مدن عراقية تحتجّ على غلاء المعيشة: مَن هم التجّار الطفيليون؟

مدن عراقية تحتجّ على غلاء المعيشة: مَن هم التجّار الطفيليون؟


15/03/2022

لم تذعنْ مدن جنوب العراق إلى تطميناتِ الحكومة المركزية وسلسلة إجراءاتها الأخيرةِ بشأنِ احتواء أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وعدم تعريض الأمن الغذائي إلى الخطر، إلا أنّ المحتجينَ الذين خرجوا بداية الأسبوع الماضي، ما يزالون يواصلونَ احتجاجاتهم ضدّ الفسادِ الحكومي، وغلاء المعيشة، وارتفاع نسبة الفقر التي وصلت نسبتها إلى 31%، وفقاً لآخر إحصائياتٍ رسمية. 
ويؤشرُ استمرار الاحتجاجات إلى عدم ثقة الشارع المحلي، بالقرارات الحكومية بشأنِ بالعلاوات المالية العاجلة لموظفي الدخل المحدود، والمستفيدينَ من خدمة الرعاية الاجتماعية، وذلك لجهةِ سيطرة "الاقتصاديات السياسية" على وزارتي التجارة والعمل والشؤون الاجتماعية، فضلاً عن تعلّق مجمل القرارات المالية، بالموازنة الجديدة التي يُنتظر إقرارها من قبل البرلمان الجديد. 

محتجون في محافظة ذي قار ينتقدون الصراع السياسي على السلطة في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية في البلاد

وتعزو وزارة التجارة العراقية أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى تقارير الأمم المتحدة بشأن "تفاقم المجاعة في العالم"، إثر الحرب الروسية الأوكرانية، وتهويل المنصات الإعلامية لتقارير كهذه، مما دفعَ المواطنينَ إلى الإقبال والطلب من السوق المحلية، وارتفاع الأسعار فيها، فيما يرى خبراء اقتصاديون أنّ الأزمة يقفُ خلفها "تجّار أزمات"، مدعومينَ سياسياً وحكومياً، لغرضِ الكسبِ على حسابِ المواطن بشكلٍ عام.
تواصل الاحتجاج في الجنوب
وعلى الرغم من التطمينات الحكومية، إلا أنّ عدةَ مدنٍ جنوبيةٍ ما تزال تواصلُ احتجاجاتها على سوءِ إدارةِ الأمن الغذائي، وارتفاع الأسعار، ونسبة البطالة بين الشباب التي وصلت إلى 40% وخرجت مدن ميسان وذي قار والمثنى وكربلاء بتظاهراتٍ نددتْ بالأداء الحكومي في العاصمة بغداد.
وتحدّثَ الناشطُ الميساني عامر كاظم، لـ "حفريات"، عن واقعِ مدينتهِ ميسان، باعتبارها "إحدى مدن الهامش المتخمة بالمعوزينَ والفقراء والمنسيِّين، وضحايا الخراب"، مشيراً إلى أنّ "الفقراء هنا يطاردونَ رزقهم وكأنّ رصاصة تلاحق أحدهم لتقتله؛ فالجوع هو الهاجس القاتل والمخيف، تحوّل إلى كابوس يلاحقُ الطبقات العراقية المعدمة". 

على الرغم من التطمينات الحكومية إلا أنّ عدةَ مدنٍ جنوبيةٍ ما تزال تواصلُ احتجاجاتها على سوءِ إدارة الأمن الغذائي، وارتفاع الأسعار، ونسبة البطالة بين الشباب وصلت 40%


وتابع قوله: "ووفق منطق الاقتصاد المعولم ليس هناك منطقة أو بلد خارج تغطية الأزمة، لا سيما أنّ العراق من حيث التصنيف الاقتصادي ينتمي للاقتصاد الريعي الذي يعتمدُ بالكامل على ما تجودُ بهِ الطبيعة من نفطٍ ليحولَ مداخيل النفط إلى موادٍ غذائية، وكلّ ما يلزم الاستهلاك وضرورات الحياة وكمالياتها".
 وأشارَ إلى أنّ "المعالجات الترقيعية للحكومة لا تجدي نفعاً، ولا يمكن أن تبدّدَ كلّ مخاوفهم، في بلدٍ الفقرُ فيهِ لا يعني أنّك لا تحصل على قوتِ يومك، بل يعني أنّك مسكون بهاجس الخوف الأبدي لمستقبلٍ مجهول، لا يمكن أن تستكينَ لتحولاتهِ المخيفة".     

الاستثمار السياسي لموارد الدولة

وأدّى خضوع الوزارات العراقية لهيمنةِ الكتل السياسية إلى جعلِ وارداتها الاقتصادية بخدمةِ اللجان الاقتصادية التابعة لتلك الكتل، وليس الصالح العام، وهذا ما درَجَتْ عليهِ العادة؛ داخل النظام السياسي القائم على أساس المحاصصة الطائفية والقومية، منذ سقوط نظام صدام حسين في نيسان (أبريل) 2003، ومنذُ حكومة حيدر العبادي (2014-2018) ولغاية حكومة تصريف الأعمال الحالية، برئاسة مصطفى الكاظمي، أثبتَ الواقع السياسي أكذوبة ما يسمى بـ "الوزراء التكنوقراط"، الذين ترشّحهم الكتل السياسية النافذة، التي تمرّر الحكومة عبر البرلمان، وتعدّ وزارة التجارة إحدى تلك الوزارات التي يعودُ ريعها إلى كتلةٍ سنيةٍ فاعلةٍ في الائتلاف السياسي للحكومة. 

ارتفاع المواد الغذائية تثير سخط الشارع العراقي وتنديدات بفساد الأحزاب الحاكمة

مصدر سياسي مطّلع، كشفَ لـ "حفريات"؛ أنّ "بداية ارتفاع أسعار المواد الغذائية بدأت منذ 6 أشهر، حينما ارتفعَ سعر رغيف الخبز المحلي إلى أكثر من الربع عمّا كان عليهِ سابقاً"، مبيناً أنّ "المواطن استشعرَ ذلك، لكنّ صوتهُ لم يرتفع، لأنّ الرغيف هو المادة الوحيدة التي ارتفعت عن بقية المواد".

اقرأ أيضاً: موجة تضخمية عالمية تطال العراق .. ما علاقة الحرب الأوكرانية؟
و عزا بداية ذلك الأمر إلى "استيراد وزارة التجارة لمادة الطحين من تركيا، بفواتير مالية تضاعف فاتورة السوق المحلي"، لافتاً إلى أنّ "خطوة  كهذه تتمّ بين الكتلة السياسية الماسكة لوزارة، وحليفها الإقليمي". 

التجارة: الإشاعات أربكت الناس
وجاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العراقية بالتزامنِ مع ارتفاع أسعار النفط الخام إلى أكثر من 130 دولاراً في الأسواق العالمية، وسط مخاوفٍ من تعطل الإمدادات بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، وردّت وزارة التجارة العراقية بشأنِ الحديث عن تقصيرها في الحفاظِ على الأمن الغذائي المحلي، مؤكدةً أنّ السلة الغذائية المدعومة "متوافرة"، والوضع ما يزالَ تحت السيطرة. 

الخبير الاقتصادي ملاذ الأمين لـ"حفريات": الحكومة العراقية بإمكانها السيطرة على أسعار المواد الغذائية؛ إذ تتكفل بتزويدِ العوائل العراقية بتلك المواد، عبر البطاقة التموينية مقابل مبالغ زهيدة

مدير دائرة الرقابة التجارية والمالية في الوزارة، محمد حنون، قالَ في تصريحٍ متلفز؛ إنّ "ما حصلَ من ارتفاع في أسعارِ المواد الغذائية، سببهُ تقارير الأمم المتحدة بشأنِ حدوث تفاقم في المجاعة بالعالم، وتفاعل منصات التواصل الاجتماعي مع أخبار كهذه، خوّف الناس كثيراً، مما جعلهم يقبلونَ على الشراءِ والطلب من السوق المحلية، وهذا ما أدّى إلى أنّ الأسعار ترتفع بشكلٍ كبير".

اقرأ أيضاً: احتجاجات في العراق: هل تنطلق من جديد "ثورة الجياع"؟

وأكّد أنّ "المواد الغذائية ما تزال موجودة والأسواق ممتلئة بها، ونحن في وزارة التجارة نطمئنُ الشعب العراقي بأنّ السلة الغذائية متوافرة، وتتكوّنُ من سبع مفرداتٍ رئيسة"، مبيناً أنّ "ما أصدرتهُ الحكومة مؤخراً بشأنِ تدارك أزمة ارتفاع الأسعار، هي مقترحات قدمتها وزارة التجارة".

دعوة لمعاقبة التجّار

واتخذت حكومة الكاظمي، الثلاثاء الماضي، عدة إجراءاتٍ للسيطرةِ على الأزمة التي هددت الأمن الغذائي في البلاد، حيث قررت دعم رواتب شريحة واسعة من العراقيين، من بينهم المتقاعدون ممن يتقاضون راتباً أقل من مليون دينار شهرياً (681 دولاراً)، والموظفون ممن يتقاضون راتباً أقل من 500 ألف دينار شهرياً (341 دولاراً)، بمبلغ مئة ألف دينار (نحو 70 دولاراً) شهرياً.

ويرى الخبير الاقتصادي ملاذ الأمين؛ أنّ الحكومة العراقية بإمكانها "السيطرة على أسعار المواد الغذائية؛ إذ تتكفل بتزويدِ العوائل العراقية بتلك المواد، عبر البطاقة التموينية مقابل مبالغ زهيدة"، مطالباً بـ "السيطرة على الأسواق من خلالِ مراقبتها وفرضِ غراماتٍ وعقوباتٍ على التجّار الذينَ يرفعونَ الأسعار". 

الخبير الاقتصادي ملاذ الأمين: وزارتا الزراعة والموارد المائية، مطالبتان، بزيادة مساحات الأراضي المخصصة للمحاصيل الأساسية

وأكّد لـ "حفريات"؛ أنّ "وزارتي الزراعة والموارد المائية، مطالبتان، بزيادة مساحات الأراضي المخصصة للمحاصيل الأساسية، والمحاصيل التي تشكّلُ مواد أساسيةً لصناعةِ الزيوت الغذائية". 

لكنّ الكاتب عادل الجبوري رأى أنّ تضاربَ تصريحات المسؤولين العراقيين بشأن الأزمة تعرّض الأمن الغذائي للخطر، و"تكشفُ للجميع أنّ العراق لا يملك أيّ خزين إستراتيجي للمواد الغذائية، وهذا ما يعطي الضوء الأخضر لتجّار القطاع الخاص برفعِ الأسعار، وتدمير  الاقتصاد الوطني". 

تجّار "طفيليون" مدعومون سياسياً 
لم تتضح رؤية النظام السياسي الحالي، بشأنِ هويتهِ الاقتصادية وكيفية إدارتهِ لمؤسسات الدولة وفق معيارية اقتصادية معينة، وهذا على عكس الأنظمة الجمهورية السابقة التي كانت تعتمد نظاماً اشتراكياً واضح المعالم، إلا أنّ فقدان النظام الحالي لهويتهِ الاقتصادية أفرزَ صنفينِ من التجّارِ في البلاد. 

ويقول الرئيس السابق لغرفة تجارة بغداد، حسن الشيخ زيني؛ إنّ "الدولة العراقية تفتقرُ إلى التخطيط الاقتصادي الرصين، لأنّ شكل الدولة الاقتصادي، لحدّ الآن لم يتّضح، هل هو رأسمالي أم اشتراكي أو مشترك، كي يكون للقطاع الخاصِ رؤيةً واضحةً إزاء ذلك"، مبيناً أنّ ضبابية الموقف الاقتصادي "تتيح للقطاع العام، بأن يرمي أخطاءه على القطاع الخاص".

اقرأ أيضاً: العراق الذي أهله ليسوا ببشرة بيضاء وعيونهم ليست زرقاء.. كيف تعامل العالم مع الحرب عليهم؟

وأضاف: "في العراق، لدينا نوعان من التجّار، الأول هم التجّار الطفيليون، من ذوي الأموال غير النظيفة، التي تأتي عن طريق الفساد الحكومي وتجارة المخدرات والمقاولات المشبوهة، وغيرها، والنوع الثاني هم التجّار الحقيقيون، الذين يساهمونَ بشكلٍ فعليٍّ في دعم المواطن والدولة في الأزمات، عبر تقديم المعونات الغذائية، في شهر رمضان، والزيارات الطقوسية الدينية المليونية، وأيام القتال ضدّ تنظيم داعش الإرهابي". 

وأكّد أنّ "التجّار الحقيقيينَ يجازفون بأموالهم؛ لذا هم ليسوا سبباً في ارتفاع الأسعار، لأنّ سبب ارتفاع الأسعار هم التجّار الطفيليون ومحتكرو السوق، وهم مدعومون من قبل السياسيين، وبعض المسؤولين في الحكومة". 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية