ما هي دوافع أردوغان لتوريط تركيا في أزمة أرمينيا - أذربيجان؟

ما هي دوافع أردوغان لتوريط تركيا في أزمة أرمينيا - أذربيجان؟


19/07/2020

ما يزال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يفتح جبهات جديدة أمام بلاده، دون أن يغلق أيّاً منها فيما يبدو بطموح كبير ورغبة في التوسع، كلاعب كروت، كلما امتلك كروتاً أكثر، زادت قدرته على المراوغة، لكنّه يتجاهل، في المقابل، اللاعبين الآخرين، ونوع اللعبة، وطبيعة الطاولة، وما إذا كانت تحتمل مزيداً من الأوراق. 

اقرأ أيضاً: استقالات جديدة في حزب أردوغان.. ما علاقة داود أوغلو؟

رأى البعض أنّ تدخل الرئيس التركي في نزاع مسلح بين الجارتين أذربيجان وأرمينيا، خلال الأيام الماضية، نوع من الغباء السياسي، أو إثقال للطاولة التركية التي ما تزال جبهتها الأبرز حيث ليبيا مفتوحة، تنتظرها معركة صعبة، بعد التدخل المصري الحتمي إذا ما تجاوزت الميليشيات خط "سرت- الجفرة"، أي إنّ المواجهة هناك لن يخوضها الجيش الوطني الليبي فقط، بل سيخوضها الجيشين الليبي- والمصري معاً. 

رأى البعض أنّ تدخل الرئيس التركي في نزاع مسلح بين الجارتين أذربيجان وأرمينيا، خلال الأيام الماضية، نوع من الغباء السياسي

لذا، للوهلة الأولى ستبدو أيّ نية للتدخل في جبهات أخرى تشتيتاً للتركيز، وتعجيزاً للقوات التي تتورّط أيضاً في الجبهة السورية ثم العراقية، بعد العملية العسكرية "مخلب النمر"، والتي تطمح لإنشاء قواعد عسكرية تركية جديدة في كردستان العراق.

اقرأ أيضاً: كيف ينظر جيل Z التركي إلى أردوغان؟.."فورين بوليسي" تجيب

وقد يصل بنا التمعن والتمحيص إلى الطريقة التي يفكّر بها الرئيس التركي، ومن ثمّ تُفسر تدخلاته، ففي ليبيا تحرّك تركيا حكومة الوفاق بالفعل، لكنها عملياً تدير المعركة بسلاح المرتزقة، صحيح أنها تتكبد جزءاً من الفاتورة والتسليح، لكنها تظلّ لاعباً يدير حرباً بأقلّ خسائر مباشرة قد تصل إليه، حيث من المستبعد أن ترسل تركيا الجنود ليقاتلوا في مسرح يبعد عن تركيا آلاف الكيلو مترات.

تدخُّل الرئيس التركي في نزاع مسلح بين الجارتين، أذربيجان وأرمينيا، إثقال للطاولة التركية التي ما تزال جبهتها الأبرز في ليبيا مفتوحة

وفي العراق، لا يختلف الأمر كثيراً، إذ تبدو العملية العسكرية استعراضية لا تواجه عدواً حقيقياً، لذا لا يلزمها كثير من التسليح، وفي سوريا الأوضاع بالنسبة إلى تركيا قد استتبت بعدما مكّنت الأرض لميليشياتها في الشمال، وباتت صاحبة النفوذ الأول فيها. 

لذا، ما المانع إذاً أن تفتح تركيا جبهة جديدة؟ خصوصاً إذا لم تكن تختلف في جدّيتها عن سابقاتها، مع وجود عدو هشّ عسكرياً مثل أرمينيا، حتى إذا كان خلفه حليف شديد كروسيا، لكن بسبب ذلك الحليف تحديداً يبدو الاستعراض التركي الأخير حول "أرمينيا" منطقياً، في ظلّ ملفات عديدة مفتوحة بينهما.

وقد نشبت خلال الأيام الماضية مواجهة مسلحة بين الدولتين الواقعتين في منطقة القوقاز، أذربيجان وأرمينيا، على وقع منطقة متنازع عليها منذ عقود، حيث أسفرت المواجهات عن قتلى في صفوف جيش أذربيجان. 

سارعت تركيا إلى التدخل، وجيّشت على مدار اليومين الماضيين القيادات السياسية والعسكرية لكيل التهديد والوعيد، بداية من أردوغان الذي قال: لا يمكننا ترك أذربيجان الشقيقة وحدها في مواجهة الاعتداءات الأرمينية، وأضاف: إنه لن يتردد في الوقوف ضد أي هجوم على أذربيجان، وتابع إنّ أرمينيا في موقف صعب لا يمكنها التعامل معه. 

اقرأ أيضاً: كربلائية جديدة يصنعها أردوغان من ذكرى مسرحية الانقلاب

وفُسّرت كلمة الرئيس التركي على أنها تمهيد لاتفاق أمني مماثل للذي وقعته تركيا مع حكومة الوفاق الليبية. إذ تجمع أذربيجان بتركيا علاقات تاريخية وثقافية ويتحدث شعبها لغة مشتقة من التركية، فضلاً عن كونها دولة غنية بالنفط.

من جانبه، قال إسماعيل دمير مدير هيئة الصناعات الدفاعية التركية: صناعاتنا الدفاعية، بكلّ خبراتها وتقنياتها وقدراتها، من طائراتنا المسيرة إلى ذخائرنا وصواريخنا وأنظمتنا الحربية الإلكترونية، تحت تصرّف أذربيجان دائماً، وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار: إنّ أرمينيا ستدفع ثمن اعتداءاتها على أراضي أذربيجان، وستغرق في مكائدها، بحسب وكالة الأناضول.

 استتبت الأوضاع بالنسبة لتركيا في سوريا بعدما مكّنت ميليشياتها في الشمال، وباتت صاحبة النفوذ الأول فيها

إذاً، فالتصعيد التركي لإشعال الموقف في القوقاز واضح، على خلاف الموقف الروسي الذي دعا إلى التهدئة، إذ أبدى الرئيس فلاديمير بوتين استعداده للتوسط لحلّ الأزمة، وأبدى قلقه من التصعيد، بحسب ما أورده موقع أحوال تركية.

وعملياً لا يمثل التصعيد التركي عبئاً على أنقرة سوى في الداخل التركي، حيث تتصاعد الأزمة الاقتصادية، ويعاني المواطنون فيما يتابعون جبهات جديدة تفتحها دولتهم كلّ يوم.

اقرأ أيضاً: مصدر أمني لـ"حفريات": الإخوان الفارون سلموا أردوغان أموال السودان وأسراره

في المقابل، تخدم تلك الجبهات حلم "الزعامة" لدى أردوغان، الذي ربما يسعده أن يتلقى تقارير كلّ يوم من جبهات عدة، تدعم في مخيلته زمن الدولة العثمانية البادية، خصوصاً إذا كانت كلٌّ من تلك الجبهات تنضوي على كنوز يطمح أردوغان إلى السيطرة عليها مستقبلاً. 

ليبيا وسوريا والعراق دول نفطية ومحورية في الشرق الأوسط، فيما يتيح التصعيد في القوقاز للرئيس التركي مزيداً من النفوذ في منطقة حيوية، تمتدّ عبرها أنابيب الغاز عالمياً، وتدعم نفوذه مقابل روسيا.

وثمّة محور آخر يتمثل في العداء التركي ـ الأرمني، الذي لن يمرّر أردوغان فرصة، كالمتاحة له الآن، للانتقام، حيث نجحت أرمينيا في وصم تركيا بأبرز وصمة في تاريخها الحديث، حين اعترفت دول كبرى في العالم خلال الأعوام الماضية بالإبادة العثمانية الجماعية للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، وتخصيص تلك الدول يوم 24 نيسان (أبريل) من كل عام لإحياء تلك الذكرى، بحسب موقع أحوال تركية. 

اقرأ أيضاً: لماذا أرسل أردوغان إرهابيين "تونسيين" إلى ليبيا؟

ويبقى التحدّي الأبرز أمام أردوغان، فيما يجلس متقمّصاً شخصية "السلطان العثماني" في قصره، منتظراً التقارير يومياً، ما يحدث خارج أسواره القريبة، حيث الأتراك، هل يقتنعون بالحلم ذاته الذي يدفعون فاتورته من جيوبهم، ويصبرون ويقدّرون الجبهات تلك وهي تستبيح في طريقها أمماً وشعوباً وتزرع الفتن وتزعزع الاستقرار وتخلق موجات من الشتات والنزوح، أم يثورون على الحلم وصاحبه؟

التصعيد التركي لإشعال الموقف في القوقاز واضح، على خلاف الموقف الروسي الذي دعا إلى التهدئة، 

وتعزّز المؤشرات الإجابة الثانية، حيث تزداد رقعة معارضي أردوغان كل يوم، فيما يبدو مفلساً، سوى من أوراق تقليدية تعزف على وتر التدين، وتغازل أحلام "الخلافة"، كالتي فعلها مع تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، وما تلاه من خطاب شعبوي، وكأنه استعاد المسجد الأقصى. 

ومن جانبه، قال الباحث في العلاقات الدولية طارق دياب: بالنظر إلى موقع تركيا من الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان يمكن الإشارة إلى بُعدين مركزيين: الأوّل الصراع التركي الروسي الممتد لأقاليم مختلفة، والتي تقع ضمن دوائر اهتمامات سيادتهما الخارجية، ويشمل ذلك الملفين السوري والليبي وملف أزمة شبه جزيرة القرم، والآن يتمّ تصعيد الملف الأذري الأرميني، بالتزامن مع  تصاعد الاشتباك في الملف الليبي بين الطرفين حول سرت والجفرة.

وأضاف: إنّ البُعد الثاني يتمثل فيما تمثله أذربيجان من منطقة حيوية لتركيا من ناحيتين: الأولى استراتيجية، حيث إنّ النفوذ التركي في أذربيجان دعامة لنفوذها الإقليمي في منطقتين متجاورتين هما آسيا الوسطى والقوقاز، ثم اقتصادياً حيث تُعدّ أذربيجان دولة غنية بموارد النفط والغاز، في ظلّ اعتبار تأمين احتياجات أنقرة من الطاقة إحدى أهمّ أولويات سياستها الخارجية، فهناك خط أنابيب النفط (باكوـ تبليسي ـ جيهان) الذي يمرّ من أذربيجان مروراً بجورجيا انتهاءً بتركيا. وتأمين هذا الخط، الذي تفادى المرور بأرمينيا مستبدلة إياها بجورجيا يُعدّ مسألة حيوية لتركيا.

أذربيجان ـ أرمينيا 

يتجسّد النزاع في منطقة ناغورني- قره باغ، وقد ألحقت السلطات السوفياتية هذا الجيب الذي تسكنه أغلبية أرمينية بأذربيجان عام 1921، لكنّه أعلن استقلاله عام 1991 بدعم من أرمينيا، تلا ذلك حرب أدّت إلى مقتل 30 ألف شخص ونزوح مئات الآلاف، بحسب موقع أحوال تركية.

باحث في العلاقات الدولية قال إنّ التدخل التركي في صراع أذربيجان وأرمينيا يستهدف روسيا 

ورغم توقيع اتفاق وقف لإطلاق النار عام 1994 وقيام وساطة روسية أمريكية فرنسية تحت اسم "مجموعة مينسك"، ما تزال الاشتباكات المسلحة متواترة، وجرت آخر المعارك الجديرة بالذكر في إبريل 2016، وقد أدّت إلى مقتل 110 أشخاص، بحسب الموقع ذاته.

وتُعدّ النفقات العسكرية لأذربيجان، الدولة النفطية، أكبر بكثير من كلّ ميزانية أرمينيا. لكنّ بريفان تنتمي إلى تحالف سياسي عسكري تقوده موسكو، هو منظمة معاهدة الأمن الجماعي. من جهتها، تتمتّع باكو بدعم تركيا، بحسب موقع فرنس 24. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية