معاني الأخوّة في الدين والإنسانية

معاني الأخوّة في الدين والإنسانية


20/02/2022

رضوان السيد

في الكلمات التي تبادلها البابا فرنسيس مع شيخ الأزهر وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في 4 فبراير الحالي، والذي صار يوماً عالمياً للأخوّة الإنسانية، قال البابا إنّ المقصود ليس توحيد الأديان أو اتحادها، وإنما التضامن والتآخي واللقاء على القواسم القيمية المشتركة من أجل خير بني البشر، والتعاون لمواجهة المشكلات المتفاقمة.

وفي نفي البابا السعي لتوحيد الأديان ما كان يدافع عن نفسه، لأنّ أحداً من المسيحيين ما اتهمه بإرادة دمج الإسلام بالمسيحية. بل كان البابا يدافع عن الشراكة الإيمانية والأخلاقية والعملية التي أقامها مع مشيخة الأزهر ومجلس الحكماء وأعلن عنها في وثيقة الأخوة الإنسانية.  

  الذين واجهوا تحدي الشراكة الكبيرة مع الدين الكبير هم الطرف المسلم. وممن؟ ممن يُسمَّون بالصحويين وأصحاب الدعاوى والمزايدات، والذين لا نعرف مَن ائتمنهم على الدين، ولا لماذا يعرفون ديننا وهويته ومقتضياته أكثر من غيرهم.

لقد كانت الشراكة مع الكنيسة الكاثوليكية ضروريةً وما تزال. وهي أصل الدعوة القرآنية في آية «الكلمة السواء» التي خاطبت أهل الكتاب ودعتهم إلى شراكة الإيمان والعمل والخروج من الشرك.

وقالت الآية الكريمة: «فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون»، يعني أننا باقون على ما دعوناكم إليه.    

أما مرجعياتنا التي ذكرت الشراكة في نطاق العائلة الإبراهيمية، فنحن العرب ننتسب إلى إسماعيل بن إبراهيم. لكننا نحن العرب والمسلمين الآخرين والمسيحيين أتباع دعوةٍ واحدةٍ ،وإن لم نكن نتحدر من نسبٍ واحد، هي دعوة إبراهيم: «قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط». ويعني ذلك الوحدانيةَ وقيمَ السلام والحوار والجوار والضيافة الظاهرة في عروض القرآن الكريم لشخصية إبراهيم ودعوته. فالإسلام دينٌ إبراهيمي، كما قال محمد صلّى الله عليه وسلّم: أنا دعوة أبي إبراهيم. وفي خمسينيات القرن الماضي اختلف عالمان مسيحيان هما يواكيم مبارك وميشال حايك. مبارك، صاحب أُطروحة «إبراهيم في القرآن»، يعتبر الإسلام ديناً إبراهيمياً.

بينما يريد ميشال حايك أن يسمّي الإسلام ديناً إسماعيلياً بحجة أنّ إسماعيل كان هو المظلوم الذي رُمي مع أمه في الصحراء، وأنصفه الله تعالى بإرسال محمدٍ من سُلالته! وقد استطاع أصحاب الدعوة الإبراهيمية في مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965) الإقناع بإبراهيمية الإسلام. نحن إبراهيميون دعوةً وديناً وليس نسباً فقط. وقد أقبل علينا المسيحيون في أزمان الشدائد التي توالت على المسلمين، وكانت لدى بعض مرجعياتنا الشجاعة والبصيرة لرد التحية بمثلها. فمن الذي يخشى الاندماج أو الذوبان، ونحن نكاد نصبح ثلث سكّان العالم(!). هو كلام أهواء ووراء الأكمة ما وراءها، وما عرفنا من خمسين عاماً وأكثر من هذه العصابات الحزبية إلاّ شرور الانقسام والمزايدة في غير استقامةٍ ولا هدى!    

    ولنذهب إلى باب آخر من أبواب الفتنة التي شرّعوا أبوابها. الكشف الاجتهادي الكبير للعلاّمة عبد الله بن بيه في «تحقيق المناط» أي ثنائية التكليف والوضع. لقد تاجروا عقوداً في أُطروحة مقاصد الشريعة حتى صارت المقولة المسكينة تنطق بالشيء وضده. وعلينا اليوم وغداً أن نستنقذ فقه المصالح من هواماتهم. أما ثنائية التكليف والوضع فهي شديدة الانضباط، لأنّ التكليف لا يقبل التلاعب. أما الوضع، أي في تنزيل الأحكام، فهو يتيح الحرية الضرورية لاستمرار سريان أحكام الشرع في الزمان والمكان. وبخاصةٍ أنّ العلاّمة ابن بيه أحاطها بكشفٍ آخر هو كشف الكليات.  

  نحن المسلمين على دعوة ورسالة أبي الأنبياء إبراهيم. ومقاصد الشريعة تبقى على الدوام في حالة تحقق بضمانة جماعة المسلمين. وفقه التكليف والوضع سبيلنا للسير على نورٍ في هذا العالم.

عن "الاتحاد" الإماراتية

الصفحة الرئيسية