مشروع الدستور التونسي يفجر حالة من الجدل... ما موقف حركة النهضة؟

مشروع الدستور التونسي يفجر حالة من الجدل... ما موقف حركة النهضة؟


13/07/2022

حالة من الجدل تفجرت في تونس في أعقاب قيام الجريدة الرسمية "الرائد" بنشر مشروع الدستور التونسي الجديد في 30 حزيران (يونيو) الماضي، الذي دعا فيه الرئيس قيس سعيّد المواطنين إلى التصويت عليه بـ"نعم"، قائلاً إنّ "مشروع الدستور الجديد يُعبّر عن روح الثورة، ولا يمسّ أبداً الحقوق والحريات".

جدير بالذكر أنّ رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية في تونس الصادق بلعيد هاجم النص المنشور في الجريدة الرسمية، قائلاً: إنّ "النص الصادر عن رئاسة الجمهورية ينطوي على مخاطر ومطبّات جسيمة"؛ وهو الأمر الذي تسبب في حدوث سجالات ونقاشات حادة حول مشروع الدستور.

تعديلات أم إصلاحات؟

الرئيس التونسي قيس سعيّد أعلن في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أنّ هناك "بعض الأخطاء تسربت إلى مسودة الدستور، وجب إصلاحها وتصويبها". وأضاف أنّها "أخطاء في الشكل أو في الترتيب، وهو أمر معروف مألوف في نشر سائر النصوص القانونية، وفي الأحكام والقرارات القضائية"، مستطرداً: "هذه الأخطاء من حسن الحظ أنّه بالإمكان تصويبها، وهو ما سيحصل اليوم، وذلك بإضافة جملة من التوضيحات درءاً لكلّ التباس"، مؤكداً أنّ "كل النصوص القانونية ليست بمنأى عن التأويلات، وإلا لما كان وجود لفقه القانون".

وبناء عليه، نشرت الجريدة الرسمية يوم الجمعة 8 تموز (يوليو) الجاري الأمر الرئاسي رقم (607) لعام 2022، والذي يتعلق بإصلاح ما وصف بأنّه أخطاء تسربت إلى مشروع الدستور المنشور، بمقتضى الأمر الرئاسي رقم (578)، لكنّ حالة الجدل القائمة حول التعديلات الطارئة على مشروع المسودة الأولى للدستور ما زالت قائمة.

بلعيد: النص الصادر عن رئاسة الجمهورية ينطوي على مخاطر ومطبّات جسيمة

أبرز التعديلات جاءت على الفصل (55) المختص بالحقوق والحريات، والذي أصبح كالآتي: "لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور، إلّا بمقتضى قانون، ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي، وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العمومية".

أيضاً الفصل الــ (90) المتعلق بالترشح لمنصب رئاسة الجمهورية شمله التعديل، وجرى توضيح مدة تولي منصب الرئاسة بإضافة الجملة التالية: "ولا يجوز تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين أو منفصلتين". وتمّ إدخال تعديلات على الفصل (96) المختص بالتدابير الاستثنائية، وكذا إجراءات تسمية القضاة الواردة في الفصل (120).

وكذلك جرت تعديلات على الفصل الـ(5) المتعلق بمدنية الدولة، والذي أثار حالة كبيرة من الجدل في نسخة 30 حزيران (يونيو) ليصبح كالتالي: "تونس جزء من الأمّة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل، في ظل نظام ديمقراطي، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف، في الدفاع على النفس والعرض والمال والدين والحرية".

الرئيس التونسي قيس سعيّد أعلن في مقطع فيديو أنّ هناك "بعض الأخطاء تسربت إلى مسودة الدستور، وجب إصلاحها وتصويبها"

الكاتب والمحلل السياسي التونسي نزار الجليدي خصّ "حفريات" بتصريحات قال فيها: إنّه لا بدّ من الوقوف على مسألة مهمّة في التعديلات المدخلة على مشروع الـ30 من شهر حزيران (يونيو)، مع التأكيد على أنّها تعديلات، وليست إصلاحات اقتضتها أخطاء تسربت، لافتاً إلى أنّ هذه الصراحة لا تخجل، ولا بدّ من قولها بالنظر إلى تداعياتها المهمّة.

 أهم تعديل من حيث القيمة، بحسب الجليدي، هو المدخل على الفصل الـ60؛ لأنّ غموض المشروع الأول كان بمثابة الطريق المفتوحة نحو الديمقراطية المباشرة، وحتى النظام المجالسي الذي تبرز معالمه من خلال المحيط الإيديولوجي للرئيس.

بعد تعديل 8 تموز (يوليو) قُطعت هذه الطريق، وأصبح انتخاب الغرفتين النيابيتين انتخاباً عاماً حراً مباشراً، وهذه مسألة جوهرية إلى أبعد الحدود، بحسب الجليدي، أمّا المسألة الجوهرية المهمّة أيضاً التي يجب الوقوف عندها، فهي التعديل المدخل على الفصل (139) من مشروع 30 حزيران (يونيو)، الذي كانت صيغته الأصلية تشكل قفزة على نتيجة الاستفتاء (سلبية انتهت أو إيجابية)، وتبنّي المشروع الجديد، بصرف النظر عن ذلك، وفي هذه الصيغة تسلط على إرادة الناخب والمواطن، وإفراغ للاستفتاء من كل قيمة، ممّا يجعله غير ذي موضوع.

نزار الجليدي: أهم تعديل من حيث القيمة هو المدخل على الفصل الـ60؛ لأنّ غموض المشروع الأول كان بمثابة الطريق المفتوحة نحو الديمقراطية المباشرة، وحتى النظام المجالسي الذي تبرز معالمه من خلال المحيط الإيديولوجي للرئيس

 وبالتالي؛ فإنّ تعديل 8 تموز (يوليو)، وعلاوة على ضرورته للقطع مع هذه النتيجة المحسومة بصورة قبلية، نجح في ضمان مسألتين هما:

الأولى: إعادة الموضوع إلى الاستفتاء، والإبقاء على حقّ المواطن والناخب في إبداء رأيه، وإقناعه بأنّ له رأياً، وأنّ هذا الرأي سوف يكون محترماً، هذا بصرف النظر عن مبدأ حسن النية.

المسألة الثانية: هي الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية، وفي ذلك قطع مع كل الفرضيات التي يرددها البعض، وضمان لعودة الحياة البرلمانية، والالتزام بإصدار القانون الانتخابي في أقرب الآجال.

حركة النهضة تدعو إلى المقاطعة

لم تتوقف حركة النهضة طويلاً أمام مشروع 30 حزيران (يونيو) أو تعديلات 8 تموز (يوليو)، وإنّما طالبت بشكل حاد بمقاطعة الاستفتاء على مشروع دستور الجمهورية الجديدة، المقرر أن يتمّ في 25 تموز (يوليو) الجاري، ذلك أنّ إقرار التعديلات يعني ببساطة إسدال الستار على محاولات الحركة الرامية إلى العودة لما قبل 25 تموز (يوليو) الماضي، وإنهاء هيمنتها بشكل رسمي على المشهد السياسي، مع فتح الطريق أمام محاكمة قياداتها، ومصادرة أموالها، وهو ما شرع فيه القضاء التونسي بالفعل.

الجليدي: يجب التأكيد على أنّ التعديلات المدخلة ليست إصلاحات اقتضتها أخطاء تسربت

المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري قال في مؤتمر صحفي عقدته النهضة: "ندعو إلى مقاطعة الاستفتاء؛ لأنّ ما يمكن التصويت عليه ليس في مصلحة التونسيين". وزعم أنّ مشروع الدستور "يشرّع بناء نظام تسلطي استبدادي"، مدعياً أنّه جاء بصياغة فردية على مقاس الرئيس، ولم يصدر عن الشعب التونسي، ولا عن حوار وطني.

من جهته، قرّر الاتحاد العام التونسي للشغل في 2 تموز (يوليو) الجاري المشاركة في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، مع ترك حرية التصويت لأعضاء النقابات بـ (نعم أو لا)، الأمر الذي أربك مخططات حركة النهضة التي كانت تعوّل كثيراً على قيام الاتحاد بمقاطعة الاستفتاء.

 

مواضيع ذات صلة:

لماذا يعارض اتحاد الشغل التونسي مسار قيس سعيّد؟

تعديل الدستور التونسي.. لماذا ترفضه حركة النهضة الإخوانية؟

عن أية عواقب كارثية يتحدث محافظ البنك المركزي التونسي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية