معركة تفكيك الإخوان تتواصل في الأردن... هل يؤدي توقيف الزرقان إلى مواجهة مفتوحة؟

معركة تفكيك الإخوان تتواصل في الأردن... هل يؤدي توقيف الزرقان إلى مواجهة مفتوحة؟

معركة تفكيك الإخوان تتواصل في الأردن... هل يؤدي توقيف الزرقان إلى مواجهة مفتوحة؟


29/04/2025

في تطور جديد، يعكس تصاعد المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، ألقت السلطات الإثنين القبض على أحمد الزرقان، نائب المراقب العام للجماعة، بتهم تتعلق بتأسيس خلايا مسلحة تعمل ضد أمن المملكة. يأتي ذلك ضمن سياق حملة أمنية متصاعدة ضد تحركات الجماعة، بعد تواتر المعلومات حول نشاطات عسكرية سرّية وارتباطات بجهات خارجية، فضلًا عن ضبط خلية مسلحة الأسبوع الماضي، ممّا يضع الإخوان أمام اختبار وجودي غير مسبوق في الأردن، مع ما تحمله هذه القضية من تداعيات على استقرار البلاد والمنطقة بأسرها.

وتشير التحقيقات الأوّلية مع الخلية الإخوانية إلى أنّ نشاطات الخلايا التابعة للجماعة تجاوزت الأطر السياسية التقليدية، لتتحول إلى تهديد مباشر للأمن القومي الأردني، ممّا استدعى ردة فعل حازمة من قبل السلطات، في مشهد يعيد إلى الأذهان الأزمات التي عاشتها دول عربية أخرى مع تنظيمات الإسلام السياسي.

تفاصيل القبض على الزرقان وتداعياته

أكدت مصادر أمنية أردنية الإثنين أنّ عملية توقيف أحمد الزرقان جاءت بعد تحقيقات مطولة كشفت عن تورطه المباشر في دعم أنشطة سرّية ذات طابع عسكري، وتنسيق اتصالات مع جهات خارجية لتأمين دعم لوجستي وتمويلي للخلايا المسلحة.

وتفيد المعلومات بأنّ الزرقان لعب دورًا محوريًا في إعادة تنظيم الخلايا التابعة للجماعة داخل الأردن خلال السنوات الأخيرة، متجاوزًا حدود العمل السياسي السلمي، ممّا دفع السلطات إلى التعامل مع الملف كقضية أمن دولة. ويُنظر إلى هذا التطور باعتباره ضربة موجعة لهيكل الجماعة في الأردن، نظرًا لما يمثله الزرقان من موقع قيادي بارز، ولارتباطه بشبكة واسعة من كوادر التنظيم داخل المملكة وخارجها.

ويمثل اعتقال أحمد الزرقان ضربة نوعية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، إذ يُعدّ من الشخصيات القليلة التي حافظت على شبكة علاقات قوية مع كل من القيادات المحلية والخارجية للتنظيم. ويُنظر إلى الزرقان باعتباره "حلقة الوصل" بين الجماعة الأم في الخارج وبين الأذرع التنظيمية السرّية داخل الأردن، خاصة في ظل تصاعد الأدلة حول تورط بعض قيادات الإخوان في أنشطة تتجاوز العمل السياسي التقليدي إلى تأسيس خلايا مسلحة. وباعتقاله تكون السلطات الأردنية قد قطعت أحد أهم خطوط التواصل والدعم اللوجستي والإداري الذي كان يمدّ الجماعة بالخبرة والاتصالات الإقليمية، وهو ما يُنذر بتفكيك المزيد من الشبكات المرتبطة به خلال الفترة المقبلة.

من هو أحمد الزرقان؟ 

يُعدّ أحمد الزرقان أحد أبرز القيادات التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وقد شغل منصب نائب المراقب العام، وهو موقع حساس داخل الهيكل التنظيمي يمنح شاغله دورًا محوريًا في رسم السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية. وينتمي الزرقان إلى جيل المخضرمين في الجماعة، ممّن واكبوا مراحل صعودها وتحولاتها المختلفة منذ نهايات القرن العشرين حتى اليوم. 

نائب المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن: أحمد الزرقان

اشتهر داخل الأوساط التنظيمية بصلابته الفكرية وتمسكه بالخط العقائدي التقليدي، وارتبط اسمه بمحاولات الحفاظ على نفوذ الجماعة داخل المشهد السياسي الأردني رغم الضربات الأمنية والسياسية المتلاحقة التي تعرضت لها خلال العقد الماضي.

طوال مسيرته ظل الزرقان من المدافعين عن فكرة "وحدة الجماعة" في مواجهة محاولات الانشقاق أو التصدع الداخلي، وشارك في العديد من المشاورات التي جرت بين القيادة الأم في الخارج وبين الفروع المحلية. وعُرف عنه ميله للخط المتشدد في تفسير الأزمات السياسية، ممّا جعله مقرّبًا من التيار الذي يرى في العنف وسيلة مشروعة "للدفاع عن المشروع الإسلامي" بحسب أدبياتهم. ووفقًا لمصادر مطلعة، لعب الزرقان دورًا محوريًا في محاولات التنسيق مع الحركات الإسلامية الإقليمية، خاصة في ظل التحولات التي شهدتها الجماعة بعد ما يُسمّى بالربيع العربي، كما ورد اسمه في تقارير أمنية حول نشاطات سرّية وخلايا مرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان، وهو ما جعله تحت الرقابة لسنوات قبل أن يتم القبض عليه مؤخرًا.

النشاط السرّي للإخوان: انتقال من السياسة إلى العسكرة

تطور نشاط جماعة الإخوان في الأردن خلال العقد الأخير من العمل السياسي العلني إلى تبنّي تكتيكات العمل السرّي، مع تصاعد استخدام الأدوات العسكرية.

وأوضحت تقارير أمنية أنّ الجماعة شرعت منذ عام 2015 في تأسيس خلايا شبه عسكرية تعمل تحت ستار الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية، مع تلقي دعم لوجستي من دول إقليمية لها مصالح متقاطعة مع التنظيم.

هذه النقلة النوعية في تكتيكات الجماعة، وفقًا لمصادر مطلعة، جاءت كردّ فعل على سقوط أفرع الإخوان في السلطة في مصر وتونس والسودان، ممّا دفع الفرع الأردني إلى تبنّي سياسات أكثر تشددًا لضمان استمراريته.

التحول إلى العسكرة نتيجة فشل سياسي

في هذا السياق، قال الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي هشام النجار لـ (حفريات): إنّ توقيف خلايا مسلحة تابعة لفرع الإخوان بالأردن يمثل بداية مسار جديد في التعامل مع الجماعة، موضحًا: "أرى أنّ البدء في الإعلان عن القبض على خلايا مسلحة تابعة لفرع الجماعة في الأردن والبدء في محاكمتهم هو خطوة تمهيدية لخطوات تمسّ مجمل النشاط السياسي والاجتماعي لإخوان الأردن، حيث لا يمكن التسامح مع كيان بأذرع وأجنحة مسلحة مرتبطة ومدعومة من جهات خارجية لديها أجندات ومصالح وحسابات تتناقض مع حسابات ومصالح المملكة، خاصة أنّه ثبت أنّ هناك تبادل أدوار بين الجناح السياسي والعسكري، وهناك أعضاء وقيادات عليا بالحزب مرتبطة بشكل مباشر مع هذا النشاط السرّي العابر للحدود منذ بدايته."

 الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي: هشام النجار

وأضاف النجار أنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تفصل تاريخيًا بين العمل السياسي والعمل المسلح، رغم محاولاتها الدائمة لتسويق صورة "الحركة السلمية"، وقال: "إنّ فرع الجماعة في الأردن لم يكن مختلفًا في شيء عن الحالة التاريخية للتنظيم التي لم تفصل في مرحلة من المراحل بين الحضور السياسي والنشاط العسكري المسلح، فالجماعة تاريخيًا لم تتحول أبدًا إلى ممارسة سياسية سلمية صرفة، وإن زعمت ذلك."

وأشار إلى أنّ الجماعة استخدمت طوال تاريخها استراتيجيات التفريخ لجماعات مسلحة تابعة لها، لتفادي تحمل المسؤولية المباشرة عن أعمال العنف، مستشهدًا بتنظيم الفنية العسكرية في مصر، والجماعات الجهادية المسلحة في الثمانينات والتسعينات، وصولًا إلى التعاون مع تنظيم القاعدة ثم تأسيس خلايا "حسم" لاحقًا.

الإخوان وتحالفاتهم الإقليمية: من تركيا إلى إيران

وتابع النجار في تحليله أنّ الجماعة بعد عام 2013م، ومع سقوطها من السلطة في مصر وغيرها، تحولت إلى التحالف مع قوى إقليمية غير عربية، قائلًا: "بعد فشل الجماعة الكامل في السياسة، تحالفت مع تركيا عقب الربيع العربي واتجهت إلى العمل المسلح لاستعادة السلطة، ثم نسجت تحالفات مع إيران لمنع تهميش تيار الإسلام السياسي السنّي والشيعي تحت شعارات 'الثورية' و'المقاومة'."

وأكد أنّ تحركات الإخوان أصبحت تخدم مشاريع توسعية غير عربية، مشيرًا إلى أنّ الميليشيات المسلحة التي شكلتها الجماعة بالتواطؤ مع إيران وتركيا عملت على زعزعة استقرار الدول العربية، ممّا أدى إلى تقويض الدولة الوطنية وتسهيل التمدد الإسرائيلي غير المباشر في المنطقة.

وختم النجار تصريحه بالتأكيد أنّ ما يحدث في الأردن اليوم امتداد لنهج الجماعة التخريبي الذي أفشلته مصر مبكراً، وأنّ التصدي الحاسم لهذا المشروع واجب عربي دفاعًا عن الأمن القومي.

الجماعة بعد عام 2013م، ومع سقوطها من السلطة في مصر وغيرها، تحولت إلى التحالف مع قوى إقليمية غير عربية

موقف السلطات الأردنية: لا تسامح مع التهديدات

تعكس حملة التوقيفات الحالية أنّ الدولة الأردنية تبنّت سياسة صفر تسامح مع أيّ أنشطة تهدد أمنها الداخلي، خصوصًا إذا كانت مرتبطة بتنظيمات عقائدية تسعى لفرض أجندات خارجية.

وقد أكدت مصادر رسمية أنّ كل من يثبت تورطه في النشاطات التخريبية سيخضع لمحاكمة عادلة وفق القانون، مع اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية استقرار المملكة.

ويأتي هذا التوجه في ظل تقديرات أمنية تؤكد خطورة السماح ببقاء كيانات موازية داخل المجتمع تعمل على تقويض هيبة الدولة ومؤسساتها الوطنية.

السيناريوهات المحتملة: إلى أين تتجه الأزمة؟

يرى محللون أنّ توقيف الزرقان قد يكون بداية لموجة جديدة من الإجراءات ضد كوادر الجماعة ومؤسساتها الاجتماعية والتعليمية، بهدف تفكيك البنية التنظيمية التي وفرت الغطاء للنشاط السرّي.

كما لا يستبعد أن تشهد المرحلة المقبلة قرارات بحلّ جمعيات مرتبطة بالإخوان، أو فرض رقابة مشددة على مصادر تمويلها، بالتوازي مع تحصين الجبهة الداخلية الأردنية عبر حملات توعية سياسية وأمنية.

وفي ظل هذا التصعيد، يبدو أنّ جماعة الإخوان في الأردن دخلت مرحلة انكشاف كامل، لن تكون تبعاتها محصورة فقط على مستوى الداخل الأردني، بل قد تتردد أصداؤها في ملفات الإخوان الإقليمية ككل.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية