمارك وأحد المدنيين.

وفي 12 تشرين الأول (أكتوبر) قُتل 4 جنود من جيش بوركينا فاسو في منطقة إنتانغوم، ونفذت مجموعته أيضاً في 17 من الشهر ذاته هجوماً باء بالفشل على سجن كوتوكالي بالنيجر.

خريطة معقدة للإرهاب

مقتل قيادات التنظيمات الإرهابية وارد بشكل مستمر إلا أنه لا يعني انتهاءها، وفي حالة دول الساحل يزداد الأمر تعقيداً أمام الحلول العسكرية؛ فهناك أسباب متعددة تمنع ذلك وأهمها الخريطة المعقدة للتنظيمات الإرهابية.

مقتل قيادات التنظيمات الإرهابية وارد بشكل مستمر إلا أنه لا يعني انتهاءها

تزيد الخريطة المعقّدة للإرهاب المعضلات في دول الساحل، ووفق دانييل أيزينغا، الباحث في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، في دراسة بعنوان الاتجاهات طويلة المدى للأمن والتنمية في الساحل، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD ، نشرت يوم أيلول (سبتمبر) 2019 يتركز نشاط التنظيمات الإرهابية في المناطق الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو أو وسط الساحل، والذي يطلق عليه (مثلث ليبتاكو غورما)، في منطقة أصبحت مركز نشاط المجموعات المتطرفة العابر للحدود حاليا، ويعتبر هذا النشاط خليط بين ميليشيات متعددة، أهمها القاعدة ممثلة في جماعة نصرة الإسلام، وداعش.

    جماعة بوكو حرام التي تأسست في شمال نيجيريا تنشط أيضاً في شمال الكاميرون والنيجر وتشاد

في آذار (مارس) 2017 أعلنت الجماعات الرئيسية في منطقة الساحل وهي أنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا وتنظيم "المرابطون" وجناح الصحراء التابع لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي أنّها شكلت تحالفاً تحت لواء هذا الكيان الجديد.

كما تم تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى العام 2015 من قبل المتحدث باسم حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، التي لم يعد لها وجود حالياً وحظيت في العام التالي على اعتراف داعش كفرعه الرسمي في منطقة الساحل، حيث تنشط الآن في المنطقة التي تجتمع فيها حدود كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، واكتسبت شهرة كبيرة بعد الهجوم الذي شنته في تشرين الأول (أكتوبر) 2017 على وحدة من القوات الخاصة الأمريكية والنيجيرية تسبب في مقتل خمسة نيجيريين وأربعة أمريكيين.

وتأسست جماعة بوكو حرام (في شمال نيجيريا العام 2002 وتطورت إلى تمرد عنيف عام 2009)،  وبالإضافة إلى نيجيريا، تنشط أيضاً في شمال الكاميرون والنيجر وتشاد.

اقرأ أيضاً: أفريقيا في صدارة أولويات تركيا.. لماذا؟

وتعلن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نفسها على أنّها الجناح الرسمي لتنظيم القاعدة في مالي، فيما تبرز أنصار الإسلام كمجموعة من المقاتلين في بوركينا فاسو منذ ديسمبر 2016 عندما أعلنت مسؤوليتها عن هجوم على قاعدة عسكرية في إقليم سوم شمال شرق البلاد.

في هذه المنطقة أيضاً تتداخل عمليات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، خاصة في بعض المناطق المحيطة بتمبكتو بمالي، حيث قضى بعض زعمائه سنوات يشكلون تحالفات مع السكان المحليين.

كما تنشط "جبهة تحرير ماسينا" التي تضم مختلف مكونات أزواد العرقية، وانضم لها مجموعة من مقاتلي الأقلية الفولانية المتمردين على الحكومة المالية والراغبين في الانفصال عن الدولة المركزية في العاصمة باماكو، لكن سرعان ما حدث انفصال مع حركة تحرير أزواد فانضموا إلى حركة أنصار الدين ذات التمدد المحلي والعرقي، ذات "التوجه الجهادي".

خلافات وانقسامات

انقسمت حركة أنصار الدين التي كانت تسيطر على المشهد إلى عدة حركات كان أبرزها "كتيبة تحرير ماسينا" بقيادة أمادو جالو، وانضم لها آلاف من المقاتلين الفلانيين الذين كانت حركة أنصار الدين تعتمد عليهم في السابق وتطورت صلاتهم مع مرور الوقت مع أبناء أقليتهم الذين يشعرون بالتهميش وهو ما مكّن الكتيبة بعد عدة مواجهات مع الجيش المالي من إقناع العشرات من أبناء الفلانيين بالالتحاق بها .

المعضلة أنّ الموجود على الأرض هو عدد من الكتائب المختلفة التوجهات، المتعددة الولاءات، بعضها مرتبط بقيادة القاعدة في الجزائر، ثم وصل الحال بانفصال بعضها عن التنظيم والإعلان عن أسماء خاصة بها، لتُنهي بذلك حالة الانتماء الشكلي إليه فبعد إعلان بعض الكتائب موافقتها على التوحّد وعلى رأسهم "مختار بلمختار" ومَن معه؛ رفضت كتائب أخرى وعلى رأسها كتيبة "طارق بن زياد" التبعية للقاعدة.

اقرأ أيضاً: ما تأثير نجاح "طالبان" في أفريقيا؟

ويتحقق تعيين "نبيل أبو علقمة" أميراً على المجموعات المنضمّة إلى القاعدة إلا في أواخر العام 2011، وذلك بعد اشتعال الحرب في ليبيا، واتجاه عدد من أمراء الكتائب ومجموعاتهم إلى هناك، ومنهم "مختار بلمختار"، وانفصال بعض المجموعات نهائياً عن تنظيم القاعدة وتشكيلها جماعة مستقلة أطلقوا عليها مسمى "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"ـ وبمجرد عودته من ليبيا، عادت الخلافات بين "مختار بلمختار" والأمراء الآخرين إلى التفجّر من جديد، وانتهى الأمر بإخراجه من التنظيم آنذاك، وتشكيله جماعة مستقلة أطلق عليها مسمى "الموقعون بالدماء".

 تعلن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نفسها على أنّها الجناح الرسمي لتنظيم القاعدة في مالي

في الوقت نفسه تشكّل إطار آخر لضم المقاتلين والفصائل التي تُخالف "حركة تحرير أزواد"، إما لأسباب عرقية قومية، أو لأسباب عقدية دينية، وأطلق على هذا الإطار من المجموعات المتنافرة مسمى "أنصار الدين"، وأعلن قادته رفضهم استقلال المنطقة الشمالية من مالي، ودعوا إلى "وحدة البلاد" في ظل إقامة حكومة تلتزم الشريعة الإسلامية، باعتبار أنّ ذلك هو السبيل للتخلص من الصراعات القومية والعرقية التي هي سبب الحروب الدامية في شمالها وشرقها، ودخل تنظيم القاعدة بمجموعاته المختلفة ضمن هذا الإطار، وإن كانت قيادته مستقلة عنه، وشاركوا معه في القتال ضد الجيش المالي، لكن تجمع "أنصار الدين" تعرض أيضاً لتشققات، بتأثير انسحاب عدد من أمرائه وجنوده منه للابتعاد عن الحركة، وبقي تنظيم القاعدة مستقلاً عن "أنصار الدين" وإنْ كان على ذات التوجيهات القديمة بالعمل تحت غطاء الحركة والتعاون معها.

ووفق ما ورد  في حوار مع أبو الوليد الصحراوي، قبل مقتله بصحيفة داعش (النبأ) العدد 260، عدد الخميس 26 ربيع الأول 1442هـ، فإن فصيلَي "التوحيد والجهاد" و"الموقعون بالدماء" جرى اندماجهما تحت مسمى "المرابطون"، وبعد مقتل أمير الجماعة آنذاك "أحمد العامر" بايع "داعش".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية