مخيم "الهول".. مركز "خلافة صغير" يعيد بناء تنظيم "داعش" في إدلب

مخيم "الهول".. مركز "خلافة صغير" يعيد بناء تنظيم "داعش" في إدلب


10/06/2021

أفردت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرا استند إلى شهادات مسؤولين وخبراء وسجناء في مخيم "الهول" في سوريا يشرح بشكل مفصل خطط تنظيم "داعش" لإعادة بناء نفسه عبر سيطرته على المخيم وتهريب السجناء من خلال شبكات واسعة وعمليات جمع أموال ونقل قادته إلى إدلب.

ويشير التقرير إلى الحوادث الأخيرة التي شهدها المخيم، الواقع في شمال شرق سوريا والذي تجد "قوات سوريا الديمقراطية" صعوبة في السيطرة عليه رغم محاولاتها الأخيرة.

وتقول وول ستريت جورنال إن مخيم اللاجئين الذي تم إنشاؤه لإيواء النساء والأطفال بعد هزيمة تنظيم "داعش" تحول إلى "خلافة صغيرة بحد ذاتها" حيث تغذي القيادات النسائية أيديولوجية الجماعة العنيفة وتدير مخططات لجمع الأموال من أجل إبقاء التنظيم على قيد الحياة خارج أسواء المخيم.

وسجلت السلطات التي تحكم المخيم أكثر من 40 جريمة قتل، 10 منها على الأقل بقطع الرؤوس، منذ بداية العام. 

ومعظم الضحايا في المخيم، الذي تبلغ مساحته 736 فدانا، هم أشخاص اتهمهم "داعش" بالتعاون مع السلطات التي تدير المخيم، وفقا لمركز "روج آفا"، وهو منظمة أبحاث مستقلة مقرها شمال شرق سوريا.

وفي أواخر العام الماضي، تعرضت امرأة عراقية للخنق أمام أطفالها بسلك كهربائي بعد أن نشرت مقطع فيديو على إنستغرام وهي ترقص في خيمتها، وهو ما يخالف القواعد التي فرضها التنظيم المتشدد، بحسب أشخاص على اتصال بها بأشخاص في المخيم. وفي 20 مارس، قُتلت عراقية أخرى تبلغ من العمر 18 عاما بعد اتهامها بأنها مخبرة، على حد قول هؤلاء الأشخاص.

ويعيش في المخيم نحو 70 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وكثير منهم كانوا قد نزحوا بسبب الحرب في سوريا والمعارك ضد "داعش"، وتشير تقديرات إلى أن هؤلاء ينحدرون من حوالي 60 دولة، لكن غالبيتهم من العراقيين.

وتأتي هذه المعلومات وسط دعوات وجهود دولية تهدف إلى نقل اللاجئين من المخيم إلى دولهم الأصلية، والكثير منهم من دول أخرى غير العراق وسوريا، خاصة مع زيادة المخاوف من نزعة التطرف.

وفي زيارة غير معلنة إلى سوريا، الشهر الماضي، عبّر الجنرال الأميركي، فرانك ماكينزي، عن تفاؤله بانتقال الأسر من "الهول" بعد أن كان قد حذر مرارا من أن الشباب في المخيمات باتوا متطرفين وسيشكلون الجيل القادم من المقاتلين الخطرين.

وقال: "ستكون الخطوة الأولى للعديد من عمليات إعادة (اللاجئين إلى وطنهم)، وأظن أن ذلك سيكون المفتاح نحو خفض العدد في 'الهول'، وبالطبع في مخيمات أخرى في أنحاء المنطقة كافة".

وأكد مسؤول أميركي كبير أن نقل الأشخاص من المخيم يعتبر أحد ملفات عدة تناقشها الحكومتان الأميركية والعراقية، ضمن سعيهما لوضع خارطة طريق للعلاقات الدبلوماسية والعسكرية المقبلة بينهما.

وتقول وول ستريت جورنال في تقريرها إن "قوات سوريا الديمقراطية"، المدعومة من الولايات المتحدة، تفتقر إلى الموارد اللازمة لتأمين المخيم بشكل صحيح، وتلقي باللائمة على هجوم تركي وقع، في 2019، في شمال سوريا أضعف قدرتها على التأمين، ما أدى إلى هروب المئات.

ورفضت معظم الدول الغربية بشكل منهجي إعادة مواطنينها الذين انتقلوا إلى سوريا أثناء صعود تنظيم "داعش". ويقول تقرير الصحيفة إن "ما تبقى من "داعش" يحاول تحقيق أقصى استفادة من الجمود الدولي". 

جمع الأموال والتهريب في "غوانتانامو الأوروبية"

وفي شرح لمدى سيطرة داعش على التنظيم، تقول الصحيفة إن في المخيم الذي يشبه الأحياء الفقيرة والذي يطلق عليه اسم "غوانتانامو الأوروبية"، يفرض التنظيم نسخته المتشددة من الإسلام، ويسرب بعض المعتقلين إلى معاقله في سوريا ويحصل على ملايين الدولارات التي يجمعها المتعاطفون لإطلاق سراحهم.

ويقول التقرير إن العديد من الأجانب الذين يتحدثون اللغة الإنكليزية أو الروسية يديرون عمليات جمع الأموال، بحسب ما تظهره حسابات وسائل التواصل الاجتماعي تسعى لتمويل عمليات تهريبهم.

وقالت الأمم المتحدة في تقرير حديث إن الجهود المبذولة لإخراج النساء من المخيم خلقت مصدرا جديدا للأموال لـ"داعش"، الذي يحتفظ بجزء من المبالغ التي يتم جمعها من المتعاطفين معه.

ويتم إطلاق العديد من حملات جمع التبرعات من داخل المخيم ذاته، حيث تناشد النساء بشكل مباشر المؤيدين الذين يستخدمون الهواتف المحمولة المهربة.

وأقامت امرأة من ميناء جدة السعودي تحمل اسما مستعارا هو "أم يعقوب الزهراني" قنوات على وسائل التواصل الاجتماعي تنشر بشكل متكرر طلبات لتمويل النساء اللواتي يحاولن الهروب من المخيم، بحسب عملاء استخبارات غربيين.

وقالت عراقية هاربة تحمل اسم "أم يحيى" كانت متزوجة من مسؤول كبير في "داعش" قُتل في غارة جوية، إن المرأة السعودية هي قائدة في التنظيم، مشيرة إلى أنها أعطتها ذات مرة مبلغ 300 دولار، ثم ساهمت لاحقا بمبلغ 1800 دولار لتمويل هروبها إلى تركيا، وفقا للصحيفة.

وقالت "أم يحيى: "قد يكون 'داعش' ضعيفا الآن لكنه سيعود بقوة أكبر في المستقبل".

إعادة بناء "الخلافة" في إدلب

وتم نقل زوجات كبار قادة التنظيم الذين كانوا أول من تم تهريبهم من المخيم إلى إدلب، في شمال غرب سوريا والذي أصبح الملاذ الآمن الرئيسي للتنظيم. 

ويلعب الفارون هناك حاليا دورا رئيسيا في إعادة بناء قدرة "داعش"، وفقًا لما ذكره عميل استخباراتي أميركي ومسؤول كردي سوري عن الأمن في "الهول".

وقال المسؤول: "جميعهم يقولون إنهم يريدون العودة إلى ديارهم"، لكن الحقيقة هم يريدون الذهاب إلى إدلب لأن "داعش" يعيد بناء خلافته هناك.

ويشير التقرير أيضا إلى أنه في الأشهر الأخيرة، عاد هاربون من "الهول" إلى السويد وهولندا وفنلندا وبلجيكا، وفقا لسجلات قضائية ومسؤولين في مكافحة الإرهاب.

وأثار النزوح الجماعي من "الهول" قلق خبراء مكافحة الإرهاب، لأنه بمجرد هروب النساء والأطفال من المخيم، يصعب على الحكومات تتبعهم حتى عندما يكون مكان وجودهم معروفا.

ويقول مسؤولون في مكافحة الإرهاب غربيون إن بعض الأطفال الذين تم تهريبهم انضموا إلى الحركات المسلحة في سوريا والعراق. 

ويعد تصاعد الهجمات مؤخرا دلالة على تعاظم قوة التنظيم، ففي فبراير، وقع 29 هجوما مقارنة بستة فقط في يناير 2020، وفقا لـ"مشروع مكافحة التطرف" ومقره نيويورك.

نمو شبكات التهريب

ويستعرض التقرير نمو شبكات التهريب التي يستخدمها التنظيم لإخراج اللاجئين من المخيم، ويشير إلى أن أسعار المهربين تبدأ من حوالي 16 ألف دولار لكل امرأة أجنبية يتم إخراجها إلى تركيا مع طفلين أو ثلاثة.

وبالنسبة للعراقيين والسوريين، تكون التكلفة أقل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قصر رحلة العودة، وفقا لنساء تم القبض عليهن وهن يحاولن الفرار.

وخلال جولة أخيرة في "الهول"، أشار أحد الحراس إلى فجوة في السياج كبيرة بما يكفي ليتمكن شخص بالغ من اختراقها، ويقول إن الأطفال يقومون بإحداث ثقوب بالحجارة أو غيرها من الأدوات الحادة.

وبسبب مخاوفها من زيادة عدد حالات الفرار، كثفت "قوات سوريا الديمقراطية" جهودها لاختراق شبكات التهريب والقيام بمداهمات.

وقالت القوات إن وحداتها الخاصة، بدعم من المراقبة الجوية للتحالف الدولي، ألقت القبض في 25 يناير على مهرب يقوم بتهريب أعضاء من التنظيم من "الهول".

وتم تشديد الوصول إلى المخيم، حيث يقوم حراس بالتحقق من الأشخاص والمركبات لمنع محاولات الهروب. وتعمل سلطات المخيم أيضا على إعادة بناء السياج بمواد أقوى، ونُقل المئات من النساء والأطفال الأجانب الذين تم القبض عليهم وهم يحاولون الفرار من "الهول" إلى مخيم يخضع لرقابة مشددة.

لكن التقرير يشير إلى أن التنظيم لا يزال ينفذ عملياته وزادت سيطرته على المخيم رغم هذه الجهود.

عن "الحرة"

الصفحة الرئيسية