مصير المنطقة بين سباق محادثات إسرائيلية- سورية ومفاوضات إيرانية- أمريكية

مصير المنطقة بين سباق محادثات إسرائيلية- سورية ومفاوضات إيرانية- أمريكية


21/01/2021

رياض قهوجي

لم تشكّل التقارير الأخيرة حول اجتماع إسرائيلي - سوري في قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية مفاجأة كبيرة للعديد من المراقبين والمسؤولين، بخاصة أن موسكو تسعى الى إحداث خرق في هذا الملف الذي سيؤدي الى استمرار نظام يؤمن مصالحها في سوريا والمنطقة، ويفتح المجال لتدفق استثمارات من دول الخليج وأمام مشاريع إعادة إعمار سوريا. واللافت في هذه التقارير أن مطلب إسرائيل الأساسي هو نفسه ولم يتغير منذ 15 عاماً، وهو قطع العلاقات الأمنية بإيران وإنهاء أي وجود عسكري لها ولميليشياتها في سوريا. 

وبحسب مصادر مطلعة، فإن اللواء علي المملوك الذي يقال إنه شارك في اجتماع حميميم، كان طرفاً في محادثات غير مباشرة مع إسرائيليين بعد حرب تموز (يوليو) 2006، تمت فيها مناقشة عرض بتقديم تنازلات إسرائيلية في ملف الجولان مقابل تخلي سوريا عن دعم "حزب الله" وقطع العلاقات الأمنية بإيران. وكان جواب المملوك، بحسب هذه المصادر، أن ورقة العلاقات بإيران هي آخر ورقة يمكن لدمشق أن تقدمها على طاولة المفاوضات. أي أن هذه الورقة هي الأقوى بيد سوريا، ولكن دمشق ستتخلى عنها بعد أن تكون حصلت على تنازلات مسبقة من إسرائيل. ونوقشت هذه المسألة مجدداً في لقاءات جمعت جهات سورية وإسرائيلية في اسطنبول بين 2007 و2008.

لكن سوريا اليوم ليست كسوريا قبل 2011، حين كان نظام بشار الأسد ممسكاً بزمام اللعبة في بلاد الشام. تشكل الميليشيات المدعومة من إيران وتحت قيادة الحرس الثوري الإيراني جزءاً مهماً من المنظومة الأمنية - العسكرية التي تسيطر على الأراضي الخاضعة للنظام السوري. كما أن لطهران علاقات نافذة في صفوف القيادات العسكرية والأمنية السورية. وعليه، فإن قدرة النظام السوري على فك الارتباط بإيران ليست بالمسألة السهلة. فالأراضي السورية تشكل جسراً أساسياً واستراتيجياً لمخطط إيران بناء ممر من حدودها الغربية باتجاه البحر الأبيض المتوسط. كما أنها اليوم قاعدة مهمة في عملية تطوير قدراتها العسكرية عبر "حزب الله" وميليشيات أخرى على حدود إسرائيل الشمالية، من أجل الضغط على واشنطن وتل أبيب للقبول بدورها قوة إقليمية أساسية. ولقد استثمرت طهران مليارات الدولارات وخسرت مئات من عناصر الحرس الثوري الإيراني لإنقاذ النظام وتثبيت وجودها في سوريا، وبالتالي فهي لن تتخلى عن هذا الدور بسهولة.

ويرى البعض أن طهران تجد في ميليشياتها ونمو نفوذها في المنطقة أوراقاً مهمة على طاولة المفاوضات المستقبلية مع الإدارة الأميركية الجديدة والتي قد تنضم اليها قوى غربية أو إقليمية. كما أن إيران هي من يقرر مصير سوريا ونظامها عبر محادثاتها الدورية مع اللاعبين الأساسيين على الساحة السورية: تركيا وروسيا. ولا يشارك النظام السوري بأي من هذه اللقاءات التي تستخدم من قبل الدول المشاركة فيها لتقاسم مناطق النفوذ والأدوار على الساحة السورية. وعليه، فإن إيران هي في موقع القوة والقادرة على استخدام الورقة السورية على طاولة المفاوضات، في حين أن النظام السوري ليس بالقوة التي تسمح له بمناقشة مستقبل الوجود العسكري الإيراني على أجزاء كبيرة من أراضيه. 

الحالة الوحيدة التي تشجع النظام السوري وتمكّنه من الإقدام على خطوة التفاوض مع إسرائيل وبحث إمكان إنهاء الوجود العسكري الإيراني على أراضيه هي فرضية وجود تغير كبير وجذري في الموقف الروسي من دور طهران في سوريا. فأركان النظام السوري، بخاصة شخصية أمنية متمرسة مثل اللواء المملوك، يدركون أن إنهاء الوجود العسكري الإيراني في سوريا بات يتطلب جهوداً دبلوماسية كبيرة من قبل موسكو. وقد يدفع التعنت الإيراني لتطور الأمور على الأرض لحدوث مواجهات عسكرية بين قوات النظام بدعم روسي، والميليشيات التابعة لإيران، ما قد يضع النظام في موقف خطر أمام قوى المعارضة. والسيناريو العسكري قابل للتحقيق فقط في حال حصول النظام على ضمانات من تركيا وواشنطن وقوى إقليمية فاعلة بدعمه واستمراريته. لكن الواقع على الأرض اليوم بعيد جداً عن هذا.

تدرك موسكو أن السبيل الوحيد لتثبيت وجودها العسكري في سوريا وترجمته مكاسب سياسية واقتصادية هي عبر تأمين دعم عربي - غربي يوفر الأموال لإعادة الإعمار، ويحضّر الأرضية لحل سياسي يضمن استمرارية النظام، حتى من دون وجود بشار الأسد في سدة الرئاسة. وقد تشكل مسألة التطبيع مع إسرائيل فرصة مهمة لتحقيق ذلك. فأولويات النظام السوري اليوم لم تعد استعادة الجولان، الأمر الذي كانت ترفضه إسرائيل سابقاً. بل هي استمراريته عبر فك العزلة الدولية، ورفع العقوبات، وتوفير الأموال لإعادة الإعمار، وتقليص مناطق سيطرة الأتراك على أراضيه، وتحجيم دور الميليشيات الكردية. هذا يشجع إسرائيل على الدخول في المفاوضات برعاية روسية، اللاعب الأكبر على الساحة السورية. 

كما أن إسرائيل على مشارف انتخابات تشريعية جديدة في شهر آذار (مارس) المقبل، ولا تبدو فرص بنيامين نتنياهو كبيرة فيها. فهو بحاجة لإنجاز كبير، مثل اتفاق سلام مع سوريا، يؤمن له دعماً من قاعدة شعبية عريضة تتعدى اليمين المتشدد لبقائه في سدة رئاسة الوزراء. فهزيمة نتنياهو في الانتخابات المقبلة تعني دخوله وزوجته وولديه السجن بتهم الفساد التي يواجهها منذ فتره ويتجنبها بسبب مركزه الرسمي الذي يعطيه حصانة. وعليه، قد يكون نتنياهو أكثر استعداداً من قبل لقبول اتفاقية مع دمشق تحدث نقلة استراتيجية كبيرة في خريطة الشرق الأوسط والصراع العربي - الإسرائيلي. 

لقد فتحت اتفاقيات التطبيع التي وقعتها بعض الدول العربية أخيراً مع إسرائيل مرحلة جديدة في الشرق الأوسط ستتضح ملامحها أكثر خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة بعدما دخل الرئيس جو بايدن البيت الأبيض. فإدارته ستعلن عن استعدادها للدخول في مفاوضات مع الحكومة الإيرانية التي لا خيار آخر أمامها سوى قبول الدعوة نظراً الى حجم الأضرار التي لحقت بها اقتصادياً واجتماعياً نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة دونالد ترامب. وستدخل إدارة بايدن المفاوضات من موقع قوة نظراً الى حجم هذه العقوبات. وإذا ما استشعرت طهران جدية المفاوضات السورية - الإسرائيلية، فقد تجد أن وجودها في سوريا قد بات ورقة تفاوض بيد دمشق، عوضاً عن أن تكون سوريا ورقة تفاوض بيدها. وإن خسرت إيران سوريا، فقد يتأثر نفوذها سلباً في لبنان نظراً الى دور الساحة السورية في إمداد "حزب الله". وعليه، ستشهد التحالفات الإقليمية الحالية امتحانات مهمة ومصيرية ستحدد شكل الصراع في المنطقة وطبيعته. هذا على أمل أن لا تأتي أي اتفاقية إيرانية - أميركية أو سورية - إسرائيلية على حساب سيادة لبنان ووجوده.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية