كربلائية جديدة يصنعها أردوغان من ذكرى مسرحية الانقلاب

كربلائية جديدة يصنعها أردوغان من ذكرى مسرحية الانقلاب


19/07/2020

تشهد الذكرى الرابعة لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، التي وقعت في 15 تموز (يوليو) 2016، احتفاءً كبيراً من حزب العدالة والتنمية، ورئيسه أردوغان، تزامناً مع تراجع شعبية الحزب بشكل كبير في الداخل، والإجماع الدولي الكبير ضدّ الأطماع التركية في ليبيا وسوريا وشرق المتوسط.

ورغم مضيّ أربعة أعوام على الانقلاب الفاشل، إلّا أنّ تقرير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق حوله لم يظهر بعد، بسبب الحظر الذي فرضه أردوغان على التقرير

ويرى مراقبون أنّ اتساع الاحتفالات بالذكرى وضخامتها هي محاولة لترميم شعبية أردوغان وحزبه، وابتزاز الشعب التركي، الغاضب من تردّي الأوضاع الاقتصادية، وقمع أصوات المعارضين لسياسات أردوغان الخارجية.

وفضلاً عن ذلك؛ يستغلّ أردوغان الذكرى السنوية للانقلاب المزعوم في تمثيل دور الضحية، لابتزاز العواطف التركية التي لها ماضٍ سيّء مع الانقلابات العسكرية.

كربلائية... لابتزاز أصوات الناخبين

منذ مطلع شهر تموز (يوليو)، أقيمت فعاليات ضخمة لإحياء الذكرى الرابعة لانقلاب 15 تموز (يوليو) 2016، وتتضمن الفعاليات أعمالاً فنية لتخليد ذكرى ضحايا الانقلاب، في مختلف المدن التركية، وعروضاً فنية ورياضية لإحياء ذكرى شجاعة الشعب التركي، وخطباً وتصريحات حماسية، وظهوراً إعلامياً كبيراً عبر جميع المنصات الإعلامية التركية، والمنصات العربية الداعمة لتركيا، بحسب ما تمّ رصده، ممّا نشرته وكالة "الأناضول"، وغيرها من المواقع الإعلامية التركية.

وكانت ذروة الاحتفالات يوم الأربعاء، 15 تموز (يوليو)، الموافق لذكرى الانقلاب؛ حيث احتفلت السفارات التركية في معظم دول العالم بتصدي الشعب للانقلاب، والحفاظ على الديمقراطية، على حدّ زعمهم، وتلقّى الرئيس أردوغان برقيات تهنئة بالانتصار على الانقلاب من رؤساء دول حليفة؛ منها الصومال والبوسنة، وأمير حليفته الخليجية.

وشاركت المساجد التركية هذا العام في الاحتفال؛ بإذاعة أدعية وصلوات من مكبرات الصوت من 90 ألف مسجد، بحسب ما نقلته "الأناضول" عن رئاسة الشؤون الدينية التركية.

اقرأ أيضاً: لماذا أرسل أردوغان إرهابيين "تونسيين" إلى ليبيا؟

فضلاً عن ذلك؛ نظّم حزب العدالة والتنمية مسيرات شعبية متعدّدة لإحياء الذكرى، في عدد كبير من المدن التركية.

وتعليقاً على ذلك؛ يقول الصحفي والمترجم من التركية، عبد الله منصور: "يوظف أردوغان وحزبه ذكرى الانقلاب المزعوم في ترميم شعبيته المتآكلة، التي تدنت إلى 30%، مقابل ارتفاع شعبية حزب الشعب الجمهوري".

ويضيف منصور، لـ "حفريات": "لا يهتم الشعب التركي بهذه الذكرى كثيراً، ولولا حشد حزب العدالة والتنمية، وتنظيم الفعاليات، لما أحيى الأتراك الذكرى؛ كون أغلبهم يشكّكون في جديتها، ويرون علاقة لأردوغان بها"، ويؤكد منصور؛ أنّ "كثيرين ممن سألهم من الأتراك عن الانقلاب يشكّون في جديته، لكنّهم لا يقدرون على التصريح بذلك خوفاً من الأمن التركي".

اقرأ أيضاً: كيف ينظر جيل Z التركي إلى أردوغان؟.."فورين بوليسي" تجيب

الذكرى سبقها، بأيام معدودة، تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، ويرى الصحفي عبد الله منصور؛ وجود علاقة بين الحدثين؛ فالأول لكسب مشاعر المحافظين، والثاني لكسب مشاعر القوميين،

ويدعم ذلك وجود شكوك من مراقبين حول احتمال دعوة أردوغان إلى انتخابات رئاسية مبكرة، كي يستفيد من الحقّ الدستوري له في الحصول على فترتين رئاسيتين كاملتين، غير التي يشغلها، حال الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة.

متاجرة بدماء الشهداء

وعقب المحاولة الانقلابية، عام 2016، أنشأ أردوغان صندوقاً لجمع التبرعات لضحايا الحادث، من قتلى ومصابين، ورغم ذلك لم يحصل المصابون أو أهالي القتلى على هذه التبرعات، وفق ما ذكره الصحفي عبد الله منصور.

وأوضح منصور لـ "حفريات"؛ أنّ أهالي القتلى والمصابين نظموا وقفات احتجاجية، منذ شهرين وحتى يوم الذكرى، أمام مقر وزارة الأسرة والعمل للمطالبة بصرف مستحقاتهم، دون استجابة لهم، بل قامت الشرطة بمنعهم من حضور الحفل الرئيس لإحياء الذكرى، الذي ألقى أردوغان فيه كلمةً وجهها للشعب.

ورغم ذلك استمرت متاجرة أردوغان بدماء الشهداء للعام الرابع؛ ففي كلمته أشار إلى إقامة نصبَين تذكاريَّين لتخليد ذكرى 251 من القتلى؛ أحدهما في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، والآخر على مدخل جسر شهداء 15 تموز، وفق وكالة "الأناضول".

أردوغان... أنا أو الانقلاب

لدى الأتراك هاجس كبير من الانقلابات العسكرية؛ فقد شهدت تركيا منذ إنشاء الجمهورية، عام 1924، أربعة انقلابات، قبل وصول العدالة والتنمية إلى الحكم، وكان أوّلها سنة 1960، وأشدها الانقلاب الثالث في 1980، والذي أعقبه قمع سياسي كبير، واعتقال 650 ألف شخص، ومقتل واختفاء المئات، وأضرار اقتصادية ومعيشية كبرى.

اقرأ أيضاً: مصدر أمني لـ"حفريات": الإخوان الفارون سلموا أردوغان أموال السودان وأسراره

ويرى منصور؛ أنّ "أردوغان يستغل الخوف الشعبي من الانقلابات في كسب التعاطف؛ بتسويق نفسه على أنّه ضحية لانقلاب عسكري"، فضلاً عن أنّ أردوغان يستغل ذكرى الانقلاب "كشماعة لتعليق المشاكل الاقتصادية عليه"، ويستخدمه في قمع المعارضين بتهمة الانتماء إلى جماعة "غولن" التي اتهمها بالمسؤولية عن الانقلاب.

4 أعوام... تقرير تقصّي الحقائق لم يظهر بعد

يشكّك خبراء أتراك ودوليون في حقيقة انقلاب 2016، والجهة المسؤولة عنه، ويتهمون الرئيس أردوغان بتدبير الانقلاب للإطاحة بخصمه العنيد، فتح الله غولن، رئيس حركة "خدمة" القوية، والمنافس الأقوى لأردوغان في ساحة التديّن في تركيا، خصوصاً بعد الإفراج عن ضباط سبق اتهامهم بالوقوف وراء الانقلاب.

ورغم مضيّ أربعة أعوام على الانقلاب الفاشل، إلّا أنّ تقرير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق حوله لم يظهر بعد، بسبب الحظر الذي فرضه أردوغان على التقرير، كونه على الأقل سيظهر تواطأه في استغلال الانقلاب، على حساب أرواح 251 شخصاً، من الجيش والمدنيين، لقوا مصرعهم، فضلاً عن مئات الجرحى.

ويقول منصور في هذا السياق: "رفض كلّ من وزير الدفاع الحالي، ورئيس أركان الجيش في 2016، خلوصي أكار، ورئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، المثول أمام لجنة تقصي الحقائق البرلمانية، رغم طلب اللجنة ذلك منهما".

الصحفي والمترجم عبد الله منصور لـ"حفريات":  يوظف أردوغان وحزبه ذكرى الانقلاب المزعوم في ترميم شعبيته المتآكلة، التي تدنت إلى 30%، مقابل ارتفاع شعبية حزب الشعب الجمهوري

ويضيف منصور: "أعلنت حكومة أردوغان تلقيها معلومات عن الانقلاب قبيل وقوعه، ورغم ذلك ذهب أكار وفيدان إلى حفل زفاف في ليلة الانقلاب، دون الاهتمام بالتصدي للانقلاب الوشيك، وهذا التصرف لا يخرج إلا من متواطئين في الانقلاب".

وفي لقاء مع قناة "دويتشه فيله" الألمانية؛ استنكر عضو البرلمان التركي عن حزب الشعوب الديمقراطي، وعضو لجنة تقصي الحقائق، سيزغين تانريكولو، ممارسات نواب حزب العدالة والتنمية في اللجنة، "الذين عملوا على تشويه الحقائق، وتعطيل عمل اللجنة".

اقرأ أيضاً: طعن قانوني على التفاف أردوغان والسراج لتوثيق "ترسيم الحدود" دولياً

ويبدو مما سبق؛ أنّ الشكوك حول جدية الانقلاب ذات مصداقية كبيرة، فلم يكن هدف لجنة التحقيق اتهام أردوغان، بل التوصل إلى حلّ لتلافي وجود انقلاب آخر، ووقوع ضحايا، بحسب تصريح تانريكولو الذي اتهم أردوغان بالمسؤولية عن دماء القتلى، بسبب عدم تحركه لمنع الانقلاب، رغم علمه بالمخطط.

تصفية حسابات

بلغت حصيلة الاعتقالات في حزيران (يونيو) 2020، ما يلي: 6038 عسكرياً برتب مختلفة، و118 جنرالاً وأدميرالاً في الجيش التركي، و2745 قاضياً ومدعياً عاماً، و650 مدنياً.

وبلغت حصيلة المفصولين من مناصبهم: 24 ألف مسؤول ومدرس في وزارة التربية والتعليم، و30 حاكماً إقليمياً، و52 مفتشاً مدنياً، و1577 من أعضاء هيئات التدريس في المؤسسات التعليمية العليا، و370 موظفاً في هيئة "TRT" للإذاعة والتلفزيون، وإلغاء رخصة 21 ألف مدرس في مؤسسات تعليمية خاصة.

ويضاف إلى هؤلاء 251 قتيلاً، وغرق العشرات ممن حاولوا الهروب إلى اليونان بحراً، عقب الانقلاب مباشرةً، خوفاً من بطش أردوغان، بحسب تقرير مصوّر لـ "دويتشه فيله"، إلى جانب فرار 50 ألف تركي إلى الخارج هرباً من الملاحقة.

الصفحة الرئيسية