مقال العتيبة: فن الممكن ورفض الضم وتحذير لإسرائيل

مقال العتيبة: فن الممكن ورفض الضم وتحذير لإسرائيل


16/06/2020

حين طلب السفير الإماراتي لدى واشنطن، يوسف العتيبة، الاستشارة حول أي الوسائل المتاحة بمقدورها إيصال رسالة دبلوماسية تقول "لا" كبيرة في وجه المخططات الإسرائيلية لضم أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة وفي غور الأردن، جاءه الجواب بأنّ من أنجع الوسائل أنْ تحاول تقليص مساحة التوافق الصهيوني حول مسألة الضم غير المشروع، وتوسيع دائرة من يرون، من الإسرائيليين أنفسهم، أنّ الضم خيار كارثي لإسرائيل قبل غيرها.

اقرأ أيضاً: كيف أصبحت تركيا سوقاً كبرى للصناعات العسكريّة الإسرائيلية؟

وبعقل سياسي بارد، فإنّ موازين القوى تقول: ليس ثمة من يستطيع اليوم الضغط على زعيم يميني متغطرس مثل بنيامين نتنياهو سوى الجمهور الإسرائيلي أو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه.

وكسياسي محترف يُعنى بـ"فن الممكن" وبمحاولة تحقيق نتائج لصالح الحقوق الفلسطينية والعربية، اختار السفير العتيبة أنْ يكتب رسالة موجهة لليمين الإسرائيلي، وهو أغلبية الإسرائيليين اليوم، ليقول لهم إنّ مساعي نتنياهو مخالفة للقانون الدولي؛ الذي يعتبر مستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن أرضاً محتلة، حتى لو أنّ إسرائيل هي الآمر الناهي فيهما؛ بحكم سلطة الأمر الواقع الجائرة.

لماذا "يديعوت أحرونوت"؟

اختار السفير الإماراتي صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وهي الأوسع انتشاراً في إسرائيل، واختار أن يوجّه رسالته بالعبرية لتصل إلى الجمهور المستهدف، وإلى أوسع شريحة منه. ومن أجل توسيع دائرة رسالته وإكسابها مزيداً من التأثير والزخم أرفق مقاله بفيديو باللغة الإنجليزية ليضمن أنّ رسالة "لا.. لضم أراضٍ في الضفة الغربية وغور الأردن" قوية بما يكفي، وأنّها صرخة جريئة ومدوية في وجه الاحتلال والاستيطان.

إنّ الماكينة الإخوانية لا تتقن سوى فعل "الشيطنة" دعماً لأجندة حزبية.. لم تردع إسرائيل قيد أنملة!

تُرى ما العيب أو الخطأ في أن يستخدم السفير العتيبة الأداة الدبلوماسية والماكينة الإعلامية للدفاع عن حق الفلسطينيين بدولة مستقلة؟ ما الخطأ في محاولة رسم خط أحمر لإسرائيل، والسعي لإقناع الإسرائيليين بأن يضغطوا على حكومتهم لئلا تسير في مزيد من الغي والظلم بحق الفلسطينيين والأردنيين من خلال السير في مخطط الضم؟

سفير دولة الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة قال في مقاله في "يديعوت أحرونوت" إنّ هذه الخطوة ستكون بمنزلة "استيلاء غير مشروع" على الأراضي الفلسطينية؛ التي يسعى الشعب الفلسطيني لأن تكون داخل دولته المستقبلية المنشودة. العتيبة أكد أنّ "الضم يتحدى الإجماع العربي بل والدولي، فيما يتعلق بحق الفلسطينيين في تقرير المصير". وأضاف السفير أنّ الضم "سيشعل العنف ويوقظ المتطرفين"، وتابع بأنّه في ظل مخططات إسرائيل بالضم والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية فإنّ "استمرار الحديث عن التطبيع سيكون مجرد أمل مغلوط في تحسين العلاقات مع الدول العربية".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: تجاهل علاقة أردوغان بإسرائيل ورفع أعلام تركيا في ليبيا

والسؤال هنا: أليس هذا هو الموقف الفلسطيني ذاته الرافض للضم؟ أليس هذا هو الموقف الأردني أيضاً؟ أليس ذاك تقريباً هو فحوى ومضمون ما قاله العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في مقابلته الأخيرة مع "دير شبيغل" الألمانية ولوّح فيها بخيارات صعبة أمام حكومة نتنياهو إن هي أقدمت بالفعل على ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية واستولت على مناطق في شمال البحر الميت؟ وإذا كانت الإجابة "نعم" عن هذه الأسئلة، فلمَ كل هذه "الشيطنة" للعتيبة التي تلوكها المنابر الإعلامية الإخوانية والمحسوبة على قطر وتركيا؟ لماذا حوّرتْ تلك المنابر كلام السفير ليتوافق مع أجندتها الحزبية المأزومة؟

الاتحاد الأوروبي، وعلى لسان وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، أوصل قبل أسبوع رسالة شبيهة برسالة الإمارات حين حذر الوزير الأوروبي إسرائيل من أن خطتها لبدء ضم أجزاء من الضفة الغربية ستنتهك القانون الدولي. ألمانيا تقول إنّ "إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جانب واحد ستدمر أي آمال باقية في إقامة دولة فلسطينية والتوصل إلى اتفاق سلام قائم على دولتين".

اقرأ أيضاً: الإمارات تحذر الاحتلال الإسرائيلي من تداعيات ضم الأراضي الفلسطينية

الإمارات هي جزء من هذا الجهد السياسي الدولي الرافض للضم، والرافض لإجراءات إسرائيلية أحادية الجانب من شأنها إجهاض حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وتقرير مصيره ونيل حقوقه الوطنية المشروعة. هذا الموقف الإماراتي العروبي تعامت عنه الماكينة الإعلامية الإخوانية والقطرية والتركية، وفضّلت كعادتها التدليس وتزوير الحقائق ورمي الأشجار بالحجارة.

التحرك الإماراتي وطني وعربي بامتياز

وكان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد قد أعرب في بيان صدر في العاشر من أيار (مايو) 2020 عن بالغ قلقه ورفضه لما تضمنه برنامج الحكومة الإسرائيلية الجديدة من خطط وإجراءات لضم أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية. وحذر وزير الخارجية الإماراتية من أنّ "هذه الخطوة أحادية الجانب غير قانونية وتقوّض فرص السلام وتتعارض مع جميع الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي للوصول إلى حل سياسي دائم، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة"، مؤكداً أنّ "مسار عملية السلام في الشرق الأوسط التي ننشدها جميعاً واضح ومعروف، وقد أرسته المبادئ الدولية المتفق عليها لحل القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية"، مجدداً تأكيد دولة الإمارات على أنّ "أي خطوات أحادية الجانب تعوق وتعرقل فرص السلام الدائم الذي نطمح إلى تحقيقه".

تكرهُ البروباغندا الإخوانية المدعومة من قطر وتركيا أن ترى الإمارات تجند نفسها للدفاع عن الحقوق الفلسطينية والعربية

وأكدت الإمارات تحذيرها في بداية يونيو (حزيران) الجاري من أنّ أي تحرك إسرائيلي من جانب واحد سيمثل انتكاسة خطيرة لعملية السلام، في إشارة إلى خطط الحكومة الإسرائيلية للبدء بإجراءات ضم المستوطنات اليهودية ومنطقة غور الأردن ذات الأهمية الاستراتيجية في الضفة الغربية، كما أوردت صحيفة "الشرق الأوسط".

وقال أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "الحديث الإسرائيلي المستمر عن ضم أراض فلسطينية يجب أن يتوقف. إن أي تحرك إسرائيلي أحادي الجانب سيكون انتكاسة خطيرة لعملية السلام، وسيقوض حق تقرير المصير للفلسطينيين، وسيشكل رفضاً للإجماع الدولي والعربي بشأن الاستقرار والسلام".

وأكد قرقاش أنّ التجاوب الدولي مع التحرك الإماراتي مشجع ويتصل بقلق العواصم من القرار الإسرائيلي المتوقع، قائلاً "الإمارات من خلال تحركها المدروس تفند تصريحات نتنياهو بخصوص العلاقات مع العالم العربي وتحذر من تداعيات وخطر توسعة الاحتلال، قرار القيادة بتفعيل التحرك السياسي وطني وعربي بامتياز".

اقرأ أيضاً: تذاكر مجانية من الخطوط القطرية لإسرائيليين.. ما القصة؟

خلاصة هذا القول هي: تكرهُ البروباغندا الإخوانية المدعومة من قطر وتركيا أن ترى وزير الخارجية الإماراتي ووزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية وأهم سفير إماراتي يُجندون أنفسهم ودولتهم من أجل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية والعربية، محاولين المرة تلو الأخرى ثني حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف عن مخططات قضم مزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

إنّ الماكينة الإخوانية لا تتقن سوى فعل "الشيطنة"؛ دعماً لأجندة حزبية.. لم تردع إسرائيل قيد أنملة!!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية