مصر تنقل ساحة المعركة مع المتطرفين من المساجد إلى الفضاء الإلكتروني

مصر تنقل ساحة المعركة مع المتطرفين من المساجد إلى الفضاء الإلكتروني

مصر تنقل ساحة المعركة مع المتطرفين من المساجد إلى الفضاء الإلكتروني


10/09/2023

أحمد حافظ

يعبّر اختيار مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية قضية الفضاء الإلكتروني والوسائل العصرية للخطاب الديني لتكون محور نقاشات المؤسسة الدينية عن حجم المخاوف من خطورة التطرف في العالم الافتراضي، وضرورة بدء معركة غير تقليدية مع جماعات تنشط بقوة على الشبكة العنكبوتية، وتحاول استغلال الفراغ الذي تركته بعض الهيئات المعنية بإدارة المشهد الدعوي.

وينطلق المؤتمر اليوم السبت لكن جلساته التحضيرية بالقاهرة خلصت إلى وضع خطة شاملة لمواجهة التطرف الإلكتروني ونشر الدعوة الوسطية على شبكات التواصل وعدم ترك المجال لعناصر متشددة تعبث بعقول الناس وتجندهم بخطاب قائم على التمييز والتحريض والأفكار المغلوطة بعد تهميشها في المساجد والساحات العامة.

وأكد وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة أنه تم وضع خطة محكمة لمحاصرة التيارات المتطرفة على منصات التواصل الاجتماعي من خلال التوجه نحو زيادة مساحة الدعوة الإلكترونية، والتي لن تكون بديلة عن اللقاءات التفاعلية، لكنها ضرورية في ظل متغيرات المعاصرة والحاجة إلى التركيز على التطرف الرقمي.

وأوضح جمعة أنه سيتم ملء الفضاء الإلكتروني بموضوعات شديدة الأهمية تعزز الحس الإيماني والوطني، وليس من الحكمة أن نترك هذا المجال لغيرنا دون أن يكون لنا فيه نصيب من الدعوة والمشاركة الفاعلة أو نترك الفضاء الواسع للجماعات الضالة تعبث فيه بأفكار الناس وقد دربنا الآلاف من الأئمة على برامج الدعوة الإلكترونية.

وأطلقت وزارة الأوقاف مشروعا خاصا بالدعوة الإلكترونية لمقاومة عمليات الاستقطاب والتجنيد التي تقوم بها تيارات متشددة في الخفاء، مثل الإخوان والسلفيين، بعدما تبين للمؤسسات الدينية أنها تعتمد على متصفحي شبكة الإنترنت ومنصات التواصل وليس رواد المساجد والزوايا الصغيرة عقب إحكام القبضة الأمنية عليها.

وتقوم خطة الحكومة المصرية على إطلاق العشرات من الصفحات والمواقع والقنوات الإلكترونية للتواصل مع الجمهور لنشر الدعوة والتثقيف والرد على أطروحات المتطرفين وأفكارهم وفتاواهم ومواجهة الكتائب الإلكترونية، على أن يكون ذلك عبر تقنيات تكنولوجية عالية تم تدريب الوعاظ التابعين لوزارة الأوقاف على استخدامها.

ونقل المتشددون في مصر معركتهم مع الحكومة من ساحات المساجد إلى الفضاء الإلكتروني، واستفادوا من تركيز المؤسسات الدينية الفترة الماضية على الخطب التقليدية والفتاوى النمطية والدخول في معارك جانبية حول قضايا جدلية ليست من صميم عملها، ما ساعد على تغلغل التطرف في منصات التواصل.

ويبدو أن سعي وزارة الأوقاف لمجاراة المتطرفين إلكترونيا محاولة لتبرئة ساحتها من تهمة التخاذل التي تطاردها بتأخرها عن الانخراط في مجال الدعوة الإلكترونية، على الرغم من أن دار الإفتاء سبقتها وأنشأت مرصد الفتاوى التكفيرية المختص برصد ما يبثه المتطرفون، وأنشأ الأزهر مرصد الأزهر لتتبع ما ينشره المتشددون والرد عليه.

وتأبى وزارة الأوقاف أن تتحوّل الساحات الإلكترونية في مصر إلى منابر بديلة عن المساجد يسيطر عليها متطرفون تم إقصاؤهم من دور العبادة، على مستوى الإمامة والخطابة، بحيث لا تظهر في صورة المؤسسة المتخاذلة عن إحكام القبضة على المجال الدعوي بشكل تكون له تداعيات سلبية على الدولة.

وتدرك الحكومة أن متطرفي الشبكة العنكبوتية في خصومة معها، ويتحركون بناء على خطة تستهدف نشر التطرف الفكري والثقافي وتغييب الوعي والتشكيك في الخطاب الرسمي، وضرب العلاقة بين المسلمين والأقباط لإثارة الفتنة المجتمعية.

ويغيب عن وزارة الأوقاف، وهي تتحرك لمحاصرة التطرف على الفضاء الإلكتروني، أن الواعظ الحكومي المنتمي إلى المؤسسة الدينية الرسمية لا يملك أحيانا حرية التحرك بشكل يجعله قادرا على مواجهة العناصر المتطرفة على منصات التواصل، فهو مكبل بقائمة محظورات، بينها عدم التطرق إلى السياسة وتجاهل القضايا الجدلية.

ولأن المتطرفين يستثمرون القضايا الجدلية لتجميع الجمهور حولهم ومتابعتهم، فالداعية الإلكتروني يصطدم بأنه ملزم بقول وفعل ما يتفق مع رؤية وزارة الأوقاف في حسمها لملفات دينية واجتماعية مثيرة، وملتزمة بتوجهات الدولة، ولو كانت تلقى تحفظات مجتمعية، ما يشكك في الخطاب الرسمي الإلكتروني.

ويفتقد البعض من الأئمة التابعين لوزارة الأوقاف الحد الأدنى من التحرر الفكري والديني عند الرد على حجج المتشددين، فهم ملتزمون بما يُملى عليهم وما خضعوا له من تدريبات، وهم ليسوا مستقلين في الرأي والتوجه حتى لا يتعرّضوا للمساءلة إذا خرجوا عن النص، كأن يتم إقصاؤهم من العمل الدعوي، ولذلك يضطرون للحديث بنبرة منسجمة مع الخطاب الرسمي المعلن.

وعندما تحدث وزير الأوقاف عن مواجهة التطرف الإلكتروني قال “سوف نملأ الفضاء الرقمي بموضوعات تعزز الحس الإيماني والوطني”، في إصرار على استثمار الدعوة للنفاق السياسي، لأن الباحثين عن المعلومة وتفسيرها لا تتم مخاطبتهم بشكل يعزز الولاء والانتماء أو التعامل معهم على أنهم في حاجة إلى دروس في الوطنية.

ويرتبط هروب الكثير من الناس لاستفتاء دعاة وشيوخ في الفضاء الإلكتروني بأزمة الخطاب الدعوي التقليدي الذي لا يلبّي احتياجات المجتمع، ومن الطبيعي أن تنتقل نظرة المتلقي والمستمع من خطبة المسجد الروتينية إلى شيوخ شبكات التواصل، وهذه معضلة لم تنتبه لها جيدا المؤسسة الدينية أو تدرك سلبياتها مستقبلا.

وقد يكون تم تدريب الآلاف من الأئمة والوعاظ على التقنيات التكنولوجية لتسهيل مهمة التواصل مع متصفحي الإنترنت ومبارزة أصحاب الفكر المتطرف، لكن العبرة ليست في المتحدث وعلى ماذا تدرب، بل في مضمون أفكاره وقناعاته الدينية.

وقال الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي منير أديب إن أيّ دعوة دينية في الفضاء الرقمي بعيدة عن تطلعات الشارع لن تحقق المرجوّ منها، ومشكلة بعض الأئمة أنهم ملتزمون بخطاب نمطي لا يحيدون عنه، عكس العناصر المتشددة التي تبحث عن قضايا تشغل بال الناس لتنبش فيها وتستقطب هواة البحث عن حسمها دينيا.

وأضاف لـ”العرب” أن الدعاة الإلكترونيين ليس مطلوبا منهم الدفاع عن رؤية الحكومة في أيّ مسألة دينية كي لا يؤثر ذلك على أفكارهم وأسانيدهم ورؤيتهم للموضوعات المطروحة على الفضاء الرقمي، المهم أن يكونوا وسطيين ولديهم قدرة على الإقناع والرد بالحجج والأسانيد الصحيحة، وجاذبين للشريحة المستهدفة.

وأكد أن منسوب التشدد على الفضاء الإلكتروني سوف يظل في تزايد ما لم يتم تجديد الخطاب الدعوي الرسمي، فالكثير من متصفحي المواقع والصفحات الدينية ليسوا متشددين، ولا يعرفون هوية أصحابها ويتصفحون من باب الفضول وحب المعرفة، فهذه الصفحات تعتمد على طريقة بسيطة في الإقناع يجب أن تتوافر في أدوات الدعوة الإلكترونية للمؤسسة الدينية الرسمية.

ويعد إطلاق الدعاة الإلكترونيين في الفضاء الرقمي خطوة مطلوبة، غير أنها جاءت متأخرة بعض الشيء وكرد فعل على تنامي نفوذ أصحاب الفكر المتطرف، وهي أزمة الكثير من المؤسسات الدينية في مصر، إذ لا تسبق المتشددين وتكتفي بالرد عليهم، أو التدخل لمبارزتهم فكريا، بعد أن نجحوا في تكوين قاعدة شعبية وتوفير احتياجات الناس قبل اللجوء إلى دعاة التشدد الفكري.

ومهما بلغت قدرة الداعية الإلكتروني وإمكانياته واحترافيته سوف يظل يعاني من تصنيفه كتابع للحكومة، وهي ثغرة يستغلها المتطرفون للتشكيك في أهدافه، ما يفرض على المؤسسة الدينية الرسمية أن تمنح دعاتها في الفضاء العام حرية الحركة واستقلالا في الرأي وشجاعة المواجهة كي لا يُعطي الفرصة للمتشدد للطعن في صورته وتوجهاته، فالنجاح في مواجهة المتطرفين لا يحتاج دعاة موظفين.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية