مفتاح الرجل الميت... خطة تدمير روائع بيكاسو ورامبرانت

قال الفنان الروسي (أندريه مولودكين) في حوار له مع قناة (سكاي نيوز): إنّه جمع (16) عملاً فنياً، تقدّر قيمتها مجتمعة بأكثر من (45) مليون دولار، في خزانة تزن (29) طناً، تحتوي على مادة شديدة التآكل،  كما يوجد مضخة هوائية تربط برميلين؛ أحدهما يحتوي على مسحوق حمضي، والآخر مزود بمسرع، يمكن أن يسبب تفاعلاً كيميائياً قوياً، بما يكفي لتحويل محتويات الخزانة إلى حطام، وهدد بتدمير تلك الأعمال الفنية إذا مات (جوليان أسانج)، مؤسس (ويكيليكس)، في السجن.

أطلق (مولودكين) على المشروع اسم "مفتاح الرجل الميت"، بدعم من زوجة أسانج، التي ينتظر زوجها الاستئناف النهائي ضدّ تسليمه للولايات المتحدة الأمريكية، حيث يواجه تهماً بالتجسس، تعرّضه بموجب القوانين الأمريكية لـ (175) عاماً في السجن، وتسعى الولايات المتحدة للحصول على مؤسس (ويكيليكس) بتهمة التآمر للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني، والكشف عنها، عقب نشر مئات الآلاف من الوثائق المسربة المتعلقة بحربي أفغانستان والعراق، فيما ينفي أسانج، البالغ من العمر (52) عاماً، ارتكاب أيّ مخالفات. أسانج محتجز في سجن "بيلمارش" بلندن منذ ما يقرب من (5) أعوام، وسوف يتمّ الاستماع إلى استئنافه النهائي في المحكمة العليا بلندن يومي 20 و21 شباط (فبراير) 2024.

ويعتبر (مولودكين) أنّ مشروعه عمل فني جماعي مثل أيّ منحوتة أو لوحة، أمضى شهوراً طويلة يحاول إقناع عدد من هواة جمع الأعمال الفنيّة والفنانين بالتبرع بأعمالهم للمشاركة في مشروعه الجديد، ولا يعتقد (مولودكين) أنّ أعمال بيكاسو، ورامبرانت، وأندي وارهول وآخرين، سيتم تدميرها بالفعل، وأضاف هذا ليس نشاطاً ترفيهياً، أعتقد أنّ أسانج سيكون حراً، وجميع هواة الجمع والفنانين الذين تبرعوا بأعمالهم فعلوا ذلك لأنّهم يعتقدون أنّه لن يموت في السجن، وأضاف الفنان أنّه يحاول إثارة نقاش حول السبب في أنّ "تدمير حياة الناس لا يعني شيئاً، لكنّ تدمير الفن يُعدّ من المحرمات الكبيرة في العالم".

من هو الفنان المثير للجدل أندريه مولودكين؟

تصدّر أندريه مولودكين عناوين الأخبار العام الماضي، بعد أن باع نسخاً ملطخة بالدماء من مذكرات الأمير هاري، وكان الفنان قد عرض في السابق منحوتة ملأى بدماء الأفغان على كاتدرائية القديس بولس، وكان العملان احتجاجاً على تصريحات هاري في كتابه عن عدد القتلى في أفغانستان.

وبالتزامن مع إقامة كأس العالم في قطر، كشف مولودكين عن نسخة طبق الأصل من كأس العالم التي كانت تمتلئ بالنفط الخام ببطء. وبلغ سعرها الرمزي (150) مليون دولار، وهو رقم يطابق حجم الأموال التي يُزعم أنّها أُنفقت على الرشاوى والعمولات لمسؤولي (الفيفا).

كما قدّم مولودكين تمثالاً للبيت الأبيض يُقال إنّه يحتوي على دماء مشعة لرجال ولدوا في ناغازاكي؛ لإحياء الذكرى الـ (77) لإلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي.

وفي عام 2022 عرض مولودكين صورة زجاجية لفلاديمير بوتين ملأى بدماء الجنود الأوكرانيين. وقيل إنّ صورة للعمل الفني تم بثها مباشرة بالقرب من الساحة الحمراء في موسكو، بينما كان بوتين يشرف على عرض يوم النصر الروسي.

طريقة عمل "مفتاح الرجل الميت"

تمّ إغلاق الخزانة يوم الجمعة 16 شباط (فبراير)، وسيجري الاحتفاظ بها في استوديو مولودكين بجنوب فرنسا، لكنّه يخطط لنقلها إلى متحف، وفي شرحه لكيفية عمل "مفتاح الرجل الميت"، يقول مولودكين: إنّه يجب إعادة ضبط مؤقت العد التنازلي كل (24) ساعة، قبل أن يصل إلى الصفر؛ لمنع انطلاق المواد المسببة للتآكل، حيث سيجري ذلك من خلال شخص مقرب من أسانج، سيتأكد أنّه ما يزال على قيد الحياة في السجن كل يوم، ممّا يعني إمكانية إعادة تنشيط المؤقت.

ويضيف مولودكين أنّه إذا تم إطلاق سراح أسانج من السجن، فستتم إعادة الأعمال الفنية إلى أصحابها. واعترف أنّ عدداً من هواة جمع التحف الفنية يخافون حقاً من تسرب الحمض عن طريق الخطأ، لكنّه يصر على أنّ العمل جرى على نحو احترافي للغاية.

الحرية أهم من الفن

تعليقاً على هذا قال (جيامباولو أوبنديو)، الذي يمتلك معرضاً فنياً في ميلانو: إنّه قدّم أعمال بيكاسو الفنية للخزانة، ووقّع اتفاقية عدم إفشاء تمنعه من الكشف عن أيّ منها، وقال إنّ أول رد له عندما طُلب منه المشاركة هو: هذا "مستحيل"، لكنّه اقتنع بوجهة نظر مولودكين الذي يعرفه منذ عام 2008.

وقال أوبنديو لشبكة (سكاي نيوز): "لقد أوصلني مولودكين إلى فكرة أنّه من الأهم بالنسبة إلى العالم أن يكون لديه أسانج واحد، بدلاً من بيكاسو إضافي، لذلك قبلت بالعرض". وتابع: "إنّني متفائل، وقد أقرضته الأعمال. إذا أطلق سراح أسانج، فسيمكنني استعادتها". مشيراً إلى أنّ أعمال بيكاسو قد تتراوح بين (10) آلاف و(100) مليون، لكنّه "لا يعتقد أنّ عدد الأصفار هو ما يجعل العمل أكثر أهمية عندما نتحدث عن حياة الإنسان".

كذلك يقول الفنان فرانكو بي: إنّه قدّم أحد الأعمال التي سيتمّ الاحتفاظ بها في الخزانة، وتابع: "إنّها قطعة فنية رائعة، واحدة من أفضل أعمالي، أعتقد أنّه من المهم أن أقوم بشيء يعنيني، لم أتبرع بشيء وجدته اعتباطاً في زاوية الاستوديو الخاص بي، بل تبرعت بقطعة عمل عزيزة جداً عليّ تتحدث عن الحرية والرقابة". وأشار إلى أنّ هذا العمل مهم، ولفتة صغيرة مقارنة بما فعله أسانج، وما يمر به.

من جهتها، قالت زوجة أسانج: "أيّهما أكبر من المحرمات: تدمير الفن، أم تدمير حياة الإنسان؟. وتابعت: إنّ "مفتاح الرجل الميت هو عمل فني، السجن السياسي لجوليان هو عمل إرهابي حقيقي ضد الديمقراطية. والأهداف الحقيقية لهذا العمل ليست جوليان أسانج فحسب، وإنّما حق الجمهور في المعرفة، ومستقبل القدرة على مساءلة السلطة. إذا فازت الديمقراطية، فسيتمّ الحفاظ على الفن، وكذلك حياة جوليان".